إعداد: ناهد شعلان
تفتقر السياسة الأمريكية تجاه روسيا لأي استراتيجية شاملة ومتماسكة منذ انتهاء الحرب الباردة. وانطلاقاً من ذلك، يأتي التقرير الصادر عن "مؤسسة التراث الأمريكية" The Heritage Foundation، تحت عنوان: "الاستراتيجية الشاملة للولايات المتحدة تجاه روسيا"، والذي ساهم في إعداده 16 باحثاً وخبيراً، وحرره "جيمس كارافانو" James Carafano الزميل في مؤسسة التراث.
ويتضمن التقرير "استراتيجية شاملة" مُقدمة لصانع القرار الأمريكي حول كيفية التعامل مع التحديات التي يفرضها التواجد الروسي في مناطق مختلفة من العالم، مما يهدد المصالح الأمريكية وحلفاء واشنطن في هذه المناطق.
الإطار العام للاستراتيجية الأمريكية تجاه روسيا
يعتقد معدو التقرير أن نجاح الاستراتيجية الأمريكية تجاه روسيا يعتمد بالأساس على تقييم طبيعة النظام الروسي، مع عدم إغفال أن موسكو تتبنى أيديولوجية معادية لواشنطن، وهو ما يجعلها مصدر تهديد على الرغم من ضآلة احتمالية الصدام المباشر بين القوتين.
وينصح التقرير بتفادي الاستراتيجية الأمريكية الاعتماد على مبدأ "الاحتواء" containment كما كان متبعاً إبان الحرب الباردة، وإنما يجب أن تراعي الاستراتيجية المقررة الاعتبارات التالية:
1- أن تقوم الولايات المتحدة بتكبيد روسيا خسائر سياسية واقتصادية وعسكرية فادحة لا تستطيع موسكو تحملها على المدى الطويل، نتيجة لتعثر الاقتصاد الروسي.
2- حماية الولايات المتحدة حلفائها وضمان مصالحهم، وأن تستجيب لتصرفات روسيا بسياسات تدفع الأخيرة نحو الانصياع، واتخاذ مواقف أكثر قبولاً.
3- أن يتصف رد الفعل الأمريكي بالعقلانية والرشادة والتروي.
4- أن يكون فحوى الاستراتيجية الأمريكية قائماً على الدفاع عن القيم التي تتبناها الولايات المتحدة مثل الحرية وسيادة القانون ونبذ الديكتاتورية.
نظام بوتين السياسي
يعتبر معدو التقرير أن السبب الجوهري وراء تدهور العلاقات الأمريكية – الروسية هو نظام الرئيس "بوتين"، والذي تتضح أبرز ملامحه في الآتي:
1- انتهاكات حقوق الإنسان: فوفقاً لتصنيف منظمة "فريدوم هاوس"، تعتبر روسيا دولة غير حرة؛ فهي تفرض مجموعة من القيود على المنظمات غير الحكومية، وتتحكم في وسائل الإعلام. ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل يمتد لحرمانها شعوب الدول المجاورة من حق تقرير المصير كما هو الحال في أوكرانيا.
وبناءً عليه، يتعين على الولايات المتحدة أن تكون صادقة في الاعتراف بالانتهاكات الروسية لحقوق الإنسان داخل وخارج الدولة، وأن تضرب أمثلة على الانتهاكات الروسية الأكثر وحشية، بالإضافة إلى ضرورة أن تستهدف واشنطن الفاسدين، وذلك باستصدار القوانين التي من شأنها معاقبة روسيا على مثل هذه الأفعال.
2- تدهور الاقتصاد الروسي في ظل العقوبات الاقتصادية: تستمد موسكو نفوذها الجيوسياسي من واقع كونها توفر نحو 30% من احتياجات أوروبا للطاقة. وفي هذا الصدد يطالب التقرير بالآتي: أ) ألا تستجيب الولايات المتحدة للضغط الأوروبي لتقليل العقوبات على روسيا أو رفعها. ب) العمل على تحسين قدرة أوروبا على تطبيق هذه العقوبات. ج) إنشاء خطوط الغاز والبترول التي تقلل الاعتماد الأوروبي على روسيا. د) إلغاء التعريفات الجمركية على المنتجات الأوروبية المماثلة. هـ) إزالة كافة القيود على صادرات الولايات المتحدة من البترول والغاز الطبيعي، لإعطاء أوروبا وآسيا مصادر بديلة للطاقة عن روسيا. و) استبعاد روسيا من نظام التعاملات البنكية الدولي.
التحديات العالمية للسياسة الخارجية والأمنية الأمريكية
ثمة العديد من التحديات التي تواجه الولايات المتحدة عالمياً، وأوردها التقرير في النقاط التالية:
1- سباق التسلح والسياسة النووية: فالبرنامج الروسي لتطوير الأسلحة النووية يتطلب أن تراجع الولايات المتحدة استراتيجيتها في هذا الصدد عن طريق: أ) تطوير أسلحتها النووية. ب) صياغة استراتيجية جديدة للحماية والدفاع. ج) انسحاب الولايات المتحدة من معاهدة "نيو ستارت" New START التي تهدف إلى تخفيض الأسلحة النووية بين روسيا والولايات المتحدة . د) عدم الدخول في أي مفاوضات من شأنها التقليل من الأسلحة النووية في أوروبا. د) التأكيد على انتهاكات روسيا للاتفاقيات الخاصة بالتسليح النووي والحد من التسلح.
2- الدفاع الصاروخي: اتجهت روسيا إلى تحديث منظومة دفاعاتها الصاروخية، لذلك يجب على الولايات المتحدة أن تتجه إلى: أ) زيادة الاستثمارات الخاصة ببرنامج دفاعها الصاروخي. ب) تشجيع أعضاء حلف شمال الأطلسي "الناتو" على تطوير منظومات دفاعاتهم الصاروخية والجوية. ج) التأكيد علانية أن سياسة "التوازن الاستراتيجي" لم تعد تحكم علاقات الولايات المتحدة مع روسيا.
3- الأمن الإلكتروني: نظراً لأن التطور الروسي في هذا المجال يمثل تهديداً عسكرياً واقتصادياً للولايات المتحدة، فثمة ضرورة لانتهاج الخطوات التالية: أ) أن تسمح واشنطن بتبادل معلومات الأمن الإلكتروني بين القطاعين العام والخاص من أجل تفادي عمليات القرصنة الإلكترونية. ب) تعريف حدود الدفاع عن النفس لكل مؤسسات القطاع الخاص التي ترغب في المشاركة في عملية محاربة التهديد الإلكتروني. ج) تطبيق إجراءات أكثر ردعاً في مواجهة روسيا.
4- سياسات الفضاء: يبدو أن برنامج الفضاء الأمريكي أصبح تابعاً لنظيره الروسي الذي يتفوق عليه في عدد من النقاط، لذلك يتعين أن تقوم الولايات المتحدة بتطوير وتحديث القاعدة الصناعية للفضاء.
5- الإعلام الروسي الذي يروج للفكر المعادي للولايات المتحدة والغرب: ينصح التقرير في هذا الإطار الإدارة الأمريكية بالآتي: أ) استخدام الدبلوماسية الشعبية من أجل التصدي للإعلام الروسي. ب) الرد الحاسم على الأكاذيب الروسية. ج) إطلاق مراجعة شاملة لكافة المعلومات التي تنشرها روسيا في الولايات المتحدة وحلفائها. د) الإعلان أن روسيا تقوم بدعم بعض منافذ الإعلام الغربي، والتدخل في عمل المجتمع المدني. هـ) معاملة الصحفيين والإعلاميين الروس التابعين للدولة فيما يتعلق بالتأشيرات بالمثل كما تفعل روسيا مع نظرائهم من الولايات المتحدة. و) الاعتراف بأن جورجيا وغيرها من الدول الحليفة للولايات المتحدة في وسط وشرق أوروبا أكثر عُرضة للإعلام الروسي، وتقديم الدعم لوسائل الإعلام المستقلة في هذه الدول.
6- البرامج الثنائية الأمريكية مع روسيا: يطالب معدو التقرير في هذا الإطار بإلغاء اللجنة الرئاسية الثنائية بين موسكو وواشنطن، وإجراء مراجعة شاملة للبرامج المشتركة بين البلدين، خاصةً تلك التي من المفترض أنها تدعم الديمقراطية في روسيا.
7- الدور الروسي المُدمر في المنظمات الدولية: نظراً لفشل هذه المنظمات في تحقيق القيم التي تدعو إليها، يتعين على الولايات المتحدة دعم القيم التي تقوم على أساسها العضوية فيها، وعزل روسيا أو تعليق عضويتها في بعضها، وإنشاء نظام لتقييم عضوية روسيا الحالية في تلك المنظمات.
الدفاع عن حلفاء واشنطن وتقليل النفوذ الروسي
يشير التقرير إلى عدد من القضايا المتعلقة بهذا الأمر، وهي كالتالي:
1- مستقبل حلف الناتو: حيث لا يختلف الهدف الروسي حالياً عما كان عليه إبان الاتحاد السوفيتي السابق، وفقاً للدراسة، من رغبة في تحييد أو حل حلف "الناتو". لذلك يقترح كتَّاب التقرير أن تقوم واشنطن بالآتي: أ) التأكيد على وضوح هدف الحلف في الحفاظ على الأمن الجماعي ووحدة أراضي أعضائه. ب) أن تنتقل بتدريب قوات "الناتو" في أوروبا من مكافحة عمليات التمرد إلى الأمن الجماعي. ج) الضغط على الحلفاء لمزيد من الإنفاق على الأمن . د) إشراك وزراء المالية في دورات "الناتو" لتوعيتهم بمدى أهمية الإنفاق العسكري.
2- أمن الدول الإسكندنافية ودول البلطيق: يتحقق ذلك عن طريق اتباع الولايات المتحدة ما يلي: أ) اتخاذ قرار بتوسيع قاعدة التجهيزات العسكرية في منطقة البلطيق. ب) تحسين العلاقات الأمنية بين الولايات المتحدة والسويد وفنلندا. ج) وضع قوات في منطقة بحر البلطيق. د) زيادة التعاون في مجال الأمن الإلكتروني مع دول البلطيق. هـ) الاستمرار في المناورات التدريبية المشتركة. و) الالتزام ببناء نظام دفاع صاروخي باليستي قوي وسريع في أوروبا. ز) تسهيل تصدير الغاز الطبيعي الأمريكي إلى دول البلطيق. ي) استمرار المشاركة في بعثة القوات الجوية بالبلطيق.
3- التهديدات الروسية لوسط أوروبا: تفتقر هذه المنطقة إلى وجود حيوي لقوات "الناتو"، ولذا يجب استمرار وجود "الناتو" في شرق أوروبا، وتطبيق سياسة السوق الحرة في مجال الطاقة لتقليل الاعتماد الأوروبي على روسيا، علاوة على بناء قاعدة دفاع صاروخي قوية في أوروبا.
4- النفوذ الروسي في البلقان واليونان وقبرص: تستغل موسكو الظروف الداخلية لهذه الدول في فرض نفوذها. وبناءً عليه ينصح التقرير بالآتي: أ) بقاء الولايات المتحدة فعَّالة في هذه المنطقة. ب) الحفاظ على قوات "الناتو" في كوسوفو. ج) توطيد العلاقات مع الحلفاء الأوروبيين. د) اتباع استراتيجية واقعية تجاه اليونان وقبرص، خاصةً فيما يتعلق بالشأن المالي. هـ) حث قبرص على قطع علاقاتها مع روسيا.
5- الغزو الروسي لأوكرانيا: هنا يكمن دور الولايات المتحدة في إمداد القوات العسكرية الأوكرانية بأسلحة دفاعية، وتوسيع نطاق القادة الروس المستهدفين في ظل قانون "ماغنيتسكي"، وهو القانون الذي يفرض عقوبات على مسؤولين روس متورطين في انتهاكات لحقوق الإنسان، بالإضافة إلى تشجيع التطور الاقتصادي والسياسي في أوكرانيا.
6- الاعتداء الروسي على جورجيا: يتعين على الولايات المتحدة: أ) دعم الجورجيين في الدفاع عن أنفسهم. ب) الاستمرار في التدريبات العسكرية المشتركة. ج) إنشاء علاقات مؤسسية بين جورجيا و"الناتو". د) التأكيد على فشل روسيا في وقف إطلاق النار بجورجيا. هـ) وضع روسيا في موقف المدافع في الأمم المتحدة. و) الضغط على الاتحاد الأوروبي لفتح تأشيرات الدخول للجورجيين. ي) تحسين استجابة جورجيا لحالات الطوارئ. ز) تقليل الجمارك على السلع الجورجية.
7- الصراعات على أطراف روسيا: حيث تتبع موسكو استراتيجية لتجميد الصراعات لإحكام سيطرتها على المناطق المجاورة، لذا يتعين أن تدرك الولايات المتحدة الخطر الناتج عن هذه الاستراتيجية، وأن تنادي بعدم شرعية دفاع روسيا عن الأقليات، مع التأكيد على الانتكاسات الناتجة عن التدخل الروسي في الدول المجاروة.
8- روسيا ووسط آسيا: في حالة وقوع نزاعات لن تكون دول وسط آسيا قادرة على حماية نفسها، وبالتالي من الضروري أن تبقى الولايات المتحدة فعَّالة في هذه المنطقة، وأن تُولِي اهتماماً أكبر بالقضايا التي لا تتعلق بمصالحها المباشرة، مع خلق منافسة وتنوع في المنطقة حتي لا تقع تحت هيمنة دولة واحدة، فضلاً عن تطبيق استراتيجية "طريق الحرير الجديد".
9- الدور الروسي في أفغانستان: ينصح التقرير الولايات المتحدة في هذا الصدد بعدم الاعتماد كليةً على الدعم الروسي في أفغانستان، وأن تنفتح على الجهود الدبلوماسية الروسية في التعامل مع جيران أفغانستان طالما هدفها استقرار الدولة، مع التأكيد على إمكانية التعاون مع موسكو في المصالح المشتركة فقط.
10- علاقة روسيا بالهند: قادت العلاقات الوثيقة بين موسكو ونيودلهي إلى تخلي الهند عن إدانة أي من الأعمال الروسية، ومن ثم فعلى الإدارة الأمريكية أن تدرك الآتي: أ) أن العلاقات الروسية- الهندية مشروع طويل الأمد يتأثر بالعلاقات الهندية - الباكستانية. ب) زيادة واشنطن صادراتها الدفاعية والتعاون مع الهند لتقليل اعتماد الأخيرة على روسيا. ج) الملاحظة الدقيقة للعلاقة الثلاثية بين روسيا والهند والصين. د) عدم الاعتراض على التعاون الروسي- الهندي في أفغانستان طالما لا يتعارض مع الرؤية الأمريكية.
خامساً: العلاقات الثنائية الروسية والتحديات الإقليمية
عادت روسيا من جديد تتبع نفس الاستراتيجية السوفيتية في التدخل في كافة القضايا العالمية ليس من أجل تحقيق مصلحة مباشرة، ولكن لإفساد الأمر أو لتحقيق تقدم على الولايات المتحدة في عدد من المناطق، كالتالي:
1- النشاط الروسي في الشرق الأوسط: يهدف إلى تقويض دور الولايات المتحدة في هذه المنطقة الحيوية، ومن ثم يطالب معدو التقرير واشنطن بأن تندد بعلاقة موسكو الوثيقة مع كل من سوريا وإيران، وفرض عقوبات على الشركات والبنوك الروسية التي تمد دمشق وطهران بالأسلحة والتكنولوجيا العسكرية، بالإضافة إلى وقف التعاون مع روسيا في إطار اللجنة الرباعية حتى تقطع موسكو علاقاتها بحركة "حماس".
2- التهديدات الروسية لشمال شرق آسيا: خاصةً في ظل تعاونها مع نظام الحكم في كوريا الشمالية، لذلك يجب التطبيق الكامل للقوانين الأمريكية لمعاقبة بيونج يانج وفرض عقوبات أكثر شدة عليها، مع تأكيد مساندة اليابان ضد الانتهاكات العسكرية الروسية.
3- العلاقة بين روسيا والصين: فالتقارب بين موسكو وبكين يخلق مجموعة من التحديات أمام واشنطن في عدد من المناطق مثل شرق ووسط آسيا والشرق الأوسط، وبالتالي فهذا الوضع يفرض على الولايات المتحدة أن تتفهم أن أي من الدولتين لن تقف بجوارها، مع ضرورة تقوية تحالفاتها لموزانة الوجود الروسي والصيني في أوروبا وآسيا.
4- النشاط الروسي المتزايد في وسط وجنوب القارة الأمريكية: ثمة دول في هذه المنطقة تساعد روسيا في تنفيذ سياستها العدائية ضد الولايات المتحدة، وبالتالي يجب أن تدرك واشنطن أن تطويق روسيا في أمريكا اللاتينية يعني تطويق فنزويلا المعادية لها هي الأخرى، مع تقليل الاعتماد على وارداتها من البترول، وتفادي تحقيق كوبا لمكاسب عسكرية واستخباراتية.
5- التحدي الروسي لاستقرار القطب الشمالي: تعمل روسيا على مزيد من عسكرة منطقة القطب الشمالي لتأمين مصادر الطاقة. ولمواجهة هذا التحدي يتعين على الولايات المتحدة التعاون مع حلفائها لتطوير استراتيجية "الناتو" في هذه المنطقة، وأن يكون هناك قوات أمريكية.
* عرض مُوجز لتقرير: "الاستراتيجية الشاملة للولايات المتحدة تجاه روسيا"، والصادر عن "مؤسسة التراث الأمريكية" في ديسمبر 2015.
المصدر:
James Jay Carafano (Ed.), U.S. Comprehensive Strategy toward Russia, (Washington: The Heritage Foundation, December 2015).