أخبار المركز
  • فعاليات وإصدارات متنوعة لمركز "المستقبل" في معرض "القاهرة الدولي للكتاب" 2025
  • د. محمد بوشيخي يكتب: (سيناريوهان متعارضان: مستقبل داعش في سوريا بين التراجع أو المواجهة)
  • د. أحمد قنديل يكتب: (تعايش أم صدام؟! الترامبية الجديدة ومستقبل العلاقات الأمريكية الصينية)
  • صدور العدد السابع من "التقرير الاستراتيجي" بمشاركة أكثر من 30 خبيراً
  • إبراهيم الغيطاني يكتب: (ملاعب بيئية: فرص انتشار الطاقة المتجددة في صناعة الرياضة)

تحالف استراتيجي:

ما وراء اتفاقية المئة عام بين بريطانيا وأوكرانيا؟

28 يناير، 2025


وقّعت بريطانيا وأوكرانيا، في 16 يناير 2025، على اتفاقية تعاون لمدة 100 عام، جاء ذلك في أعقاب إعلان بريطانيا عن تقديم مساعدات عسكرية لأوكرانيا بقيمة 3.6 مليار دولار هذا العام، حيث تم الإعلان عن الاتفاقية خلال مؤتمر صحفي مشترك في العاصمة الأوكرانية كييف، في قصر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وتُعد هذه الاتفاقية استكمالاً للاتفاقية الأمنية التي وقعها الرئيس زيلينسكي مع رئيس الوزراء البريطاني السابق ريشي سوناك.

بنود الاتفاقية:

تضمنت الاتفاقية عدداً من البنود مثل تعزيز القدرات الدفاعية المشتركة وتعزيز الأمن الإقليمي، وبناء توافق في الآراء بشأن عضوية أوكرانيا في حلف الناتو، وكذلك تعزيز الشراكة في مجال الأمن البحري وتقوية التعاون الاقتصادي والتجاري المشترك، فضلاً عن عدد من البنود الإجرائية ذات الصلة بإجراء تعديل على الاتفاقية وآليات التعامل في حالة نشوب نزاع بين الطرفين، وذلك على النحو التالي: 

1. تعزيز القدرات الدفاعية: أكّدت الاتفاقية قيام الأطراف المشتركة على تعميق التعاون الدفاعي، وكذلك تعزيز الصناعات الدفاعية بما تشتمل عليه من تنمية وتطوير القوات، والتعاون بين القواعد الصناعية العسكرية، وكذلك تعزيز قدرات أوكرانيا الدفاعية، ونقل وتوطين التكنولوجيا من خلال المبادرات المشتركة، وكذا التركيز على الابتكار وتعزيز حماية حقوق الملكية الفكرية للتكنولوجيات المنقولة، والمواءمة مع متطلبات حلف الناتو.

2. تعزيز الأمن وبناء توافق حول عضوية أوكرانيا في الناتو: أوضحت الاتفاقية أهمية أن تسهم الشراكة البريطانية الأوكرانية في تعزيز الأمن والسلام الأوروبي، مع تأكيد دور أوكرانيا في تدعيم الأمن بالمنطقة، مع التركيز على قابلية أوكرانيا للعمل المشترك ومساهمتها كحليف مُستقبلي في الناتو.

3. تعزيز الشراكة في مجال الأمن البحري: يشتمل هذا البند على سعى الجانبين إلى التصدي للتهديدات والتحديات المركزية التي تواجه الأمن البحري؛ من أجل العمل على استعادة حرية الملاحة، وكذلك تدشين شراكة أمنية بحرية؛ بهدف تعزيز أمن بحر البلطيق والبحر اﻷسود وبحر آزوف.

4. تقوية التعاون الاقتصادي والتجاري: تضمنت الاتفاقية مساعي الطرفين الهادفة إلى تهيئة بيئة مناسبة للتجارة والاستثمار في كلتا الدولتين في العديد من المجالات مثل النقل والطاقة والبنية التحتية، وذلك لدعم ازدهار ومرونة اقتصادهما، كما سيعملان على تعزيز الشمولية الاقتصادية ودعم الجهود الرامية إلى الحد من عدم المساواة ومعالجة الفقر.

5. التعاون في مجال المناخ وتحوّل الطاقة: أكدت الاتفاقية وجوب تعاون الأطراف بمجال الطاقة القائم على مبادئ الاستدامة والتحول الأخضر، وتسهيل شروط الاستثمار في مجال الطاقة بأوكرانيا.

6. زيادة التعاون في مجال العدالة والمساءلة: تضمن ذلك اتخاذ الأطراف خطوات لتعميق التعاون بين قطاعيهما القانونيين وفي المجال الجنائي المدني، وتعزيز التعاون في مجال العقوبات، وكذلك اتخاذهما خطوات لمتابعة مساءلة الدول التي ترتكب انتهاكات للقانون الدولي.

7. مكافحة التلاعب والتدخل الأجنبي في المعلومات: يجب على الأطراف تعميق الروابط المؤسسية بشأن التلاعب والتدخل الأجنبي في المعلومات، وبناء القدرات اللازمة لمواجهة التهديدات المعلوماتية وتمكين الإجراءات التعطيلية الفعالة للرد على التهديدات.

8. تعزيز وضعهم كقادة في مجال العلوم والابتكار والتكنولوجيا: أكدّت الاتفاقية أهمية التصدي للتحديات والتهديدات المشتركة، واغتنام الفرص، ودفع عجلة النمو الشامل المستدام للجميع.  

9. تعزيز الروابط الاجتماعية والثقافية: اشتملت الاتفاقية على تعاون الطرفين في مجموعة من المجالات بما في ذلك حقوق الإنسان والمساواة النوعية والإدماج والرعاية الاجتماعية، وكذلك الصحة والتعليم والمناخ والرياضة وكافة المجالات التي قد تسهم في تعزيز التقارب المجتمعي، حيث ستعمل الأطراف على تعميق التعاون في مجالات الثقافية والحفاظ على التراث الثقافي وتشجيع التعاون في الصناعات الإبداعية.

10. التعاون في مجال الهجرة: أكّدت الاتفاقية التعاون المشترك في مجال الهجرة واللجوء وإدارة الحدود، حيث يشتمل هذا التعاون على معالجة الأسباب الجذرية للهجرة غير النظامية ووضع سياسة فعالة لمكافحة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر وتهريب الأسلحة، حيث اتخذ الطرفان خطوات تدريجية لتسهيل حركة الانتقال بين البلدين، وإقامة مباحثات منتظمة وتبادل المعلومات حول تداعيات الهجرة ومآلات السياسات المتخذة لمكافحتها.

البنود الإجرائية التي اشتملت عليها الاتفاقية:

1. فيما يتعلق بالهيئات المفوضة والاتفاقيات أو الترتيبات الإضافية: يجوز للأطراف -عند الضرورة- تعيين هيئات مفوضة لتطوير وتنفيذ أي التزامات واردة في الاتفاقية، وكذلك يجوز للهيئات المفوضة المعينة من قبل الأطراف إبرام ترتيبات تنفيذية وفنية بشأن مجالات محددة للتعاون في إطار تنفيذ هذه الاتفاقية، وكذلك يجوز للأطراف الدخول في اتفاقات أو ترتيبات أخرى حسب الضرورة والملاءمة لتنفيذ هذه الاتفاقية.

2. دخول الاتفاق حيز التنفيذ ومدته وآلية إنهائه: تدخل هذه الاتفاقية حيز التنفيذ في تاريخ استلام الطرفين للإخطار اللاحق الذي يفيد باستكمال إجراءاتهما الداخلية لبدء التنفيذ، وتظل هذه الاتفاقية سارية المفعول لمدة 100 عام من تاريخ دخولها حيز التنفيذ ما لم ينهها أي من الطرفين، حيث يجوز إنهاء هذه الاتفاقية من قبل أي من الطرفين عن طريق إرسال إشعار خطي إلى الطرف الآخر، ويتم إنهاء الاتفاقية بعد ستة أشهر من تاريخ استلام هذا الإشعار.

3. التعديلات: يجوز تعديل هذه الاتفاقية في أي وقت بالاتفاق المتبادل بين الطرفين، وتدخل التعديلات المتفق عليها حيز التنفيذ في تاريخ استلام الطرفين للإخطار اللاحق الذي يفيد باستكمال إجراءاتهما الداخلية لبدء التنفيذ.

4. النزاع: يتم حل أي نزاع حول تفسير أو تطبيق هذه الاتفاقية بالتشاور بين الطرفين، ولا تجوز إحالته إلى أي محكمة وطنية أو دولية أو طرف ثالث لتسويته، وتم التوقيع على نسختين في بريطانيا وأوكرانيا باللغتين الإنجليزية والأوكرانية، وفي حالة وجود اختلافات في التفسير، يُعمل بالنص الإنجليزي.

رؤية بريطانيا لدورها في الحرب الروسية الأوكرانية:

تأتي هذه الخطوة في إطار الرؤية البريطانية لموقفها في الحرب الروسية الأوكرانية، حيث أكّد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، أهمية أن تضطلع بريطانيا بدور في مباحثات وقف إطلاق النار ومرحلة ما بعد الحرب؛ يستهدف ضمان أمن أوكرانيا، وذلك على النحو التالي:

• لم يتعهد رئيس الوزراء ستارمر بالمشاركة في قوة عسكرية لتحقيق الاستقرار في مرحلة ما بعد الحرب، لكنه أكد أن الجانب البريطاني سيتعاون مع الحلفاء لاتخاذ الخطوات اللازمة لضمان أمن وسلامة أوكرانيا، وردع أي عدوان في المستقبل.

• أشار رئيس الوزراء ستارمر إلى أنه يتوقع أن تستمر محادثات وقف إطلاق النار، لأشهر عديدة مقبلة، لكنه يريد أن تؤدي بريطانيا دوراً رائداً في تطوير استراتيجية "السلام من خلال القوة" في عام 2025.

• أكد رئيس الوزراء ستارمر أنه سيتعين على الغرب إعطاء أوكرانيا ضمانات أمنية قوية؛ إذا تم الوصول إلى اتفاق سلام مع موسكو، كما ألمح إلى إمكانية نشر قوات بريطانية في أوكرانيا لتدريب القوات الأوكرانية، وشدّد على أن هذه الضمانات يجب أن تكون فعالة في ضمان سلام دائم، وليس توقفاً مؤقتاً للحرب.

• أشار المسؤولون البريطانيون إلى أن مناقشات وقف إطلاق النار المبكرة تركزت على انضمام القوات البريطانية إلى قوة دولية في منطقة منزوعة السلاح، لكن التركيز الفوري كان على وضع أوكرانيا في "أقوى موقف ممكن" في أي محادثات سلام.

تحركات أوروبية:

تزامنت الاتفاقية مع عدد من التحركات الأوروبية الموازية لتعزيز قدرات كييف الدفاعية، مثل دعوة الرئيس الفرنسي لتوظيف وحدات غربية في أوكرانيا، وكذلك إرسال كل من ألمانيا وإيطاليا دفعة جديدة من المساعدات العسكرية لكييف، وذلك على النحو التالي:

1. دعوة فرنسا لتوظيف وحدات غربية (contingent) في كييف: أجرى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مباحثات مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بشأن نشر وحدات غربية في أوكرانيا، إلا أن الرئيس زيلينسكي لم يوضح طبيعة هذه القوات، وما إذا كانت قوات قتالية أو قوات حفظ سلام كجزء من تسوية لإنهاء الحرب، وقد طرح الرئيس ماكرون مسبقاً نشر قوات حفظ سلام خلال المباحثات التي أجراها مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك. 

2. إرسال ألمانيا مساعدات عسكرية لأوكرانيا: بدأت ألمانيا في تسليم دفعة من المدفعيات المتطورة ذات العجلات إلى أوكرانيا لتعزيز قدراتها الدفاعية في مواجهة موسكو، وقد بلغ إجمالي المساعدات الألمانية لأوكرانيا 28 مليار يورو، ويشمل هذا الدعم العديد من الأسلحة والمعدات العسكرية المتطورة مثل دبابات القتال ليوبارد 2، ودبابات جيبارد المضادة للطائرات، ومركبات ماردر القتالية، وأنظمة الدفاع الجوي باتريوت وإيريس-تي، إلا أن المستشار الألماني أولاف شولتس، لا يزال متردداً في الموافقة على المساعدات العسكرية الإضافية -التي تقدر بـ3 مليارات يورو- لأوكرانيا، وذلك في إطار سعي حملته الانتخابية للتركيز على القضايا الوطنية الداخلية لاستقطاب أصوات الناخبين الألمان. 

3. اجتماع وزير الدفاع الإيطالي مع نظيره الأوكراني: اتفق الجانبان على تعزيز التعاون الدفاعي بين روما وكييف، وإطلاق مشروعات ومبادرات مشتركة لدعم الصناعات الدفاعية في أوكرانيا، وكذلك أكدا أن أوكرانيا ستتلقى حزمة مساعدات عسكرية جديدة من إيطاليا، وكذلك فقد أيد وزير الدفاع الإيطالي جويدو كروسيتو استمرار اجتماعات مجموعة الاتصال الدفاعية الأوكرانية (UDCG)، والمعروفة باسم صيغة رامشتاين. (هو تحالف يضم 57 دولة ويشمل جميع الدول الـ32 الأعضاء في حلف شمال الأطلسي "الناتو" و25 دولة أخرى) لدعم الدفاع عن أوكرانيا من خلال إرسال معدات عسكرية رداً على الهجوم الذي شنته روسيا على أوكرانيا). 

تحولات في المشهد الجيوسياسي: 

تأتي الاتفاقية في ظل عدد من التطورات التي تفرض تحولات في المشهد الجيوسياسي الأوروبي، حيث ينذر تنصيب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 20 يناير 2025، بتحولات جذرية في العلاقات الأمريكية الأوروبية، وكذلك تسعى روسيا لتقويض الاتفاقية من خلال تكثيف هجماتها على كييف، وكذلك فقد كشفت التغيرات التي تشهدها المنطقة مشكلات تواجهها الدول الأوروبية الكبرى قد تؤثر في أدائها الأدوار المنوطة بها، فضلاً عن تسليط الانتخابات الأوروبية الأخيرة الضوء على عمليات إعادة الاصطفاف السياسي المهمة والتحولات الجيوسياسية الناشئة، وذلك في أعقاب صعود الأحزاب اليمينية إلى المشهد السياسي، ورفض السياسات الداعمة للحرب في أوكرانيا، أو على الأقل التركيز على القضايا الوطنية، وهو ما يمكن تفصيله فيما يلي: 

1. تنصيب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب: مما ينذر بتحولات جذرية في العلاقات الأمريكية الأوروبية، عقب تلويح الرئيس ترامب بإيقاف المساعدات الأمريكية إلى كييف، وكذلك تصريحات المرشح لتولي منصب وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، في جلسة استماع في مجلس الشيوخ، بأهمية الوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب الجارية في أوكرانيا، وفي حين دعا بعض الديمقراطيين إلى أهمية استمرار المساعدات العسكرية المقدمة من واشنطن إلى كييف، فقد أكد الوزير روبيو أن إحدى مشكلات أوكرانيا الرئيسية ليست نقص الذخيرة أو المال، بل عدم قدرتها على تدريب وتجنيد ما يكفي من القوات. 

2. التحركات الروسية لتقويض الاتفاقية: وشملت تحركات ميدانية منها استهداف العاصمة الأوكرانية كييف، بطائرات من دون طيار أثناء اجتماع رئيس الوزراء ستارمر والرئيس زيلينسكي في كييف. وأخرى سياسية؛ حيث صرح المتحدث باسم الكرملين ديميتري بيسكوف بأن توظيف بريطانيا لأصول عسكرية بريطانية في أوكرانيا بموجب اتفاقية شراكة جديدة سيكون مصدر قلق لموسكو، كما أكد أن روسيا تنظر أيضاً نظرة "سلبية" إلى احتمالات التعاون البريطاني مع أوكرانيا في بحر آزوف، الذي وصفه بأنه "بحر روسيا الداخلي". 

3. ازدياد قدرات الكتلة الشرقية الأوروبية: كشفت التغيرات التي تشهدها المنطقة عن تراجع قدرات الكتلة الغربية كمحرك أساسي للتطورات في أوروبا، في مقابل ظهور تحالف جديد تقوده كل من بولندا والمجر، مدفوعاً بالأساس بالمخاوف الأمنية المشتركة والمصالح الاقتصادية والقيم الثقافية. فقد استفادت كلتاهما من التراجع النسبي لمجموعة فيشغراد (هو تحالف يضم المجر والتشيك وبولندا وسلوفاكيا يهدف إلى تعزيز التعاون في المجالات الأمنية والثقافية والاقتصادية وكذلك تحقيق التكامل الأوروبي) حيث أدى تباين الأولويات للدول داخل المجموعة إلى تحلل وتفتيت الوحدة القائمة بينهم، وسمح بمساحة أكبر للتحركات الفردية. 

4. الانتخابات الأوروبية: تسلط الانتخابات الأوروبية الأخيرة الضوء على عمليات إعادة الاصطفاف السياسي المهمة والتحولات الجيوسياسية الناشئة، وذلك في إطار صعود الأحزاب اليمينية إلى المشهد السياسي، ورفض سياسات التحول الأخضر والسياسات الداعمة للحرب في أوكرانيا، أو على الأقل التركيز على القضايا الوطنية. 

وفي التقدير، يمكن القول إن اتجاه بريطانيا لإبرام الاتفاقية مع أوكرانيا مدفوع بالأساس بعدد من العوامل يأتي في مقدمتها الرؤية البريطانية لنفسها في المنطقة وشعورها بأهمية دعم الموقف الأوكراني قبل الشروع في أي محادثات لبناء السلام، والشعور الأوروبي العام بأهمية اضطلاعهم بمسؤولية أمنهم بأنفسهم في ضوء موقف الرئيس ترامب الانعزالي؛ وهو ما يرجح أن تبرم دول أخرى اتفاقات مشابهة.