أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

سيناريو "الكابوس":

ماذا لو تعرضت مدينة كبرى في العالم لهجوم إرهابي نووي؟

28 يناير، 2018


عرض: نسرين جاويش - باحث في العلوم السياسية

واكب تصاعدَ حدة التوترات والتهديدات بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية بشن "حرب نووية" على مدار العام المنصرم، سجالٌ حول احتمالات تعرض إحدى المدن الكبرى بالدول المتقدمة لعملية إرهابية بقنبلة نووية، وهو ما يُطلِق عليه بعض الباحثين "الكابوس النووي". ويركز النقاش الدولي على العواقب المحتملة لانفجار تلك القنبلة، وآثارها اللاحقة على بقية دول العالم، والتداعيات طويلة الأمد لتحوّل موقع الحادث بالكامل إلى حطام إشعاعي مشتعل. 

وفي هذا السياق، يتناول "ماثيو بان" و"نيكولاس روث"، المتخصصان في دراسات انتشار الأسلحة النووية ومستقبلها، في تحليل بعنوان: "تأثيرات قنبلة نووية إرهابية واحدة"، احتمالات تنفيذ التنظيمات الإرهابية عملية إرهابية باستخدام قنبلة نووية أو مواد متفجرة، والتداعيات قصيرة الأمد وكذلك على المدى الطويل.

قنبلة أم متفجرات نووية؟

يستهل الكاتبان تحليلهما بأن إمكانية قيام بعض التنظيمات الإرهابية بتنفيذ هجوم نووي ليست محل تساؤل، وإنما مصدر التفجير هو المحك الرئيسي. فهل الأيسر على الإرهابيين تنفيذ هجوم باستخدام بعض المواد والمتفجرات النووية الخام، والتي يمكن أن تُترك بالجزء الخلفي بشاحنة ما باعتبارها سلاحًا آمنًا وموثوقًا به ومن الصعوبة تتبع مصدره، أم استخدام قنبلة نووية فعلية؟.

وعلى الرغم من أن الباحثين يريان أن استخدام قنبلة نووية فعلية احتمال ضعيف؛ فإنهما يؤكدان أن ضخامة العواقب تتطلب إعطاء مثل هذا الاحتمال ولو نسبة ضئيلة، مع العمل على تفاديها والحد من مخاطرها، وهو الأمر الذي يعمل عليه كثير من دول العالم منذ أوائل التسعينيات من القرن المنصرم، ولذلك تم تخفيض خطر هذا الاحتمال إلى أدنى نسبة ممكنة.

وعن احتمالات استخدام التنظيمات الإرهابية بعض المواد النووية الخام في عملياتها، يُؤكد التحليل أن هذا الاحتمال قائم بصورة كبيرة، لأن الحصول على تلك المواد أيسر على تلك التنظيمات، سواء عن طريق سرقتها، أو الحصول على بعض المواد النووية المتفجرة عن طريق التهريب ثم تحويلها لنواة قنبلة نووية تتشابه نتائجها الانفجارية مع القنابل النووية. 

ويشيران إلى احتمالية حصول التنظيمات الإرهابية على مواد نووية خام استنادًا إلى أنه خلال الربع الأخير من القرن الماضي تم ضبط العديد من المواد النووية المسروقة قُبيل وصولها للجماعات الإرهابية. ولهذا فإن احتمال تنفيذ التنظيمات الإرهابية هجومًا نوويًّا بمواد نووية قائم بصورة كبيرة.

وتطرق الباحثان إلى مخاطر انفجار قنبلة نووية إرهابية من المواد الخام، تحتوي على جزء من اليورانيوم عالي التخصيب. ورغم أن حجم تلك القنبلة قد لا يتجاوز حجم كرة البولينج، إلا أن آثارها تعادل حوالي 10 آلاف طن من المتفجرات التقليدية، وانفجار قطار بطول ميل في جزء من الثانية. ويشيران إلى أن هذا الانفجار سيولِّد موجة انفجار قوية، وحرارة شديدة، وإشعاعًا قاتلًا.

تداعيات قصيرة الأجل

استعرض الباحثان النتائج الفورية المتوقعة لانفجار مثل هذه القنبلة، حيث رصدا تبعات لحظة الانفجار التي سيتولّد عنها انفجار مكثّف من أشعة جاما ونيوترونات قاتلة لكل شخص يتعرض بشكل مباشر لها في نطاق ثلثي ميل من مركز الانفجار، ليعقب الانفجار فلاش (ضوء مرئي) من الأشعة تحت الحمراء والذي سيكون أكثر إشراقًا من الشمس، وكل من سيتعرض للانفجار سيصاب بالعمى نتيجة هذا الضوء، كما أن الحرارة الشديدة المتولدة من الانفجار ستؤدي إلى اشتعال الحرائق في نطاق ميل دائري من الانفجار. ويستشهد التحليل بالصورة المعروضة بمتحف "ناجازاكي للقنبلة الذرية"، والتي تصور عظام يد أحد الأشخاص كجزء لا يتجزأ من الزجاج المذاب بواسطة القنبلة. 

ومن شأن الانفجار أن يولِّد موجة انفجار قوية تنتشر في كل اتجاه لأكثر من ربع ميل في جميع أنحاء الانفجار مولدة موجة متزايدة من الضغط الجوي المعروف باسم "الضغط الزائد"، والتي ينتج عنها إلحاق الأضرار بالمباني والأشخاص. كما يرافق الانفجار رياح عاتية لعدد من الأميال بما يكفي لانهيار المباني ومقتل مَنْ بداخلها. إضافة إلى أن كل ما هو مصنوع من الخشب سوف يتدمر ويتحطم، وستنفجر خطوط الغاز، والبنية التحتية بالمدينة التي تشهد الانفجار. كما سيتم إغلاق العديد من الطرق، سواء من بقايا الحطام أو من قبل السلطات المختصة لما قد يعقب الانفجار من أضرار، وعليه سيُحاصر العديد من الأشخاص الذين لن يتم إنقاذهم. 

ويؤكد الباحثان أن آثار التفجير ستعمل بتآزر قاتل، ومن شأن آثار الإشعاع أن تجعل من الصعب على الأشخاص الذين تعرضوا لها والمصابين بالحروق أن يتعافوا، فالجمع بين الحروق والإشعاع والإصابات الجسدية سيتسبب في المزيد من الموت والمعاناة. كما أشارا إلى أن كل تلك النتائج بُنيت على ما حدث إبان انفجار هيروشيما وناجازاكي إبان الحرب العالمية الثانية، لذا من الصعب التنبؤ بالآثار الكاملة لأضرار الانفجار النووي إذا ما حدث في إحدى مدن اليوم التي تتسم بالأبنية الحديثة والمباني الخرسانية والصلب والزجاج الحديث. 

تداعيات طويلة الأمد

وعلى صعيد التداعيات طويلة الأمد التي ستعقب انفجار تلك القنبلة والتي يصفها الباحثان "بالقاتل الصامت"، أشارا إلى التداعيات الإشعاعية التي لن تقتصر على الأشخاص الذين تعرضوا للحظات الأولى من الانفجار فقط. فانفجار بالحجم المتوقع حدوثه بما قد ينجم عنه من حفرة ضخمة وتصاعد أطنان من الحطام إلى ارتفاع يصل إلى آلاف الأمتار في السماء وامتصاص الكرة النارية المتصاعدة لآلاف الجسيمات المشعة من بقايا القنبلة، وانتقاله مع الرياح لعدة أميال متباعدة، ستكون تداعياته أكثر فتكًا ربما من الانفجار ذاته، وسوف تزهق الكثير من الأرواح إما بشكل مباشر في أعقاب الانفجار، أو على مدار عددٍ من الأيام المتتالية، أو ربما على مدى شهور متتالية.

يُضاف إلى ذلك أن كل من سيحاول الفرار جراء الانفجار سيتعرّض لجرعات مميتة من الإشعاع، إضافة إلى أن الدولة التي قد يحدث الانفجار بأراضيها سيكون عليها التخلي عن المناطق الأشد تضررًا لسنوات عديدة بعد الهجوم، خاصة وأن الجمع بين الإشعاعات المميتة ودمار البنية الأساسية في مناطق شاسعة سينتج عنها إجلاء من بها من السكان إلى مناطق أخرى.

ولتوضيح حجم التداعيات أورد التحليل مثالًا توضيحيًّا للكارثة التي قد تنجم عن مثل هذا الانفجار، فإذا حدث الانفجار في مدينة مانهاتن في يوم عمل، حيث يبلغ عدد السكان والموجودين أضعاف ما يتواجد بها ليلًا، وهو ما يقدر بنحو 980 ألف شخص لكل ميل مربع، ومع انفجار سلاح يبلغ قوامه 10 آلاف طن من المتفجرات فستكون النتيجة الآنية للانفجار مقتل ما يقرب من نصف مليون شخص. ومن التداعيات طويلة الأمد سيلقي مئات الآلاف حتفهم نتيجة التسرب الإشعاعي من مانهاتن.

آثار اقتصادية 

اتساقًا مع التداعيات القصيرة والطويلة الأمد سيترتب على مثل هذا الهجوم آثار اقتصادية قد يكون من الصعب رصدها بشكل كامل بكل تعقيداتها، ولكنّ الباحثين أكدا أنها ستبدأ بالتغيب عن الأعمال لأسابيع وشهور، مرورًا بتدمير العديد من المباني في نطاق ميل أو أكثر من الانفجار، وانتهاء بالصعوبات التي ستواجهها شركات التأمين والتي يخرج عن قدرتها التعامل مع مثل هذه الكوارث، وعليه عدم إصلاح الشركات والبنوك التي ستفلس حينها. 

وعن التداعيات الاقتصادية على المدى الطويل أشار التحليل إلى تأثر ثقة المستثمرين والمستهلكين بشكل كبير، وسينتج عن ذلك خروجهم من الأسواق المتضررة، وعلى مستوى الدولة التي قد يحدث بها الانفجار قد يتم توجيه التمويل والاستثمار إلى الأمن الداخلي، وتعزيز القدرات العسكرية.

وختامًا، إن التحضير الأمثل لمواجهة مثل هذه الكارثة يتمثل في "الوقاية". فبالنظر إلى العواقب المروعة المترتبة على هذا الحدث، يظهر جليًّا الحاجة للاستعداد والوقاية واتخاذ التدابير الأمنية اللازمة لمواجهة مثل هذا الهجوم، بتتبع أي مضبوطات نووية، وتحديد المسئولين عنها، وفرض الرقابة على التنظيمات الإرهابية وتتبع خطاها وفي مقدمتها تنظيم "داعش"، حيث يؤكد التحليل أنه يمتلك المقومات المادية التي تساعده في الاستعانة بالخبراء من التنظيمات الإرهابية السابقة، وكذلك تنظيم "القاعدة" الذي يمتلك خلفية مؤكدة في محاولة امتلاك الأسلحة النووية، وامتلاكه الخبرات النووية، بحسب ما جاء في التحليل.

المصدر:

Matthew Bunn & Nickolas Roth, “The Effects of a Single Terrorist Nuclear Bomb.” Bulletin of the Atomic Scientists, September 28, 2017.