أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

تداعيات التراجع:

لماذا صعّدت "طالبان" هجماتها في أفغانستان؟

30 يناير، 2018


بدأت حركة "طالبان" الأفغانية مجددًا في رفع مستوى عملياتها الإرهابية داخل أفغانستان. إذ لم تعد تقتصر على استهداف قوات الشرطة والجيش، وإنما تجاوزت ذلك لتشمل البعثات الدبلوماسية والمصالح الأجنبية. لكن اللافت في هذا السياق، هو أن ذلك قد لا يعود إلى تزايد قدرات الحركة بقدر ما يعود إلى تراجع نفوذها واستمرار حالات الانشقاق داخلها. 

وبمعنى أدق، فإن الضعف الشديد الذي بدت عليه الحركة في الفترة الأخيرة نتيجة الضربات القوية التي تعرضت لها من أكثر من جهة، دفعها، في الغالب، إلى تصعيد تلك العمليات، دون أن يكون لذلك تأثير كبير على توازنات القوى داخل أفغانستان، التي تواجه أزمة أمنية مزمنة لم تنجح السياسات التي تتبناها القوى الإقليمية والدولية المعنية بها في احتواء تداعياتها حتى الآن.

هجمات متعددة

تحاول "طالبان"، على ما يبدو، التعامل مع التحديات العديدة التي تواجهها في المرحلة الحالية من خلال تبني سياسة تصعيدية، وهو ما انعكس في الهجوم الانتحاري الأخير الذي سارعت إلى إعلان مسئوليتها عنه، في 27 يناير الجاري، واستهدف، عبر تفجير سيارة إسعاف، إحدى نقاط التفتيش التابعة للشرطة في القسم الدبلوماسي من العاصمة كابل الذي يضم مؤسسات أمنية ودبلوماسية عديدة، مثل المبنى القديم لوزارة الداخلية والمجلس الأعلى للسلام وبعض المكاتب التابعة للاتحاد الأوروبي، وهو ما أسفر عن مقتل 104 أشخاص وإصابة ما يقرب من 200 آخرين، وذلك بعد أسبوع واحد من الهجوم الذي نفذه 6 من عناصرها على أحد الفنادق في العاصمة وأدى إلى مقتل 22 شخصًا. 

دوافع مختلفة:

اتجاه "طالبان" إلى تصعيد حدة عملياتها الإرهابية في الفترة الحالية ربما يمكن تفسيره في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- ضغوط متزايدة: كان لافتًا أن حرص "طالبان" على تنفيذ هجمات إرهابية نوعية خلال الفترة الأخيرة تزامن مع الإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة الأمريكية ضد الحركة، والتي تهدف إلى تقويضها وإضعافها، من خلال قطع الدعم عنها، خاصة من قبل بعض الأطراف في باكستان، حسب ما تشير إليه بعض التقارير، وذلك في إطار الاستراتيجية الجديدة التي أعلنت عنها واشنطن للتعامل مع التطورات الأمنية في أفغانستان.

وقد عكست التصريحات الأخيرة التي أدلى بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في تعقيبه على الهجوم الإرهابي الذي شنته الحركة قبل يومين، ودعا فيها كل الدول إلى القيام بـ"عمل حاسم" ضد حركة "طالبان"، مدى الاهتمام الأمريكي بمحاربة التنظيمات الإرهابية في أفغانستان، بعد أن تسببت حالة عدم الاستقرار التي تواجهها في استمرار تهديدات الحركة واتجاه بعض التنظيمات الأخرى، على غرار "داعش"، إلى محاولة تأسيس بؤر إرهابية جديدة تابعة لها، عقب تراجع نشاطها بشكل كبير في المناطق التي سيطرت عليها خلال الأعوام الأخيرة.

ووفقًا لتقديرات أمريكية مختلفة، فإن كمية القنابل التي قامت الولايات المتحدة بإلقائها على مواقع التنظيمات الإرهابية في أفغانستان خلال عام 2017 تجاوزت الحملات العسكرية التي شنتها في الأعوام الماضية بنسبة 300%.

وكانت المبعوثة الأمريكية الخاصة إلى أفغانستان وباكستان اليس ويلز قد أكدت، في 9 نوفمبر 2017، على أن هزيمة "طالبان" هى الطريق الوحيد لتدمير "داعش" في أفغانستان، في إشارة إلى رفض المبادرات التي طرحتها بعض الأطراف وتقوم على الوصول إلى تفاهمات مع "طالبان" من أجل القضاء على "داعش"، في ظل التنافس القائم بينهما.

ويبدو أن ذلك لا ينفصل عن التوتر الذي تصاعد بين الولايات المتحدة وباكستان، بعد الاتهامات الأمريكية للأخيرة بـ"التساهل" في التعامل مع "طالبان" والميليشيات الحليفة بها، وهو ما أشار إليه أيضًا الرئيس ترامب بتأكيده على ضرورة اتخاذ إجراءات حاسمة ضد "طالبان ومن يدعمها". 

ومن هنا، رجحت اتجاهات عديدة أن تكون "طالبان" قد تعمدت استهداف فندق "إنتركونتيننتال" في كابول تحديدًا، بسبب وجود بعض الأجانب فيه، ولا سيما الأمريكيين، حيث أسفر الهجوم عن مقتل 22 شخصًا منهم 14 أجنبيًا كان من بينهم 4 أمريكيين، بما يوحي بأنها كانت تحاول الرد على الضغوط المتزايدة التي تفرضها السياسات الأمريكية ضدها.

2- سباق إرهابي: تأثر نفوذ "طالبان" بشكل كبير خلال الفترة الماضية، بسبب اتجاه تنظيم "داعش" إلى توسيع نطاق نشاطه داخل أفغانستان في العامين الأخيرين، حيث تمكن من استقطاب عدد غير قليل من قياداتها وكوادرها، لا سيما في الفترة التي تصاعد فيها نفوذه في المناطق الرئيسية التي ظهر فيها داخل كل من العراق وسوريا.

ومن هنا، مثّل الصراع سمة رئيسية في العلاقة بين الحركة والتنظيم، انعكست في التهديدات المتبادلة التي وجهها كل منهما إلى الآخر. واللافت في هذا السياق، هو أن الإجراءات التي اتخذتها واشنطن في الفترة الماضية ساهمت، طبقًا لرؤية اتجاهات عديدة، في تأجيج هذا الصراع.  

وقد أشارت تقارير أمريكية مختلفة إلى أنه رغم الاهتمام الأمريكي الملحوظ بشن ضربات قوية ضد "طالبان" و"داعش" في أفغانستان، إلا أن ذلك لم يؤد إلى تراجعهما عن محاولات السيطرة على مزيد من المناطق التي تديرها الحكومة الأفغانية، في إطار سعى كل منهما إلى تصدر خريطة التنظيمات الإرهابية في أفغانستان، باعتبار أن ذلك يمثل الآلية الرئيسية التي يمكن من خلالها تكريس النفوذ والحصول على مصادر متعددة للتمويل وضم عناصر إرهابية جديدة.

3- تأثيرات مضادة: يرتبط تصاعد حدة عدم الاستقرار في بعض الدول بنجاح التنظيمات الإرهابية في تعزيز قدراتها. لكن في بعض الأحيان، يمكن أن يفرض تراجع تلك القدرات تداعيات عكسية، وهو ما يبد واضحًا في حالة "طالبان". إذ أن الأخيرة فشلت في استعادة زمام المبادرة من جديد والعودة إلى السيطرة على مساحات واسعة من المناطق التي فقدتها بفعل الضربات العسكرية التي تعرضت لها في الأعوام الأخيرة، وهو ما دفعها إلى محاولة الاستعاضة عن ذلك بتنفيذ عمليات إرهابية نوعية، ضد القوات الحكومية والبعثات الدبلوماسية والمصالح الأجنبية. 

وعلى ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن تصعيد حدة العمليات الإرهابية في أفغانستان سوف يبقى احتمالاً مرجحًا خلال المرحلة القادمة، في ظل التنافس المستمر بين التنظيمات الإرهابية وسعيها إلى الرد على الإجراءات التي تتخذها القوى الإقليمية والدولية المعنية بالملف الأفغاني.