أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

ارتدادات التوتر:

هل تتراجع الشركات الغربية عن إبرام صفقات استثمارية مع إيران؟

07 فبراير، 2017


 يبدو أن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية مؤخرًا على إيران عقب إجراءها تجربة لإطلاق صاروخ باليستي، في 29 يناير 2017، ستؤدي إلى عرقلة المكاسب الاقتصادية التي حققها الاقتصاد الإيراني في عام 2016. ومنذ الوصول للاتفاق النووي بين إيران ومجموعة "5+1" في يوليو 2015 ورفع العقوبات المفروضة عليها في يناير 2016، استطاعت إيران زيادة صادراتها النفطية إلى الأسواق الدولية، كما أبرمت عددًا من الصفقات الاستثمارية مع بعض الشركات الأجنبية، بما أنعش اقتصادها المنكمش منذ سنوات عديدة.

 ومع أن العقوبات الأخيرة التي ستطبق على عدد من الشركات والأشخاص الإيرانيين ذوي الصلة في الأساس بالحرس الثوري الإيراني، لا تنتهك الاتفاق النووي، بحسب بعض التقديرات الغربية، إلا أنه من المتوقع أن تثير مخاوف لدى الشركات الأجنبية الراغبة في الدخول إلى السوق الإيرانية، لا سيما في ظل تصاعد حدة التوتر بين إيران والولايات المتحدة.

 كما أنّه من المرجح أن تؤدي العقوبات الأمريكية الجديدة إلى تقييد تنفيذ صفقات استثمارية وقَّعتها إيران مع عدد من الشركات الغربية في الشهور الماضية خشية العقوبات الأمريكية. وبالرغم من هذا المناخ الذي يتسم بعدم اليقين، إلا أن تأكيد عدد من الأطراف الدولية الأخرى على أن العقوبات السابقة لا تنتهك الاتفاق النووي قد يمنح الشركات غير الأمريكية مرونة أكبر في التعامل مع السوق الإيرانية. 

مكاسب 2016: 

منذ رفع العقوبات على إيران في يناير 2016، انتعش بقوة الاقتصاد الإيراني بعد عدة أعوام من الانكماش بسبب حزمة العقوبات الاقتصادية المطبقة على إيران في الفترة السابقة على الاتفاق. وكان قطاع النفط هو أبرز القطاعات المستفيدة من الاتفاق، فقد تمكنت البلاد من زيادة إنتاجها النفطي بقرابة مليون برميل يوميًّا ليصل -بحسب بيانات منظمة "أوبك"- إلى 3.7 ملايين برميل يوميًّا بنهاية عام 2016 في مقابل 2.8 مليون برميل في عام 2015. 

فضلا عن ذلك، نجحت إيران منذ رفع العقوبات الاقتصادية عنها في إبرام العديد من الصفقات التجارية والاستثمارية الأولية مع الشركات الغربية، وهذه الصفقات تبدو على درجة كبيرة من الأهمية لإيران لإعادة تأهيل قطاعها النفطي، ودعم بنيتها التحتية، وكذلك تنمية قطاعها غير النفطي. وفي يناير 2017، تمكنت إيران من تسلم أول طائرة مدنية من شركة "إيرباص" الفرنسية، والتي تأتي في إطار صفقتها مع الشركة لشراء 100 طائرة بقيمة 20 مليار دولار.

 وعلى صعيد القطاع النفطي، أبرمت إيران عددًا من الاتفاقات المبدئية أو مذكرات التفاهم مع شركات النفط الغربية لتطوير حقول النفط والغاز الطبيعي بأراضيها.

 وتعد الصفقة التي وقّعتها إيران مع شركة "توتال" الفرنسية أولى الصفقات النفطية المؤكدة التي أبرمتها مع القوى الدولية في الشهور الماضية، حيث أبرمت شركة "النفط الوطنية الإيرانية" معها اتفاقًا مبدئيًّا لتطوير المرحلة 11 من حقل بارس الجنوبي بقيمة 4.8 مليارات دولار. ومن المتوقع أن ينتج المشروع 2 مليار قدم مكعب من الغاز الطبيعي يوميًّا. وبموجب الاتفاق، ستمتلك شركة "توتال" حصة 50.1%، أما شركة "النفط الوطنية الصينية" (التي تشارك في الاتفاق) و"بتروبارس" التابعة لشركة "النفط الوطنية الإيرانية"، فستحصلان على 30% و19.9% على التوالي.

وبالنظر إلى أغلب الصفقات التي أبرمتها إيران مع الشركات الأجنبية منذ يوليو 2015، يمكن الإشارة إلى أن مشاركة القطاع الخاص الإيراني بها كانت محدودة نسبيًّا. في المقابل نالت الشركات التي تسيطر عليها الدولة أو الشركات التابعة للحرس الثوري الحصة الأكبر منها. وكما تشير بعض الحسابات الغربية، فقد سيطرت الشركات التي تملكها أو تسيطر عليها كيانات الدولة على نحو 90 اتفاقية ومذكرة تفاهم من بين 110 اتفاقيات بقيمة لا تقل عن 80 مليار دولار وُقِّعت مع طهران منذ يوليو 2015. 

تصاعد الخلاف:

 منذ شهور عدة، تزايدت احتمالات التوتر بين إيران والولايات المتحدة عندما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (المرشح عن الحزب الجمهوري وقتها) عن رغبته في إلغاء الاتفاق النووي مع إيران، بما أثار وقتها كثيرًا من المخاوف الاقتصادية بالداخل الإيراني إن اتُّخذت هذه الخطوة.

وبجانب ذلك، صادق الكونجرس الأمريكي على عدد من العقوبات غير المرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني في ديسمبر 2016. إلا أن التوتر بين الطرفين تصاعد بشكل أكبر مع تولي دونالد ترامب الرئاسة الأمريكية في يناير 2017. وعقب قيام إيران بتجربة إطلاق صاروخ باليستي، في نهاية الشهر ذاته، يصل مداه إلى 600 كلم، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية تطبيق عقوبات جديدة على 13 شخصًا و12 كيانًا يشاركون في شراء تكنولوجيا ومواد لدعم برنامج إيران للصواريخ الباليستية، أو يقدمون الدعم لـ"فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني، لتؤسس حزمة العقوبات الجديدة مرحلة جديدة تتسم بعدم اليقين في العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران.

وفي الأيام التالية لإجراء التجربة الصاروخية، وجهت الولايات المتحدة تحذيرًا رسميًّا لإيران من مغبة الاستمرار في برنامج تطوير الصواريخ الباليستية. كما لم تستبعد الإدارة الأمريكية الجديدة تشديد الإجراءات العقابية ضد إيران، وعبر عن ذلك المتحدث باسم البيت الأبيض شون سبايسر الذي قال: "إن الولايات المتحدة ستتخذ المزيد من الإجراءات العقابية ضد إيران في المستقبل وفقًا لما يقتضيه الأمر.. إن العقوبات الأخيرة تمثل موقفًا قويًّا من الولايات المتحدة إزاء التصرفات الإيرانية، وتبعث رسالة واضحة بأن الاتفاق النووي معها لا يخدم المصالح الأمريكية".

وفي الوقت نفسه، تنسجم الرؤية الأوروبية مع الموقف الأمريكي. ففي إشارة حول موقف الاتحاد الأوروبي من التجربة الصاروخية الإيرانية، قالت نبيلة ماسرالي المتحدثة باسم الممثلة العليا للسياسة الخارجية والأمن بالاتحاد: "الاتحاد الأوروبي يعرب عن قلقه إزاء برنامج إيران الصاروخي، ويدعو إيران إلى الامتناع عن كل الأفعال التي تعمق الريبة، مثل تجارب صواريخ باليستية".

وإزاء العقوبات الأمريكية الجديدة، اتخذ الجانب الإيراني ردًّا سريعًا باعتزام فرض عقوبات ضد شركات ورجال أعمال أمريكيين، في إشارة إلى اتساع مساحة الخلافات بين إيران والإدارة الأمريكية الجديدة، ليعيد -في الوقت نفسه- مشهد توتر العلاقات بين الطرفين إبان تشديد الولايات المتحدة العقوبات الاقتصادية على إيران في عام 2011.

كما قلل المسئولون الإيرانيون من أهمية التهديدات الأمريكية. وفي هذا الصدد، أشار العميد أمير علي حاجي زاده قائد قوة الجو فضائية بالحرس الثوري الإيراني إلى أن "تهديدات أمريكا لإيران هراء، وارتكابهم أى خطأ سيجعل صواريخنا تنهال فوق رؤوسهم"، فيما صرح وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف قائلا: "إيران لا تخيفها التهديدات لأننا نستمد أمننا من شعبنا... لن نشن أبدًا حربًا".

تداعيات محتملة:

في عام 2016، وعلى الرغم من أن دخول الشركات الأجنبية أصبح أكثر سهولة في ظل الوصول للاتفاق النووي، فإن اندماج البلاد بالكامل في النظام الاقتصادي العالمي لم يكن بالإمكان تحقيقه سريعًا. فمن ناحية لا تزال بعض شركات النفط الكبرى حذرة في العمل مجددًا مع إيران. وكانت شركة النفط البريطانية "بي بي" إحدى الشركات التي تفادت المشاركة في العطاء الذي طرحته وزارة النفط الإيرانية في يناير 2017، للمشاركة في مشروعات النفط والغاز الإيرانيين مع تصاعد التوتر بين إيران والولايات المتحدة. 

 بالإضافة إلى ما سبق، واجهت إيران عددًا من الصعوبات أيضًا في التعامل مجددًا مع المصارف العالمية والإقليمية، حيث يُحظر على البنوك الأمريكية التعامل مع إيران بمقتضى العقوبات الباقية المطبقة عليها، كذلك تواجه البنوك الأوروبية مشاكل في إبرام صفقات مع إيران بالدولار الأمريكي وإتمامها عبر النظام المالي الأمريكي. 

 فيما يذكر أيضًا أن الصفقة التي أُبرمت بين الخطوط الجوية الإيرانية وشركة "بوينج" الأمريكية، والتي تشمل شراء 80 طائرة بقيمة 16.6 مليار دولار، واجهت معارضة شديدة من قبل الكونجرس الأمريكي على الرغم من تمريرها من قبل الإدارة الأمريكية. وفي نوفمبر 2016، أقر مجلس النواب الأمريكي مشروع قانون يهدف إلى منع بيع الطائرات التجارية إلى إيران عن طريق حظر إصدار الخزانة الأمريكية التراخيص التي تحتاجها البنوك الأمريكية لتمويل بيع الطائرات.

وبجانب الصعوبات السابقة التي فرضت قيودًا على ممارسة الأعمال بإيران في عام 2016، يبدو أن موقف الإدارة الأمريكية الجديدة المتجه نحو رفع مستوى العقوبات على إيران والذي يتماثل مع الموقف الأوروبي، سوف يزيد من حدة التوتر في علاقات إيران مع المجتمع الدولي مجددًا، وهذا يعني فرض مزيد من العراقيل على عمل الشركات الأجنبية في السوق الإيرانية، وهو ما يدعم احتمالات تجنب الشركات الأجنبية والأمريكية الدخول في السوق الإيرانية بقوة حاليًّا خشية اتجاه الإدارة الأمريكية الجديدة لفرض مزيد من العقوبات الأمريكية عليها. 

لكن تأكيد بعض القوى الدولية الأخرى على أن فرض العقوبات الأمريكية الأخيرة لا يمثل انتهاكًا للاتفاق النووي، سوف يمنح الشركات الأجنبية إمكانية الاستثمار في السوق الإيرانية، وهو ما يعني بقاء حظوظ السوق الإيرانية في اقتناص بعض الصفقات الاستثمارية التي ستمررها السلطات الأمريكية والأوروبية أو تقوم بها الشركات الروسية، في حالة ما إذا لم تتخذ إيران خطوات تصعيدية جديدة.

 وختامًا، يمكن القول إن التهديدات الأمريكية لإيران ربما تفرض تداعيات سلبية على الاقتصاد الإيراني مجددًا، كما أنه ليس مستبعدًا أن تثير العقوبات الأمريكية الأخيرة مخاوف حقيقية لدى الشركات الأمريكية والأوروبية من ممارسة الأعمال في السوق الإيرانية خلال المرحلة القادمة.