عرض: مصطفى كمال ¬ باحث مساعد بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية
تشهد العلاقات الأمريكية-التركية مع حلول الذكري الأولي لمحاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو 2016، واتهام السياسيين الأتراك الولايات المتحدة بدعم منفذيه، مرحلة من التوتر الشديد. فعلى الرغم من تصريح الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" قبل زيارته لواشنطن في السادس عشر من مايو الماضي، بأنها قد تمثل بداية جديدة للعلاقات بين البلدين التي اهتزت بسبب قرار واشنطن بتسليح مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية في شمال سوريا، إلا أن المحادثات بين الرئيسين كشفت عن عدم تغيير في سياسة إدارة الرئيس "دونالد ترامب" تجاه أهم ملفين يمثلان حجر عثرة أمام تطوير العلاقات الثنائية، وهما: ملف تسليم الداعية فتح الله كولن، وتسليح مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية.
وتأزمت العلاقات بين البلدين بعد إصدار السلطات الأمريكية أوامر بالقبض على اثني عشر فردًا من أعضاء الفريق الأمني للرئيس التركي لاتهامهم بالاعتداء على محتجين أثناء زيارته للولايات المتحدة، والتي على إثرها طالب السيناتور الأمريكي جون ماكين (رئيس لجنة الخدمات العسكرية بمجلس الشيوخ) بطرد السفير التركي من الولايات المتحدة.
وحول مستقبل التحالف الأمريكي-التركي، نشرت مجلة National Interest في عددها مايو/يونيو من العام الجاري تحليلاً بعنوان: "Turkey and Alliance Fatigue" لشكورو هان اوغلو، أستاذ الشئون الخارجية بقسم دراسات الشرق الأدنى بجامعة برينستون، والذي يشير فيه إلى أن هذا التحالف محكوم عليه بالفشل من منظور تاريخي للتحالفات التركية في السابق، ومنها التحالف الأنجلو-عثماني، حيث يشير إلى أن ثمة تشابهًا في أسباب انهيار التحالفين.
ويضيف الكاتب أن التحالفات بين الثقافات المختلفة القائمة على مبدأ مواجهة التهديدات الخارجية، تتدهور بانخفاض مستوى التهديدات أو بزوالها ليتحول الحلفاء إلى متنافسين.
ويشير الكاتب إلى أن التحالف الأنجلو-عثماني أُسس لمواجهة الاتحاد السوفيتي، وهو الهدف الذي أُسس عليه أيضًا التحالف الأمريكي-التركي الذي بدأ إبان الحرب الباردة، لاحتواء تمدد الاتحاد السوفيتي في الشرق الأوسط، ومواجهة الأسطول السوفيتي في البحر الأوسط، بالإضافة إلى توفير قواعد عسكرية يمكن للولايات المتحدة استخدامها لمهاجمته. ويضيف أن هناك مصلحة متبادلة لطرفي هذا التحالف، حيث تحمي تركيا المصالح الأمريكية في المنطقة ذات الوفرة النفطية، وفي المقابل تستفيد أنقرة من الحماية الأمريكية.
أسباب انهيار التحالف
تناول الكاتب سببين رئيسيين لانهيار التحالفين الأنجلو-عثماني، والأمريكي-التركي، وهما:
أولاً- اختلاف الثقافات بين طرفي التحالف، وتجاهلها من أجل الحفاظ عليه: أشار التحليل إلى أن الاختلافات بين البريطانيين والعثمانيين حول نظم الحكم أدى إلى زوال التحالف، ولهذا يتوقع الكاتب أن يكون اختلاف نظم الحكم بين الولايات المتحدة وتركيا منذرًا بزوال التحالف بين الدولتين، حيث أوضح أن نظام الحكم في الأخيرة يتسم بالاستبدادية منذ أن أسسه مصطفى كمال أتاتورك، وأنه يتعارض مع قيم العالم الحر الذي تقوده الأولى.
وترجع أسباب استمرار التحالف في الوقت الحالي إلى تدعيم أنقرة للمصالح الإقليمية الأمريكية، وفي المقابل تغض واشنطن الطرف عن انتهاكات النظام التركي لحقوق الإنسان. ويشير الكاتب إلى تأزم هذا التحالف إذا تعارضت المصالح الأمريكية مع التوجهات التركية، خاصة بعد انتهاء التهديد السوفيتي.
ثانيًا- الخصومة والتنافس الإقليمي: أوضح الكاتب أن نمط التحالفات، سواء في التحالف الأنجلو-عثماني والتحالف الأمريكي-التركي رغم كونه بين دول بعيدة جغرافيًّا، إلا أنه لا يمنع من أن يصبح طرفاه متنافسين إقليميين، خاصة بعد انخفاض مستوى التهديدات، واختلاف المصالح والتصورات حول مناطق النفوذ.
وعن أسباب لجوء تركيا إلى التحالف مع الولايات المتحدة، أوضح التحليل أن أنقرة وجدت نفسها تحت تهديد الاتحاد السوفيتي السابق بعد الحرب العالمية الثانية، ولم يكن أمامها خيار سوى التعاون مع الولايات المتحدة، كونها الدولة الوحيدة القوية دوليًّا، بالإضافة إلى أنها كانت تتمتع بسمعة إيجابية في الشرق الأوسط قبل عام 1945.
ويُضيف أن صنّاع القرار التركي كانوا يرون أن التدخل الأمريكي في الصراعات الإقليمية رغم البعد الجغرافي سيساعد البلدين في إقامة شراكة مفيدة، وأعربوا عن أملهم في أن ترى واشنطن الشرق الأوسط من خلال عيون تركية، كما توقعوا أن تسمح الولايات المتحدة لتركيا بسحق أي تهديد داخلي من أجل الدفاع عن وحدة أراضيها، إلا أن الكاتب كشف أن واشنطن، مثل بريطانيا في التحالف الأنجلو-عثماني، كانت على اختلاف مع الرؤية التركية، حيث لم تصمم سياساتها الإقليمية بما يتفق تمامًا مع المصالح التركية.
وفي هذا السياق، يشير إلى انتقادات الولايات المتحدة لحزب العدالة والتنمية، خاصة بعد عام 2010. وأضاف أن الدبلوماسيين الأمريكيين تصرفوا كأنهم حزب تركي معارض، كما انتقد المتحدثون باسم وزارة الخارجية ووزارة الدفاع (البنتاجون) السياسات التي ينفذها الحزب داخليًّا وخارجيًّا.
كما رصد الكاتب اتهام رجال الدولة الأتراك، وفي مقدمتهم الرئيس أردوغان، الولايات المتحدة بالتدخل في السياسة التركية من خلال مساعدة المعارضة والانفصاليين الأكراد، حيث أوضح أن الدعم الأمريكي للأكراد السوريين ضد تنظيم داعش في سوريا أدى إلى مزيدٍ من التوتر في العلاقات مع تركيا، إضافة إلى انتقادات واشنطن سياسة أنقرة تجاه سوريا، حيث أشار الكاتب إلى رؤية إدارة الرئيس الأمريكي السابق "باراك أوباما" للدعم التركي لبعض الجماعات السنية على أنها مساعدة للأصولية الإسلامية المناهضة للغرب. وفي المقابل، تناول الكاتب ادعاءات تركيا بأن الولايات المتحدة قدمت دعمًا علنيًّا لحزب الاتحاد الديمقراطي، وهو حزب سياسي كردي في شمال سوريا تعتبره أنقرة تنظيمًا إرهابيًّا مثل تنظيم "داعش".
ويرى الكاتب أن العلاقات الأمريكية-التركية قد دخلت مرحلة من التوتر الشديد بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو 2016، واتهام السياسيين الأتراك -بمن فيهم الرئيس أردوغان- الولايات المتحدة بدعم منفذيه، وإيواء فتح الله كولن الذي تتهمه أنقرة بالتخطيط لهذا الانقلاب.
مستقبل التحالف:
طرح الكاتب تساؤلات بشأن مستقبل التحالف الأمريكي-التركي، وفرص إنقاذه، وهل ستتمكن أطرافه من حل نزاعاتها وإعادة تنشيطه؟ أم ستتخلى واشنطن عن أنقرة وتعمل مع الجهات الفاعلة الأخرى في المنطقة بدلاً منها؟ وهل ستسعى تركيا إلى إقامة تحالفات مع قوى دولية أخرى؟.
وعن مستقبل التحالف، أشار إلى أنه استنادًا للخبرة التاريخية من التحالف الأنجلو-عثماني فإن الولايات المتحدة وتركيا قد تحلان خلافاتهما القائمة، لكن تحالفهما سينهار وسط الأزمة الكبرى في منطقة الشرق الأوسط.
وأكد أن الولايات المتحدة تفضل دولة أقل استقلالية وأكثر طاعة لإرساء مصالحها في المنطقة، ولهذا يتوقع أن تعمل بشكل وثيق مع الأكراد، خاصة بعد تفاعلاتها المتنامية معهم في معركة تحرير سوريا والعراق من تنظيم "داعش". ويرى أن ذلك مرهون بشكل المنطقة بعد انتهاء العديد من الأزمات بها. وتحدث عن خطورة استمرار الصراع السوري إلى أجل غير مسمى على الولايات المتحدة وتركيا، خاصة أنهما تدعمان كيانات متنافسة في الصراع.
وتشير المقالة إلى أنه في ظل توتر العلاقات بين البلدين فإن تركيا ستسعى إلى التقارب مع قوى دولية منافسة للولايات المتحدة (الصين، وروسيا)، ولهذا أعرب أردوغان في عام 2013 عن اهتمامه بالانتقال من شريك حوار في منظمة شنغهاي للتعاون إلى عضو بالمنظمة.
وفي الختام، توصل الكاتب إلى أن التحالف الأمريكي-التركي الذي تأسس لمواجهة تهديد خارجي مشترك، أضحى هشًّا للغاية مع انهيار الاتحاد السوفيتي، وانتهاء الحرب الباردة، وانتقاد كلٍّ منهما لسياسات الآخر بدلاً من العمل على تسوية خلافاتهما. وما يبعث على مزيدٍ من القلق حول مستقبل هذا التحالف -من وجهة نظر الكاتب- انعدام الثقة المتبادل بيد الدولتين. ومع صعوبة توقع المقالة مستقبل هذا التحالف، إلا أنها ترى أنه بحاجة لمزيد من الترميم والاستثمار والتنازلات من الطرفين.
المصدر:
M. Şükrü Hanioğlu, Turkey and Alliance Fatigue, National Interest. May/Jun2017, Issue 149, p 61-71.