أخبار المركز
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)
  • محمود قاسم يكتب: (الاستدارة السريعة: ملامح المشهد القادم من التحولات السياسية الدرامية في كوريا الجنوبية)
  • السيد صدقي عابدين يكتب: (الصدامات المقبلة: مستقبل العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في كوريا الجنوبية)
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)

الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين:

دوافع التنافس الصيني الأمريكي على النفوذ في غرب إفريقيا

13 فبراير، 2024


قام وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، خلال الفترة من 13 إلى 18 يناير 2024، بجولة إفريقية في إطار تقليد دبلوماسي يمتد إلى 34 عاماً، شملت بالإضافة إلى مصر وتونس، كوت ديفوار وتوغو، الواقعتين في منطقة غرب إفريقيا. تلتها بنحو ثلاثة أيام، جولة مماثلة لنظيره الأمريكي، أنتوني بلينكن، إلى ذات المنطقة في الفترة من 21 إلى 26 يناير، وهي الرابعة له إلى القارة السمراء منذ توليه منصبه، زار خلالها أربع دول، وهي الرأس الأخضر وكوت ديفوار ونيجيريا وأنغولا. وبالتوازي مع هذه الجولة، قامت سفيرة واشنطن لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، أيضاً بجولة تضمنت ثلاث دول أخرى في غرب إفريقيا، وهي غينيا بيساو وسيراليون وليبيريا. وهو ما يعكس وجود تنافس متنامٍ بين بكين وواشنطن على النفوذ والهيمنة في المنطقة ذات الأهمية الجيواستراتيجية للدولتين.

دوافع متباينة:

برزت مُؤخراً دوافع وأسباب عدة مُتباينة، عكست تجدد اهتمام بكين وواشنطن بمنطقة غرب إفريقيا عموماً، والساحل الإفريقي خصوصاً، ما دفعهما إلى زيادة حضورهما في هذه المنطقة، وهو ما يمكن تناوله على النحو الآتي:

1. الحد من الوجود الاستراتيجي للقوى المُنافسة: لا يُعد الحضور الصيني والأمريكي في منطقة غرب إفريقيا والساحل جديداً، بل يمتد لعقود طويلة. وهو ما يعكس الاهتمام المُتزايد من قبل القوتين العظميين بهذه المنطقة ذات الأهمية الجيواستراتيجية لكليهما، وذلك بالنظر إلى ارتباطهما بمصالح عديدة ومتشابكة في المنطقة. وبالتالي، فإنه يمكن تفسير حرص بكين وواشنطن على زيادة حضورهما في المنطقة برغبتهما في الحد من أو تقليل وجود القوة الأخرى المنافسة لها في المنطقة، ومحاولة الانفراد بالسيطرة والنفوذ على المنطقة. وهو ما لا ينفصل عن محاولات الصين والولايات المتحدة لفرض سيطرتهما ونفوذهما على العديد من مناطق العالم الأخرى، في سياق تنافسهما على الزعامة والهيمنة على النظام الدولي.

وقد تمثّل أحد دوافع جولة بلينكن الأخيرة في غرب إفريقيا في مواجهة النفوذ الصيني المتنامي بإفريقيا، إذ تُعد بكين أكبر شريك تجاري للقارة، إذ بلغت قيمة التجارة الثنائية بين الجانبين 282.1 مليار دولار في عام 2023. وبجانب مواجهة الوجود الصيني في منطقة غرب إفريقيا، تحاول الولايات المتحدة أيضاً مواجهة تنامي الحضور الروسي في المنطقة، والذي شهد تزايداً ملحوظاً في الآونة الأخيرة، مما أثار قلق واشنطن، وذلك على خلفية الانقلابات العسكرية التي شهدتها بعض دول المنطقة، واتجاه النظم الجديدة في هذه الدول إلى تعزيز علاقاتها مع روسيا. إذ ترى واشنطن في تزايد الوجود الصيني والروسي في إفريقيا تهديداً لنفوذها في القارة السمراء.

2. ملء الفراغ الناجم عن خروج فرنسا: تشهد منطقة غرب إفريقيا والساحل خلال الفترة الأخيرة حالة من الفراغ العسكري، على خلفية خروج باريس منها في أعقاب سلسلة الانقلابات العسكرية التي شهدتها بعض دول المنطقة، وقيام النظم الحاكمة الجديدة في هذه الدول بإخراج القوات الفرنسية التي كانت موجودة فيها. وهو الأمر الذي أدى إلى تبدل علاقات القوة في المنطقة، ومحاولة سد هذا الفراغ الذي أحدثه خروج فرنسا من المنطقة.

وفي هذا الإطار، تعمل الولايات المتحدة، وبدرجة أقل الصين، على محاولة ملء المكانة التي كانت تحتلها فرنسا في هذه الدول. فمن جانبها، تسعى واشنطن إلى زيادة حضورها في المنطقة عبر التعاون العسكري والأمني وعقد صفقات التسليح مع هذه الدول. في حين ترى بكين أن تنامي المشاعر المعادية لباريس في العديد من دول غرب إفريقيا، ربما يمثل فرصة سانحة بالنسبة لها لزيادة حضورها هناك، ولاسيما على الصعيد الاقتصادي.

3. الإمكانات الاقتصادية الهائلة: تزخر دول غرب إفريقيا بكميات هائلة من الثروات والموارد الاقتصادية المتنوعة، كاليورانيوم والذهب والنفط والغاز، إذ تحتوي على 40% من الاحتياطيات العالمية للذهب، الذي تنتج 70% من إنتاجه العالمي في الوقت الراهن، كما تحتوي على 9% من إجمالي الاحتياطيات العالمية للنفط. كما تمتلك أيضاً سوقاً استهلاكية ضخمة يصل تعدادها إلى 350 مليون نسمة. فضلاً عن أنها تُعد منطقة ذات مستقبل واعد للاستثمارات الخارجية، وهي مقصد للشركات الدولية متعددة الجنسيات. وبالتالي، فهي تعتبر ذات أهمية كبرى للاقتصادين الصيني والأمريكي، في ظل ما تحظى به من إمكانات وموارد اقتصادية ضخمة يمكن أن يصب توظيفها في مصلحة كل من بكين وواشنطن.

4. تنامي عدم الاستقرار السياسي والأمني: شهدت هذه المنطقة خلال الأعوام القليلة الماضية، وما تزال، بروز مجموعة من مُسببات غياب الأمن وعدم الاستقرار، تجلت أبرز ملامحها في الانفلات الأمني، والوجود الكثيف للجماعات الجهادية المسلحة، فضلاً عن تعرض بعض دولها لسلسلة من الانقلابات العسكرية، وهي: مالي في عام 2020، وبوركينا فاسو في عام 2022، والنيجر في عام 2023.

وفي هذا الإطار، ترى الصين أن التقلبات والاضطرابات السياسية في منطقة غرب إفريقيا تؤثر في الأمن والاستقرار، وتجعل عملية التنمية في دول المنطقة، مثل: توغو وكوت ديفوار، تواجه تحديات كبيرة. كما انتقد وزير الخارجية الأمريكي، في لقاء مع إذاعة فرنسا الدولية، استعانة بعض الدول الإفريقية بمجموعة فاغنر الروسية، لما يترتب على ذلك من تزايد انعدام الأمن وانتشار العنف والإرهاب ونهب الموارد.

5. إيجاد طرق بديلة للتجارة الدولية: أبدت الصين قلقاً بالغاً خلال الآونة الأخيرة إزاء المخاطر التي تهدد طرق التجارة البحرية الدولية، ولاسيما بعد أن بدأ المتمردون الحوثيون في اليمن في استهداف السفن التجارية المارة في البحر الأحمر، الأمر الذي يؤثر في التجارة الصينية مع دول العالم.

وبالتالي، فإن الموقع الاستراتيجي المهم لمنطقة غرب إفريقيا على طرق وممرات التجارة الدولية، ولاسيما وأنها تقع على الجانب المواجه للمحيط الأطلسي، يدفع الصين إلى تجديد اهتمامها بهذه المنطقة الاستراتيجية، وهو ما يفسر زيارة وانغ يي إلى كوت ديفوار.

ومن جانب آخر، فقد بدا لافتاً للانتباه أن الدول الأربع التي شملتها جولة وزير الخارجية الأمريكي في منطقة غرب إفريقيا تطل جميعاً على المحيط الأطلسي وتمتلك شواطئ شاسعة. إذ تقع أنغولا وكوت ديفوار ونيجيريا على خليج غينيا، الذي يُعد ممراً حيوياً للطرق البحرية الدولية. كما تكتسب أنغولا أهمية خاصة بالنسبة للولايات المتحدة، في ظل مشاركتها في مشروع ممر لوبيتو الذي يربط بين زامبيا غير الساحلية، والكونغو الديمقراطية الغنية بمواردها المعدنية، وصولاً إلى ميناء لوبيتو الأنغولي المطل على المحيط الأطلسي.

آليات مُتعددة:

في سياق تنافس بكين وواشنطن على زيادة حضورهما في غرب إفريقيا والساحل، توظف الدولتان مجموعة متنوعة من الآليات والأدوات، لتحقيق أهدافهما ومصالحهما في المنطقة، والتي يمكن توضيحها على النحو الآتي:

1. الدعم السياسي للنظم الحاكمة: تحرص الصين والولايات المتحدة، في سياق تنافسهما على الزعامة والنفوذ في منطقة غرب إفريقيا، على إبداء التأييد الواضح للنظم الحاكمة في هذه الدول. فمن جانبها، حرصت بكين خلال الجولة الأخيرة لوزير خارجيتها، وانغ يي، إلى كل من توغو وكوت ديفوار، على إبداء دعمها ومساندتها للدولتين. فقد أكد قائد الدبلوماسية الصينية دعم بلاده لتوغو في مساعيها لتأمين سيادتها وأمنها وتنميتها، وهو الأمر الذي يعكس وجود رغبة متبادلة لدى الدولتين في تعميق العلاقات الثنائية، التي تمتد لخمسة عقود، بينهما في المرحلة المقبلة.

وقد اتضح ذلك أيضاً في إشادة وزير الخارجية الأمريكي بموقف كوت ديفوار إزاء انقلاب النيجر العام الماضي، وكذلك نهجها في "تحقيق الأمن معاً" عن طريق الاستثمار اقتصادياً في محاربة التطرف في المناطق الشمالية المحاذية لمالي وبوركينا فاسو. كما وصف بلينكن أيضاً بلاده بأنها الحليف الاقتصادي والتنموي والأمني الرئيسي للقارة في أوقات الأزمات الإقليمية والدولية. كذلك، أكد خلال وجوده في برايا، عاصمة الرأس الأخضر، التزام واشنطن بـ«تعميق وتعزيز وتوسيع» شراكاتها مع إفريقيا. واصفاً الرأس الأخضر بأنها منارة للاستقرار وصوت قوي في غرب القارة.

2. تعميق التعاون التجاري والاقتصادي: يمثل الجانب الاقتصادي والتجاري أحد الأبعاد المهمة في سياق العلاقات بين الصين ومنطقة غرب إفريقيا، وتتعدد الآليات والأدوات التي توظفها الصين في هذا الإطار. إذ تعمل بكين على توطيد علاقاتها الاقتصادية مع هذه الدول، من خلال التبادلات التجارية والاستثمارية، علاوة على مشاركة هذه الدول في مبادرة الحزام والطريق الصينية.

في هذا الإطار، تعمل الصين على توظيف مبادرة الحزام والطريق كآلية للتعاون الاقتصادي مع دول غرب إفريقيا. فعلى سبيل المثال، قامت شركة هندسة الموانئ الصينية بتوسيع ميناء أبيدجان في كوت ديفوار وتحويله إلى منشأة للمياه العميقة. ويُعد هذا الميناء أحد ثلاثة موانئ رئيسية في منطقة غرب إفريقيا، شاركت الصين في توسعتها، بجانب مينائي كريبي في الكاميرون، وليكي في نيجيريا.

وتُعد كوت ديفوار بوابة رئيسة للصين في منطقة غرب إفريقيا، ولاسيما مع تولي شركات صينية مشروعات تجديد ميناء أبيدجان وافتتاحها مرافئ شحن جديدة بالميناء في مارس 2022. وقد مثّلت زيارة وانغ يي إلى كوت ديفوار دفعة قوية في العلاقات الاقتصادية بين البلدين، إذ تموّل الصين العديد من مشروعات البنية الأساسية الضخمة في هذا البلد. كما أصبحت الصين الشريك التجاري الأول لكوت ديفوار مع تضاعف حجم التجارة بين البلدين من 1.85 مليار دولار في عام 2017، إلى 4.46 مليار دولار في عام 2022. علاوة على توقيع اتفاق لمنح ياماسوكرو صفقة حافلات كهربائية.  

وبدورها تتعاون الولايات المتحدة مع الرأس الأخضر في مجال إنفاذ القانون والاعتراضات البحرية. وأجرى بلينكن جولة في ميناء العاصمة برايا، إذ قدمت واشنطن منحة للرأس الأخضر تبلغ 150 مليون دولار، عبر حزمتين، شملتا توسيع الميناء في العاصمة برايا، وتحسين الطرقات وبناء أنظمة للمياه والصرف الصحي.

3. تعزيز التعاون الأمني والعسكري: تعول الصين على دور أكبر للمجتمع الدولي في العمل على استبباب الأمن والاستقرار في منطقة غرب إفريقيا والساحل. فقد دعا داي بينغ، نائب المندوب الدائم للصين بالأمم المتحدة، في 11 يناير 2024، إلى تحقيق السلام والاستقرار ومكافحة الإرهاب والتنمية الاقتصادية في دول غرب إفريقيا ومنطقة الساحل، من خلال بذل المجتمع الدولي جهوده لدعم هذه الدول في تحقيق هذا الهدف.

كما تعمل الصين على تعزيز وجودها البحري والعسكري في منطقة غرب إفريقيا، من خلال زيارات أساطيلها البحرية إلى المنطقة. وفي هذا الإطار، وصل أسطول بحري صيني بقيادة المدمرة ناننينغ، في 2 يوليو 2023، إلى نيجيريا، بهدف مواجهة التهديدات التي تعترض الأمن البحري والحفاظ على الاستقرار في خليج غينيا، وذلك بالتعاون مع القوات البحرية النيجيرية.

وهناك أيضاً تعاون أمني بين الصين وكوت ديفوار، تجلت أبرز ملامحه في توقيع القوات المسلحة الإيفوارية في عام 2023، اتفاقية مع نظيرتها الصينية، لاستيراد 50 عربة مُسلحة، فضلاً عن التعاون بين الدولتين في مجال مكافحة الإرهاب.

أما الولايات المتحدة، فتعمل على ترسيخ وجودها في المنطقة من خلال إقامة القواعد العسكرية. إذ تحاول واشنطن تعميق علاقاتها مع دول غرب إفريقيا التي تتمتع بدرجة كبيرة من الاستقرار، تمهيداً لإقامة قواعد عسكرية جديدة تقلل من اعتمادها على قاعدة أغاديس، التي أقامتها واشنطن في شمال النيجر بتكلفة 100 مليون دولار، وتضم ألف جندي أمريكي، ولاسيما في ظل حالة عدم الاستقرار التي تعاني منها النيجر بعد الانقلاب العسكري الأخير.

كما تعهد وزير الخارجية الأمريكي، خلال جولته الأخيرة، بتعزيز التعاون مع كوت ديفوار في مجال تدريب القوات الأمنية. وتعهدت واشنطن بتقديم تمويل إضافي قدره 45 مليون دولار، للمساعدة على مكافحة النزاعات، وإحلال الاستقرار في منطقة الساحل، وذلك في إطار خطة لمحاربة عدم الاستقرار ما يرفع إجمالي التمويل بموجب البرنامج الذي بدأ قبل عام إلى 300 مليون دولار تقريباً.

تداعيات التنافس:

هناك العديد من التداعيات التي يمكن أن تترتب على تنامي التنافس الصيني الأمريكي في منطقة غرب إفريقيا والساحل، ويمكن توضيح أهمها على النحو التالي:

1. تزايد الحضور الصيني: من المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة تزايداً ملحوظاً في الانخراط الصيني في منطقة الغرب الإفريقي، ولاسيما من الناحية الاقتصادية والتجارية والاستثمارية، وهو الجانب الذي تركز عليه الصين بدرجة كبيرة في إطار علاقاتها مع دول المنطقة، في ظل حاجة اقتصادها إلى النفط والثروات المعدنية الكبيرة التي تزخر بها المنطقة، وكذلك حاجة الأخيرة إلى الاستثمارات الصينية. فقد قامت بكين خلال العقود القليلة الماضية بضخ استثمارات ضخمة في إفريقيا في مجالات منها تطوير البنية التحتية والموارد الطبيعية. كما نجحت في تجاوز الولايات المتحدة كأكبر مستثمر في إفريقيا.

وتشير تقديرات إلى أن تحسن القوة الوطنية الشاملة للصين، سيؤدي إلى تزايد نفوذ الصين في إفريقيا في القرن الحادي والعشرين، وذلك بصرف النظر عن المحاولات الأمريكية للحد من توسعها في إفريقيا، والتي تعكس قلق واشنطن الاستراتيجي بشأن الصين.

2. تراجع الحضور الأمريكي: على الرغم مما عكسته جولة وزير الخارجية الأمريكي الأخيرة في منطقة غرب إفريقيا والساحل من تجدد الاهتمام الأمريكي بالقارة الإفريقية وقضاياها، فإن ثمّة اتجاهاً يذهب إلى أن تركيز الولايات المتحدة بشكل كبير على التعامل مع الأزمات المتفاقمة في منطقة الشرق الأوسط، كالحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، والأوضاع المضطربة في البحر الأحمر، علاوة على أزمة الحرب في أوكرانيا، بجانب انشغالها بالتنافس مع الصين، وعدم وفاء الرئيس الأمريكي جو بايدن بتعهده بزيارة إفريقيا في العام الماضي، يجعلها لا تبدي اهتماماً كبيراً بالتعامل مع الأوضاع في منطقة غرب إفريقيا والساحل، وهو ما يضعف قدرتها على تحقيق الأمن والاستقرار في غرب إفريقيا، وهو ما يجعل هذه المنطقة ساحة لتزايد النفوذ الصيني والروسي. 

3. إشكالية المُوازنة بين بكين وواشنطن: يفرض التنافس بين الصين والولايات المتحدة على الزعامة والنفوذ في منطقة غرب إفريقيا على دول هذه المنطقة ضرورة الموازنة في علاقاتها بين الدولتين، لتجنب الانحياز إلى أحد الجانبين. ومن الواضح أن دول المنطقة تُدرك بشكل كبير هذه الإشكالية وتُدير علاقاتها مع الدولتين بناء على حسابات دقيقة تُراعي فيها مصلحتها الوطنية بالدرجة الأولى، دونما أي اعتبار لاعتبارات التنافس الاستراتيجي بين بكين وواشنطن في المنطقة. ومما يعضد هذا الاستنتاج، أن دول القارة بدأت في التخلص تدريجياً من وضعها "التابع"، كما أصبحت خياراتها في مجال تمويل التنمية أكثر تنوعاً، وتحسنت قدرتها على المساومة، ولاسيما مع ظهور مجموعة "الجنوب العالمي".

وفي التقدير، يمكن القول إن الفترة الأخيرة شهدت بروز العديد من العوامل التي دفعت الصين والولايات المتحدة إلى زيادة حضورهما في منطقة غرب إفريقيا والساحل، بما يعكس تجدد التنافس بين القوتين الكبريين على النفوذ والهيمنة في هذه المنطقة الجيواستراتيجية من إفريقيا والعالم، عبر توظيف كل طرف منهما لما يمتلكه من آليات وأدوات دبلوماسية واقتصادية وعسكرية، لتحقيق أقصى استفادة ممكنة، بما يصب في زيادة نقاط القوة لطرف على حساب الآخر. ومع ذلك، فإن الواقع يُشير إلى أن الصين تمضي بخطى واثقة نحو ترسيخ وجودها في الغرب الإفريقي والساحل، ارتكازاً إلى دبلوماسيتها الاقتصادية والتجارية، في الوقت الذي يتضاءل فيه نسبياً الاهتمام الأمريكي بالفعل بأزمات المنطقة، رغم زيارات كبار دبلوماسييها، بسبب انشغالها بأزمات إقليمية وعالمية أخرى تحظى بالأولوية لدى واشنطن على حساب إفريقيا. وهو ما يترك المجال مفتوحاً أمام بكين لزيادة حضورها في القارة من بوابة قيادتها لما يسمى "الجنوب العالمي".

*لينك المقال في الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين*