في الفترة بين الخامس والثامن عشر من سبتمبر سنة 1978، انشغلت الإدارة الأميركية بمؤتمر كامب ديفيد عن الشرق الأوسط، والذي تمر الآن الذكرى السنوية الأربعون له. كان مؤتمراً مهماً بالفعل، سواء وافقنا عليه أم لا، وهو النقاش الدائر حتى الآن داخل مصر وفي المنطقة العربية ككل، وحتى إسرائيل.
تأتي أهمية مؤتمر كامب ديفيد من أنه انتهى باتفاق سلام بين مصر (أكبر دولة عربية) وإسرائيل (العدو التقليدي للعرب). وقد يشرح هذا صعوبة المؤتمر نفسه، بالرغم من مجهودات الرئيس الأميركي في حينه، جيمي كارتر، قبل وأثناء المؤتمر.
فهو يقول في مذكراته، «التمسك بالإيمان»، إنه عندما يستعرض أمام عينيه السنوات الأربع التي قضاها رئيساً لبلاده، فإن مشاكل الشرق الأوسط، استحوذت على الجزء الأكبر من وقته واهتماماته، بما فيها بالطبع مؤتمر كامب ديفيد نفسه وتحضيراته.
كان التخطيط أن يستمر ذلك المؤتمر ثلاثة أيام، بالرغم من احتجاجات نائب الرئيس ومكتب الرئيس نفسه، اللذين اعتقدا أن الرئيس لا يستطيع الغياب عن مكتبه ومسؤولياته لمدة ثلاثة أيام كاملة.
لكن المؤتمر استمر 13 يوماً، وسط عزلة كاملة بغية الهروب من الصحفيين، وكذلك لاستخدام ضغط العزلة والوحدة لكي يستجيب الزعماء ويوقعوا الاتفاق كي يستطيعوا الخروج إلى عالم الحرية الطبيعي. وكما قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بيجن: «كان مؤتمر كامب ديفيد مثل معسكر الاعتقالات المرفهة»!
كان المؤتمر أيضاً مثل قصة بوليسية مليئة بالإثارة، فلم يكن النجاح مؤكداً ولا النتائج معروفة، بل سيطرت لحظات القلق وتوقع الفشل معظم الوقت، وتأهب الوفد الإسرائيلي لمقاطعة المفاوضات ومغادرة المكان أربع مرات، بل استمر القلق حتى النهاية، حيث قام وزير الخارجية المصري محمد إبراهيم كامل بتقديم استقالته ساعات قليلة قبل توقيع الاتفاق في حديقة البيت الأبيض، وهو ثاني وزير خارجية مصري يستقيل في أقل من عام. ومع ذلك لا تزال اتفاقيات كامب ديفيد معنا بعد 40 عاماً على ذلك المؤتمر.
أعرف على الأقل مؤتمرين يقومان حالياً بتقييم هذه الاتفاقيات وآثارها بعد كل هذه السنين. المؤتمر الأول في جامعة ميرلاند في العاصمة الأميركية وبإشراف برنامج أنور السادات للتنمية والسلام، الذي يرأسه البروفيسور شبلي تلحمي، وهو مؤتمر أساساً بين خبراء ومحللين أميركيين. أما المؤتمر الثاني، فهو بإشراف منتدى الجامعة الأميركية بالقاهرة، ويشترك فيه اثنان ممن شاركوا في كامب ديفيد منذ أربعين عاماً: الدكتور نبيل العربي، وزير الخارجية المصري السابق وأمين عام جامعة الدول العربية سابقاً، والذي كان أثناء المؤتمر المستشار القانوني لوزارة الخارجية المصرية، وقد اعترض على بعض بنود الاتفاقية، لكن السادات لم يستمع إليه، بل عنَّفه على أسلوب تفكيره البيروقراطي. أما المشارك الثاني فهو البروفيسور ويليام كوانت الذي كان من هيئة مجلس الأمن القومي ومستشار كارتر للشرق الأوسط، والذي يعتبر بالفعل مهندس اتفاقية كامب ديفيد. كما أن هناك اثنين من كبار المحللين: البروفيسور شبلي تلحمي مرة أخرى، والدكتورة بسمة قضماني، الباحثة السورية الفرنسية ومديرة مبادرة «الإصلاح العربي». وهكذا يجمع مؤتمر الجامعة الأميركية جنسيات مختلفة ومحللين من خبراء المنطقة.
في رسالته الشخصية لمؤتمر القاهرة، يعرب كارتر عن أسفه على عدم القدرة على القيام بهذه الرحلة الطويلة إلى بلاد صديقه السادات، ومعه زوجته وهما في سن التسعين. ورغم تأكيده على أهمية إنجازات مؤتمر كامب ديفيد قبل 40 عاماً، فإنه يشعر بالحزن والتشاؤم من أن المشكلة الفلسطينية، وهي لُب الصراع وموضوع المؤتمر، لا تزال دون حل، بل تزداد العقبات دون حلها؛ جرّاء تزايد المستوطنات والانقسامات بين الفلسطينيين أنفسهم. ودون أن يذكره بالاسم، يوجه كارتر اللوم للرئيس ترامب لعدم محافظته على رصيد أميركا كوسيط يتمتع بالنزاهة والمصداقية.
لكن، هل يمكن لـ«صفقة القرن» المزعومة، أن تغير من هذا الوضع، وتبنى على ما تم إنجازه في كامب ديفيد قبل 40 عاماً من الآن؟
*نقلا عن صحيفة الاتحاد