أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

بؤر محتملة:

لماذا يحرص "داعش" على تكوين مجموعات جديدة في إفريقيا؟

09 مايو، 2019


طرح التسجيل المصور لأبو بكر البغدادي زعيم تنظيم "داعش"، الذي بثته مؤسسة "الفرقان" التابعة للتنظيم في 29 إبريل 2019، دلالات عديدة تتعلق برؤيته للمسارات المحتملة التي قد يتجه إليها خلال المرحلة القادمة، على ضوء التطورات الميدانية التي شهدتها المناطق التي كان يسيطر عليها في الأعوام الخمسة الماضية. وتتمثل أبرز تلك الدلالات في محاولة التنظيم الحفاظ على تماسكه التنظيمي، إذ بدا جليًا أنه حريص على التمدد فى مناطق جديدة داخل القارة الإفريقية، من خلاله إعلانه عن جماعة جديدة في القارة أطلق عليها مسمى "ولاية وسط إفريقيا"، بالتوازي مع قبوله مبايعة مجموعة أخرى في بوركينافاسو ومالي، على نحو يوحي بأن تلك المجموعات سوف تمارس دورًا رئيسيًا داخل التنظيم خلال المرحلة القادمة.

أهداف متعددة:

يمكن القول إن هناك مجموعة من الأهداف يسعى تنظيم "داعش" إلى تحقيقها عبر الإعلان عن تأسيس مجموعات جديدة تابعة له في إفريقيا، خاصة في هذا التوقيت الذي يحاول فيه قادة التنظيم تطوير استراتيجيته عبر استهداف مناطق جديدة حول العالم، فى ظل حالة التراجع الشديد التي يعانى منها التنظيم في معاقله الرئيسية السابقة داخل كل من العراق وسوريا. 

ومن هنا، كان لافتًا في التسجيل المصور للبغدادي أن التنظيم سعى إلى توجيه رسالة بأن الأخير ما زال يمتلك الصلاحيات التنفيذية والتنظيمية الأكبر، رغم الهزائم التي منى بها في الفترة الماضية، وهو ما انعكس في استعراضه لملفات بعض المجموعات الإرهابية التي أعلن التنظيم تأسيسها أو قررت مبايعته. ويمكن تناول أبرز تلك الأهداف على النحو التالي:

1- المعاقل البديلة: يشير تعمد البغدادي، خلال تسجيله المصور، استعراض ملفات بعض المجموعات الإرهابية التي ظهرت في عدد من الدول الإفريقية، إلى تطلعه نحو التمدد في إفريقيا، في ظل الرؤية التي يتبناها بعض قادته وتقوم على أن الأخيرة يمكن أن تمثل "بديلاً محتملاً" لقياداته وعناصره خلال المرحلة القادمة، لا سيما إذا ما خرج بشكل نهائي من المناطق السابقة على ضوء الضربات العسكرية القوية التي تعرض لها واستنزفت قسمًا كبيرًا من قدراته البشرية والاقتصادية، وهو ما تفسره دعوة البغدادي المتكررة لأتباعه بالتوجه إلى منطقة الساحل والصحراء، التي يمكن التحرك من خلالها، في رؤيته، لتنفيذ عمليات إرهابية جديدة، خاصة في ظل تضاريسها الصعبة واتساع مساحتها، حيث ركز في التسجيل المصور على النشاط الذي تقوم به الجماعة التي يقودها أبو الوليد الصحراوي.

2- توجيه ضربات انتقامية: كان لافتًا أن البغدادي حرص، في تسجليه الأخير، على الدعوة إلى شن هجمات انتقامية ضد بعض القوى الدولية التي كان لها دور في الضربات التي تعرض لها خلال المرحلة الماضية، خاصة فرنسا التي شاركت في تأسيس تحالف إقليمي في غرب إفريقيا وقدمت دعمًا ملحوظًا لبعض دول المنطقة من أجل مواجهة التنظيمات الإرهابية.

ومن هنا، أشارت اتجاهات عديدة إلى أن التنظيم لم يعد يكتف بإعلان مسئوليته عن الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها فرنسا في الفترة الماضية، وإنما يحاول استهداف مصالحها داخل القارة الإفريقية. 

ولذلك، أبدت فرنسا اهتمامًا خاصًا بالتسجيل الأخير للبغدادي، حيث ذكرت وزيرة الدفاع فلورانس بارلي، في 30 إبريل الفائت، أن أجهزة الاستخبارات تتحرى مصداقية التسجيل، مضيفة أنه "إذا تأكدت صحته فإن ذلك يعزز حقيقة أن التنظيم ما زال نشطًا".

واللافت في هذا السياق، هو أن الاتجاهات السابقة باتت ترى أن "داعش" فقد ركنًا مهمًا اعتمد عليه في تعزيز تمدده وانتشاره واستقطاب مزيد من العناصر الإرهابية للانضمام إليه، وهو السيطرة على الأرض، بعد أن خسر المناطق التي سبق أن اجتاحها في كل من سوريا والعراق مثل الموصل ودير الزور والرقة، إلا أن ذلك لا يعني أنه انتهى، حيث ربما يظهر في أشكال أخرى ومناطق مختلفة.

3- منافسة "القاعدة": يحاول تنظيم "داعش" عبر تأسيس مجموعات إرهابية تابعة له أو توسيع نطاق الجماعات التي أعلنت مبايعته في القارة الإفريقية تعزيز قدرته على منافسة تنظيم "القاعدة" الذي أسس بدوره مجموعات شنت هجمات إرهابية عديدة خلال المرحلة القادمة. 

وبمعنى آخر، فإن تزايد عدد المجموعات الموالية للتنظيم بات يمثل آلية مهمة يحاول استخدامها لانتزاع صدارة التنظيمات الإرهابية في القارة، وتوجيه رسالة بأن الخسائر الكبيرة التي تعرض لها على المستويات المختلفة البشرية والاقتصادية والتسليحية لن تمنعه من مواصلة تبني هذا النهج خلال المرحلة القادمة. 

وقد كان لافتًا في الفترة الماضية أن تنظيم "القاعدة" تمكن من تكوين أفرع موالية له داخل القارة، على غرار حركة "تحرير ماسينا" أو "جماعة أنصار الدين"، وهو ما أسفر في النهاية عن ظهور جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، التي تم تأسيسها في مارس 2017، وتمثل أكبر تحالف "قاعدي" في العالم، وقد أعلنت مسئوليتها عن تنفيذ العمليتين اللتين استهدفتا القوات الأممية في مالي "مينوسما"، في 17 و21 إبريل 2019، وأسفرتا عن مقتل جندي وإصابة 4 آخرين، فضلاً عن تدمير أو إعطاب 5 شاحنات.

4- تعزيز دور الأفرع البعيدة: وهو ما انعكس في ما جاء على لسان البغدادي في التسجيل المصور، الذي ركز فيه على الهجمات الإرهابية التي وقعت في سيريلانكا، في 21 إبريل الفائت وأسفرت عن مقتل أكثر من 320 شخصًا وإصابة نحو 500 آخرين، بالتوازي مع اهتمامه بمتابعة التطورات التنظيمية داخل بعض المجموعات الموالية للتنظيم، مثل "ولاية الصومال"، و"ولاية القوقاز".

وعلى ضوء ذلك، يبدو أن التنظيم سوف يتجه خلال المرحلة القادمة إلى تعزيز دور المجموعات التابعة له في بعض دول ومناطق إفريقيا، على ضوء محاولاته رفع مستوى نشاطه من جديد، بعد الهزائم التي تعرض لها في الفترة الماضية.