أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

حراك "أنقرة":

لماذا تشكل "مسيرة العدالة" تهديداً لنظام أردوغان؟

13 يوليو، 2017


كشفت "مسيرة العدالة"، التي نظمتها المعارضة التركية بقيادة "كمال قليجدار أوغلو"، زعيم حزب الشعب الجمهوري، عن تصاعد اتجاهات المعارضة لحزب العدالة والتنمية والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ويرتبط ذلك بنتائج الاستفتاء الدستوري في أبريل 2017 التي أكدت اتساع نطاق الفئات المعارضة لأردوغان لتقارب نصف عدد الناخبين في تركيا، بحيث لم يتم تمرير الاستفتاء سوى بأغلبية ضعيفة للغاية، وهو ما يشير لوجود اتجاهات لتغير التوازنات السياسية في تركيا لصالح المعارضة مع صعود قيادات سياسية قادرة على الحشد والرفض الشعبي لسياسات احتكار السلطة وتسييس القضاء وملاحقة المعارضين، التي تتبعها حكومة حزب العدالة والتنمية.

دوافع حراك المعارضة: 

حشدت المعارضة التركية مئات الآلاف من أنصارها في 9 يوليو 2017 بقيادة "كمال قليجدار أوغلو" زعيم حزب الشعب الجمهوري للاحتجاج على سياسات حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان، حيث نظمت المعارضة "مسيرة العدالة" التي استمرت 25 يوماً وجابت أنحاء تركيا حتى انتهت في اسطنبول في الشطر الآسيوي في "مالطبا"، وتتمثل الدوافع الرئيسية لتصاعد اتجاهات المعارضة في تركيا فيما يلي:

1- قضية "شاحنات المخابرات": سعت "مسيرة من العدالة" بشكل أساسي إلى الضغط للإفراج على النائب الجمهوري "أنيس أوغلو" والذي حكم عليه بالسجن لمدة 25 عاماً بتهمة التجسس بعدما قام بتسريب شريط فيديو لجريدة "حرييت التركية"، ويظهر هذا الشريط قيام عناصر من الشرطة في مطلع عام 2014 بإيقاف شاحنة تصاحبها عناصر من المخابرات التركية لتفتيشها في إطار الصراع بين أجهزة الدولة التركية، واكتشفت أن هذه الشاحنة تحمل أسلحة متجهة إلى سوريا، حيث نفت الحكومة التركية ذلك، مؤكدة أنها عملية نقل لمساعدات إنسانية إلى التركمان السوريين، وقد عرفت هذه القضية إعلامياً باسم "قضية الشاحنات".

2- اتساع دائرة الخصوم: اتهمت الحكومة التركية جماعة الخدمة التي يترأسها "فتح الله جولن"، أو ما تطلق عليه الكيان الموازي، بالاضطلاع بدور أساسي في محاولة الانقلاب غير الناجحة التي شهدتها تركيا في 15 يوليو 2016 بهدف إسقاط حكومة رئيس الوزراء التركي آنذاك "رجب طيب أردوغان"، كما امتدت الاتهامات لتشمل العديد من خصوم أردوغان من التيار العلماني، وبعض الضباط في المؤسسات الأمنية والعسكرية، بالإضافة لإقالة عدد كبير من القضاة واعتقال عدد كبير من الأكاديميين وأساتذة الجامعات وأعضاء الجهاز الإداري للدولة، وهو ما أدى لتشكل تكتل ضخم من معارضي أردوغان بات يقود الحراك السياسي ضد حزب العدالة والتنمية.

3- تراجع فاعلية الضغوط الأوروبية: يمكن القول إن نجاح الاستفتاء الأخير في تركيا أتاح للحكومة التركية تعزيز سلطاتها في الداخل، خاصة أن حالة الطوارئ مستمرة منذ ما يقارب العام وتجدد كل ثلاث أشهر، بالإضافة إلى أن أنقرة لم تعد تعبأ بالانتقادات الأوروبية اللاذعة التي توجه للرئيس التركي فيما يتعلق بأن بلاده لم تعد دولة قانون، أو ما يتعلق باحترام القيم الأساسية لحقوق الإنسان على خلاف اهتمامها السابق بهذه الانتقادات، وبسبب استمرار تقويض تركيا أسس الديمقراطية أوصى البرلمان الأوروبي في 6 يوليو 2017 بتعليق محادثات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، في حال تم تطبيق الإصلاحات الدستورية الأخيرة من دون تعديل، كما قامت ألمانيا بسحب قواتها من قاعدة انجرليك التركية في 10 يوليو 2017 بعد توتر علاقاتها مع تركيا بسبب إصرار حكومة أردوغان على الدعاية السياسية والتواصل مع الجاليات التركية في ألمانيا. 

مطالب "مسيرة العدالة":

أشارت بعض التقديرات إلى أن أعداد المتظاهرين في "مسيرة العدالة" قد وصل إلى ما يزيد على مليون مواطن تركي، بيد أن السلطات التركية قللت من هذا العدد، وأكدت أن العدد لم يتجاوز بضعة آلاف. وجاءت هذه المسيرة بالتزامن مع احتفالات أنصار حزب العدالة والتنمية بالذكرى الأولى لإخفاق الانقلاب العسكري؛ وهو ما مثل رسالة واضحة للنظام بتصاعد الرفض الشعبي لسياسات أردوغان وسعيه للانفراد بالسلطة.

وقد تقدمت المعارضة التركية في نهاية المسيرة بعدد من المطالب من أبرزها: إجراء تحقيقات أكثر شفافية حول المحاولة الانقلابية التي حدثت قبل عام، خاصة أن "كمال قليتش دار أوغلو" زعيم حزب الشعب الجمهوري وقائد الحراك الاحتجاجي يحرص دائماً على وصف الانقلاب بــ"الانقلاب المسرحي" أو "انقلاب تحت السيطرة"؛ بسبب عدم إجراء محاكمات عادلة حول المحاولة الانقلابية، وطالما حدث تضارب في الروايات الحكومية حول أحداث الانقلاب، بالإضافة إلى أن حزب الشعب الجمهوري أكد أن تحقيقات البرلمان حول هذا الانقلاب كانت صورية، ولم يتم خلالها استدعاء كل من رئيس الأركان، أو رئيس المخابرات التركية.

وطالبت المعارضة بإنهاء حالة الطوارئ التي جعلت حكومة "علي بن يلدرم" تعزز من سطوتها وتقوم بانتهاك القانون والدستور التركيين؛ مما أدى إلى تحول تركيا إلى دولة سلطوية بامتياز وفق وصف المعارضة، كما تضمنت قائمة المطالب وقف "تسييس القضاء التركي"، لاسيما أن التعديلات الدستورية الأخيرة سمحت لأردوغان بالتدخل في عمل القضاء، الذي طالما اتهمه بالخضوع لتأثير "فتح الله جولن" إذ أصبح بإمكانه اختيار أربعة أعضاء في المجلس الأعلى للقضاة والمدعين الذي يتولى التعيينات والإقالات في السلك القضائي، فيما يعين البرلمان سبعة أعضاء.

ورفعت المعارضة التركية مطالب أخرى بإعادة الأكاديميين والموظفين الحكوميين كافة، الذين ثبت عدم تورطهم في المحاولة الانقلابية إلى وظائفهم، والإفراج الفوري عن الصحفيين المعتقلين بسبب تأديتهم عملهم وإنهاء كافة الحملات القمعية على المؤسسات الصحفية، وتدعيم أسس دولة القانون والعلمانية والديمقراطية التي تستند إلى حقوق الإنسان، وامتدت هذه المطالب لتطالب بسياسة خارجية تركية عادلة تحترم القانون الدولي، وتسعى للتقارب مع شعوب المنطقة كافة، وتتجنب التدخل في الشؤون الداخلية لدول الجوار أو اتباع سياسات عدائية ضد القوى الإقليمية الرئيسية.

صعود قوة المعارضة:

كشفت الاحتجاجات الأخيرة في تركيا عن تمكن المعارضة التركية من تجاوز حالة الضعف والتفكك التي عانت منها على مدار أعوام لتستعيد قدرتها على الحشد في مواجهة حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان، حيث باتت المعارضة التركية تنظر للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة عام 2019 باعتبارها "المعركة الفاصلة" مع نظام أردوغان، والتي ستشهد صدور حكم فاصل إما بتحول تركيا إلى "سلطنة عثمانية" أو بالحفاظ على ما تبقى من "الدولة التركية"، وفي هذا الصدد تتمثل أهم معالم صعود قوة المعارضة التركية فيما يلي:

1- صعود قيادات جماهيرية: يمثل صعود زعيم حزب الشعب الجمهوري "كمال قليجدار أوغلو" تطوراً فارقاً في قدرة المعارضة التركية على مواجهة حزب العدالة والتنمية، إذ ظلت المعارضة التركية على مدار سنوات تفتقد لقيادات تتمتع بالقبول الجماهيري والقدرة على الحشد على مدار عقود، واستغل حزب العدالة والتنمية تورط بعض قيادات المعارضة في فضائح أخلاقية لتشوية صورة المعارضة وتقويض شعبية قياداتهم واتهامهم بالفساد، لكن "أوغلو" يعد تحدياً حقيقياً لنظام أردوغان في ظل تبنيه شعارات وطنية جامعة وخطاباً يحظى بقبول شرائح واسعة من المواطنين.

2- تماسك تحالف "المعارضين": أكدت "مسيرة العدالة" وجود تحالف قوي ومتماسك لتيارات وأحزاب وفئات متعددة تنتمي لاتجاهات سياسية مختلفة اجتمعت على معارضة سياسات حزب العدالة والتنمية وانتهاكات نظام أردوغان والملاحقات الأمنية للمعارضين والقضاة وأساتذة الجامعات والموظفين الحكوميين وإغلاق الصحف ووسائل الإعلام غير التابعة لنظام أردوغان، بالإضافة لرفض السياسات الإقليمية لتركيا التي تسببت في تورطها في صراعات خارجية بسبب التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.

3- تبني شعارات وطنية: تبنت مسيرة المعارضة التركية شعارات وطنية جامعة تحظى بقبول مختلف التيارات السياسية بالإضافة لشعبيتها بين مختلف فئات الشعب التركي، واتخذت من "العدالة" شعاراً رئيسياً لها بالإضافة لتردد شعارات "حكم دولة القانون"، ورفع العلم التركي وصور أتاتورك، وهو ما يكشف عن سعي المعارضة لتنظيم صفوف مؤيدي بقاء الدولة التركية العلمانية الحديثة في مواجهة مؤيدي التيارات الدينية الذين يتطلعون لتفكيك أركان الدولة وإعادة إنتاج "الحكم العثماني" بما يعنيه من احتكار السلطة السياسية، وتصدر التيارات الدينية المتشددة، وطموحات التوسع الخارجي.

4- تجاوز مركزية المدن: تمكنت المعارضة السياسية التركية من تجاوز عقدة "مركزية المدن" من خلال حشد مؤيديها في المناطق الريفية خارج المدن الرئيسية وتنظيم مسيرة ممتدة انتقلت من الداخل التركي نحو العاصمة، وهو ما يؤكد سعي المعارضة لاختراق وتفكيك المعاقل الرئيسية لمؤيدي أردوغان في المناطق الريفية والطرفية البعيدة عن العاصمة وتشجيع مؤيدي المعارضة على استعادة نشاطهم استعداداً للجولات الانتخابية الفاصلة التي ستشهدها تركيا مستقبلاً.

إجمالاً، من المرجح أن تسهم "مسيرة العدالة" في استعادة المعارضة التركية قوتها وقدرتها على الحشد مما يؤدي لصعود حراك شعبي جديد، واستعادة الشارع التركي قدرته على الاحتجاج وتجاوز الحواجز والقيود التي وضعها النظام التركي لتقييد المعارضة السياسية من خلال الصراع مع "حركة الخدمة" بقيادة فتح الله كولن، والتدخل العسكري في سوريا والعراق، والملاحقات الأمنية التي أعقبت الانقلاب العسكري غير الناجح ضد حكم أردوغان.