أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

اتجاه متصاعد:

تزايد المواجهات المباشرة بين دول الإقليم

15 فبراير، 2018


تحولت التفاعلات التي تجري بين القوى الإقليمية في المنطقة من نمط "الاحتكاك غير المباشر" إلى نمط "المواجهة المباشرة" على نحو دفع اتجاهات عديدة إلى توقع حدوث تحولات مهمة في اتجاهات العلاقات بين تلك القوى، لم يَعُد مستبعدًا فيها الاستناد إلى خيارات أخرى، بما فيها الخيار العسكري، وإن كان تطور ذلك إلى مرحلة الحرب الكاملة لا تزال تواجهه عقبات عديدة، ترتبط بتأثير ذلك على الأزمات الإقليمية العالقة، وتزايد الملفات الضاغطة على تلك القوى في أكثر من اتجاه، ومحدودية الخيارات المتاحة أمامها في هذا الصدد، خاصة في حالة ما إذا قوبل ذلك بـ"خط أحمر" من جانب القوى الدولية الحاضرة في تلك الأزمات.

مؤشرات عاكسة:

ويمكن تناول أبرز مؤشرات هذا الاتجاه الجديد على النحو التالي:

1- وقوع مواجهة مسلحة محدودة بين إسرائيل من جهة، وكل من إيران والنظام السوري من جهة أخرى: فبعد نجاح المضادات الأرضية التابعة للنظام السوري، حسب ما تكشف عنه العديد من التقارير، في إسقاط مقاتلة إسرائيلية من طراز "إف 16" في 10 فبراير الجاري، في أول رد جدي من جانب النظام السوري على الضربات العسكرية المتكررة التي شنتها إسرائيل على مواقع داخل سوريا تابعة لإيران والنظام و"حزب الله"، وكان آخرها الضربة التي أسفرت عن تدمير مواقع تابعة للنظام وإيران، بعد اتهام الأخيرة بتسيير طائرة من دون طيار داخل الأجواء الإسرائيلية.

ورغم أن هذه المواجهة كانت محدودة، حيث سرعان ما وجهت الأطراف المعنية بها، بما فيهم إسرائيل، رسائل عديدة تُفيد بعدم رغبتها في التصعيد، ووضع سقف للاحتكاكات المباشرة؛ إلا أنها تؤشر إلى أن احتمالات تكرارها من جديد ربما تكون قائمة بقوة خلال المرحلة المقبلة.

2- ظهور ملامح توتر جديد بين مصر وتركيا: وذلك على خلفية المحاولات الحثيثة التي تبذلها تركيا من أجل إرباك الحسابات المصرية والقبرصية فيما يتعلق بالتنقيب عن الغاز في شرق البحر المتوسط، حيث أعلن وزير الخارجية التركي "مولود شاويش أوغلو"، في 5 فبراير الجاري، عدم اعتراف أنقرة باتفاقية ترسيم الحدود التي أبرمتها مصر وقبرص في عام 2013، باعتبار أنها "تنتهك الجرف القاري التركي"، مشيرًا إلى أن تركيا سوف تبدأ في التنقيب عن الغاز في البحر المتوسط قريبًا.

واتخذت تركيا خطوات إجرائية على الأرض تجاه قبرص تحديدًا، حيث تعمدت منع منصة حفر "سايبم 12000" التابعة لشركة "إيني" الإيطالية من التنقيب عن الغاز في 11 فبراير الجاري، في جنوب شرقي الجزيرة، بحجة قيام القوات البحرية التركية بإجراء مناورات بالقرب من تلك المنطقة.

وقد دفع ذلك مصر، في 7 فبراير، إلى الرد على الخطوات الاستفزازية التركية، حيث وجهت الأولى تحذيرًا إلى تركيا من المساس بحقوقها الاقتصادية في شرق البحر المتوسط.

3- تهديدات تركية مباشرة لليونان: امتدت التحذيرات التركية إلى اليونان أيضًا من مغبة ما اعتبرته أنقرة "انتهاكًا لمياهها الإقليمية"، ووصل الأمر إلى حد التهديد بإمكانية استخدام القوة في حسم هذا الخلاف، حيث قال الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان"، في 13 فبراير: "نحذر من يتجاوزون حدودهم في بحر إيجه والبحر المتوسط ويقومون بحسابات خاطئة ويستغلون انشغال تركيا بالتطورات عند حدودها الجنوبية"، مضيفًا أنه عند استمرار انتهاك اليونان للمياه الإقليمية والمجال الجوي، فإن "جنودنا سوف يقومون بما يلزم".

4- تهديدات إسرائيل للبنان: لم تتوقف التهديدات الإسرائيلية للبنان عند حد التحذير من مخاطر قيام "حزب الله" بتعزيز ترسانته العسكرية، لا سيما الصاروخية، بل امتدت أيضًا إلى الجهود التي تبذلها الحكومة اللبنانية للتنقيب عن الغاز في البحر المتوسط؛ إذ وصف وزير الدفاع الإسرائيلي "أفيجدور ليبرمان"، في 31 يناير 2018، الخطوات التي اتخذتها بيروت لمتابعة عمليات التنقيب عن الغاز والنفط في مياهها الإقليمية بأنها استفزازية، مضيفًا: "يمنحون عروضًا على حقل غاز فيه رقعة هي ملكنا بالأساس إلى مجموعة دولية هي شركة محترمة لكنها ترتكب خطأ فادحًا يخالف كل القواعد".

واستدعى ذلك ردودًا من جانب القوى اللبنانية، بما فيها "حزب الله"، الذي أشار إلى "التصدي الحازم لأي اعتداء على حقوقنا النفطية والغازية، والدفاع عن منشآت لبنان وثرواته".

اعتبارات متعددة:

يمكن تفسير تصاعد حدة المواجهات المباشرة بين تلك القوى في إطار اعتبارات عديدة، يتمثل أبرزها في:

1- لحظة نضوج الصراع: ترى بعض القوى الإقليمية أن الصراع السوري وصل إلى مرحلة تفرض عليها التحرك من أجل حماية مصالحها. إذ تسعى إيران إلى تكريس نفوذها استعدادًا لمرحلة ما بعد استعادة النظام السوري زمام المبادرة، وتراجع قدرات قوى المعارضة، من خلال تعزيز تمددها العسكري والاقتصادي والاجتماعي في المناطق التي يسيطر عليها النظام، وهو ما ترى تل أبيب أنه يهدد أمنها بشكل مباشر، في ظل اقتراب النفوذ الإيراني من حدودها، وتزايد قدرة "حزب الله" على دعم ترسانته العسكرية استثمارًا لانخراطه المباشر في الصراع السوري إلى جانب إيران والقوات النظامية.

2- تزايد ارتباك القوى الدولية: خاصة الولايات المتحدة الأمريكية التي ما زالت مصرّة على منح الأولوية للحرب ضد تنظيم "داعش"، بشكل زاد من مخاوف تل أبيب من إمكانية اتجاه طهران إلى استغلال ذلك في الاقتراب من خطوطها الحمراء، وتوجيه تهديدات مباشرة لها، في حالة ما إذا حدثت تطورات غير متوقعة في الاتفاق النووي الذي ما زالت إيران تتحسب لمساراته المحتملة خلال المرحلة القادمة.

وبالتوازي مع ذلك، لا يبدو أن إسرائيل باتت تعول على تفاهماتها مع روسيا حول الملف السوري، رغم الزيارات المتبادلة التي قام بها الطرفان خلال المرحلة الماضية، بشكل دفعها إلى محاولة التدخل منفردة لتأكيد أنها لن تنتظر تحرك القوى الدولية من أجل وضع مصالحها في الاعتبار في صياغة الترتيبات السياسية والأمنية في سوريا.

3- تصاعد الصراع على ثروات الغاز: كشفت العديد من التقارير عن أن منطقة شرق البحر المتوسط قد تشهد أكبر اكتشافات لحقول الغاز خلال المرحلة القادمة، وهو ما يبدو أنه دفع تركيا إلى محاولة تصعيد موقفها في هذا الصدد. فقد أشار تقرير لشركة "إيني" الإيطالية إلى أن حقل "ظهر" المصري يعتبر أكبر الاكتشافات الغازية في منطقة شرق البحر المتوسط، وقد يكون الاكتشاف الأكبر على مستوى العالم.

وبالطبع، فإن نجاح القاهرة في إنجاز المشروع الذي تصل استثماراته إلى 12 مليار دولار، في فترة ليست طويلة ربما يكون متغيرًا مهمًّا في هذا السياق، حيث استغرق نحو 28 شهرًا منذ تحقيق الكشف وبدء الإنتاج، وذلك في الوقت الذي تستغرق فيه مشروعات مماثلة فترة تتراوح بين 6 إلى 8 سنوات. 

واللافت في هذا الصدد، أن مصر أشارت إلى أن حرصها على امتلاك قدرات عسكرية نوعية في القطاع البحري تحديدًا كان متعمدًا لجذب شركات الغاز العملاقة في العالم للاستثمار في مصر، وتعزيز قدرة الأخيرة على التحول إلى مصدر رئيسي للغاز بدلًا من استيراده، خلال المرحلة القادمة، حيث إن هذه النوعية من الشركات لا تُقدِم على الدخول في استثمارات إلا في المناطق التي تحظى بمستويات أمان عالية، وهو ما يبدو أنه دفع تركيا إلى محاولة التدخل من أجل إرباك حسابات القاهرة والشركة في آن واحد، وهو ما اتجهت مصر إلى التعامل معه بشكل فوري لتوجيه رسالة تحذير مباشرة إلى أنقرة في هذا الإطار.

وتزامنت هذه التطورات مع إعلان قبرص، في 8 فبراير الجاري، عن أن شركتى "إيني" الإيطالية و"توتال" الفرنسية اكتشفتا مخزونًا جوفيًّا كبيرًا في مياهها الإقليمية.

4- تشبيك الملفات الإقليمية: ربما لا يمكن فصل تلك المواجهات المباشرة عن الملفات الخلافية العالقة بين الأطراف المنخرطة فيها بشكل أساسي. وبعبارة أخرى، فإن لتراكم التباينات تأثيرًا مباشرًا في هذا السياق، على نحو يبدو جليًّا في الخلافات المصرية-التركية، والخلافات الإسرائيلية-الإيرانية، والخلافات الإسرائيلية-اللبنانية.

فتركيا ما زالت مصرة على موقفها الداعم سواء لجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية في مواجهة القاهرة، أو لدور الأخيرة في الملفات الإقليمية المختلفة، مثل الأزمة مع قطر، والصراع في ليبيا، والعلاقات مع السودان. كما أنها لا تُبدي ترحيبًا بالتقارب الملحوظ في العلاقات بين القاهرة وكلٍّ من قبرص واليونان، وترى أنها أحد الأطراف المستهدفة منه بشكل مباشر.

إلى جانب ذلك، فإن التوتر المتصاعد بين إسرائيل وإيران حول الاتفاق النووي الذي لا تُبدي تل أبيب قبولًا به، كان حاضرًا بشكل واضح في مواجهتها مع الأخيرة في سوريا، باعتبار أنها ترى أن الصفقة النووية كانت أحد المتغيرات التي ساهمت في تفاقم الدور الإقليمي الإيراني في المنطقة خلال الأعوام الماضية.

وينطبق ذلك أيضًا على التصعيد بين إسرائيل و"حزب الله"، والذي بدا أنه فرض مزيدًا من التوتر على الموقف من ملف الغاز، في ضوء التهديدات المتبادلة التي يوجهها كل طرف إلى الآخر، والتي وصلت إلى حد التفكير في استهداف البنية التحتية الخاصة بهذا القطاع في حالة نشوب أية مواجهة عسكرية واسعة خلال المرحلة المقبلة.

تحركات متسارعة:

مصالح متقاطعة كلها تدعم من احتمالات استمرار المواجهات المباشرة كنمط جديد في التفاعلات التي تجري بين القوى الإقليمية في المنطقة التي تبدو مقبلة على استحقاقات استراتيجية كبيرة خلال الفترة المقبلة، قد تساهم بدورها في تصاعد تأثير تلك المواجهات.