تتصاعد حدة الاشتباكات بين طرفى تحالف التمرد الحوثي - صالح والتي أسفرت عن قتلى وجرحى بعد مرحلة شد وجذب تبادل خلالها الطرفان اتهامات علنية بـ"عدم الوفاء بالوعود" و"الفساد" و"تجاوز الخطوط الحمراء" خلال تراشق سياسي وإعلامى غير مسبوق، فيما فشلت جولات الوسطاء على الجانبين في احتواء الأزمة، واستتبعها استعراض القوة العسكرية وحشد الأتباع من الجانبين ومطالبتهم بالتأهب والتدخل عند الحاجة.
وقد بدأت مرحلة التصدع بين طرفى تحالف القوى الانقلابية باتساع مساحة الخلافات في جدار التحالف، والتي ستزداد مستقبلاً، في ظل تنامي مؤشرات تحول الاحتقان السياسي إلى نزاع مسلح، فضلا عن تحول مسار العلاقة من التوافق إلى التنافس الذي تدعمه محاولة كل طرف حسم معادلة موازين القوة السياسية والأمنية لصالحه على حساب الآخر، وهو ما قد تصل تداعياته إلى حد انهيار البناء التنظيمي على المستويين السياسي والأمني، خاصة مع انتشار الفساد داخل المؤسسات التي يسيطر عليها المتمردون، وتزايد نفوذ اللجنة الثورية الحوثية.
وتبقى محاولات احتواء الأزمة للحفاظ على ما تطلق عليه اتجاهات عديدة من الطرفين "تحالف الضرورة" مهددة مع اتساع دائرة فقدان الثقة على الجانبين، وحتى مع احتمال اللجوء لترتيبات جديدة فلن تعيد بناء التحالف بينهما على النحو السابق، حيث تأسست لجنة لتهدئة التوتر ضمت شخصيات مقربة من الطرفين، مثل اللواء محمد القوسي المقرب من صالح، واللواء عبد الله يحيي الحاكم المعروف بـ"أبو على الحاكم" الذي عينه الحوثيون في منصب مدير الاستخبارات العسكرية.
مؤشرات عديدة:
اتسع نطاق التصدع في بناء التحالف بين الحوثيين وصالح، وهو ما تكشف عنه مؤشرات عديدة تتمثل في:
1- السعى إلى تغيير موازين القوة: فقد أصدر صالح الصماد رئيس ما يسمى بالمجلس السياسي الأعلى لتحالف المتمردين قرارات باستبدال 29 ضابطًا من الموالين لصالح في وزارتى الدفاع والداخلية وأمن المحافظات كان أبرزها تعيين اللواء أبو علي الحاكم الذي يعرف بكونه القائد العسكري للمليشيا الحوثية مديرًا لهيئة الاستخبارات العسكرية بوزارة الدفاع، مقابل إقصاء الموالين لصالح، في إشارة إلى سعى المليشيا الحوثية إلى الهيمنة على المجال الأمني والعسكري الذي تسعى له الحركة خاصة وأنها ترى أنها الممول الأساسي للقوات والعمليات، بالتوازي مع سيطرتها على المجالات الأخرى، مثل التعليم، حيث يتهم الفريق الذي يقوده صالح الحركة بتغيير المناهج بما يتوافق مع توجهاتها.وفى مقابل محاولات الحركة الحوثية حسم ميزان القوة الأمنية لصالحها، فإن صالح سعى إلى استعراض القوة السياسية أيضًا عبر إبراز قاعدته الشعبية خلال الاستعراض الذي تم تنظيمه في ذكرى تأسيس حزب المؤتمر الشعبي العام، لاعتبارات تتعلق بالنفوذ السياسي وللرد على مساعي الحوثيين تكريس النفوذ الأمني.
فقبيل اتخاذ المليشيا الحوثية للقرارات الأمنية، كان صالح قد اعتبر أن ما يسمى باللجنة الثورية العليا التابعة لمليشيا الحوثي تسعى للانفراد بالقرار داخل المجلس السياسي الأعلى وأنها تضع فيتو على أية قرارات لا تقبلها، ونشر ذلك على الموقع الرسمي لجناح المؤتمر الشعبي الموالى له.
ويتحول هذا المشهد تدريجيًا إلى حالة من الصراع والتنافس بين الجانبين، فعلى سبيل المثال وبمجرد انتهاء استعراض قوات صالح، قامت الحركة الحوثية باستعراض قواتها العسكرية في الموقع ذاته، وهو ما أدى في النهاية إلى اندلاع اشتباكات دامية بين الطرفين.
2- صعوبة احتواء الأزمات المتكررة بين الطرفين: يفرض عدم قدرة الطرفين على حسم معادلة ميزان القوة عقبات عديدة أمام احتواء أية أزمات متكررة قد تندلع بينهما، سواء عبر إعادة هندسة البنية التنظيمية للتحالف بينهما أو إعادة الانتشار، فكلاهما لن يمنع تكرار الاشتباكات خاصة فى ظل مطالبة قواعد صالح بالتسلح والاستعداد للمواجهات القادمة والثأر للقتلى الذين كان من بينهم العسكري البارز العقيد خالد أحمد الرضى مسئول التسليح في الحرس الجمهوري ومدير مكتب نجل صالح، والذي يبدو أنه كان مستهدفًا بشكل شخصي، حيث لجأت المليشيا الحوثية إلى إقامة نقطة أمنية أمام مكتبه كرسالة بأن المليشيا الحوثية لديها القدرة على محاصرة صالح ونجله وأعوانهم.وعززت المليشيا الحوثية تلك الرسالة لاحقًا بإعادة الانتشار في مناطق مهمة بالعاصمة صنعاء كجولة المصباحي وحى حدة السكني وميدان السبعين والمناطق المحيطة بها لمنع أنصار صالح من الخروج منها مع إطلاق نار بين وقت وآخر بشكل متقطع وفقًا لتقارير محلية.
وبالتوازي مع ذلك، طالبت قيادات من الحوثيين بفرض حالة الطوارئ، من أجل إحكام السيطرة على مناطق نفوذ صالح، بما يعني أن رسائل استعراض القوة تتقدم الآن على دعوات التصالح التي تبنتها اتجاهات عديدة، وهو أوضح مؤشر على صعوبة احتواء تلك الأزمة.
3- متغيرات جديدة: ربما يسعى صالح إلى استغلال طرح المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد لمبادرة الحديدة كمدخل جديد للتسوية، من أجل إجراء تغيير في مواقفه إزاء بعض القضايا الخلافية العالقة، وذلك بهدف ممارسة مزيد من الضغوط على الحوثيين خلال المرحلة القادمة، وهو ما يبدو أن الأخيرة بدأت في الاستعداد له، بشكل دفعها إلى فرض سيطرتها على مناطق نفوذه.
احتمال قائم:
يظل سيناريو التفكك والانفصال بين طرفى تحالف التمرد في صنعاء مستبعدًا بشكل مرحلي في ظل استمرار اعتمادهما المتبادل على ما تسميه اتجاهات عديدة داخل الطرفين بـ"تحالف الضرورة". لكن ذلك لا يمنع حدوث التفكك مستقبلاً مع تطور الاحتقان السياسي إلى الصراع المسلح، وسيتمثل عنوان المرحلة القادمة في الحاجة إلى إرساء ترتيبات جديدة لاحتواء الأزمة وإعادة بناء الثقة خاصة وأن كل طرف لم يستعد لليوم التالي لتفكك التحالف، الذي يعنى استنزاف قدرات كل منهما خاصة لو اقترن بنزاع مسلح.
وفى السياق ذاته، من المتوقع أن يبدي كل منهما رغبته في احتواء الأزمة كنوع من المناورة السياسية بهدف ترتيب الأوراق والحسابات في المستقبل، لكن مع تصاعد حدتها واحتمال تكرار مشاهد الاشتباكات المسلحة، فإن التحالف بين الطرفين سيكون عرضة بشكل مباشر للانفجار من الداخل، بسبب اتساع نطاق الخلافات التي لم تعد ثانوية ولا تمثل تسويتها مهمة يسيرة.