مع اقتراب موعد تطبيق الحزمة الثانية من العقوبات الأمريكية التي ستركز على الصادرات النفطية، بدأت حكومة الرئيس حسن روحاني في اتخاذ إجراءات استباقية تحاول من خلالها تخفيف وطأة هذه العقوبات التي توازت مع تصاعد حدة الاحتجاجات الداخلية نتيجة الفشل في التعامل مع الأزمات المعيشية المختلفة.
ورغم ذلك، فإن ثمة عقبات عديدة ما زالت تقلص من قدرة الحكومة على تمرير خططها لمواجهة العقوبات، يتمثل أبرزها في محاولات النظام تفعيل أدوار بعض المؤسسات المُعيَّنة التي تمتلك سلطات رقابية على برامج الحكومة، مثل مجلس تشخيص مصلحة النظام، ومواصلة استجواب وزراءها، مثل وزيرى الداخلية والثقافة والإرشاد في بعض القضايا الأمنية والثقافية.
موافقة منقوصة:
حصلت حكومة روحاني بصعوبة على موافقة مجلس الشورى الإسلامي على الانضمام إلى اتفاقية مكافحة تمويل الإرهابCFT ، بعد أن عوّلت في هذا السياق على تأييد معظم نواب تيار المعتدلين وبعض أقطاب تيار المحافظين الأصوليين لها، باعتبار أنها الآلية الوحيدة التي يمكن من خلالها تسهيل التعاملات المصرفية مع القوى الدولية الأخرى، خاصة الدول الأوروبية، التي ما زالت تصر على تحييد آثار العقوبات الأمريكية على العلاقات الثنائية بينها وبين إيران. وتقلص الفارق بين مؤيدي الانضمام إلى الاتفاق ومعارضيه إلى 13 صوتًا فقط، بعد أن وصل عدد النواب المؤيدين إلى 143 نائبًا مقابل 120 نائبًا معارضًا مع امتناع 5 نواب عن التصويت.
ومن دون شك، فإن ذلك لا يضمن لإيران الانضمام للمعاهدة، إلا بعد أن تخضع الاتفاقية للتدقيق من جانب مجلس صيانة الدستور، الذي يمتلك صلاحية مطابقة التشريعات التي يصدرها البرلمان بالدستور وتبيان أى أوجه قصور محتملة فيها.
صعود مجلس التشخيص:
ورغم أن تدخل المجلس لدراسة مثل تلك الاتفاقيات كان دارجًا خلال الفترة الماضية، على غرار ما حدث مع اتفاقية مكافحة غسيل الأموال ومكافحة الإرهاب FATF، إلا أن اللافت في هذ السياق، هو أن النظام لم يعد يكتفي بدوره في هذا السياق، حيث بدا أن ثمة حرصًا على إشراك مؤسسات أخرى غير منتخبة في هذه العملية، بهدف تضييق الخناق على الحكومة وممارسة ضغوط أكبر على الرئيس حسن روحاني، على غرار مجلس تشخيص مصلحة النظام.
صحيح أن الرئيس عضو في المجلس، إلا أن الصحيح أيضًا أن الأخير، الذي لم يمارس أدوارًا بارزة خلال الأعوام الماضية، يضم أيضًا خصومًا سياسيين لروحاني، على غرار الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد ومنافسه الأخير في الانتخابات الرئاسية الماضية إبراهيم رئيسي إلى جانب قائد الحرس الثوري الأسبق أمين المجلس محسن رضائي ورئيس مجلسى الخبراء وصيانة الدستور أحمد جنتي وممثل المرشد في المجلس الأعلى للأمن القومي سعيد جليلي.
وهنا، كان لافتًا أن مجلس التشخيص أبدى ملاحظات عديدة على اتفاقية مكافحة الجرائم المنظمة "باليرمو"، واعتبر أنها لا تتفق مع السياسات العليا للنظام، التي يضعها بالتنسيق مع المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي، ولا مع الأمن القضائي والاقتصادي، حسب الرسالة التي وجهها رئيس المجلس محمود هاشمي شاهرودي إلى مجلس الصيانة أحمد جنتي في 10 سبتمبر 2018.
ومع أن مجلس الصيانة أعلن، في 10 أكتوبر الجاري، عن إزالة الإشكاليات التي كانت موجودة في بعض البنود الخاصة بالاتفاقية، مؤكدًا أنه تم تطبيق ملاحظاته عليها، إلا أنه قام بإعادتها من جديد إلى مجلس الشوري بعد الإشارة إلى أن ملاحظات مجلس التشخيص لم يتم تطبيقها، في مؤشر إلى اتساع نطاق الخلافات بين الأخير والحكومة، التي بدا أنها تواجه ما يشبه "تحالفًا مؤسسيًا" يسيطر عليه خصومها بإشراف من جانب المرشد خامنئي، الذي يمتلك صلاحية تعيين نصف عدد أعضاء مجلس الصيانة وكل أعضاء مجلس التشخيص.
وربما يمكن القول إن المرحلة القادمة قد تشهد نشاطًا متزايدًا لمجلس التشخيص، الذي كان نادرًا دخوله في خلافات مع الحكومة حول بعض التشريعات، حيث شهدت الفترة السابقة التي تولى فيها رئيس الجمهورية الأسبق هاشمي رفسنجاني رئاسته قبل وفاته في 8 يناير 2017، تنسيقًا ملحوظًا بين الطرفين، كان التقارب السياسي بين رفسنجاني وروحاني أحد المتغيرات التي أثرت فيه.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن نفوذ تيار المحافظين الأصوليين بدا بارزًا في التشكيلة الجديدة للمجلس التي أعلن عنها المرشد علي خامنئي في 14 أغسطس 2017، في إطار حرصه الدائم على إعادة ضبط توازنات القوى السياسية كلما بدأت تتجه لصالح إحدى القوى أو التيارات السياسية الرئيسية الموجودة على الساحة.
سياسات مناهضة:
وقد توازى مع صعود الدور السياسي لمجلس تشخيص مصلحة النظام، حملة قوية شنتها بعض المؤسسات النافذة في النظام ضد الانضمام للاتفاقيات الخاصة بمكافحة تمويل الإرهاب وغسيل الأموال. إذ بدا الحرس الثوري حريصًا، في مرحلة ما بعد المصادقة على الانضمام إلى الاتفاقية في مجلس الشورى، على الترويج إلى أن مجمل السياسات التي تبنتها حكومة روحاني منذ وصولها إلى السلطة في أغسطس 2013 فرضت في النهاية عواقب وخيمة على أمن ومصالح إيران.
وهنا، تعمد الحرس الربط بين التنازلات التي قدمتها إيران في الاتفاق النووي وبين الضغوط التي تمارسها الحكومة من أجل تمرير مشروع قرار انضمام إيران إلى هذه المعاهدات، على أساس أن الهدف واحد، في رؤيته، ويتمثل في كبح دور إيران الخارجي بتقليص دعمها لحلفائها من الفواعل من غير الدول إلى جانب النظام السوري، وإيقاف نشاطاتها النووية والصاروخية.
ولم يكتف "الباسدران" بذلك، بل إنه تعمد الإشارة إلى أن ثمة مؤسسات داخل النظام سوف تتحول إلى ما يشبه "حائط صد" أمام سياسات الحكومة، على غرار مجلس صيانة الدستور ومجلس تشخيص مصلحة النظام، في إشارة واضحة إلى أن الحكومة لا تمتلك صلاحية تمرير هذه المشروعات.
معتدلون رافضون:
وكان لافتًا أيضًا أن الجبهة المعارضة للانضمام إلى تلك المعاهدات نجحت في استقطاب عدد من أقطاب تيار المعتدلين الداعم للرئيس روحاني، على غرار ما حدث في التصويت على الانضمام إلى اتفاقية CFT، حيث انضم بعض نواب قائمة "اميد" (الأمل) التي تمثل التكتل الأكبر للمعتدلين في مجلس الشورى، مثل شهاب نادري ونبي هزار جريبي ومحمد رضا صباغيان ويحيي كمالي بور وروح الله بابايي صالح.
ومن دون شك، فإن حرص المعارضين على ضم بعض نواب قائمة "اميد" كان يهدف إلى مقابلة نجاح الحكومة في استقطاب دعم عدد من نواب تيار المحافظين الأصوليين للانضمام لتلك المعاهدات، علي غرار علي مطهري نائب رئيس مجلس الشورى الذي اعتبر أن الالتحاق بمثل تلك الاتفاقيات من شأنه مساعدة جهود الحكومة في تسهيل التعاملات المالية والمصرفية مع الخارج، وبالتالي تعزيز قدرتها على تقليص تداعيات العقوبات الجديدة التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية عليها.
وعلى ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن الحكومة تواجه أزمات داخلية بمستويات مختلفة، خاصة أنها لم تعد تنحصر فقط في الاحتجاجات التي تتصاعد ضد سياساتها، والتي يدعمها خصومها، وإنما بدأت تمتد حتى إلى مزاحمتها في اتخاذ قرارات سياسية تستطيع من خلالها تفعيل برامجها، من خلال دفع بعض مؤسسات الظل إلى عرقلة جهودها في هذا السياق، بالتوازي مع تزايد الحديث عن تراجع أدوار بعض الشخصيات النافذة فيها على غرار النائب الأول للرئيس اسحق جهانجيري، الذي تحمله أوساط الأصوليين قسمًا من مسئولية انهيار سعر الريال، ووزير الخارجية محمد جواد ظريف الذي بدأ يتعرض لتقليص دوره لصالح مسئولين آخرين نافذين في النظام.