أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

هسبريس:

هل تكسر الانتخابات الرئاسية الأمريكية قاعدة الارتباط بالسياسة الخارجية؟

15 يناير، 2024


يرى نبيل فهمي، وزير الخارجية المصري الأسبق، أن إعلان نتائج انتخابات الرئاسة الأمريكية لعام 2024، المزمع تنظيمها في 5 نونبر المقبل، ستعرف تحولا طفيفا من خلال تنصيب مؤجل للفائز في يناير 2025، مشيرا إلى أن نتائج هذه الاستحقاقات المستقبلية تحددها عدة عوامل أساسية.

وأضاف الدبلوماسي المصري، في مقال نشرته منصة “المستقبل” للأبحاث والدراسات المتقدمة، أن “من عادة الانتخابات الرئاسية الأمريكية ألا تكون السياسة الخارجية جزءاً منها”، لافتا إلى أن هذه السياسة لا تمثل عاملاً حاسماً في نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية، قبل أن يستدرك بأنه في ظل الظروف الراهنة قد تنكسر هذه القاعدة، خاصة فيما يتعلق بتحديد نتائج أصوات المجمع الانتخابي.

نص المقال:

ديناميات الهيئة الانتخابية

يتنافس المرشحون على التصويت الشعبي عبر الولايات الخمسين، ولكن يتم تحديد النتيجة فعلياً من قبل المجمع الانتخابي الذي يضم 538 عضواً، وهو النظام الذي أنشأه “الآباء المؤسسون”. وطبقاً لهذا النظام، يجب على المرشح الفائز أن يحصل على دعم 270 عضواً على الأقل من أعضاء المجمع الانتخابي. ويهدف هذا النظام إلى ضمان عدم هيمنة الولايات ذات الكثافة السكانية العالية على نتائج الانتخابات بحصولها على أغلبية ساحقة، وكذلك ينظر هذا النظام للناخبين من رجال الشارع العاديين على أنهم ليسوا أصحاب دراية كافية تؤهلهم لاختيار المناسب من بين المرشحين للرئاسة.

غالباً ما يكون استيفاء متطلبات الهيئة الانتخابية أمراً معقداً بسبب اختلاف أنماط التصويت عبر الولايات بناءً على اختلافات التركيبة السكانية والعرقية والخصائص الاقتصادية وما إلى ذلك. وقد يساعد الموقف السياسي للمرشح على حصوله على دعم شعبي في إحدى الولايات، ولكن نفس الموقف قد يضر به في ولاية أخرى. والجدير بالذكر أنه في ستة انتخابات رئاسية ماضية خسر الفائزون بالتصويت الشعبي، ولكنهم فازوا بالأصوات في المجمع الانتخابي وأصبحوا رؤساء للولايات المتحدة. وقد كان آخر مثالين لذلك ما حدث في انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2016 (حين فاز دونالد ترامب على هيلاري كلينتون) وعام 2000 (حين فاز جورج دبليو بوش على آل غور).

عوامل انتخابية مؤثرة

في حال كان السباق الرئاسي بالولايات المتحدة لعام 2024 بين جو بايدن ودونالد ترامب، فإن الوضع السياسي مهيأ لمشاهدة حملات ساخنة، واستقطاب الرأي العام بشكل متزايد. فمع اتباع كل من المرشحين لاتجاه سياسي مختلف تماماً عن الآخر، فإن نتيجة الانتخابات هذه المرة يمكن أن تتوقف على كيفية تعامل كل منهما مع تحديات السياسة الخارجية التي تواجهها الولايات المتحدة حالياً، فضلاً عن آرائهم فيما يتعلق بالقضايا والأوضاع الاقتصادية ذات الأهمية التقليدية.

1 – السخط العام: تشير المشاهدات في العديد من الانتخابات إلى أن الناخبين يميلون إلى التصويت ضد الوضع الراهن والنخب السياسية. فقد كان الاستياء من سياسات جورج دبليو بوش من الأسباب الرئيسية لخسارة الجمهوري جون ماكين أمام الديمقراطي باراك أوباما. وكذلك كان السبب وراء فوز دونالد ترامب على هيلاري كلينتون نظرة الديمقراطيين لها كـ”مؤسسة” بحد ذاتها. أما عن جاذبية بايدن، فقد كانت عبارة عن الحنين إلى التقاليد والراحة بعد أربع سنوات مرهقة للأعصاب في عهد ترامب.

وفيما يتعلق بالانتخابات المقبلة، من الواضح أن السخط العام على كل من ترامب وبايدن في تصاعد مستمر. وبناءً على ذلك، يقدم المرشحون الجمهوريون أنفسهم كبدائل لترامب، ولكن دون أن ينأوا بأنفسهم بوضوح عن مواقفه حتى لا يفقدوا قاعدته الشعبية، في حين يعبر الديمقراطيون عن تفضيلهم لبديل جديد لبايدن. وعلى الرغم من الشعور العام بالاستياء من كلا المرشحين الحاليين من الحزبين، سواءً الديمقراطي أم الجمهوري، فإن ترامب (الذي يقف في مواجهة العديد من المعارك القانونية)، لا يزال يحتفظ بدعم شعبي كبير في مواجهة منافسيه من الجمهوريين على ترشيح الحزب. كما أن استطلاعات الرأي الأخيرة تشير إلى أنه يحظى بدعم شعبي أكبر من منافسيه، سواءً من الجمهوريين أم الديمقراطيين. أما على الجانب الآخر بالحزب الديمقراطي، فلا يوجد منافسون حقيقيون لبايدن في الحزب. ومن ثم فإنه يتفوق على جميع المرشحين.

وإذا كان ترامب وبايدن هما المرشحان في نهاية المطاف، فإن فوز أحدهما وتقدمه على الآخر قد يتوقف على عدم شعبية الآخر، وليس على جاذبية أو سياسة الفائز. وسيتعين على المرشح الفائز بمنصب الرئاسة أن يتحمل عبء الاقتصاد الأمريكي المتباطئ والصور السلبية العامة المرتبطة به.

2 – العامل الاقتصادي: من أكثر العوامل تأثيراً في انتخابات الرئاسة العوامل الاقتصادية، التي غالباً ما تأتي في المقام الأول. وهكذا من المرجح في انتخابات 2024 أن تؤدي العوامل الاقتصادية دوراً محورياً في تشكيل اتجاهات الناخبين وتوجيه أصواتهم، وبالتالي تحديد نتيجة الانتخابات.

فمن ناحية، طوال الحملة الانتخابية قد يعمل ترامب، المعروف بسياساته الاقتصادية قبل وباء “كورونا”، التي اتسمت بالتخفيضات الضريبية وإلغاء القيود التنظيمية، على تسليط الضوء على سجله الحافل بتعزيز السياسات الاقتصادية (التي يحركها السوق) ورفع معدلات التوظيف. ومن ناحية أخرى، قد يسلط بايدن الضوء على تركيز إدارته على التعافي الاقتصادي، وتطوير البنية التحتية، والاهتمام ببرامج الرعاية الاجتماعية لمواجهة تداعيات الوباء.

ومن المتوقع أن يكون للنهجين الاقتصاديين المتناقضين للمرشحين دور محوري في عملية اتخاذ القرار بين الناخبين، وهذا بدوره يعكس المخاوف الشعبية المتعلقة بالسياسات المالية، ومعدلات البطالة، والرفاهية الاقتصادية الشاملة.

3 – السياسة الخارجية: إن العاملين الأهم في تحديد اختيارات الناخبين يتلخصان في التصورات المتعلقة بالاقتصاد، وعدم جاذبية مرشح معين. إذ على الصعيد السياسي ليست هناك قضية معينة على مستوى السياسة الخارجية لها قاعدة جماهيرية قوية بما يكفي للتأثير في أصوات الناخبين واتجاهاتهم بشكل مستقل وجوهري. ولكن ليس معنى ذلك تجاهل الآثار المترتبة عن قضايا السياسة الخارجية. بل على العكس، يحتاج المرء إلى تحليل كيف يمكن لهذه القضايا أن تؤثر في المجمع الانتخابي، فهو الجهة النهائية المحددة لمن سيكون الرئيس الأمريكي القادم.

يقدم المرشحون الجمهوريون أنفسهم على أنهم ميّالون إلى يمين الوسط، ويصفون أنفسهم بـ”ترامب غير المغالي”. وباستثناء نيكي هيلي، سفيرة الولايات المتحدة السابقة لدى الأمم المتحدة، فإن جميع المرشحين يفتقرون إلى الخبرة الحقيقية في العلاقات الدولية. وفي حين قد توجد اختلافات طفيفة بين هؤلاء المرشحين بشأن قضايا السياسة الخارجية (مثل قضيتي “الناتو” وروسيا)، فإن تقييم مواقف السياسة الخارجية المستقبلية للأحزاب المعنية تم بناءً على نفس المعايير التي حددها ترامب وبايدن، وهو ما يبدو نهجاً حكيماً في الوقت الحالي.

أ- التحالف عبر الأطلسي وأوكرانيا: إن موقف ترامب وجميع المرشحين الجمهوريين يتمثل في نهج “أمريكا أولاً”، وهو ما يرادف الموقف الانعزالي. ويرجع ذلك بشكل رئيسي إلى القلق بشأن الميزانية والمخاوف المتعلقة بمالية الدولة، خاصةً مع تصاعد الدعوات التي تطالب دول “الناتو” بالوفاء بالتزاماتها المتعلقة بالإنفاق العسكري. وبالتالي فإن ذلك قد يؤثر في الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة لأوكرانيا، خاصةً مع ارتفاع تكاليف العمليات غير الحاسمة. والجدير بالذكر أنه خلال فترة رئاسة ترامب السابقة، فإن العلاقات بينه وبين معظم قادة دول “الناتو” كانت متوترة.

في المقابل، فإن بايدن والديمقراطيين سيواصلون تبني سياسة خارجية يقودها التحالف، فهم يرون أن الأزمة الأوكرانية هي ما أعادت إحياء هذا التحالف، الذي في جوهره حلف شمال الأطلسي. ولكن من المتوقع أن يخفف بايدن من لهجة خطابه حول “الديمقراطيات مقابل الأنظمة الاستبدادية”، والذي لم يلق صدى جيداً أو يقدم مكاسب ملموسة في السياسة الخارجية.

ولأن الولايات المتحدة تواجه “الإجهاد بسبب أوكرانيا” في عام 2024، فإنه من المرجح أن تسود المبادرات الدبلوماسية في النصف الثاني من العام، أو على أقصى تقدير في أوائل عام 2025، خاصةً إذا ما تم انتخاب ترامب، لاسيما أن فكرة الحرب في أوكرانيا هي فكرة بايدن. ومع توقع فوز بوتين وإعادة انتخابه في عام 2024، فإن علاقة ترامب الإيجابية معه يمكن أن تسهل المشاركة الدبلوماسية في أوكرانيا وإعادة العلاقات الشاملة مع روسيا.

ب- العلاقات مع الصين: تنظر المؤسسة السياسية الأمريكية، سواءً الجمهوريون أم الديمقراطيون، إلى الصين باعتبارها تحدياً استراتيجياً رئيسياً للأمن القومي الأمريكي، وخاصةً في مجالات الأسلحة النووية والفضاء والذكاء الاصطناعي. ومن المتوقع أن تظل هذه العلاقة حساسة، وإن كان بايدن قد تمكن من تثبيت مسارها في الأسابيع الأخيرة. فمن المتوقع أن يتبع ترامب أو غيره من المرشحين الجمهوريين سياسة مماثلة تجاه الصين، تتميز بالمنافسة القوية، وتتجلى بشكل أساسي في موقف الخطاب التصادمي.

ج- الشرق الأوسط: وسط الاتجاهات المتضاربة للحوار والمواجهة، فإن الشرق الأوسط لا بد أن يأتي على رأس جدول أعمال الرئيس الأمريكي المقبل. وسيتعامل أي من المرشحين مع العلاقات بالعالم العربي بطريقة براغماتية عالية، سعياً إلى تحقيق فوائد قصيرة الأجل وللحد من النفوذ الصيني الواسع في المنطقة. وسيتم التركيز على ردع التوسع الروسي بشمال إفريقيا، والإيراني بسوريا.

بالنسبة لإيران، قام ترامب في السابق بالانسحاب من جانب واحد من الاتفاق النووي الإيراني، في حين باءت محاولة بايدن لاستئناف هذا الاتفاق بالفشل. ولم تستخدم كلتا الإدارتين القوة إلا في الحوادث التي وقع فيها ضحايا أمريكيون. ومن المتوقع أن تعكس السياسات المستقبلية الأنماط السابقة دونما تركيز على الاتفاق النووي.

أما فيما يتعلق بإسرائيل، فسيظل الدعم قوياً بغض النظر عمن سينتخب رئيساً للولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن الحرب المتأججة بغزة ستمثل تعقيداً محتملاً، خاصة إذا تصاعدت ونتج عنها صراع إقليمي أوسع مع قيام إسرائيل بجذب حزب الله إلى الحرب أو إذا ما انخرط الحوثيون بصورة كبرى في الصراع.

إن الأزمة في غزة أدت إلى وضع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في مقدمة اهتمامات الولايات المتحدة مرة أخرى. وقد دعا ترامب إلى اتباع نهج جديد في التعامل مع هذا الصراع يركز على العلاقات العربية الإسرائيلية، واقترح خطة مؤيدة لإسرائيل تتمحور حول الاقتصاد، مدعياً – دون قدر كبير من المصداقية- أنه يقدم حل الدولتين. في المقابل، أكد بايدن مراراً وتكراراً أهمية حل الدولتين، فضلاً عن التطبيع، ولكنه قام في الوقت ذاته بدعم إسرائيل دعماً مستمراً على الرغم مما تقوم به من انتهاكات صارخة للقانون الدولي والإنساني عبر عملياتها في غزة.

وسيواصل كلا المرشحين تقديم الدعم غير المشروط لإسرائيل على حساب القضية الفلسطينية. فعلى الرغم من أن بايدن أكد في كثير من الأحيان أن حل الدولتين هو الحل الأمثل للقضية الفلسطينية، فإنه لن يبذل هو ولا ترامب الجهد أو رأس المال السياسي لدعم إنشاء دولة فلسطينية. فكلا المرشحين يسعى إلى تعزيز العلاقات العربية الإسرائيلية فقط كهدف سياسي.

تأثير القضايا الخارجية

يتمتع ترامب بقاعدة متينة من المؤيدين والمنتقدين على حدٍ سواء، دونما أن تكون لأيٍ من القاعدتين صلة بفظاظته أو سياساته. فكما قلنا سابقاً لا تتأثر آراء الناخبين كثيراً باعتبارات السياسة الخارجية.

ولكن من ناحية أخرى، يواجه بايدن تراجعاً كبيراً في الدعم بين الفصيل الأكثر تقدمية في الحزب الديمقراطي على مستوى الدولة. ويمكن أن يكون هذا التحول محورياً لأنه قد يؤدي إلى خسارة الأصوات الانتخابية بولايةٍ ما، وعادةً ما تكون نسبة هذه الأصوات كبيرة بما يكفي للتأثير في كسب أو خسارة الولاية. وكان موقف بايدن بشأن غزة ومعارضته لوقف إطلاق النار، على الرغم من القصف الإسرائيلي العشوائي اللاإنساني الذي نتج عنه عشرات الآلاف من القتلى والجرحى، هو السبب الرئيسي لتضاؤل هذا الدعم.

وفي حين أن جمهور الأمريكيين العرب لا يزال أصغر حجماً وأقل تأثيراً من نظرائهم من الأمريكيين اليهود والإنجيليين، إلا أن هناك ما يدعو إلى تحليل أوثق لتحديد العواقب السلبية المحتملة لمواقف الولايات المتأرجحة. ومن الأمثلة على ذلك ولاية ميشيغان، التي على الرغم من كونها معقلاً تقليدياً للديمقراطيين يضم جالية كبيرة من العرب الأمريكيين، فإن ترامب فاز بأصواتها في عام 2016. ولذا تبرز أهمية هذه الولاية الآن مع تعرض 15 صوتاً انتخابياً للخطر، إذ يمكن أن تكون هي العامل الحاسم في تحديد نتائج السباق التنافسي في المجمع الانتخابي، خاصةً إذا كان بايدن وترامب هما المتنافسان في سباق انتخابات الرئاسة الأمريكية.

سيكون من المثير للسخرية، بعد أجيال لم يكن لها تأثير يذكر في نتائج الانتخابات بأمريكا، أن نرى الأمريكيين العرب وهم يغيرون قواعد اللعبة في الانتخابات، ويتحدون الأعراف التاريخية. وقد يتحول دعم المرشحين لإسرائيل (والذي لا شك فيه) بشكل غير متوقع إلى عائق في نتائج الانتخابات، مما سيضيف المزيد من التعقيد للأوضاع الراهنة. ولا يزال مسار هذا التأثير غير مؤكد؛ لذا فلننتظر ونرى.

*لينك المقال في هسبريس"