يتعرض الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد خلال الفترة الحالية إلى ضغوط عديدة من جانب خصومه السياسيين، لا سيما في تيار المحافظين الأصوليين. ففضلاً عن اتهامه في قضايا مالية، فقد تصاعدت دعوات عديدة لاستبعاده من عضوية مجلس تشخيص مصلحة النظام، وهو أحد المؤسسات الرئيسية في النظام التي تقوم، وفقًا للدستور، بوضع السياسة العليا للدولة بالتعاون مع المرشد الأعلى للجمهورية إلى جانب تسوية أية خلافات عالقة بين مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) ومجلس صيانة الدستور (الذي يتولى مراقبة أعمال البرلمان والبت في أهلية المرشحين للانتخابات).
ومع ذلك، ورغم الخلافات المتراكمة بين المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي والرئيس السابق أحمدي نجاد، والتي تعود إلى فترة توليه رئاسة الجمهورية (2005-2013)، إلا أن النظام لم يتخذ حتى الآن أية إجراءات قوية ضد الأخير، وهو ما يعود إلى اعتبارات عديدة، يتمثل أبرزها في تجنبه مواجهة أزمة سياسية جديدة ترتبط بموقع رئيس الجمهورية تحديدًا، بسبب الإشكاليات الخاصة بسلطات هذا المنصب، والتي تفرض، بشكل شبه مستمر، توترًا في العلاقة بين المرشد والرئيس.
لكن ذلك لا ينفي أن النظام قد يتجه إلى استخدام القضايا التي يواجهها أحمدي نجاد في لحظة ما في حالة ما إذا رأى أن استمرار ممارسة أحمدي نجاد لدوره السياسي يمكن أن يؤثر على اتجاهات توازنات القوى السياسية بما لا يتوافق مع حساباته، حيث تمثل تلك القضايا ورقة ضغط يستطيع الاستناد إليها في حالة ما إذا اضطر إلى ذلك.
ضغوط متوازية:
بدأت الضغوط تتصاعد ضد أحمدي نجاد في الفترة الحالية، حيث أعلن ديوان الرقابة المالي، في أكتوبر 2017، أن الرئيس السابق أنفق بطريقة غير قانونية نحو مليار و342 ألف دولار من صادرات النفط الخام. وقد اكتسب هذا الإعلان أهمية وزخمًا خاصًا على الساحة الداخلية، وهو ما يمكن تفسيره في ضوء إعادة فتح ملف التجاوزات المالية التي وقعت في عهد أحمدي نجاد، وهى التجاوزات التي طالت عددًا من أبرز مساعديه، على غرار محمد رضا رحيمي نائبه السابق، الذي يقضي حكمًا بالسجن 5 أعوام صدر ضده في يناير 2015، بعد إدانته بتهمة الاختلاس والتورط في بعض قضايا الفساد، وحميد بقائي مساعده للشئون التنفيذية الذي تم توقيفه أكثر من مرة بسبب اتهامات مماثلة، كما رفض مجلس صيانة الدستور ترشيحه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة للأسباب نفسها.
وبالتوازي مع ذلك، بدأ بعض كوادر تيار المحافظين الأصوليين في توجيه دعوات لضرورة سحب عضوية مجلس تشخيص مصلحة النظام من أحمدي نجاد، حيث طالب غلام على جعفر زاده المتحدث باسم كتلة المحافظين الأصوليين في مجلس الشورى الإسلامي باستبعاد الرئيس السابق من المجلس استنادًا إلى الاتهامات الموجهة ضده في ملف التجاوزات المالية.
اعتباران رئيسيان:
ربما يمكن تفسير تصاعد حدة تلك الضغوط على أحمدي نجاد وفريقه السياسي المعاون في ضوء اعتبارين رئيسيين: يتمثل أولهما، في سعى المحافظين الأصوليين إلى الرد على الخطوة التي اتخذها الرئيس السابق بالترشح في الانتخابات الرئاسية الأخيرة رغم أن المرشد الأعلى للجمهورية سبق أن طالبه علانية بالتراجع عن ذلك، وهو ما اعتبره الأصوليون تحديًا للمرشد ومحاولة من جانب أحمدي نجاد لتوسيع قاعدته الشعبية لا سيما لدى التيارات التي تنادي بتقليص صلاحيات خامنئي.
ورغم أن قرار أحمدي نجاد بالترشح في الانتخابات على غير رغبة خامنئي كان الهدف منه هو ممارسة ضغوط على مجلس صيانة الدستور لتجنب رفض ترشيح مساعده حميد بقائي للانتخابات، وهو ما لم ينجح في تحقيقه في النهاية بعد أن رفض المجلس كلا الملفين، إلا أن ذلك لم يمنع الأصوليين من التحرك لتقليص هامش الخيارات المتاحة أمام الرئيس السابق من خلال توجيه دعوات لاستبعاده من مجلس التشخيص وفتح ملف تجاوزاته المالية من جديد.
ويتعلق ثانيهما، باتساع نطاق الخلافات بين الرئيس السابق وكثير من المؤسسات في النظام، بشكل أدى إلى ظهور خصوم كثر لأحمدي نجاد. ففضلاً عن خلافه العلني مع رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني، في فبراير 2013، بسبب الاتهامات التي وجهها لشقيقه فاضل لاريجاني بالسعى للحصول على رشوة من أجل تسوية القضايا الخاصة بسعيد مرتضوى المدعي العام السابق، لم تعد العلاقات بين الرئيس السابق والحرس الثوري إلى سابق عهدها بسبب الاتهامات الضمنية التي وجهها للحرس، في يوليو 2011، بالمسئولية عن بعض عمليات التهريب التي تتم على الحدود.
كما أن التوتر يمثل سمة رئيسية في علاقة أحمدي نجاد مع تيار المعتدلين، بسبب دوره في الأزمة السياسية التي شهدتها إيران في منتصف عام 2009 بعد الاحتجاجات التي نظمتها ما يسمى بـ"الحركة الخضراء" للاعتراض على نتائج الانتخابات الرئاسية التي أسفرت عن فوزه بفترة رئاسية ثانية.
خيارات مؤجلة:
لكن رغم ذلك، يبدو أن القيادة العليا في النظام ممثلة في خامنئي تتبنى موقفًا حذرًا تجاه الدخول في أزمة جديدة مع أحمدي نجاد على الأقل في المرحلة الحالية، وقد انعكس ذلك في حرص خامنئي على تجديد تعيين أحمدي نجاد في مجلس تشخيص مصلحة النظام بعد إعادة تشكيله في 14 أغسطس 2017.
تعمد خامنئي التجديد لأحمدي نجاد في مجلس التشخيص في هذا التوقيت لا يعود فقط إلى حرصه على تقليص أهمية الخطوة التي اتخذها الأخير بالترشح في الانتخابات بشكل مثل تحديًا له، وإنما أيضًا إلى عزوفه عن تأجيج الجدل من جديد حول الوضع المأزوم لرؤساء الجمهورية المتعاقبين الذين غالبًا ما تنتهي فترات رئاساتهم بتفاقم التوتر في علاقاتهم مع المرشد بسبب التداخل الشديد في صلاحيات المنصبين.
فإلى جانب الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني الذي تعرض لضغوط شديدة من جانب النظام سواء فيما يتعلق باستبعاده من بعض المناصب التي كان يتولاها أو ما يرتبط بتوقيف بعض أبناءه في قضايا مالية وسياسية عديدة بل وتنفيذ أحكام بالسجن ضدهم، خاصة بعد دعمه للاحتجاجات التي قادتها "الحركة الخضراء" في عام 2009، فقد توترت العلاقة أيضًا بين الرئيس الأسبق محمد خاتمي والنظام للسبب نفسه، لدرجة انعكست في ظهور تقارير عديدة، في 7 أكتوبر الفائت، حول فرض قيود شديدة عليه لمنعه من المشاركة في أية أنشطة سياسية لمدة ثلاثة أشهر لدرجة تقترب من مرحلة الإقامة الجبرية التي يتعرض لها مير حسين موسوي ومهدي كروبي منذ فبراير 2011.
لكن ذلك لا ينفي في الوقت ذاته أن تمادي أحمدي نجاد في اتخاذ خطوات قد تثير استياء داخل النظام ربما يدفع الأخير إلى تقييد تحركاته أو ممارسة ضغوط أقوى ضده من خلال تصعيد ملف التجاوزات المالية، خاصة أن إيران قد تشهد استحقاقات مهمة خلال المرحلة القادمة بشكل يتطلب تجنب نشوب أية أزمات سياسية جديدة في الداخل.