أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

أعباء متزايدة:

تحديات دور منظمة "أطباء بلا حدود" في مواجهة "كورونا" بالشرق الأوسط

21 أبريل، 2020


تواجه منظمة "أطباء بلا حدود" حزمة من التحديات خلال تصدي فريق عملها في مناطق مختلفة بالإقليم لجائحة "كورونا"، مثل ضعف القدرة على السيطرة على انتشار المرض، وتوفير الدعم للأشخاص في بيئات غير مستقرة، وعدم توافر الإمدادات الخاصة ببعض المواد الأساسية، ونقص تبادل الخبرات بين أطباء المنظمة، وحماية العاملين في مجال الرعاية الصحية، وسيطرة الجماعات ما دون الدولة على المنافذ بشكل يُعقِّد من فرص الحصول على التراخيص اللازمة لإدخال المعدات والعاملين، ورفض بعض الدول خدمات المنظمة للرعاية الصحية باعتبارها "جهة أجنبية".

نشاط واسع:

تعد منظمة "أطباء بلا حدود" واحدة من أهم المنظمات غير الحكومية على الصعيد الدولي، وتتمثل مهمتها الأساسية في تقديم المساعدات الطبية الطارئة للمجتمعات المتضررة من أزمات مختلفة في العالم، سواء كانت صراعات مسلحة أو كوارث طبيعية أو أمراض وبائية. إذ يسعى فريق العمل التابع لها، المكون من جراحين وأطباء تخدير وممرضات، للانخراط في مواقع نائية وبيئات قاسية مع موارد ومرافق محدودة، مع علمهم بمخاطر بعض المهام التي توكل إليهم، على نحو ما هو قائم في التصدي لجائحة "كوفيد-19".

ووفقاً لما هو منشور على موقع المنظمة على شبكة الإنترنت، يقوم عمل المنظمة على التعاون بدرجة رئيسية مع خبراء اللوجستيات ومهندسي البناء وخبراء المياه من أجل إنشاء بنية تحتية طبية أو إعادة بناء وتوفير المرافق الصحية مثل المستشفيات المهدمة لمنع انتشار الأوبئة أو ظهور الأمراض، وهو ما يتضح جلياً في بؤر الصراعات المسلحة الممتدة، على نحو يضاعف من الأعباء الملقاة على عاتق المنظمة لتشمل أيضاً توفير المساعدات الغذائية للسكان الذين تشردهم الصراعات وتجبرهم على الهجرة بحثاً عن المأوى.

ولعل ذلك يفسر صعوبة الدور الهام الذي تقوم به منظمة "أطباء بلا حدود" داخل المخيمات الخاصة باللاجئين في الشرق الأوسط، لاسيما في ظل إطالة أمد الصراعات المسلحة، والاحتياج لإقامة المستشفيات الميدانية وبناء الوحدات الصحية في المناطق الريفية، وتدريب الكوادر الطبية والتمريضية المحلية، وتخزين أدوات الإسعاف في هذه المناطق لكى تكون الاستجابة أكثر فعالية وسريعة، وتوزيع الأدوية من أجل مكافحة الأمراض التي قد تكون خسائرها أكثر مما تخلفه الصراعات الداخلية والحروب الإقليمية.

إن هناك مجموعة من التحديات التي قد تعرقل عمل منظمة "أطباء بلا حدود" لمواجهة تفشي فيروس "كورونا"، يمكن تناولها على النحو التالي:

نظم منهكة

1- ضعف القدرة على السيطرة على انتشار المرض: يتمثل أحد التحديات الرئيسية التي تواجه منظمة "أطباء بلا حدود" وغيرها من المنظمات الدولية والإقليمية العاملة في مجال الإغاثة الإنسانية والرعاية الطبية لمواجهة تداعيات فيروس "كورونا"، في عدم القدرة على السيطرة على المرض، لاسيما في ظل ما أظهره هذا الفيروس من هشاشة النظم الصحية للدول المتقدمة. ولعل ما يدعم ذلك تصريح د. كريستوس كريستو الرئيس الدولي للمنظمة، حينما قال: "إن أكثر الأنظمة الصحية تقدماً في العالم منهكة في ظل هذه الجائحة. مصدر قلقنا الآن هو انتشار المرض في بلدان تتسم أنظمتها بالهشاشة، مما يؤثر على السكان الذين لا يستطيعون حماية أنفسهم. سيؤدي التضامن الدولي وإشراك المجتمع دوراً أساسياً في مكافحة المرض".

بيئات خطرة

2- دعم الأشخاص في بيئات غير مستقرة: تواجه منظمة "أطباء بلا حدود" تحدياً كبيراً في العناية بالأشخاص الذين يعيشون في بيئات خطرة، مثل المشردين واللاجئين والنازحين الذين يعيشون في المخيمات في دول مثل لبنان والأردن، والمتضررين من الصراع في سوريا. إذ يعيش هؤلاء الأشخاص في ظروف قاسية ومناطق مكتظة في كثير من الأحيان، بل إن هناك صعوبات كبيرة في توفير خدمات الرعاية الصحية. وقد يتعذر توفير المياه النقية بسهولة لهؤلاء الأشخاص. وكذلك الحال بالنسبة للعزل الذاتي، حيث يحتاجون أموالاً للعيش على نحو يدفعهم للخروج للعمل في أعمال غير منتظمة بشكل يومي.

نقص الإمدادات

3- عدم توافر الإمدادات لبعض المواد الأساسية: مثل الكمامات الجراحية وأدوات العينات والقفازات والمواد الكيميائية اللازمة لتشخيص فيروس "كوفيد-19". فعلى الرغم من أن الإدارة العامة لمنظمة "أطباء بلا حدود" تؤكد قدرتها على مواصلة تنفيذ الأنشطة الطبية المختلفة، إلا أن ثمة قلقاً من وجود نقص في الاحتياجات اليومية لمواجهة "كورونا" بسبب إغلاق الحدود وتعليق حركة الطيران وتخفيض حركة الصادرات، لاسيما بعد تراجع إنتاج الأدوية النوعية وصعوبات استيراد الأدوية الأساسية للأمراض الأخرى.

ولعل ذلك واجه بعثة منظمة "أطباء بلا حدود" في تعاملها مع الاشتباه بأحد حالات الإصابة بـ"كورونا" في شمال غرب سوريا، على الرغم من أن النتيجة كانت "سلبية"، نظراً لعدم توافر معدات الوقاية الضرورية في المستشفى الذي تشترك المنظمة في إدارته بإدلب من جهة، وسياسة الضغوط القصوى التي تعمل بها المنظمة من جهة أخرى حيث تقدم الرعاية الصحية للأمهات والرعاية الصحية العامة والعلاج للأمراض المزمنة من خلال العيادات المتنقلة. 

وتُوزِّع المنظمة أيضاً مواد الإغاثة وتعمل على تحسين نظم المياه والصرف الصحي. كما تدعم أنشطة التطعيم المعتادة في مركزين للتطعيم ومستشفى واحد ومن خلال خدمات العيادات المتنقلة. بالإضافة إلى ذلك، تدير المنظمة في شمال غرب سوريا وحدة متخصصة للحروق تقدم الخدمات الجراحية وزراعة الجلد والتضميد والعلاج الفيزيائي والدعم النفسي. كما تدعم عن بُعد خدمات الرعاية الصحية الأساسية والمتخصصة في عدد من المستشفيات والعيادات في محافظتى إدلب وحلب، وعقدت كذلك شراكات للإدارة المشتركة مع ثلاثة مستشفيات.

وعبرت عن هذا الوضع كريستيان ريندرز منسق أنشطة "أطباء بلا حدود" في شمال غرب سوريا، حيث قالت، في 9 إبريل الجاري: "عدم القدرة على زيادة حجم أنشطتنا في إدلب وتقديم المزيد من المساعدة في مواجهة هذه الحالة الصحية الطارئة يشكل مصدر قلق يساورنا يومياً ويمكن أن يكون له عواقب وخيمة، على هذا، نجدد نداءاتنا للسلطات التركية المعنية لتسهيل العبور العاجل للإمدادات الأساسية والموظفين إلى شمال غرب سوريا للسماح بتوسيع نطاق استجابتنا الإنسانية والطبية في المنطقة".

وكذلك الحال بالنسبة لدور المنظمة في العراق، إذ تدعم المئات من الأشخاص المعرضين للخطر بشكل يومي من خلال برامجها في كل أنحاء البلاد، وقد طالب شوكت متقي رئيس بعثة "أطباء بلا حدود" في العراق، في 1 إبريل الجاري، بـ"تسهيل الحركة للإمدادات الطبية والموظفين الطبيين وضمان استمرار توفير الرعاية المناسبة والمنقذة للحياة في بعض الأحيان للمرضى في مشاريعنا الجارية".  

قيود السفر

4- نقص تبادل الخبرات بين أطباء المنظمة: يتعلق أحد التحديات التي تواجه المنظمة بقيود السفر الحالية المرتبطة بفيروس "كورونا" (حظر دخول البلد، والعزل الوقائي لمدة أسبوعين)، على نحو يخصم من قدرتها على نقل الموظفين بين مختلف الدول، ويمثل عائقاً للاستفادة من تجارب الاستجابة السريعة للتعامل مع الفيروس في بعض الدول الموبوءة، وإنقاذ حياة بعض الفئات الأكثر تعرضاً للإصابة والوفاة مثل المسنين والمصابين بأمراض مزمنة على غرار الضغط والسكري والقلب والكبد وضيق التنفس.

أزمات العاملين 

5- حماية العاملين في مجال الرعاية الصحية: يواجه الأطباء وأطقم التمريض العاملون والمتطوعون في منظمة "أطباء بلا حدود" تحدياً خاصاً بالقدرة على الاستمرار في مواجهة "كورونا"، لاسيما في ظل إصابة العديد منهم بالمرض، وفقدان حياتهم في بعض الأحيان، بل قد يتعرض بعضهم لأزمات نفسية حادة من جراء الحالات المختلفة التي يواجهونها. كما أن النقص العالمي في معدات الوقاية الشخصية تعرض حياتهم للخطر. لذا، من الأهمية بمكان حماية العاملين في الرعاية الصحية من الإصابة بفيروس "كورونا"، لأن ذلك يضمن استمرارية تقديمهم الرعاية للمرضى في احتياجاتهم الصحية سواء ارتبطت بـ"كورونا" أو غيره من الأمراض المزمنة.

نفوذ الميليشيات 

6- سيطرة الجماعات ما دون الدولة على المنافذ: ولعل ذلك يتضح في حالة اليمن، مثلاً، حيث أن هناك حاجة عاجلة لاستيراد المزيد من معدات الحماية الشخصية سواء للنظام الصحي أو للمنظمات الإنسانية، وهو ما يحتاج موافقة ميليشيا المتمردين الحوثيين في مناطق سيطرتها، مع الأخذ في الاعتبار قلة المستشفيات والمراكز الصحية. وفي هذا السياق، طالبت منظمة "أطباء بلا حدود"، في بيان في 10 إبريل الجاري، السلطات في اليمن بالسماح بدخول الإمدادات والعاملين في المجال الإنساني إلى البلاد، وذلك من أجل الاستجابة لمكافحة "كورونا". 

وقد ذكرت المنظمة أن "الاستجابة الفعالة للمرض شبه مستحيلة مع الإمكانات الموجودة في البلاد". ولعل ذلك يفسر أن اليمن تأتي في عداد آخر الدول في العالم التي سجّلت حالات إصابة بـ"كورونا"، وقد يكون السبب وراء ذلك هو النقص الكبير في القدرة على إجراء الاختبارات اللازمة في البلاد. كما أن المجموعة الصغيرة من المستشفيات والمراكز الصحية العاملة باليمن تفتقر إلى القدرة على تقديم العناية المركزة لعلاج المرضى الذين يعانون من أعراض حرجة. وسرعان ما ستنهمك هذه المرافق بينما ما تزال تعالج ضحايا القتال وتستجيب للاحتياجات الطبية الأخرى ولفئات ضعيفة مثل النساء الحوامل والأطفال الذين يعانون من سوء التغذية.

تسييس متصاعد

7- رفض بعض الدول خدمات المنظمة للرعاية الصحية: طردت الحكومة الإيرانية، في 24 مارس الماضي، فريقاً طبياً تابعاً لمنظمة "أطباء بلا حدود" كان يعمل في مستشفى ميداني لمعالجة مرضى فيروس "كورونا"، ووصفت أعضائه بـ"قوى أجنبية غير مرحّب بها على الأراضي الإيرانية". وفي هذا السياق، اعتبر علي رضا وهاب زاده مستشار وزير الصحة الإيراني، في تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، أنه "نظراً لتطبيق خطة التعبئة الوطنية لاحتواء فيروس كورونا والزج بكامل القدرات الطبية للقوات المسلحة، ليس من الضروري في الوقت الراهن إنشاء أسرّة مستشفيات من قبل القوى الأجنبية، ووجودها مستبعد". 

وأضاف وهاب زاده أنه "لا يوجد في المساعدة التي تعرضها منظمة أطباء بلا حدود ما من شأنه أن يقلّل من تأثير العقوبات الأمريكية على إيران"، ووجه الشكر للمنظمة بشأن العرض الذي قدمته. وقد جاء ذلك التصريح في أعقاب تصريحات أطلقها العديد من رموز التيار المحافظ داخل إيران والتي وجهوا فيها انتقادات لأعضاء المنظمة الذين اعتبروا بعضهم "جواسيس" وطالبوا بطردهم وعدم دخولهم إلى البلاد.   

مهام متعددة:

خلاصة القول، إن ثمة تحديات عديدة تواجه استمرار الرعاية في مشاريع منظمة "أطباء بلا حدود" في الشرق الأوسط، وإدارة الفرق الطبية التابعة لها للتعامل مع الحالات المحتمل إصابتها بفيروس "كورونا"، ويشمل ذلك تدابير الوقاية من العدوى ومكافحتها وخاصة "التباعد الاجتماعي"، وفحص المرضى لتحديد أعراض "كوفيد-19"، وإنشاء نقاط عزل في المرافق، وإجراء دورات تدريبية في إدارة تدفق المرضى بالتنسيق مع السلطات الصحية المحلية ومنظمة الصحة العالمية، في بعض الأحيان، وتوفير الدعم النفسي الاجتماعي للمرضى وعائلاتهم. 

وعلى الرغم من الإجراءات التي تتخذها الدول والمنظمات الطبية المحلية والدولية في مواجهة "كورونا" إلا أنه لا يمكنها منع الوباء من الانتشار لكنها تستطيع إبطاءه بشكل متدرج من خلال خفض ازدياد الحالات وتقليل عدد الحالات الحادة التي على النظم الصحية التعامل معها في الوقت ذاته. ويكمن الهدف في عدم خفض عدد الحالات فقط بل أيضاً في توزيعها زمنياً لتجنب الاكتظاظ في أقسام الطوارئ والرعاية المركزة، وبالتالي يكون دور منظمة "أطباء بلا حدود" مُسهِّلاً وليس رئيسياً للتعامل مع وباء عالمي مثل "كورونا".