أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

تحجيم القدرات:

كيف يواجه التحالف العربي التصعيد العسكري للحوثيين؟

19 يونيو، 2019


صعَّدت ميليشيا الحوثيين مؤخرًا من عملياتها الإرهابية ضد التحالف العربي في اليمن، بالتزامن مع التوترات التي تشهدها المنطقة. ولم تقتصر هجمات الحوثيين على قوات التحالف المتواجدة في اليمن دعمًا للشرعية؛ لكنها امتدت أيضًا -وبشكل لافت- لاستهداف المنشآت الحيوية في الأراضي السعودية، ولا سيما في المناطق الجنوبية المجاورة لليمن، والتي تضم جازان ونجران وعسير. وردًّا على ذلك، توعد التحالف العربي باتخاذ إجراءات عاجلة لردع الحوثيين، مع التركيز على شن ضربات جوية تستهدف قدراتهم العسكرية التي يحصلون عليها من إيران، بما تشمله من صواريخ نوعية وطائرات بدون طيار "درونز".

تصعيد بالوكالة:

تزامن التصعيد العسكري الحوثي مع تزايد التوترات في منطقة الخليج العربي بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة، وإيران ووكلائها الإقليميين من جهة أخرى، على خلفية تشديد واشنطن عقوباتها على طهران من أجل إلزام الأخيرة بإبرام اتفاق جديد مع الولايات المتحدة بديلًا عن الاتفاق المُوقَّع في عام 2015، وهي الضغوطات التي قُوبلت بتهديدات إيرانية بإغلاق مضيق هُرمز، واستهداف مصالح واشنطن ودول الخليج في المنطقة، في حال مُنعت إيران من تصدير نفطها.

وإذا كان "حزب الله" اللبناني هو أكثر الميليشيات الموالية لإيران فعالية على مدى طويل؛ لكن يبدو أن ميليشيا الحوثيين أصبحت الوكيل الإقليمي المُفضل حاليًّا لدى طهران في إدارتها لعملياتها التصعيدية ضد واشنطن، وذلك وفقًا لتقرير نشرته "فورين بوليسي" الأمريكية يوم 4 يونيو الجاري، وهذا ربما أكدته الهجمات الإرهابية التي اعترف الحوثيون بشنها مؤخرًا في الأراضي السعودية أو حتى تلك التي تم إفشالها من قِبل المملكة. ويمكن الوقوف على مؤشرات التصعيد العسكري الحوثي ضد دول التحالف العربي، ولا سيما السعودية، في الفترة الأخيرة، من خلال الآتي:

1- عرقلة المسار السياسي في اليمن: فعلى الرغم من مرور نحو 6 أشهر على توقيع اتفاقيات السويد في ديسمبر 2018 بين الحكومة الشرعية اليمنية والحوثيين، برعاية الأمم المتحدة، وهي الاتفاقيات التي تنص من بين بنودها على انسحاب قوات الميليشيا من محافظة الحديدة؛ إلا أن الحوثيين لم يلتزموا كعادتهم بتنفيذ هذه الاتفاقيات، ولجئوا إلى المماطلة من خلال وضعهم شروطًا تعجيزية أمام مبعوث الأمم المتحدة "مارتن غريفيث"، من أجل تنفيذ اتفاقيات السويد، مثل: المطالبة بفتح مطار صنعاء، وتسهيل الأمم المتحدة مساعي الحوثيين لبيع النفط الموجود في الخزان العائم بميناء رأس عيسى في الحديدة وتوريد عائداته إلى البنك المركزي الخاضع لسيطرة الميليشيا في صنعاء، وصرف مرتبات موظفي الدولة الموجودين في صنعاء. 

كما تبنى الحوثيون سياسة "الخداع"، وهو ما ظهر في إقدامهم، يوم 11 مايو الماضي، على تنفيذ إعادة انتشار أُحادي "وهمي" من موانئ الحديدة الثلاثة، على عكس ما تضمنته اتفاقيات السويد، وهي الخطوة التي دعمها بشكل مفاجئ المبعوث الأممي إلى اليمن، في انحياز واضح منه للحوثيين، ما أثار انتقادات الحكومة الشرعية ودول التحالف، وظهرت بعدها مطالبات موجهة للأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو جوتيريش، لتغيير مبعوثه لدى اليمن نظرًا لعدم حياديته.

ويبدو أن الحوثيين استغلوا فترة ما بعد اتفاقيات السويد لإعادة تنظيم صفوفهم مرةً أخرى بعد الخسائر الميدانية التي تعرضوا لها خلال الأشهر الماضية تحت ضغط عسكري من قوات الشرعية المدعومة من التحالف العربي. كما تُشير المعطيات إلى تنفيذ الحوثيين أجندة وتعليمات داعمهم الرئيسي (إيران)، التي بدورها تُوظف الميليشيا في تهديد مصالح السعودية والإمارات.

2- ضرب المنشآت النفطية: إذ تعرضت محطتا ضخ نفط تابعتان لشركة "أرامكو" في محافظتي الدوادمي وعفيف بالعاصمة السعودية الرياض، لهجوم باستخدام "درونز" مفخخة، يوم 14 مايو الماضي، وأكدت ميليشيا "الحوثيين" مسئوليتها عن الحادث، محذرةً مما أسمته "حربًا شاملة ستكون السعودية والإمارات أكبر الخاسرين فيها"، على حد زعمها. وكان توقيت هذا الهجوم الحوثي له دلالة مهمة، حيث إنه أعقب عمليات تخريبية استهدفت 4 سفن تجارية بالقرب من ميناء الفجيرة في المياه الاقتصادية الإماراتية، يوم 12 مايو الماضي، بما يُعزز من الاتهامات الموجهة لإيران بتوظيف وكيلها الحوثي في استهداف مصالح دول الخليج العربية المعارِضة لسياسات طهران المزعزعة لاستقرار المنطقة.

كما ألمح التحالف العربي إلى إمكانية تورط الحوثيين في الهجوم على ناقلتي نفط في خليج عُمان، يوم 13 يونيو الجاري، حيث أكد المتحدث باسم التحالف، العقيد الركن "تركي المالكي"، أنّ بوسعه ربط هذا الحادث بهجوم آخر نفذته الميليشيا الانقلابية ضد ناقلة نفط سعودية في مياه البحر الأحمر في يوليو 2018.

3- استهداف المطارات: استمر الحوثيون في محاولاتهم التصعيدية لاستهداف المنشآت الحيوية في السعودية، وركزوا هنا على المطارات التي يستخدمها آلاف المدنيين يوميًّا، بهدف تكبيد المملكة أكبر خسائر ممكنة، وذلك في إطار "حرب الوكالة" التي تشنها الميليشيا نيابة عن طهران. وفي هذا الإطار، أكدت قوات الدفاع الجوي السعودي نجاحها في اعتراض طائرات بدون طيار تحمل متفجرات أطلقها الحوثيون في اتجاه مطار نجران يومي 21 و23 مايو الماضي، فضلًا عن إسقاط طائرة حوثية أخرى حاولت استهداف مطار الملك عبدالله بجازان يوم 26 من الشهر نفسه.

ثم أعلن الحوثيون مسئوليتهم عن هجوم إرهابي بصاروخ "كروز" استهدف مطار أبها الدولي جنوبي السعودية، يوم 12 يونيو الجاري، مما أسفر عن إصابة 26 مدنيًّا، وهو ما يؤكد استمرار إيران في دعم الحوثيين بأسلحة نوعية متقدمة. ولم يكن هذا الحادث هو الأخير، حيث اعترضت قوات الدفاع الجوي السعودي في الأيام التالية له عددًا آخر من "الدرونز" الحوثية.كما هدد المتحدث باسم الميليشيا "يحيى سريع"، يوم 17 يونيو الجاري، قائلًا: "إن مطارات أبها وجيزان ونجران أصبحت غير آمنة وستُستهدف بشكل دائم ومتواصل.. وعملياتنا ستطال أهدافًا حساسة في أماكن أخرى لا يتوقعها النظام السعودي"، على حد قوله.

إجراءات التحالف:

توعد التحالف العربي باتخاذ إجراءات عاجلة لردع هجمات الحوثيين الإرهابية، حيث أكد المتحدث باسم التحالف، العقيد الركن "تركي المالكي"، يوم 27 مايو الماضي، أن التحالف العربي لن يسمح بأن تستمر ميليشيا الحوثيين في استهداف المناطق السكنية بالصواريخ، وأنه سيتخذ الإجراءات اللازمة لتحييد القدرات الصاروخية لدى الميليشيا المدعومة من إيران. كما تعهد نائب وزير الدفاع السعودي، الأمير "خالد بن سلمان"، يوم 13 يونيو الجاري، بمواجهة جرائم الحوثيين بحزم وصرامة. وتمثلت أبرز إجراءات التحالف العربي للرد على الهجمات الأخيرة للحوثيين، فيما يلي:

1- تحجيم القدرات العسكرية للحوثيين: شنت مقاتلات التحالف العربي، يوم 16 يونيو الجاري، سلسلة غارات على أهداف نوعية للحوثيين في صنعاء وصعدة، حيث استهدفت أسلحة نوعية ومخازن "درونز" للميليشيا. وتعد هذه الغارات استمرارًا لعمليات عسكرية مماثلة سبق أن نفذتها قوات التحالف منذ بداية العام الجاري، لتدمير الشبكة الخاصة بالقدرات والمرافق اللوجستية للطائرات بدون طيار التابعة للحوثيين، وكذلك أماكن تواجد المُشغلين لها من عناصر الميليشيا. ويبدو أن الحوثيين يعملون على تقليل خسائرهم من هذه الضربات، عبر توزيع قدراتهم العسكرية على أكثر من موقع، وربما يفسر ذلك استمرار الميليشيا في شن هجماتها ضد التحالف بالرغم من كثرة الضربات التي استهدفت مخازن أسلحتها على مدار الأشهر الماضية.

2- مواصلة العمليات العسكرية لتحرير المناطق اليمنية من قبضة الحوثيين: تسعى قوات الشرعية اليمنية، وبدعم من التحالف العربي، لاستعادة سيطرتها على كامل الأراضي اليمنية وتحريرها من الانقلابيين، حيث تسيطر الشرعية حاليًّا على نحو 85% من اليمن، وفقًا لتأكيدات التحالف في بداية يونيو الجاري. وفي هذا الإطار، ومع عرقلة الحوثيين لمسار الحل السياسي، كثفت قوات الشرعية مؤخرًا من عملياتها العسكرية ضد الميليشيا، حيث أعلن التحالف العربي، في 29 مايو الماضي، عن بدء عملية نوعية جديدة باسم "صمود الجبال" في محافظة الضالع، وسط اليمن، مستهدفة مواقع عسكرية للحوثيين، وهذه العملية استكمال لانتصارات الشرعية خلال الأسابيع الماضية في جبهات شمالي الضالع، ومنها ما حققته عملية "قطع النفس" التي بدأت في 10 مايو الماضي، حيث تعرض على إثرها الحوثيون لخسائر كبيرة.

في المُجمل، يمكن القول إن تراجع فرص نجاح المسار السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة في اليمن، وزيادة التوترات في المنطقة بين واشنطن وطهران وما يترتب عليها من توظيف الأخيرة لوكلائها الإقليميين -وعلى رأسهم الحوثيون- في استهداف مصالح دول الخليج العربية؛ يدفع إلى مزيدٍ من التصعيد العسكري في الساحة اليمنية بين دول التحالف العربي الداعمة للشرعية، وميليشيا الحوثيين المدعومة من إيران، حيث يعمل التحالف على الحد من تهديدات الميليشيا.