أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

تحولات يمينية:

مخاطر القيود الأوروبية الجديدة على الهجرة واللجوء

12 يناير، 2024


لا شك في أن ملف الهجرة واللجوء طوال السنوات الماضية كان الشاغل الأكبر في دوائر صنع القرار الأوروبي، ولاسيما وأن القارة الأوروبية تتحمل عبء كونها تُعد المقصد الأول للجوء والهجرة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، إلا أن عام 2023 شكل جرس إنذار لمسؤولي الاتحاد الأوروبي مع الإعلان عن أنه العام الأسوأ من حيث مواجهة الاتحاد الأوروبي العدد الأكبر من حالات وصول المهاجرين غير الشرعيين لأراضيه منذ عام 2015.

من هذا المنطلق، تصاعد ملف الهجرة واللجوء على رأس أجندة المؤسسات الأوروبية؛ إذ استضافت بروكسل على مدار الشهور الماضية اجتماعات لوزراء داخلية التكتل الأوروبي بهدف التوصل إلى اتفاق لإصلاح سياسات الهجرة واللجوء الأوروبية، وكانت الاجتماعات تشهد مفاوضات ماراثونية وسط خلافات سياسية وحقوقية، إلا أنه مع انعقاد دورة مجلس العدل والشؤون الداخلية في يونيو الماضي، تم التوصل لاتفاق بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على تأسيس موقف تفاوضي بشأن الميثاق المقترح للهجرة واللجوء، والذي طُرح في سبتمبر 2020، أملاً في التوصل إلى اتفاق جديد بحلول نهاية العام.

وهكذا، شهدت القارة الأوروبية "لحظة فارقة" في تاريخها في 20 ديسمبر الماضي بعد أن توصل  الاتحاد الأوروبي لاتفاق سياسي بشأن إصلاح واسع لنظام الهجرة واللجوء، ينهي أكثر من سبع سنوات من المفاوضات المشحونة حول كيفية تشديد النظام وتقاسم المسؤولية، وفي الوقت ذاته، أقر البرلمان الفرنسي تشريعاً جديداً بشأن الهجرة، بموجبه سيتم تشديد شروط استقبال الأجانب في فرنسا، الأمر الذي أثار جدلاً واسعاً في فرنسا ما بين ارتياح اليمين المتطرف، والذي اعتبر الخطوة بمثابة انتصار أيديولوجي، وانزعاج اليسار والخضر ويمين الوسط من أن القانون سيضر بالمهاجرين غير النظاميين.

وما بين بروكسل وباريس، يبدو أن المزاج العام في دول الاتحاد الأوروبي بات يركّز على ضرورة ألّا تتكرر أزمة عامي 2015 و2016 عندما دخل إلى أوروبا قرابة مليون شخص، معظمهم من الشرق الأوسط.

إجراءات مشددة: 

ثمة دلالات تشير إلى أن الاتفاق السياسي الأوروبي سوف يقود أوروبا نحو مزيد من تشديد قوانين الهجرة واللجوء، وبالتالي، تشديد الإجراءات الأمنية على الحدود الأوروبية وذلك على النحو التالي:

• تعزيز مراقبة الحدود: يتضمن الاتفاق الأوروبي الجديد سلسلة من النصوص تقضي بمزيد من مراقبة عمليات وفود المهاجرين إلى الاتحاد الأوروبي، فمن خلال هذا الاتفاق، سوف تتم إقامة مراكز مغلقة بالقرب من الحدود الخارجية للاتحاد لإعادة الذين تُرفض طلباتهم للجوء بسرعة أكبر، وبمقتضى هذا الاتفاق سوف يقوم الاتحاد الأوروبي بزيادة جهوده في مجال حماية الحدود وتكثيف التعاون مع دول ثالثة، وبالتالي، ضمان الأمن على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي.

• معايير لجوء مشتركة: كانت المشكلة بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي هي اختلاف تعريف "آلية التضامن" من حكومة إلى أخرى، وكذلك تباين وجهات النظر بشأن المحاصصة في توزيع اللاجئين بين الدول الأعضاء، إلا أن الاتفاق الجديد يقضي بحزمة من التدابير التي من شأنها أن تنشئ إطاراً مشتركاً للتعامل مع اللاجئين؛ إذ ستكون المعايير أكثر صرامة وموحدة لتسريع عمليات اللجوء في جميع بلدان التكتل القاري، بدلاً من المماطلة والتأخر بسبب تباين السياسات الحكومية.

• إصلاحات تضامنية لصالح دول الاستقبال فقط: لا يؤدي الاتفاق إلى إصلاح كبير في نظام دبلن، الذي ينص على أنه يجب على الأشخاص طلب الحماية في الدولة التابعة للاتحاد الأوروبي التي يدخلونها أولاً، مما يضع عبئاً أكبر على دول مثل: إيطاليا واليونان. وبدلاً من اشتراط نقل طالبي اللجوء من بلدان الجنوب إلى بلدان الشمال التي يقل عدد الوافدين إليها، فإن هذا النقل سيصبح الآن طواعيةً؛ إذ يمكن للدول الأعضاء التي ترفض استقبال المزيد من المهاجرين أن تدفع بدلاً من ذلك تعويضات مالية، إما إلى دولة عضو تستضيف أعداداً أكبر أو إلى دول خارج الاتحاد الأوروبي تدعم الجهود الرامية إلى الحد من تدفقات الهجرة.

وعلى الصعيد الفرنسي، تضمن قانون الهجرة الفرنسي بنوداً تعكس مزيداً من الصرامة في التعامل مع الأجانب والمهاجرين، لدرجة أن منتقديه اعتبروه يحمل في طياته روح اليمين المتطرف، ولعل أبرز النقاط الدالة على ذلك:

• الالتزام بمغادرة الأراضي الفرنسية: أوضح القانون أنه بمجرد رفض طلب اللجوء لأجنبي يجب على السلطة الإدارية إصدار قرار بوجوب مغادرة الأراضي الفرنسية بحقه، إلا إذا قررت السلطات منحه حق الإقامة لسبب آخر، ويتزامن مع هذا الإجراء تعليق الرعاية الطبية للأجانب الذين تم رفض حقهم في اللجوء بشكل نهائي، وفي هذا الصدد، أضر القانون بفئات من الأجانب كانت تتمتع بالحماية سابقاً وهي: الأجانب الذين وصلوا قبل سن 13 عاماً إلى الأراضي الوطنية، وأولئك الذين لديهم روابط عائلية في فرنسا، والمرضى الذين يحتاجون إلى رعاية طبية، والأجانب المقيمون بانتظام في فرنسا منذ أكثر من 20 عاماً، وأيضاً مواطنو الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. 

• مزيد من القيود على إجراءات لم شمل الأسرة: سيتم تشديد شروط السماح للأجنبي بإحضار عائلته إلى فرنسا، إذ أقر القانون الجديد زيادة فترة الانتظار للموافقة على طلب الأجنبي بإحضار أسرته إلى 24 شهراً بدلاً من 18 شهراً في القانون القديم. وسيتعين عليه إثبات أن لديه موارد "منتظمة ومستقرة وكافية"، كما أفسح القانون للسلطات إذا اشتبهت بوجود احتيال في طلب لم شمل، أن تطلب من عمدة البلدية التي يقيم فيها مقدم الطلب التحقق من "ظروف السكن والموارد في الموقع". كما ألزم القانون الأشخاص المدعوّين عبر لم الشمل، إثبات معرفة باللغة الفرنسية مما يسمح لهم على الأقل بالتواصل بطريقة أولية.

• تقليص المساعدات الاجتماعية: وضع القانون قيوداً على الأجانب العاطلين عن العمل؛ إذ يتعين عليهم قضاء 5 سنوات في فرنسا قبل أن يصبحوا مؤهلين للحصول على المساعدة، وفيما يتعلق بمِنح السكن، حدد القانون شرط الإقامة بـ5 سنوات لأولئك الذين لا يعملون، و3 أشهر فقط للعاملين.

• فقدان الجنسية لأبناء المهاجرين: رفض المشرعون الفرنسيون منح الجنسية الفرنسية لأبناء المهاجرين بشكل تلقائي، وبالتالي، أقر النص الجديد أن الشخص المولود في فرنسا من أبوين أجنبيين يجب أن يتقدم بطلب للحصول على الجنسية الفرنسية بين سن 16 و18 عاماً، وفي حالة الإدانة بارتكاب جرائم فإن أي تجنيس لأي شخص أجنبي وُلد في فرنسا بات أمراً مستحيلاً.

• مزيد من الالتزامات على الطلاب: نص القانون على إنشاء وديعة تأمين تصل إلى 3070 يورو يتم إيداعها من قبل الأجانب الذين يطلبون تصريح إقامة "طالب"، بهدف تغطية "تكاليف" النقل المحتملة.

• الالتزام بمبادئ الجمهورية: يلزم القانون المتقدمين بطلب الحصول على الجنسية الفرنسية التوقيع على "عقد التزام باحترام مبادئ الجمهورية" والتي تشمل الحرية الشخصية، وحرية التعبير والضمير، والمساواة بين المرأة والرجل واحترام شعار الجمهورية ورموزها".

• قواعد صارمة لسحب الجنسية: أكد القانون أنه سيتم ترحيل مرتكبي الجرائم إلى بلدانهم الأصلية في أسرع وقت ممكن، كما سيتم سحب الجنسية الفرنسية من الأفراد مزدوجي الجنسية الذين يرتكبون جرائم خطرة. 

• وضع سقف لمحاصصة المهاجرين: يتضمن القانون بنداً يدعو إلى تحديد عدد الأجانب المسموح لهم بالدخول إلى فرنسا على مدى السنوات الثلاث المقبلة، وذلك لاعتبارات اقتصادية.

دوافع كامنة:

إن التطلع نحو إصلاح قوانين الهجرة واللجوء على المستوى الوطني أو على مستوى التكتل القاري يعود بالأساس إلى تنامي شعبية اليمين المتطرف داخل أوروبا: 

• على الصعيد الوطني: إن النجاحات التي حققتها الأحزاب اليمينية المتطرفة مؤخراً، مثل تلك الموجودة في هولندا ورومانيا والنمسا، كانت إلى حد كبير بسبب قضايا الهجرة واللجوء، الأمر الذي أثار مخاوف أحزاب يمين الوسط الحاكمة من فقدان ناخبيها وتكبد المزيد من الخسائر الانتخابية. وعلى هذا النحو، يمكن ملاحظة أن الدافع الرئيسي وراء إقرار قانون الهجرة الجديد هو الهاجس من فوز مارين لوبان، زعيمة حزب التجمع الوطني، في الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2027، وبالتالي، صوت اليمين المحافظ مع بعض قيادات الوسط من حزب ماكرون لصالح نص القانون الجديد، تحت ذريعة أن القانون يدعم القيم الجمهورية، إلا أن الحقيقة هي أنهم يرغبون في استرجاع الناخبين الفرنسيين الذين انتقلوا من دائرة يمين الوسط إلى اليمين المتطرف.

• على صعيد التكتل القاري (الاتحاد الأوروبي): يسعى الاتحاد الأوروبي إلى التوصل إلى اتفاق بشأن نظام اللجوء الأوروبي المشترك لمنع الفوز المحتمل والمخيف لليمين المتطرف في انتخابات البرلمان الأوروبي المقرر انعقادها في يونيو 2024. ومن الواضح أن مسؤولي الاتحاد الأوروبي لديهم مخاوف حقيقية من تصاعد نسبة ممثلي أحزاب اليمين المتطرف في البرلمان الأوروبي؛ إذ يقود ذلك إلى تراجع القيم الأوروبية مع تنامي الشكوك في فاعلية وديمقراطية المؤسسات الأوروبية.

وبوجه عام، فإنه من المستبعد أن يحصل اليمين المتطرف على "الأغلبية" داخل البرلمان الأوروبي بسبب أمرين، الأول، هو استمرار قوة كتلة حزب الشعب الأوروبي وتحالفه مع أغلبية الأحزاب المحافظة، سواءً أكانت من يمين الوسط ويسار الوسط، ويرتبط الأمر الثاني، باستحالة تأسيس ائتلاف يجمع بين يمين الوسط واليمين المتطرف، وبالتالي، يظل اليمين المتطرف على هامش المؤسسات المنتخبة، ومع ذلك، فإن الإصلاحات الأخيرة في قوانين الهجرة واللجوء تُنذر بأن الأوروبيين لديهم مؤشرات مؤكدة لصعود اليمين المتطرف داخل بلدانهم. 

تباين ردود الفعل الأوروبية: 

• نشوة اليمين المتطرف: اعتبرت رئيسة حزب التجمع الوطني مارين لوبان، نتيجة التصويت لصالح التشريع الفرنسي بمثابة "انتصار إيديولوجي" لحزبها، فهو إقرار لمبدأ الأفضلية الوطنية الذي لطالما نادى به اليمين المتطرف، مشيرة إلى ضرورة طرد الأجانب المرتبطين بشبكات الإرهاب، وتجريد مزدوجي الجنسية من جنسيتهم، ومحاكمة المواطنين بتهمة التخابر. وعلى الصعيد الأوروبي، لاقى الاتفاق السياسي في الاتحاد الأوروبي بشأن إصلاح نظام الهجرة واللجوء ترحيباً كبيراً من حكومات إيطاليا وألمانيا وهولندا وإسبانيا واليونان، فعلى سبيل المثال، أشادت الحكومة الإيطالية، والتي تترأسها جورجيا ميلوني، زعيمة حزب "إخوة إيطاليا" المنتمي لتيار ما بعد الفاشية، بالإصلاحات التي من شأنها مساندة الدول التي تقع في الخطوط الأمامية في مواجهة تدفّقات المهاجرين. 

• تخبط ردود الفعل الرسمية وحيرة الوسط: على الصعيد الأوروبي، بدا الانقسام واضحاً في ردود فعل مؤسسات الاتحاد الأوروبي ذاتها، فبينما أشادت رئيسة مفوضية الشؤون الداخلية في الاتحاد الأوروبي يلفا جوهانسون بـ"ميثاق بروكسل"، واصفة إياه بأنه "لحظة تاريخية". علق المجلس الأوروبي للاجئين على تغريدتها بالقول: "إن ما اُتفق عليه هو مجرد تقويض لحقوق الأشخاص الذين يبحثون عن الحماية". وفي سياق آخر، قال المجلس إن تلك الإصلاحات ما هي إلا "بيزنطية في تعقيدها وأوربانية في قسوتها"، في إشارة إلى رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، الذي يمتنع تماماً عن استقبال المهاجرين.  

وفي فرنسا، وجدت الحكومة الفرنسية نفسها في "مأزق" أمام نشوة اليمين المتطرف وغضب اليسار، فعلى الرغم من دفاع ماكرون عن التشريع في البداية كونه بمثابة "درع يحتاجه الفرنسيون" وتصريح رئيسة الوزراء الفرنسية بأن القانون "يحترم قيمنا"، فإن تهديد بعض الوزراء بالاستقالة، جعل تلك التصريحات تتراجع، لتخرج بورن، وتعترف بأن الإجراءات الواردة في مشروع قانون الهجرة، تتعارض مع الدستور، وأن رئيس الجمهورية سيحيل الأمر إلى المجلس الدستوري ليقول كلمته النهائية.

• تصاعد الانتقادات وتقديم الاستقالات: ثمة مظاهر تعكس الغضب الأوروبي والفرنسي جراء تلك القوانين المتشددة التي اتخذها الاتحاد الأوروبي وفرنسا في أسبوع واحد. 

o على الصعيد الأوروبي: اعتبرت 15 منظمة غير حكومية في مجال الإغاثة الاتفاق السياسي الأوروبي "فشلاً تاريخياً"، وقالت إنه سوف يتسبب بمزيد من الوفيات في البحر.

o على الصعيد الفرنسي: جاءت أولى ردود الفعل الفرنسية من داخل الحكومة الفرنسية ذاتها؛ إذ قدم وزير الصحة الفرنسي استقالته على خلفية معارضته للقانون، إذ قال إن هذا القانون سيلغي المساعدة الطبية الحكومية (AME)، المفتوحة للمهاجرين غير الشرعيين، مما سيشكل ضغطاً على خدمات المستشفيات التي تعاني من عجز في الأطباء والممرضين.

وندد زعيم حزب "فرنسا الأبيّة"، وهو حزب يسار راديكالي، بنص القانون، مناشداً الفرنسيين بضرورة ألا يسمحوا لليمين المتطرف بتلويث القوانين، فيما أعلن الحزب الاشتراكي عزمه الطعن على النص أمام المجلس الدستوري.

وبوجه عام، يرى تيار اليسار أن الرئيس الفرنسي عندما منعته حدود الولاية من الترشح مرة أخرى، يعمل على تطبيع أيديولوجية لوبان، ويساعدها فعلياً على الوصول إلى قصر الإليزيه في انتخابات عام 2027، إلا أن ماكرون وآخرين في المعسكر المعتدل يزعمون أن تشديد تشريعات الهجرة ما هو إلا ترياق يُسهم في معالجة ما يغذي التصويت المتطرف، النابع من الخوف من إشكالية الهجرة. 

إشكاليات ومخاطر؟!

يبقى التساؤل مطروحاً عن إشكالية تلك الإصلاحات التشريعية سواءً أكانت على الصعيد الأوروبي أم الفرنسي، فهل يرجع عدم الاقتناع بها إلى أنها تُشكل انعكاساً لانتصار اليمين المتطرف فحسب، أم ستسفر عنها مخاطر حقيقية تزيد من معاناة اللاجئين والمهاجرين وربما تضر بثقل أوروبا عالمياً. ولعل الحقيقة تكمن في التداعيات التالية: 

• لا مكان للاعتبارات الإنسانية: يرى منتقدو "ميثاق بروكسل" أن المعايير السياسية حلت مكان الاعتبارات الإنسانية، أي أن زمن "الترحيب باللاجئين" في أوروبا قد ولى وانتهى، وأصبحت قضايا الهجرة واللجوء تحمل طابعاً سياسياً خالصاً يتم بالتنسيق الجماعي مع البلدان الأوروبية دون تكرار تجربة ميركل، في ألمانيا عندما استقبلت بلادها نحو مليون لاجئ سوري ما بين عامي 2015 و2016 بموجب سياسة الأبواب المفتوحة التي اتبعتها. وعليه، فإن ميثاق بروكسل لا يقدم ضمانات أكثر عدلاً وإنسانية؛ إذ يركز فقط على كيفية تنظيم اللجوء والهجرة على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، وبالتالي، يزيد حال إقراره بشكل نهائي، من حالات الاحتجاز، بما في ذلك احتجاز الأطفال والأسر في مراكز شبيهة بالسجون. ولا يلتفت إلى الحالات الإنسانية، فكل ما يهم أعضاء بروكسل آنذاك نقل مسؤولية اللجوء إلى دول خارج الاتحاد الأوروبي، ومنع الوافدين وتسريع العودة، مما يعرض المهاجرين لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.

• مزيد من صفقات الأبواب الخلفية: يرى مراقبون أن الإصلاحات ستضعف حقوق طالبي اللجوء وتشجع على المزيد من الصفقات المشبوهة أخلاقياً مع الدول التي يغادرها المهاجرون للوصول إلى أوروبا، وخاصة أن الاتفاقات السياسية الأخيرة وقانون الهجرة الفرنسي لا يناقشان على الإطلاق الأسباب الجوهرية التي تدفع مواطني دول الجنوب للهجرة، وعلى رأسها الحروب والتغيرات المناخية، وبالتالي، فإنه من المتوقع أن تستمر مسارات الهجرة غير الشرعية كما هي، ولكن بطرق أكثر مناورة وخداعاً وخطراً عما سبق للالتفاف كل القوانين المشددة. 

• غلق الباب أمام جذب المواهب العالمية: يرى منتقدو التشريع الفرنسي أنه سيقوض بشكل خطر استراتيجية فرنسا لجذب المواهب العالمية؛ إذ إن إلزام الطلاب الدوليين بدفع وديعة تأمين تصل إلى 3070 يورو أمر من شأنه عرقلة البرامج الجامعية للتبادل الطلابي، مما أثار غضب رؤساء الجامعات الفرنسية، معتبرين أن هذا التشريع يتعارض مع روح التنوير الفرنسية والأوروبية على حد سواء. 

• تقوية الشعبوية اليمينية: من الخطأ افتراض أن سياسة "الردع" التي يتبناها الأوروبيون حالياً بشأن الهجرة ستضعف أحزاب اليمين المتطرف؛ والتي باتت لديها قاعدة جماهيرية عريضة، وربما ستربط أي إصلاحات اقتصادية محتملة بتلك القوانين المشددة تجاه الهجرة واللجوء، مع العلم بأن تلك الأحزاب ليست أحزاب تركز على موضوع الهجرة فقط، ولكنها تطرح أجندة سياسية متكاملة، وتسعى للوصول إلى السلطة، وهو ما يمكن تطبيقه على الحالة الإيطالية ووصول ميلوني إلى سدة الحكم، وبالتالي، لا ينبغي أن نتوقع حدوث معجزة لتخلي اليمين المتطرف عن طموحاته السياسية في سبيل إقرار قوانين تشريعية متشددة بشأن الهجرة. 

• تأصيل مهدد الهجرة واللجوء: حذر المحللون من أن تلك التشريعات ستزيد من تشجيع المشاعر المناهضة للهجرة، ولاسيما مع تصريح عالم السياسة الفرنسي جان إيف كامو، بأن فكرة "التفضيل الوطني"، ستجعل القانون الفرنسي يضفي الشرعية على رؤية الهجرة باعتبارها تهديداً متأصلاً في المجتمع الفرنسي. أو بعبارة أخرى، إن التشريع "يترك المجال مفتوحاً لكراهية الأجانب دون عوائق، وربما يمثل "هجوماً خطراً" على حقوق المهاجرين. وفي هذا السياق، يمكن الإشارة إلى أن تلك الخطوات ربما ستعزز تحقيق نظرية "الاستبدال العظيم" (Le Grand Remplacement)، وهي نظرية يمينية للكاتب الفرنسي رينو كامو، تنص على أن السكان الفرنسيين البيض ذوي الأصول الكاثوليكية، والسكان الأوروبيين المسيحيين البيض بوجه عام، يجري استبدالهم بشكل منتظم بغير الأوروبيين من مناطق الشرق الأوسط وإفريقيا جنوب الصحراء. 

وختاماً، يمكن القول إن الاتفاق السياسي الأوروبي حول إصلاح نظام الهجرة واللجوء ما هو إلا أداة للحد بشدة من حقوق المهاجرين واللاجئين. ولا يختلف القانون الفرنسي كثيراً، إذ يعاقب الباحثين عن حياة آمنة لهم ولأسرهم؛ فهدفه الرئيس الحد من الحماية الاجتماعية على أساس الجنسية، وهو الأمر الذي يزعج المدافعين عن حقوق الإنسان، كونه يتعارض مع القيم الفرنسية الليبرالية التي تدعو إلى المساواة. 

وهكذا، قد يكون الاتفاق الأوروبي إنجازاً سياسياً، وقد يكون التشريع الفرنسي الجديد لحظة تاريخية لصالح الفرنسيين، إلا أن تلك الخطوات لم تأخذ في اعتبارها الأسباب المتأصلة وراء تصاعد موجات الهجرة واللجوء، إذ تُغفل تزايد عدد الصراعات العسكرية حول العالم وبالتحديد في منطقتي الشرق الأوسط والساحل الإفريقي، فضلاً عن تزايد عدد الأشخاص الذين سيضطرون إلى الفرار من الكوارث المناخية.