أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

تصالح المصالح:

أبعاد التفاهمات الروسية - التركية لوقف عملية إدلب العسكرية

19 سبتمبر، 2018


يثير الاتفاق الأخير بين الرئيسين الروسي "فلاديمير بوتين" والتركي "رجب طيب أردوغان" في مدينة سوتشي بشأن وقف العمليات العسكرية في محافظة إدلب، كثيرًا من الاستغراب لدى غالبية المعنيين بالشأن السوري، خاصة أن هذا الاتفاق سبقته تحركات تصعيدية من جانب النظام السوري وحلفائه على نحو عزز الاعتقاد لدى أغلب المتابعين للشأن السوري بأن العمليات العسكرية باتت وشيكة، خاصة في ضوء فشل القمة الثلاثية حول إدلب، التي جمعت قادة تركيا وروسيا وإيران في أوائل سبتمبر.

تصعيد عسكري:

شهدت الفترة التي سبقت التوصل للاتفاق الروسي - التركي بشأن محافظة إدلب تصعيدًا متعدد المستويات من جانب النظام السوري وحلفائه بشأن ملف إدلب، لعل أبرز مؤشراته ما يلي:

1- رفض الهدنة المؤقتة: أصرت كلٌّ من روسيا وإيران خلال القمة الثلاثية التي جمعتهما بتركيا في الأستانة مؤخرًا على رفض القيام بعملية عسكرية في المحافظة. وفي المقابل، طلبت أنقرة هدنة عسكرية في إدلب، وهو أمر رفضته كل من موسكو وطهران، وبررتا رفضهما بضرورة القضاء على الجماعات الإرهابية، ومساندة الحكومة السورية في هذا الشأن.

2- انتكاس الجهود الدولية: فشلت جميع الجهود والاتصالات بين القوى الدولية والإقليمية للتوصل إلى حل لأزمة إدلب، على غرار الاتصالات الروسية – الأمريكية المكثفة، واجتماعات مسئولي مجموعة السبع بشأن سوريا والتي تضم الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وتركيا والأردن ومصر والسعودية.

3- التصعيد العسكري الموازي: تزامن مع رفض الهدنة انتشار عسكري واسع من جانب قوات النظام في محيط محافظة إدلب، بالإضافة إلى القصف الجوي الروسي والسوري المكثف لجيوب التنظيمات الإرهابية بالمحافظة انطلاقًا من محافظات حلب وحماة واللاذقية، وهو ما أعطى انطباعًا بأن هناك هجومًا عسكريًّا واسعًا يُعده النظام بالتعاون مع حلفائه.

4- التهديدات الغربية المقابلة: أكدت الولايات المتحدة والدول الغربية على رفضها لأي عملية عسكرية محتملة في إدلب، وشرعت في نشر قواتها العسكرية البحرية والجوية في غرب البحر المتوسط، فضلًا عن توجيه تهديدات من جانب كبار المسئولين في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا للنظام السوري باستهدافه عسكريًّا تحت ذريعة وجود مؤشرات على استعداد دمشق لاستخدام السلاح الكيماوي من جديد في إدلب.

المتغير التركي: 

جاءت القمة الروسية التركية كمتغير جديد أدى إلى تغيير الموقف الروسي بخصوص إدلب بصورة مفاجئة، وأسفرت تلك القمة عن الاتفاق على جملة من النقاط بشأن إدلب، وتتمثل تلك النقاط فيما يلي:

1- وقف العملية العسكرية: تم الاتفاق على تأجيل الخيار العسكري لاستعادة محافظة إدلب، وإقامة منطقة عازلة ومنزوعة السلاح بين قوات النظام بعمق يتراوح ما بين 15 و20 كلم، على أن يتم إخلاء تلك المنطقة من التنظيمات المسلحة، ونقل مقاتليها إلى شريط حدودي مع تركيا. وتتجاوز مساحة المنطقة منزوعة السلاح نصف مساحة إدلب ومحيطها.

ويُشار في هذا الإطار إلى تصريح وزير الدفاع الروسي "سيرجي شويغو" في 18 سبتمبر الجاري، والذي أكد خلاله أن الاتفاق الموقع مع الجانب التركي حول إدلب يعطي مهلة زمنية حتى تاريخ 15 أكتوبر المقبل لسحب كافة الأسلحة الثقيلة من المنطقة المنزوعة السلاح.

2- نشر دوريات مشتركة: اتفق الجانبان الروسي والتركي على تسيير دوريات مشتركة في كامل منطقة خفض التصعيد، وإنشاء نقاط مراقبة ثابتة ومتحركة للروس والأتراك على حدود وداخل المنطقة المنزوعة السلاح.

3- سيطرة النظام على الطرق الرئيسية: تخضع الطرق الرئيسية التي تربط بين إدلب من جانب، وكل من حماة وحلب واللاذقية لسيطرة الحكومة السورية.

4- تفكيك أنقرة للتنظيمات الإرهابية: تحملت تركيا مسئولية تفكيك جبهة النصرة الموالية لتنظيم القاعدة، على أن تتولى لاحقًا العمل على تفكيك باقي التنظيمات الإرهابية. ويُشار في هذا الإطار إلى تصريح وزير الخارجية التركي "مولود جاويش أوغلو" بأنه بموجب الاتفاق الذي تم بين موسكو وأنقرة حول إدلب، فستتخذ روسيا تدابير لمنع قوات الحكومة السورية من دخول المنطقة المنزوعة السلاح بطول خط التماس بين المعارضة المسلحة والقوات الحكومية، وأن وكالتي الاستخبارات التركية والروسية ستبحثان مصير المجموعات المتطرفة المتواجدة في إدلب.

مكاسب متعددة: 

يمكن تفسير دوافع الاتفاق التركي - الروسي الأخير بشأن إدلب والترحيب به من جانب الأطراف المعنية، نتيجة لنجاحه في تحقيق الحد الأدني من مصالح كل طرف، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي: 

1- تأمين القواعد الروسية: حققت روسيا مكاسب كثيرة من هذا الاتفاق على الرغم من تقديمها تنازلين مهمين لتركيا، أولهما التجاوب مع رغبتها في وقف العملية العسكرية في إدلب، وثانيهما تفهم روسيا لخطورة التنظيمات الإرهابية التي يعتبرها "أردوغان" إرهابية في إشارة إلى التنظيمات الكردية، غير أنه في المقابل، حققت موسكو انتصارًا مهمًّا يتمثل في تحميل تركيا مسئولية تفكيك التنظيمات الإرهابية وسحب أسلحتها الثقيلة، وهو أمر من شأنه أن يساهم في تأمين قاعدة حميميم والميناء العسكري في طرطوس ويُبقي على مستوى التحالف الثنائي مع تركيا. 

2- ترجيح الحل السياسي: رحبت الولايات المتحدة بالاتفاق على لسان رئيس إدارة الاستخبارات في وزارة الحرب الأمريكية، فقد مارست واشنطن ضغوطًا للتوصل لهذا الاتفاق، من أجل وقف العمليات العسكرية في إدلب، وفتح الطريق أمام مسار الحل السياسي للصراع السوري، وفتح الباب أمام تفعيل اللجنة الدستورية وإعداد دستور جديد، والإعداد للمرحلة الانتقالية. كما رحبت المعارضة السورية والاتحاد الأوروبي والمبعوث الأممي للأزمة السورية "ستيفان دي ميستورا" بالاتفاق.

3- تفادي التصادم مع الغرب: رحبت إيران بالاتفاق ووصفته بأنه نتيجة للدبلوماسية المسئولة، ويُشار -في هذا السياق- إلى أن طهران كانت قد استبقت هذا الاتفاق بالإعلان عن عدم مشاركتها في العملية العسكرية في إدلب، وهو ما يمكن تفسيره برغبة طهران في تخفيف التصادم مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية، والتجاوب مع مسعى تلك الدول بعدم القيام بتلك العملية لتستثمر ذلك الأمر لاحقًا في علاقاتها مع تلك الدول. 

4- تحجيم التنظيمات الإرهابية: رحب النظام السوري بهذا الاتفاق، على اعتبار أنه سيجمد أنشطة التنظيمات الإرهابية، وسيسمح بدخول قواته كعناصر أمنية من أجل تأمين الحركة ما بين المدن الرئيسية في إدلب، وتأمين محافظة اللاذقية التي كانت مستهدفة من قبل التنظيمات الإرهابية، كما سيسمح بدخول الإدارة المدنية الحكومية لإدارة الحياة اليومية داخل إدلب. 

5- تأمين أوروبا من الإرهاب: كشفت الاتصالات الغربية بشأن إدلب عن عدد من الحقائق، أهمها الرفض الغربي لتوظيف العمليات العسكرية للقضاء على التنظيمات الإرهابية في إدلب، خاصة وأن أي عملية عسكرية من شأنها دفع هذه التنظيمات أو بعض عناصرها إلى الانتقال إلى أوروبا وتنفيذ عمليات إرهابية. وتزداد المخاوف الأوروبية من هذه التنظيمات، حيث تشير التقديرات إلى أن التنظيمات الإرهابية في محافظة إدلب يتراوح عددها ما بين 80 و100 ألف عنصر، أكبرها تنظيم جبهة فتح الشام "النصرة" سابقًا التابع للقاعدة، والذي يتمركز في إدلب في مناطق التماس مع النظام السوري، كما أكدت تلك المصادر أن هناك حوالي 20 ألف عنصر إرهابي من الأجانب داخل إدلب من بينهم حوالي 2000 مقاتل من الإيجور (الحزب التركستاني الصيني)، وحوالي 3000 مقاتل من جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق خاصة الشيشان، بالإضافة إلى التركمان والجماعات المسلحة المحسوبة على تركيا.

مكاسب مرحلية: 

على الرغم من عدم مشاركة وفد من جانب النظام السوري في المحادثات الأخيرة بشأن سوريا، سواء في القمة الثلاثية في الأستانة أو القمة الثنائية في سوتشي والتي حددت مستقبل محافظة إدلب، فإن النظام حقق مكاسب واضحة وتجنب المواجهة مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية التي كانت تبحث بجدية عن توجيه ضربة مباشرة للأهداف العسكرية السورية.

ويؤكد هذا الاتفاق استمرار امتلاك روسيا معظمَ أوراق التأثير والضغط في الصراع السوري، وأن موسكو تستثمرها بكفاءة، سواء فيما يتعلق بتسوية الصراع نفسه، أو كورقة لمساومة مع القوى الإقليمية المعنية، خاصة الولايات المتحدة والدول الغربية.

وعلى جانب آخر، تثار الكثير من علامات الاستفهام حول قدرة تركيا على ترويض التنظيمات الإرهابية، وكيفية التعامل مع العناصر الإرهابية، خاصة الأجنبية منها، بالإضافة إلى المدة الزمنية التي ستحتاجها أنقرة للقيام بذلك.

ومن جهة ثانية، فإن هناك العديد من علامات الاستفهام حول التواجد التركي في شمال سوريا، خاصة مع إقدامها على احتلال حوالي 15 قرية في إدلب. ومن المتوقع أن يُساهم الاتفاق الروسي - التركي الأخير في تهدئة الأجواء نسبيًّا بين الجانبين التركي والأمريكي، خاصة أن أنقرة ستحاول استغلال هذا الأمر بلا شك كمدخل لتحسين علاقاتها المتوترة مع واشنطن. 

أما إيران، فإنها ستعمل خلال الفترة المقبلة على تأمين مصالحها ونفوذها في سوريا بشكل كبير، خاصة بعد الاتفاقية العسكرية التي وقّعتها مع الحكومة السورية، والتي تسمح لها بدور عسكري في سوريا ما بعد الأزمة، وكذلك تعزيز دورها اقتصاديًّا من خلال الدور المتصاعد للشركات الإيرانية في مرحلة إعادة الإعمار.   

وفي الختام، فإن التسوية المرحلية نجحت في تحقيق الحد الأدنى من مصالح الأطراف المتصارعة، غير أنها تثير التساؤل حول فرص نجاح الاستمرار في تنفيذ هذا الاتفاق، خاصة فيما يتعلق بمصير الجماعات الإرهابية في شمال سوريا، والملاذات الآمنة البديلة التي ستلجأ إليها.