أثار وصول ميليشيا "الحشد الشعبي" إلى الحدود بين العراق وسوريا وسيطرتها على العديد من المناطق الهامة تساؤلات عدة حول توقيت هذا التحرك وأهدافه، التي لا يمكن فصلها، وفقًا لاتجاهات عديدة، عن الجهود التي تبذلها ايران من أجل تأسيس طريق بري يصل إلى البحر المتوسط، وذلك للتعامل مع التطورات الميدانية والسياسية التي تشهدها الأزمة السورية، والتي تبدي إيران تخوفات عديدة من تداعياتها السلبية المحتملة على مصالحها في سوريا.
مغزى التوقيت:
يرتبط تقدم ميليشيا "الحشد الشعبي" ومحاولاتها إحكام السيطرة على الحدود بين سوريا والعراق باقتراب حسم معركة دير الزور، والتي تعد بمثابة إحدى المعارك الرئيسية في سوريا خلال الفترة الحالية، خاصة أنه سوف يتوقف عليها تداعيات مهمة ستؤثر على المسارات المحتملة للأزمة التي يبدو أنها مقبلة على تحولات استراتيجية مهمة، لا سيما بعد ارتفاع مستوى الانخراط الأمريكي فيها، على خلفية التغير الملحوظ في سياسة واشنطن تجاهها، بعد تولي إدارة الرئيس دونالد ترامب مهامها في 20 يناير 2017.
وبعبارة أخرى، فإن تلك المعركة سوف تمثل محددًا هامًا لأى وضع مستقبلي يمكن أن تشهده سوريا. ومن هنا يمكن القول إن وجود ميليشيا "الحشد الشعبي" على الحدود في ذلك التوقيت يمثل مؤشرًا لاتجاه حلفاء الأسد نحو مواصلة دعمهم للقوات النظامية السورية وميليشيا "حزب الله" المتمركزة بالقرب من منطقة دير الزور، والمحاصرة من قبل ميليشيا "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية من ناحية الشمال الغربي، ومن جانب "الجيش السوري الحر" من ناحية الجنوب الغربي.
ومن دون شك، فإن ذلك لا ينفصل عن الضغوط التي تتعرض لها إيران في المرحلة الحالية، بسبب اتجاه الولايات المتحدة الأمريكية إلى التركيز على دورها في زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط ودعم الإرهاب، فضلا عن استمرار مخاوفها من احتمال توصل موسكو وواشنطن إلى تفاهمات قد لا تتوافق مع مصالحها في سوريا.
هدفان رئيسيان:
يمكن القول إن ميليشيا "الحشد الشعبي" تسعى من خلال الوصول للحدود بين سوريا والعراق إلى تحقيق هدفين رئيسيين هما:
1- المساهمة في تأسيس "الممر الإيراني": حيث تمثل سيطرة ميليشيا "الحشد الشعبي" على الحدود بين العراق وسوريا خطوة هامة في هذا الصدد، في ظل علاقاتها القوية مع إيران، التي تسعى من خلال ذلك إلى ضمان استمرار نقل الإمدادات لنظام الأسد والميليشيات الأخرى الموالية لها في سوريا ولبنان.
وقد أشارت تقارير عديدة إلى أن إيران وميليشيا "الحشد" تسعيان إلى استغلال الحرب ضد تنظيم "داعش" في شمال العراق لتحقيق هذا الهدف، من خلال توجيه رسائل بأنهما طرفان في تلك الحرب، بشكل لا يتسامح مع المعطيات التي تكشف أن الانتهاكات المتعددة التي ارتكبتها تلك الميليشيا، بدعم إيراني، كانت سببًا رئيسيًا في انتشار التنظيم في شمال العراق.
2- التواصل مع النظام السوري: ربما تعزز سيطرة ميليشيا "الحشد الشعبي" على الحدود من احتمال اتجاه القوات النظامية السورية إلى التحرك من أجل الوصول إليها، وذلك في إطار التنسيق القائم بين الطرفين والذي تسعى إيران إلى توسيع نطاقه خلال المرحلة القادمة.
سيناريوهات متوقعة:
يبدو أن الخطوة الأخيرة التي قامت بها ميليشيا "الحشد الشعبي" سوف تفرض مسارين رئيسيين خلال المرحلة القادمة: الأول، ينصرف إلى الدخول في مواجهة مباشرة مع قوات التحالف الدولي، خاصة في ظل إصرار إيران على مواصلة مساعيها لاستغلال الحدود السورية- العراقية من أجل الحفاظ على دعمها للنظام السوري.
ومن دون شك، فإن ما يعزز من احتمالات حدوث ذلك هو سعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى منع الميليشيات الموالية لإيران من الاقتراب من قواعدها وخاصة في "التنف"، وهو ما يبدو جليًا في الضربة العسكرية التي تعرض لها رتل عسكري تابع لتلك الميليشيات في 18 مايو 2017، حيث أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية في هذا الوقت أن "تواجد الميليشيات المدعومة من قبل إيران والمساندة للنظام السوري قرب منطقة التنف جنوبي سوريا يشكل تهديدًا لقوات التحالف الدولي ضد تنظيم داعش".
والثاني، يتمثل في تراجع ميليشيا "الحشد الشعبي" عن السيطرة على الحدود واتجاهها إلى التنسيق مع القوات العراقية، وهو ما قد يعود إلى دوافع عديدة يتعلق أبرزها بصعوبة استمرار تقدم الميليشيا لمواقع جديدة في محيط منطقة البعاج نظرًا لوعورة تلك المنطقة التي تعتبر مركزًا للتنظيمات المتشددة، فضلا عن تحذيرات التحالف الدولي، والتي اكتسبت أهمية وزخمًا خاصًا بعد الضربة التي وجهتها واشنطن للرتل العسكري التابع للميليشيات الموالية لإيران.
وهنا، فقد أشارت اتجاهات عديدة إلى أن الطبيعة الجغرافية لتلك المناطق سوف تجعل ميليشيا "الحشد" مكشوفة أمام طيران قوات التحالف الدولي، بشكل قد يزيد من احتمالات تكرار ضربة التنف مرة أخرى.
وإلى جانب ذلك، فإن تأكيد الميليشيات الكردية المدعومة من الجانب الأمريكي، لا سيما "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) على أنها سوف تتحرك من أجل منع أى جهة من اختراق مواقعها في منطقة سنجار وإعلان استعدادها للتصدي لتقدم ميليشيا "الحشد الشعبي" يضيف مزيدًا من العقبات أمام إمكانية تقدم الأخيرة إلى مناطق جديدة. وقد أشار المتحدث باسم "قسد" طلال سلو في هذا السياق إلى أن "أى دخول لميليشيا الحشد إلى الأراضي السورية سوف يكون قيد التعامل معه عسكريًا".
كما أن استمرار تقدم تلك الميليشيا بدعم إيران يزيد من مخاوف بعض القوى المعنية بالأزمة السورية من احتمال ارتكاب انتهاكات جديدة لحقوق الإنسان وإجراء عمليات تغيير ديموجرافي، على غرار ما حدث في بعض المناطق داخل العراق وسوريا خلال الفترة الماضية.
وفي النهاية، ربما يمكن القول إن حدود الحركة المتاحة أمام ميليشيا "الحشد الشعبي" خلال المرحلة القادمة تظل رهنًا بموقف واشنطن، التي أبدت رفضًا واضحًا لمساعيها من أجل مد نفوذها إلى داخل سوريا، وبدأت في اتخاذ خطوات إجرائية لتوجيه رسائل مباشرة إليها في هذا السياق، في إطار سياستها الجديدة التي باتت تركز على دور إيران في دعم الإرهاب وزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط.