أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

تدخل مباشر:

تعامل أقاليم الجوار مع أزمات الشرق الأوسط

30 أغسطس، 2016


تبدي الأقاليم المجاورة لمنطقة الشرق الأوسط اهتمامًا خاصًا بالتداعيات التي بدأت تفرضها الأزمات المختلفة التي تشهدها المنطقة على أمنها ومصالحها. ورغم اتساع نطاق الخلافات بين دولها في التعامل مع بعض الملفات التي تحظى باهتمام مشترك، إلا أن ذلك لم يمنعها من اتخاذ خطوات إجرائية تهدف إلى رفع مستوى التنسيق فيما بينها للتعامل مع تلك التداعيات، وربما تشكيل قوة مشتركة للتدخل في أزمة محددة داخل إحدى الدول.

ومن دون شك، فإن اتجاه دول تلك الأقاليم إلى تفعيل العمل الجماعي فيما بينها يعود إلى اعتبارات عديدة، يتمثل أبرزها في تصاعد حدة التهديدات التي باتت تواجهها تلك الدول، سواء بسبب تمدد التنظيمات الإرهابية التي نجحت في نقل عملياتها الإرهابية من سوريا والعراق إلى أنحاء مختلفة من العالم وتمكنت من تجنيد عناصر متطرفة من دول مختلفة، أو بسبب تزايد احتمالات تمدد حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني التي تواجهها بعض الدول إلى الأقاليم المجاورة، فضلاً عن إدراك تلك الدول لعدم قدرة التحرك الفردي، رغم أهميته، على تحقيق مجمل تلك الأهداف، حيث بات العمل الجماعي نمطًا سائدًا في سياسات القوى الإقليمية والدولية المعنية بأزمات الشرق الأوسط.

أنماط متعددة

بدأت بعض الأقاليم المجاورة لمنطقة الشرق الأوسط في اتخاذ إجراءات متعددة للتعامل مع أزماتها المختلفة، ويتمثل أبرزها في:

1- تشكيل قوة حماية إقليمية للتدخل في جنوب السودان، وهي المبادرة التي طرحتها الهيئة الحكومية للتنمية لدول شرق أفريقيا "إيجاد" لإنقاذ اتفاق السلام في جنوب السودان الذي تم توقيعه في أغسطس 2015، بعد اتساع نطاق المواجهات المسلحة في يوليو 2016، بين قوات الرئيس سيلفا كير ميارديت ونائبه السابق رياك مشار والتي تتخذ طابعًا عرقيًا ملحوظًا، بشكل أدى إلى مقتل نحو 300 شخص ونزوح ما يقرب من 70 ألف شخص آخر.

وقد حظيت تلك المبادرة بتأييد من جانب الدول التي شاركت في قمة الاتحاد الأفريقي التي عقدت في كيجالي يومي 17 و18 يوليو 2016، كما أنها حصلت على دعم دولي من قبل مجلس الأمن الذي أصدر القرار رقم 2304، في 12 أغسطس 2016، والذي قضى بأن تشمل بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان قوة حماية إقليمية مكونة من 4 آلاف جندي، تشارك فيها، حسب ما أشارت تقارير عديدة، إثيوبيا وكينيا ورواندا، وذلك بهدف تكريس حالة من الاستقرار في العاصمة جوبا والحيلولة دون تنفيذ هجمات ضد مواقع حماية المدنيين التي تتبع الأمم المتحدة.

وقد اعتبرت مجموعة "إيجاد" أن تشكيل تلك القوة يمكن أن يساهم في حماية اتفاق السلام وذلك من خلال العمل على تقليص حدة الصراع المسلح داخل جنوب السودان ودعم جهود إحلال الاستقرار في تلك المنطقة التي عانت من صراعات عرقية مزمنة في الفترة الماضية من أجل منح الأولوية للتنمية.

لكن اللافت في المبادرة التي طرحتها المجموعة هو أنها حرصت على تأكيد أهمية أن يتزامن تشكيل القوة الإقليمية الجديدة مع فتح تحقيق دولي لتحديد المسئولين عن تجدد المواجهات المسلحة الأخيرة في جنوب السودان، باعتبار أن المهمة الأساسية للأطراف الإقليمية والدولية المعنية بالمشكلة لا تنحصر فقط في إعادة الهدوء والاستقرار لجنوب السودان، وإنما تمتد أيضًا إلى منع تجدد تلك الاشتباكات في المستقبل بشكل يمكن أن يؤدي إلى انهيار اتفاق السلام وتصعيد حدة الصراع الداخلي الذي يمكن أن ينتقل إلى دول الجوار.

2- اتجاه المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس" إلى بحث تشكيل قوة إقليمية مشتركة لمكافحة الإرهاب، إلى جانب تبادل المعلومات ورفع مستوى التنسيق السياسي والأمني بين دول المنطقة، وذلك بعد تصاعد العمليات الإرهابية التي قامت بها حركة "بوكو حرام" النيجيرية وتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" في دول مثل نيجيريا وبوركينافاسو وساحل العاج ومالي وغيرها. وتؤشر تلك الخطوة إلى أن دول غرب أفريقيا بصدد اتخاذ خطوات إجرائية لتفعيل التعاون فيما بينها في مجال مكافحة الإرهاب، خاصة بعد تشكيل مجموعة الدول الخمس في الساحل الأفريقي، في فبراير 2014، لتنسيق وتطوير التعاون الإقليمي في مجال مكافحة الإرهاب.

3- تركيز بعض دول بحر قزوين على محاربة الإرهاب، وهو ما بدا جليًا في القمة الثلاثية التي عقدت في العاصمة الآذرية باكو في 8 أغسطس 2016، بين الرئيس الروسي فيلاديمير بوتين ونظيريه الآذري إلهام علييف والإيراني حسن روحاني، والتي منحت الأولوية، كما جاء في بيانها الختامي، لمحاربة التطرف والجريمة العابرة للحدود، إلى جانب رفع مستوى التعاون الاقتصادي بين الدول الثلاث.

4- تدخل الاتحاد الأوروبي بشكل مباشر في أزمات الشرق الأوسط، من أجل احتواء تداعياتها السلبية التي وصلت إلى داخل حدوده، حيث بدأ يتحرك بشكل جماعي، وهو ما انعكس في توقيع اتفاق اللاجئين مع تركيا في مارس 2016، والذي قضي بإعادة كل اللاجئين غير النظاميين (الذين يعبرون من تركيا إلى اليونان) إلى تركيا من جديد في مقابل استقبال لاجئ سوري آخر من تركيا إلى الاتحاد الأوروبي ومنح مساعدات لتركيا تقدر بـ3 مليار يورو لتعزيز قدرتها على استضافة اللاجئين، مع اتخاذ الإجراءات اللازمة لفتح فصل جديد من المفاوضات بين الطرفين بشأن انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي.

ويبدو أن الاتحاد سوف يسعى إلى تبني السياسة نفسها بهدف إعادة المهاجرين إلى الدول التي انتقلوا منها، حيث أشارت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل، في 23 أغسطس 2016، إلى ضرورة إبرام اتفاقات مع دول شمال أفريقيا لإعادة المهاجرين، على غرار الاتفاق مع تركيا. كما طرحت اليونان مبادرة جديدة لعقد قمة لدول جنوب أوروبا في سبتمبر 2016، تشارك فيها كل من اليونان وفرنسا وقبرص وإيطاليا ومالطا والبرتغال وإسبانيا، وذلك لمناقشة المشكلات الخاصة بالهجرة.

أسباب مختلفة

تصاعد انخراط "أقاليم الجوار" في أزمات الشرق الأوسط ربما يمكن تفسيره في ضوء اعتبارات عديدة تتمثل في:

1- اتساع نطاق التهديدات التي فرضتها أزمات المنطقة على تلك الأقاليم: فقد تعرضت بعض الدول الأوروبية لعمليات إرهابية عديدة من جانب تنظيم "داعش"، على غرار فرنسا وبلجيكا وألمانيا، بشكل فرض ضغوطًا قوية على حكوماتها من أجل اتخاذ إجراءات فعالة للتعامل مع تداعيات استقبال اللاجئين والمهاجرين من دول الشرق الأوسط، ودفعها إلى وضع مكافحة الإرهاب على قمة أولوياتها في تعاملها مع أزمات المنطقة، واتخاذ خطوات إجرائية في هذا السياق.

كما بدأت بعض التنظيمات الإرهابية الأخرى، مثل تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" في تنفيذ عمليات إرهابية نوعية في دول غرب أفريقيا، مثل الهجوم الذي وقع في منتجع غراند بسام في كوت ديفوار، في 13 مارس 2016، والذي سبقه هجومان على فندقين في مالي وبوركينافاسو، في نوفمبر 2015 ويناير 2016 على التوالي، وذلك بالتوازي مع حرص حركة "بوكو حرام" النيجيرية التي أعلنت، في مارس 2015، مبايعتها لتنظيم "داعش"، على نقل عملياتها الإرهابية من نيجيريا إلى مالي وتشاد والنيجر.

2- تزايد أعداد المقاتلين الأجانب المنضمين للتنظيمات الإرهابية: بدأت اتجاهات عديدة داخل دول آسيا الوسطى والقوقاز في توجيه تحذيرات من إمكانية عودة المقاتلين الذين انضموا للتنظيمات الإرهابية، لاسيما تنظيم "داعش"، إلى دولهم من جديد، بكل ما يفرضه ذلك من تداعيات سلبية عديدة على أمن واستقرار تلك الدول. وتشير تقديرات عديدة إلى أن عدد الذين انضموا من دول آسيا الوسطى إلى التنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق تجاوز 4000 مقاتل، بشكل يزيد من احتمالات تعرض تلك الدول لعمليات إرهابية في الفترة القادمة، خاصة بعد إعلان تنظيم "داعش" عن تأسيس "ولاية خراسان" في باكستان وأفغانستان في يناير 2015، وبعد إعلان بعض التنظيمات الإرهابية في تلك الدول عن دعمها لـ"داعش" على غرار حركة "أوزبكستان الإسلامية" التي أشارت تقارير عديدة إلى أن عددًا كبيرًا من مقاتليها قاموا بالانضمام إلى "داعش" في سوريا والعراق.

كما كشفت تقديرات عديدة عن أن عدد الأوروبيين الذين انضموا للتنظيمات الإرهابية، ولا سيما تنظيم "داعش"، وصل إلى حوالي 7 آلاف مقاتل، وأشارت مؤسسة الاستشارات الأمنية "صوفان" ومقرها نيويورك إلى أن ما بين 20 إلى 30% من هؤلاء المقاتلين يمكن أن يعودوا إلى بلادهم مرة أخرى.

3- منع انتقال الصراعات الداخلية إلى دول الجوار: وهو ما يبدو جليًا في حالة جنوب السودان، حيث تسعى مجموعة "إيجاد" إلى منع تجدد الصراع الداخلي، بشكل يمكن أن يفرض تداعيات سلبية على حالة الاستقرار السياسي والأمني داخلها، لا سيما أن بعض دول المجموعة، على غرار رواندا، عانت من صراعات داخلية مريرة خلال الفترة الماضية، ومن هنا يمكن تفسير إصرار المجموعة على ضرورة تحديد الأطراف المسئولة عن تجدد الاشتباكات الأخيرة، باعتبار أن ذلك يمكن أن يمثل آلية لحماية اتفاق السلام والحيلولة دون اندلاع مزيد من المواجهات خلال المرحلة القادمة.

وفي النهاية، يمكن القول إن أقاليم الجوار تتجه تدريجيًا نحو تصعيد انخراطها في أزمات الشرق الأوسط، بأدوات مختلفة، وذلك بهدف مواجهة التنظيمات الإرهابية التي بدأت في نقل عملياتها إلى بعض دول تلك الأقاليم، أو دعم الاستقرار في بعض دول الأزمات بهدف منع تمدد تداعياتها السلبية إلى الأقاليم المجاورة. 

لقراءة النص كاملاَ رجاءً الضغط هنا