أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

القدس والعلاقات الإسلامية المسيحية

22 أبريل، 2018


قبل أيام زار الرياض الكاردينال توران، المسؤول عن العلاقات مع الديانات الأُخرى بالفاتيكان، واستقبله الملك سلمان بن عبد العزيز، واعتُبرت زيارته تاريخية. والواقع أنه في السنوات الست الماضية، ورغم تصاعد حوادث التطرف والإرهاب أو بسببها، فإنّ العلاقات المسيحية مع المسلمين حصلت فيها انفراجاتٌ كبيرةٌ، من حيث تبادُل الزيارات مع الفاتيكان حيث زار البابا فرنسيس مصر وتركيا، وكذلك الأمر في زيارات المسؤولين الدينيين العرب والمسلمين للفاتيكان ومجلس الكنائس العالمي، وأسقفية كنتربري. وكان هناك إجماعٌ على التعاون في مجال مكافحة التطرف والإرهاب، ومواجهة مسائل الهجرة والإسلاموفوبيا، ومشكلات الأقليات الإسلامية في العالم، والعيش بين المسيحيين والمسلمين في العالم العربي والبلاد الإسلامية الأُخرى. وكانت للبابا فرنسيس مواقف متميزة من أحداث العنف والحروب في البلاد العربية والإسلامية، ومواقف ضد التمييز الذي يُعانيه المسلمون في الغرب. وما استحسن البابا موقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب من قضية القدس، ومن توقف مفاوضات السلام لإنصاف الشعب الفلسطيني.

لكن هناك غموضاً بقي في مسألة القدس بالذات. فالفاتيكان يرى منذ مدة أنه يجب تدويل الأماكن المقدسة بالقدس، وإخراجها من الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وكانت الجهات العربية صامتةً عن هذه المسألة، باعتبار أنّ الصهاينة يريدون أخذ القدس كلّها، وبخاصةٍ أماكنها الدينية، وأن توحيد القدس واعتبارها عاصمةً أبديةً لإسرائيل، يزيد من الإمعان في ضرب سلام الأديان في القدس، وبخاصةٍ ضد المسلمين والمسيحيين. لذلك حتى في هذه الحالة، ما رأى أحدٌ مصلحةً في الخلاف مع الفاتيكان، باعتبار أنّ الجانب العربي مُصرٌّ على اعتبار القدس القديمة عاصمةً للدولة الفلسطينية بدون استثناء أماكنها المقدسة بالطبع.

لكنّ الجهات الأميركية، وقد اقترب موعد المجيء المحتمل للرئيس ترامب إلى إسرائيل أواسط مايو المقبل، أي في ذكرى قيام الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، بدأت مفاوضاتٍ مع الفاتيكان بشأن الوضع الخاص المحتمل للأماكن المسيحية المقدسة (كنيسة القيامة وما حولها)، للتسهيل على الإسرائيليين عمليات الاستعمار النهائي للقدس من دون اعتراضٍ من الجهات المسيحية الكاثوليكية والأرثوذكسية، وبخاصةٍ أنّ بعض الجهات البروتستانتية والإنجيلية تمتلك مواقف أكثر اقتراباً من الموقف الإسرائيلي!

هناك الموقف العربي والإسلامي الثابت بشأن القدس وحريتها وأنها العاصمة السياسية للدولة العربية الفلسطينية. ثم هناك موقف المسيحيين العرب من سكان فلسطين والقدس، والموجودين في مصر وسوريا والعراق والأردن ولبنان. وهؤلاء كان موقفهم دائماً معارضاً لاستعمار الصهاينة للقدس، بما في ذلك الأماكن المقدسة. ونعرف أنّ جهاتٍ منهم اعترضت على إعلان ترامب. ومعروف أن بابا الأقباط الأسبق كان قد منع أقباط مصر من زيارة القدس تحت الاحتلال. وما يزال المسلمون يتجادلون في تجويز زيارة القدس دعماً لشعبها أو عدم تجويز ذلك، رغم أنّ السلطة الفلسطينية تؤيد الزيارة.

إنّ الجدال في جدوى الزيارة للقدس هو جدالٌ في وقتٍ ضائع، وما عاد له مسوِّغ. فالمستعمرات الصهيونية بالقدس وما حولها تتزايد، والفلسطينيون، مسلمون ومسيحيون، يتهجرون بالقوة وبشراء الأراضي. والشعب الفلسطيني يطالبنا بالتضامن ولو عبر الزيارة. وها هم الفلسطينيون يحاولون انطلاقاً من غزة فعل شيء ما. لذا لا داعي للتردد بحجة أنّ القدس تحت الاحتلال. فالاحتلال يريد تهجير الناس، وإزالة الأماكن المقدسة، وزيارة مليون أو مليونين في العام إشارة للفلسطينيين أننا لم نتخلَّ عنهم.

لقد قلّت أعداد المسيحيين بالقدس وفلسطين تحت وطأة وضغوط الاحتلال. لكن الفاتيكان يمتلك قوةً معنويةً كبرى، وكذلك مسيحيو فلسطين والعالم. والأمر نفسه يمكن قوله عن الروم الأرثوذكس، وأكثرية المسيحيين العرب منهم، ومن ورائهم الموقف الروسي واليوناني ديناً وسياسة. ولا شكّ أنّ السلطة الفلسطينية هي التي ينبغي أن تتحرك تجاه الجهات الكاثوليكية والأرثوذكسية، وتجاه الكنائس البروتستانتية والأنجليكانية التي لا توافق على توجهات الإنجيليات الجديدة المتصهينة. بيد أنّ المملكة العربية السعودية، ومصر والمغرب والأردن، وجهاتها الدينية، تمتلك قوةً معنويةً وسياسيةً كبرى في المجتمعات العربية والإسلامية، وفي جهات المجتمع الدولي. فينبغي العمل من الطرفين الفلسطيني والعربي بالتضامُن والتكامل في الحركة مع المسيحيين العرب تجاه الجهات الدينية العالمية، والجهات السياسية العالمية. ولستُ أعلم إنْ كان شيء قد حصل لجهة التواصل والتوافق، أم لجهة الحركة. لكنّ زيارة الكاردينال توران للرياض، ربما كانت تصبُّ في هذا المنحى التشاوري، منحى التضامن في صون حريات القدس وسلامها الديني وأماكنها المقدسة.

*نقلا عن صحيفة الاتحاد