إعداد: مروة صبحي
أطلقت إيران، في شهر مارس الماضي، عدة صواريخ باليستية من منصات مختلفة في أرجاء البلاد كجزء من تدريبات عسكرية، وذلك في إطار إظهار "قوة الردع" التي تتمتع بها. وتُمثل مثل هذه الاختبارات انتهاكاً لقرارات مجلس الأمن الدولي التي تمنع طهران من ممارسة تلك الأنشطة الصاروخية.
وانطلاقاً مما سبق، يأتي التقرير الصادر عن "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات"، تحت عنوان: "برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية والعقوبات الاقتصادية"، وأعده الزميل المشارك في المؤسسة "سعيد غازيميجاد" Saeed Ghasseminejad. ويتناول التقرير نشأة ومراحل تطور برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية، ودور الحرس الثوري ووزارة الدفاع وإسناد القوات المسلحة في تطويره، مع عرض بعض التوصيات للتصدي لمخاطر وتهديدات هذا البرنامج.
تطور البرنامج الصاروخي الإيراني
يتطرق التقرير إلى بداية الاهتمام بالصواريخ الباليستية في إيران، مؤكداً أنها ترجع إلى عهد الشاه، ولكن تم التوسع فيها بشكل كبير بعد الثورة الإسلامية في عام 1979. وخلال العقد التالي لهذه الثورة، اشترى النظام الإيراني حينها صواريخ سكود - 30 من ليبيا.
وقد كان تركيز إيران المبدئي على الصواريخ قصيرة المدى، ولكن في أعقاب الحرب العراقية - الإيرانية (1980- 1988)، توسعت أهداف الحرس الثوري ووزارة الدفاع في إيران، وأصبحت تشمل الصواريخ طويلة المدى. كما بدأ الحرس الثوري العمل على تطوير قدرات صواريخ باليستية عابرة للقارات في التسعينيات من القرن الماضي، والعقد الأول من الألفية الجديدة.
وفي عام 2009، نجحت إيران في إطلاق أول صاروخ مداري يُسمى Safir، وذلك كجزء من عملية إطلاق الأقمار الصناعية. ومنذ ذلك الحين، تحسنت قدرات إيران على إطلاق نظام Simorgh وهو نظام أحدث وأقوى من نظام الأقمار الصناعية Safir، ويُمكنها أن ترسل أقماراً صناعية كبيرة إلى مدارات أعلى.
وتُخطط إيران خلال الفترة القادمة إلى إطلاق قمر صناعي بصاروخ Simorgh، وهو تطور خطير يشير إلى إمكانية استخدام وزارة الدفاع للصواريخ التي تطلق الأقمار الصناعية في حمل رؤوس حربية عابرة للقارات.
وينقل التقرير عن عدد من الخبراء أن ثمة تشابكاً بين البرامج النووية الإيرانية وبرامج الصواريخ الباليستية. وبعد الاتفاق النووي في صيف عام 2015، واصلت إيران تطوير واختبار صواريخ جديدة على الرغم من العقوبات الدولية والقيود المفروضة على هذا النشاط.
ويرى التقرير أن إصرار طهران على تطوير صواريخ باليستية يُلقي شكوكاً خطيرة حول نيتها الامتناع عن تطوير برامج ذات صلة بالأسلحة النووية.
دور الحرس الثوري في برنامج الصواريخ الباليستية
يؤكد التقرير أن الحرس الثوري أصبح المحرك الأساسي لبرنامج الصواريخ الباليستية الإيراني، والقوة المهيمنة على الاقتصاد في إيران. وتشير التقديرات إلى أن الحرس الثوري يسيطر على حوالي 20- 30% من الاقتصاد الإيراني، وربما يكون دخله السنوي يعادل سُدس الناتج المحلي الإجمالي في البلاد.
وبالتوازي مع النجاحات الاقتصادية الأخرى، يحافظ الحرس الثوري على وجود قوي في القطاع المصرفي لدعم شبكة صفقاته المالية والتجارية في جميع أنحاء البلاد، وفي الخارج أيضاً، خاصةً في ظل العقوبات الأمريكية والأوروبية المفروضة على طهران، ومن بين المؤسسات المالية الرائدة التي يسيطر عليها الحرس الثوري الإيراني، بنك الأنصار وبنك مهر.
ويمتلك الحرس الثوري الإيراني شبكة واسعة من الشركات في مختلف التخصصات، والتي توفر بنية تحتية قوية لدعم وتطوير البرنامج الصاروخي الإيراني، ويعرضها التقرير في الآتي:
1- المعادن:
يتطلب برنامج الصواريخ الباليستية الخبرات في قطاع المعادن والتعدين، وقد اشترى الحرس الثوري الإيراني مجموعة من الشركات في هذا القطاع. ويُعتقد أن إيران لديها أكبر احتياطي في العالم من الزنك، وثاني أكبر احتياطي من النحاس، ويُستخدم كلُ منهما في الصواريخ الباليستية. وتعتبر الشركة العامة لتجارة وتطوير مناجم الزنك في إيران، ذات القيمة السوقية التي تُقدر بنحو 94 مليون دولار، هي المالك الرئيسي والمنتج للزنك الإيراني، ويمتلك الحرس الثوري أغلبية أسهم الشركة.
وعلى الرغم من عدم امتلاك إيران مصادر إنتاج الزركونيوم، الذي تستخدمه على نطاق واسع في كل من صواريخها الباليستية وبرامجها النووية، فإنها يمكنها شراءه من الدول المنتجة له، مثل الصين وروسيا وجنوب أفريقيا وموزمبيق وماليزيا والهند والبرازيل والسنغال وأوكرانيا. وتُظهر بيانات إدارة الجمارك الإيرانية أن الصين هي المُصدر الرئيسي من الزركونيوم للبلاد.
كما تمد "شركة إيران للألومنيوم" IRALCO، وهي أكبر منتج للألمنيوم في البلاد، البرنامج النووي الإيراني بالمواد اللازمة لبناء أجهزة الطرد المركزية.
2- المواد الكيماوية والبتروكيماويات والطاقة:
تعد صناعات الكيماويات والبتروكيماويات ضرورية لنظام المتفجرات ومواد الوقود اللازمة لبرنامج الصواريخ الباليستية. ويسيطر الحرس الثوري الإيراني ووزارة الدفاع الإيرانية على هذه الصناعات، والتي تشمل: شركة الصناعات البتروكيماوية كرمنشاه (بقيمة سوقية 416 مليون دولار)، وشركة بارديس للبتروكيماويات (1.6 مليار دولار)، وشركة بارسيان لتطوير النفط والغاز (3 مليارات دولار)، وشركة شيراز للبتروكيماويات (510 ملايين دولار) وشركة مصفاة شيراز (217 مليون دولار)، وشركة مصفاة تبريز (427 مليون دولار).
3- الإنشاءات:
يتطلب برنامج الصواريخ الباليستية أيضاً بناء مرافق الاختبار والإنتاج، ومناطق التخزين، ومرافق الإطلاق. وفي أكتوبر عام 2015، وأيضاً في يناير 2016، كشف الحرس الثوري الإيراني عن موقعين تحت الأرض لتخزين الصواريخ.
ونظراً للطبيعة الحساسة للغاية لمثل هذه البرامج، لم يكن مُرجحاً أن يعمل الحرس الثوري مع متعاقدين من الخارج، وبدلاً من ذلك تم بناء مواقع التخزين من قِبل شركة "خاتم الأنبياء"، وهي واحدة من أكبر الشركات الهندسية الإيرانية التي يسيطر عليها الحرس الثوري الإيراني، وقد تم إنشاؤها في فترة الحرب العراقية - الإيرانية (بين عامي 1980 و1988) للمساعدة في إعادة بناء البلاد.
وتوظف شركة "خاتم الأنبياء" أكثر من 135 ألف شخص، وتتعامل مع أكثر من 500 ألف متعاقد، ولديها أكثر من 800 شركة فرعية تابعة لها.
4- وسائل النقل:
يتطلب برنامج الصواريخ الباليستية مركبات لحمل وإطلاق الصواريخ، ولا تختلف التكنولوجيا المستخدمة في إنتاجها عن تكنولوجيا إنتاج السيارات العادية. ويمتلك الحرس الثوري شركات عاملة في قطاع السيارات، من أجل الحفاظ على سرية برنامجه الصاروخي. وقد تم تصميم مركبة لإطلاق الصواريخ، وهي قادرة على تحمل الحرارة والتأثير الناجم عن عملية الإطلاق.
5- الإلكترونيات:
تشارك صناعات الاتصالات السلكية واللاسلكية والإلكترونيات وعلوم الحاسوب في اختبار الصواريخ الباليستية، وإنتاج مرافقها. ويعد قطاع الاتصالات واحداً من أكبر القطاعات الاقتصادية غير النفطية في البلاد، وقد استثمر كلُ من الحرس الثوري الإيراني وزارة الدفاع وإسناد القوات المسلحة الإيرانية في هذه القطاعات من خلال الشركات العامة، مثل شركة إيران للاتصالات، وشركة إيران للصناعات الإلكترونية، والأخيرة تضم مؤسسات فرعية تابعة لها مثل شركة شيراز للصناعات الإلكترونية، وشركة إيران لنظام المعلومات، ومعهد إيران للبحوث الإلكترونية.
6- المؤسسات البحثية:
يمتلك الحرس الثوري الإيراني ووزارة الدفاع وإسناد القوات المسلحة الإيرانية عدة جامعات، مثل جامعتي الإمام حسين ومالك الأشتر للتكنولوجيا، تحافظ على التعاون الوثيق مع الجامعات البحثية الرائدة في البلاد، لاسيما أقسام علوم الفضاء بها.
وتساهم الجامعات البحثية الإيرانية في توفير التكنولوجيا والخبرة الواسعة النطاق لتطوير برنامج الصواريخ الباليستية.
توصيات
يعرض التقرير عدداً من التوصيات للإدارة الأمريكية من أجل التصدي لبرنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية المُسيطر عليه من قِبل الحرس الثوري ووزارة الدفاع في إيران، وتشمل هذه التوصيات ما يلي:
- فرض عقوبات على القطاعات المحددة في هذا التقرير، وأيضاً عقوبات ثانوية على الشركات التي تعمل في أعمال تجارية ذات صلة بهذه القطاعات.
- دراسة شاملة للأفراد والكيانات المشاركة في تطوير برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية، وينبغي أن تشمل هذه القائمة كبار المسؤولين الإيرانيين، وليس التركيز فقط على وسطاء المعاملات التجارية.
- أن يعد الكونجرس تقريراً عن القطاعات الاقتصادية في إيران التي تساهم بشكل مباشر وغير مباشر في تطوير برنامج الصواريخ الباليستية.
- أن يطلب الكونجرس من الشركات المتداولة في أسواق الأوراق المالية تقريراً ربع سنوي حول ما إذا كانت قد أجرت أي معاملات مع القطاعات المحددة وذات الصلة ببرنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية.
- نظراً لأن برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية لايزال يعتمد على استيراد المواد والخبرات اللازمة له، يتعين على واشنطن تعزيز الرقابة على تصدير المنتجات من التكنولوجيا والمواد والمعدات المستخدمة في تطوير الصواريخ الباليستية الإيرانية.
- أن تضغط الولايات المتحدة على شركائها في الأمم المتحدة لفرض عقوبات مُوسعة على الكيانات الإيرانية وغير الإيرانية التي تنتهك القيود على الصواريخ الباليستية.
- تغليظ العقوبات ضد الحرس الثوري الإيراني والشركات التي تسيطر عليها وزارة الدفاع وإسناد القوات المسلحة الإيرانية، بسبب صلاتها مع الكيانات المعنية بتطوير البرنامج الصواريخ الباليستية.
* عرض مُوجز لتقرير عنوانه: "برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية والعقوبات الاقتصادية"، والصادر في مارس 2016 عن "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات".
المصدر:
Saeed Ghasseminejad, Iran’s Ballistic Missile Program and Economic Sanctions, (Washington: The Foundation for Defense of Democracies, March 2016).