فقط للتذكرة بأن الإدارة الأميركية الجديدة دخلت بسرعة البرق في مشكلات بأسلوب معالجتها للسياسة الخارجية. تذكروا الاثنين 17 أبريل (نيسان)، وهو ذكرى كارثة غزو الرئيس السابق جون كيندي لخليج الخنازير عام 1961، فأشياء سيئة ربما تحدث لرؤساء جيدين، والعكس صحيح أيضاً.
فالرئيس دونالد ترمب، بعد شهرين كارثيين من بداية توليه السلطة، أبلى بلاء حسناً في السياسة الخارجية في الأسبوعيين الأخيرين. فقد كان قراره حازماً بشأن سوريا، وكسب الصين شريكاً محتملاً في مواجهة كوريا الشمالية، وأصلح العلاقات مع حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وبدأ في معالجة القضايا الحساسة مع روسيا.
لكن لماذا تحسنت قرارات ترمب الآن؟ وماذا يمكن أن يعرقل مسيرته تجاه سياسة خارجية أكثر تماسكاً؟
ترمب يبلي بلاء حسناً لأنه نجح في تكوين فريق أمن قومي كفؤ، وأيضاً بات ينصت إلى مستشاريه. كانت هناك حالة إجماع بين كبار مستشاريه على ضرورة شن ضربة قوية ومحدودة ضد القاعدة الجوية السورية، وحصل ترمب على توصية بذلك. لم يضخم الأمر أو يزد عليه أو يفسده بتغريداته، فقط ترك الأمور تسير بشكلها الطبيعي.
لو أن ترمب عاد إلى سابق عهده «ككبير المغردين»، أو لو أن المربك السابق ستيفن بانون استعاد نفوذه، حينها فقط ستعود الفوضى. لكن في الوقت الحالي اتحد ترمب مع فريق عمله، وبدا وكأنه يسعى جاهداً للنجاح في البيت الأبيض. لنقارن بين القرار السريع بشن ضربة عسكرية في سوريا وقرارات البيت الأبيض الفوضوية بشأن غزو كوبا عام 1961. فوكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه) لم تطلع الرئيس كيندي على شكوكها من أن الكوبيين المنفيين سينجحون من دون غطاء جوي، واستاء البنتاغون من العملية شبه العسكرية السرية، وترك كيندي نفسه يجر إلى خطأ كان بمثابة البداية لأزمة الصواريخ الكوبية عام 1962 التي أدت تقريباً إلى حرب نووية.
يوضح خليج الخنازير ما يحدث عندما تسير العملية السياسية للأسوأ. فهناك إدارات أميركية أخرى كانت بداياتها الأولى متخبطة. فالرئيس جورج بوش مر بسنوات من الفوضى في بداية حكمه بسبب المشاحنات المتكررة بين وزير الدفاع دونالد رمسفيلد ووزير الخارجية كولن باول، ومستشارة الرئيس للأمن القومي كوندوليزا رايس ونائب الرئيس ديك تشيني. لم يتحسن الحال إلا في الفترة الثانية عندما استقام الميزان أمام بوش. كذلك مر الرئيسان بيل كلينتون ورونالد ريغان بفترات مضطربة في البداية.
والآن فإن فريق ترمب ينعم بالفرح وبتهنئة أنفسهم. فقد تبخرت قوة بانون، وخلفه في المنصب ماكماستر مستشار الرئيس للأمن القومي. وتسود حالة من الود والمجاملة حالياً، ومن ضمن أسبابها المشاورات الطويلة بين وزير الدفاع جيمس ماتيس ووزير الخارجية ريكس تيلرسون بشأن المواقف المشتركة، ويجري ذلك قبل كل اجتماع بينهما.
فنقاط ضعف وقوة ترمب تكمن في تأكيد سياسة الشخصنة، وكان ذلك جلياً خلال لقائه الرئيس الصيني، الذي استمر نحو أربع ساعات لم تشمل سوى حوار بين الاثنين. وكان ترمب حماسياً خلال المؤتمر الصحافي الذي جرى الأربعاء الماضي، خصوصاً عند وصفه للتفاهم بينهما بأنه «كيمياء جيدة» بين الاثنين. فقد كان هذا الكلام أشبه بالموسيقى التصعيدية للقاءات القمة، لكن في هذه الحالة تحديداً قد بدا أن الاثنين اتفقا على تحقيق رابطة مشتركة يستفيد منها كل طرف أقصى استفادة، فالرئيس الصيني أشار إلى أن مصلحة الصين تكمن في التعاون مع الولايات المتحدة فيما يخص التأكد من نيات كوريا الشمالية وتهديداتها بشن حرب. فهل سيستمر ذلك؟ سنرى.
كان لاستراتيجية ترمب إزاء كوريا الشمالية بداية متناسقة صحيحة، إذ إن أول ما فعله كان إرسال ماتيس لزيارة المنطقة وبعده جاءت زيارة تيلرسون، ومع زيادة حدة التوتر الأسبوع الحالي أظهرت الولايات المتحدة تصميمها على إرسال حاملة طائرات إلى المنطقة. وخلف هذه التحركات التكتيكية هناك بعض الأفكار الاستراتيجية عن كوريا الشمالية في المستقبل بحيث لا تشكل تهديداً لمصالح الصين.
فالخطر يكمن في شخصنة السياسة، فترمب يحب الأشخاص الذين يظهرونه في أفضل صورة (كما فعل الرئيس الصيني)، لكن النجاح الشخصي لا يمكن أن يكون المحرك لعجلة الدولة.
فترمب في أول شهرين كان حالة دراسية في الأفعال المدمرة للذات. فقد كان مثالاً في كيف استطاع تدمير الأفكار الجيدة لفريق عمله كما حدث في يناير (كانون الثاني) الماضي عندما أثارت قراراته مشكلات كبيرة فيما يخص الهجرة والتجارة مع المكسيك. كان من المفترض أن يقوم الرئيس المكسيكي إنريكي بيني نيتو بزيارة إلى واشنطن، لكن ترمب اتخذ موقفاً دفاعياً إزاء النقد ونشر تغريدات نارية بشأن المكسيك دفعت رئيسها إلى إلغاء الزيارة. ولذلك فقد تسببت أزمة المكسيك في الاضطرابات في الأسابيع الأولى لترمب في البيت الأبيض. فقد كان ترمب يسير في البيت الأبيض وكأنه رجل دخل للشجار في حانة، وكان من المفترض أن يكون هناك من ينصحه (وهنا افترض شخصاً مثل بانون).
لكن الأسبوع الماضي بدا ترمب وكأنه قد غير نهجه ليصبح أكثر حذراً وأكثر توافقاً مع من حوله. صحيح أن هذا قربه أكثر لطريق السياسة الخارجية الذي سخر منه هو وبينون في البداية، لكن ذلك سيجعله أيضاً يتذوق طعم النجاح الذي يتوق إليه.
* نقلا عن صحيفة الشرق الأوسط