ذهب الرئيس سعد الحريري إلى الكويت الأسبوع الماضي في زيارة مجاملة واسترضاء، بعد أن أثبت القضاء الكويتي مسؤولية «حزب الله»، المتمركز في لبنان والمتحكم بشؤونه، في إقامة الخلية الإرهابية لزعزعة الأمن في بلد عربي شقيق، ساعد لبنان دائماً في أزمنة الشدة والرخاء، وما تغيرت سياساته تجاه بلادنا، رغم إيذاء الحزب اللبناني الإيراني لأمنه منذ الثمانينيات! وما قبِلَ المسؤولون الكويتيون هذه المرة غوامض الخطاب واعتذارات العجز. لذلك قيل إنّ وزير الداخلية اللبناني سيذهب إلى الكويت لمتابعة الإجراءات الممكنة بخصوص المكافحة والتصحيح. وهذا معناه أنّ الكويتيين يريدون تعاوناً أمنياً فعالاً، وليس الاكتفاء بتصريحات عامة!
لقد تأخر لبنان كثيراً، في حكوماته المتعاقبة في مكافحة أعمال «حزب الله» التخريبية بحق الدول العربية. فمنذ اغتيال رفيق الحريري (2005)، وإلى حرب تموز (2006)، ثم قصة «فتح الإسلام» ومخيم نهر البارد(2007)، واحتلال بيروت (2008)، وإسقاط حكومة سعد الحريري (2011)، والتدخل في سوريا (2013).. كان همنا الدفاع عن أنفسنا في مواجهة الاغتيالات المتعاقبة، وتعطيل الحكومات ومؤسسات الدولة. وهذا وهمٌ علتُهُ العجز وضيق الرؤية. فالذي يمارس العنف والإرهاب على الأرض اللبنانية من دون خشية، ويحقق نتائج يعتبرها انتصارات إلهية، ما الذي يمنعه من ممارسة الشيء ذاته ضد الدول العربية. وبخاصة أنه لا يفعل ذلك بدوافع خاصة بل بأمر من دولة الولي الفقيه التي أنشأته ودأبت على استخدامه في التآمُر على أمن لبنان والعرب. فنحن نعلم أنّ الإيرانيين نفذوا عمليات إرهابية بواسطة الحزب وبدونه في الكويت والسعودية والبحرين ومصر.
لقد كان ذلك واضحاً منذ الثمانينيات والتسعينيات. وكانت الدول تتصل بلبنان، وتطلب تعاوُنه في التحقيقات وفي الردع أو في المعلومات على الأقل. لكن بعد احتلال بيروت عام 2008 يئست الدول من إمكان الإفادة من ذلك. فصار بعضها يتعاون مع الدول الكبرى للمكافحة، وبعضها الآخر يتصل بالحزب نفسه لاتقاء شره. وبعد نشوب الأزمة السورية، واختلاط الإرهابين الإيراني والقاعدي وصولا للداعشي، وجد الحزب والمتأيرنون الآخرون مظلةً جديدة، باعتبارهم يتعاونون مع الدوليين في مواجهة الإرهاب السني. عندنا وفي الخليج مارسوا الاغتيالات للإرعاب وزعزعة الأمن، لكنهم في سوريا والعراق قتلوا عَلَناً باعتبار أن النظامين السوري والعراقي استعانوا ويستعينون بهم لمقاتلة شعوبهم ودائماً تحت لافتة مكافحة الإرهاب.
لا يجوز أن نخبئ رؤوسنا في الرمال. نحن في لبنان، صار بلدنا خطراً على الأمن في سائر الدول العربية، حتى تلك التي لها علاقات حسنة أو مقبولة بإيران. هنا لابد من كلام واضح وصريح: كل بلد عربي، ومنذ الثمانينيات، فيه مجموعة شيعية قلّت أو كثُرت، أُنشئ فيه تنظيم مسلَّح أو غير مسلَّح. وبالطبع من دون موافقة الجماعة الشيعية العامة في البلد. لكن الأخطر هنا أن هؤلاء الشبان المنظمين كانت تأتي منهم مجموعات للتدريب عند الحزب: أيديولوجياً وعسكرياً(!). وعموما كانت هذه المجموعات تابعة للحزب وهو الواسطة بينهم وبين إيران في التوجيهات والأوامر والنواهي.
ولنلتفت إلى الحقيقة الفاقعة: بلدنا لبنان صار خطراً على الأمن العربي وربما الأمن العالمي، بسبب وجود «حزب الله» بسلاحه الطليق فيه، وبسبب تغلغله في مسامّ النظام المالي والإداري، حيث يمتلك القوة الناعمة للتأثير والإضرار، وليس القوة الخشنة فقط. ولا نستطيع كل الوقت الاعتذار بالعجز وعدم القدرة، والتنازل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من دولة الحد الأدنى!
إنه يريد من جهة إخضاعنا لرغبته في استعادة نفوذ النظام السوري في لبنان وسائر ملفاته. وهو يريد مساعدة إيران في حملتها على دول الخليج، وحربها على العرب في كل مكان. فالحزب تنظيم إيراني، وهو يعلن ذلك ويفتخر به، لذلك لا أمل في أن تتسدد تصرفاته إلاّ بالضغوط المستمرة. وهي ضغوطٌ يمكن أن تساعد فيها العقوبات الدولية، لكنّ المهمة الأولى تبقى علينا نحن، لأن مجالنا الوطني هو الذي يستخدمه الحزب في الإضرار بنا، والإضرار بالعرب. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
*نقلا عن صحيفة الاتحاد