تختلف الانتخابات الرئاسية الأمريكية، المقررة في الثامن من شهر نوفمبر 2016، عن نظيراتها السابقة، نظراً لطبيعة المرشحين المتنافسين على المنصب هذه المرة، حيث تشهد الانتخابات صعوداً مُفاجئاً للمرشح الجمهوري ورجل الأعمال دونالد ترامب، الذي لم يكن أحداً يتصور إمكانية استمراره في سباق الانتخابات التمهيدية عندما أعلن ترشحه العام الماضي. في المقابل، تبدو وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون الأقرب إلى حسم الترشح عن الحزب الديمقراطي، حيث تحظى كلينتون بدعم الكثير من القيادات الحزبية.
وحتى الآن لم يتمكن أي من المرشحين الحصول على عدد المندوبين المطلوب من أجل حسم مسألة ترشحه مُمثلاً لحزبه. فعلى الجانب الديمقراطي، حصلت هيلاري كلينتون، حتى منتصف أبريل الجاري، على دعم 1758 مندوباً، مقابل 1069 للمرشح بيرني ساندرز، في حين أن العدد المطلوب للفوز بترشيح الحزب 2383 مندوب. وفي الحزب الجمهوري، نال دونالد ترامب تأييد 758 مندوب، مقابل 538 للمرشح تيد كروز، وإن كان العدد المطلوب لحسم مرشح الحزب هو 1237 مندوباً.
وتترقب دول الشرق الأوسط نتائج سباق الانتخابات الأمريكية، ومعرفة برامج كل مرشح وسياساته إزاء قضايا المنطقة الملتهبة، وإن كان الأقرب للحدوث أن يكون التنافس بين هيلاري كلينتون ودونالد ترامب، باعتبارهما الأكثر حصولاً على دعم المندوبين حتى الآن قبل المؤتمر العام للحزبين الديمقراطي والجمهوري في شهر يوليو القادم.
هيلاري كلينتون: الحفاظ على إرث أوباما
كانت المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون جزءاً من إدارة الرئيس أوباما في فترة حكمه الأولي، حيث شغلت منصب وزيرة الخارجية في الفترة من (2009- 2013)، وكانت أحد الفاعلين الرئيسيين في رسم السياسة الخارجية الأمريكية في هذه الحقبة، وفي القلب منها السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط.
وتعكس السياسة الخارجية التي أعلنت عنها هيلاري كلينتون في حملتها الانتخابية، خاصةً ما يتعلق بالشرق الأوسط، أنها تحاول الحفاظ على الخط الذي اتبعه الرئيس الحالي باراك أوباما، من خلال تقليل التدخل المباشر في قضايا وصراعات الإقليم، وتفضيل الاعتماد على حلفاء الولايات المتحدة. وتميل كلينتون إلى الأدوات الدبلوماسية أكثر من العسكرية، والمبدأ الحاكم لها، في هذا السياق، هو تحقيق التوازن بين حماية المصالح الأمنية الأمريكية في المنطقة، دون التدخل العسكري المباشر، والحفاظ على صورة الولايات المتحدة كدولة راعية لمبادئ الديمقراطية وحقوق الانسان.
دونالد ترامب: آراء مثيرة للجدل
لم يثر المرشح الجمهوري ترامب اللغط بسبب فقط مواقفه المتعصبة على مستوى السياسة الداخلية، بل أيضاً لآرائه في القضايا الخارجية، وهي رؤية ناتجة عن عدم الخبرة السياسية للمرشح الجمهوري. وتتمحور السياسة الخارجية لترامب تجاه الشرق الأوسط حول أولوية استخدام القوة العسكرية ضد أعداء الولايات المتحدة في المنطقة، وهو ما يعني إمكانية إرسال مزيد من القوات العسكرية إليها.
وأعلن ترامب أن من أول الأمور التي سيقوم بها في حال انتخابه رئيساً، هو ضمان تقوية وتعزيز القوات المسلحة الأمريكية، لتكون قادرة على مواجهة التحديات الأمينة التي تواجهها البلاد.
رؤى كلينتون وترامب لأبرز ملفات الشرق الأوسط
ثمة اختلافات بين كل من هيلاري كلينتون ودونالد ترامب فيما يتعلق برؤيتهما للسياسة الخارجية الأمريكية تجاه أبرز القضايا في الشرق الأوسط، وهو ما يتضح في الملفات الست التالية:
1- الصراع في سوريا:
تتبنى هيلاري كلينتون رؤية مفادها ضرورة توحيد قوى المعارضة المعتدلة ضد النظام السوري، وإنشاء مناطق آمنة للاجئين في سوريا بعيداً عن بطش الأسد. كما تُدعم مرشحة الحزب الديمقراطي استقبال بلادها والحلفاء الأوروبيين والعرب اللاجئين السوريين.
أما ترامب، فإذا كان يتفق مع كلينتون في إقامة مناطق آمنة بسوريا، فهو يرفض فكرة تسليح المعارضة السورية، على اعتبار أن الولايات المتحدة ليست على دراية بماهية المتمردين الذين يمكن أن تساعدهم ضد بشار الأسد. كما إنه يرفض استقبال بلاده للاجئين السوريين، بل هدد بمنع جميع المسلمين من الدخول إلى الولايات المتحدة حتى يقوم نظام الهجرة بتحسين إجراءات الفرز.
2- الحرب ضد تنظيم "داعش":
ترفض هيلاري كلينتون إرسال قوات عسكرية أمريكية كبيرة لمحاربة تنظيم "داعش" في سوريا والعراق، وتفضل الاعتماد على الحلفاء من الدول العربية السنية والأكراد، للقيام بعمليات عسكرية ضد التنظيم على الأرض، على أن يقتصر دور الولايات المتحدة على التدريب وإرسال المستشارين والخبراء العسكريين. وتؤكد كلينتون إنها سوف تعمل على تدمير البنية التحتية التي تساعد على تدفق المقاتلين الأجانب للقتال في جانب "داعش"، والقضاء على مصادر تمويلهم وتسليحهم، والتعاون مع شركات التكنولوجيا من أجل غلق المنصات الإلكترونية التي يستخدمها التنظيم في الدعاية والتجنيد.
كما إنها تؤيد إقامة منطقة حظر جوي على أجزاء من سوريا، وتكثيف الضربات الجوية ضد التنظيم، مع التركيز على الأنظمة الدفاعية في الولايات المتحدة، للحد من قدرة "داعش" على اختراق الحدود الأمريكية أو التجنيد من داخلها.
ومن ناحيته، يؤيد ترامب استمرار الغارات الجوية ضد "داعش"، مُهدداً بأنه سوف يقوم بقصف أبار البترول في العراق، لحرمان "داعش" من أهم مصادر تمويله، ومهاجمة كل المنصات الإلكترونية التي يستخدمها التنظيم في الدعاية وتجنيد المقاتلين. وسبق أن أعلن ترامب أنه سوف يأمر القوات المسلحة بقتل عائلات الإرهابيين الذين يهددون الولايات المتحدة، ثم تراجع بعد ذلك عن هذا التصريح، مؤكداً إنه لن يأمر القوات الأمريكية بمخالفة القانون الدولي أو الأمريكي.
3- الوضع في العراق:
كانت هيلاري كلينتون من الذين صوتوا مع قرار غزو العراق إبان إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش، ولكنها اعتذرت في حملتها الحالية للرئاسة عن هذا التصويت، واعتبرته خطأً. ويتركز موقف كلينتون الحالي من العراق على ضرورة دعم الحكومة العراقية في حربها ضد تنظيم "داعش".
بينما يتباهى دونالد ترامب بأنه كان أحد المعارضين لغزو العراق، وإنه لطالما حذر من النتائج الكارثية لهذه الحرب. ويؤكد أن العراق أصبح الآن ملجأً للإرهابين، وأن إيران تسيطر عليه، كما يرى المرشح الجمهوري أن الولايات المتحدة يجب أن تأخذ أموالاً من عائدات النفط العراقي، لتعويض عائلات الجنود الأمريكيين الذين قُتلوا أو أُصيبوا في الحرب العراقية.
4- مستقبل الاتفاق النووي مع إيران:
خلال سنوات عملها كوزيرة للخارجية الأمريكية، كانت هيلاري كلينتون أحد مهندسي الاتفاق النووي الذي تم تنفيذه مطلع العام الجاري بين إيران والغرب (مجموعة 5+1)، ولذلك فإنها من أشد المؤيدين لهذا الاتفاق، وتعتبره خطوة كبيرة في طريق منع إيران من تخصيب اليورانيوم، ومن ثم تفادي حصولها على السلاح النووي. ولكن كلينتون أعلنت أن المبدأ الحاكم لسياساتها تجاه الاتفاق النووي هو المتابعة الدقيقة لمدى التزام إيران ببنود الاتفاق، وأنه في حالة انتهاك طهران لأي من هذه البنود، فإنها سوف تعيد فرض العقوبات ضدها، وفي هذه الحالة ستكون كل الخيارات مطروحة للتعامل مع الجمهورية الإسلامية، بما فيها الخيارات العسكرية.
وعلى عكس ما سبق، يرفض ترامب الاتفاق النووي مع إيران، حيث يعتبره تهديداً لأمن الولايات المتحدة وأمن إسرائيل، متوعداً بأنه في حال انتخابه سوف يقوم بإعادة التفاوض بشأن هذا الاتفاق، لأن هدفه الأول هو تدمير طموحات إيران النووية "بأي وسيلة"، كما يطالب بزيادة العقوبات الاقتصادية على طهران.
5- أمن دول الخليج:
ارتباطاً بالملف النووي الإيراني، تسعى هيلاري كلينتون إلى طمأنة الحلفاء في منطقة الخليج العربي، بأن الولايات المتحدة لن تتخلى عنهم، وأنها سوف تظل ملتزمة بأمن دول مجلس التعاون الخليجي وحمايتها من التهديدات الإيرانية، مؤكدةً أن منطقة الخليج العربي شريك مهم لواشنطن من الناحية الأمنية والتجارية والدفاعية.
واستمراراً لتصريحاته المثيرة للجدل، أعلن ترامب أنه سوف يوقف استيراد النفط من المملكة العربية السعودية، ما لم تشارك الأخيرة بجيشها في قتال تنظيم "داعش" أو تعوض الولايات المتحدة عن الجهود التي تبذلها في محاربة التنظيم. كما يطالب المرشح الجمهوري دول الخليج بأن تتحمل تكلفة إقامة مناطق آمنة في سوريا.
6- الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي:
تسعى هيلاري كلينتون لتجاوز حالة التوتر التي سادت العلاقة بين إدارة أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، واضطراب العلاقة بين الطرفين بدرجات متفاوتة خلال السنوات الماضية. وبالفعل تواصلت حملة كلينتون مع مجتمع اليهود الأمريكيين، ووعدتهم بتغير لغة الإدارة الأمريكية تجاه إسرائيل، وأعلنت أنه من أول الأمور التي ستقوم بها بعد دخولها البيت الأبيض، هو دعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي لزيارة البيت الأبيض.
كما أكدت مُرشحة الحزب الديمقراطي، في خطابها أمام المؤتمر العام لمنظمة الإيباك (لجنة الشؤون العامة الأمريكية - الإسرائيلية، وهي أحد أقوى جماعات الضغط في الولايات المتحدة)، التزامها الصارم بأمن دولة إسرائيل، وضمان تفوقها العسكري على كل دول الشرق الأوسط، من أجل تهدئة مخاوف تل أبيب من الاتفاق النووي الإيراني. وتؤيد كلينتون حل الدولتين لإنهاء الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي.
ومن جانبه، أعلن ترامب أيضاً التزامه بأمن إسرائيل، مؤكداً على ضرورة اعتراف السلطة الفلسطينية بإسرائيل كدولة يهودية، ووقف جميع الهجمات الإرهابية ضدها، من وجهة نظره.
ختاماً، في حالة استقرار الحزبين الديمقراطي والجمهوري على ترشيح هيلاري كلينتون ودونالد ترامب لخوض سباق الرئاسة، يبدوا أن ثمة اختلافاً في نظرة كلا المرشحين لكثير من الملفات في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يعني أن هوية الرئيس الأمريكي القادم سيكون لها تأثير على اتجاه السياسة الخارجية للولايات المتحدة إزاء قضايا المنطقة، مع الأخذ في الاعتبار أن برامج المرشحين وخطاباتهم في فترة الحملات الانتخابية تتسم دائماً بالوعود المُبالغ فيها لكسب أصوات الناخبين وجماعات الضغط في الولايات المتحدة، وبالتالي ليس بالضرورة أن يتم تبني هذه البرامج الانتخابية وتطبيقها بالكامل بعد تولي المنصب رسمياً.