أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

استغلال الأزمة:

كيف وظّفت تركيا تفشي فيروس كورونا خارجيًّا؟

30 أبريل، 2020


مع تفشي فيروس كورونا عالميًّا، وانشغال العديد من دول العالم بمكافحته، واحتياج دول أخرى لمساعدات طبية؛ وجدت تركيا في ذلك فرصة لتحقيق عددٍ من الأهداف، سواء على الصعيد الدبلوماسي، أو على صعيد توسيع انخراطها في عددٍ من صراعات المنطقة، خاصة في ليبيا ومنطقة شرق المتوسط، مستغلة انشغال الدول التي كانت تحجم أنشطتها العدائية بمكافحة تفشي وباء كورونا على أراضيها. وفيما يلي سيتم تناول كيفية توظيف تركيا لأزمة كورونا.

 تحسين الصورة الخارجية:

تعتمد تركيا على المساعدات الإنسانية كإحدى أدوات قوتها الناعمة لتحسين وتعزيز صورتها الخارجية، فيما يُعرف بـ"دبلوماسية المساعدات الإنسانية"، ووجدت أنقرة في أزمة كورونا وحاجة العديد من دول العالم للمساعدات الطبية فرصة لترسيخ وضعها "كقوة إنسانية"، ولتحسين صورتها الخارجية التي تضررت كثيرًا في السنوات الأخيرة بعد انخراطها المباشر في العديد من صراعات المنطقة، ودعمها عددًا من التنظيمات المتطرفة كإحدى أدوات تنفيذ أهدافها الإقليمية، حيث أطلقت أنقرة شعار "الإنسانية أولًا"، وتحت هذا الشعار أرسلت تركيا مساعدات طبية لبعض الدول، ووافقت على تلبية طلبات عشرات الدول لشراء مستلزمات طبية. وتقول أنقرة إنها أرسلت مساعدات طبية إلى 34 دولة حول العالم.

 تحسين علاقاتها المتوترة مع بعض الدول:

ظهر ذلك بوضوح في إعلان تركيا، في 12 إبريل، أنها سترسل مساعدات طبية إلى إسرائيل لمساعدتها في مواجهة فيروس كورونا، ومن المعروف أن الدولتين ترتبطان بعلاقات سياسية متوترة منذ عام 2010، ولو من الناحية النظرية على الأقل، وذلك عقب مداهمة قوات كوماندوز إسرائيلية سفينة مساعدات تركية كانت متجهة إلى قطاع غزة ما أسفر عن مقتل 10 أتراك، وقد ظلت هذه العلاقات متذبذبة رغم توقيع اتفاق المصالحة بين البلدين في يونيو 2016، وعودة العلاقات الدبلوماسية بينهما. وقد برر وزير الصحة التركي "فخر الدين قوجه"، إرسال بلاده مساعدات طبية لإسرائيل بالقول: "إن أنقرة تلقّت طلبًا للمساعدة من تل أبيب، وإنها لبت هذا الطلب، من منظور إنساني بحت"، وهو التبرير ذاته الذي ردده متحدث الرئاسة التركية "إبراهيم كالين".

يُضاف لما سبق، إرسال تركيا مساعدات طبية إلى عدد من الدول الأوروبية لتحسين العلاقات معها، وتهدئة التوتر مع القوى الأوروبية القائم منذ عام 2016، بسبب موقفها من محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في تركيا في يونيو 2016، بالإضافة للتباينات بين الجانبين في الملف الليبي وأزمة اللاجئين، ورفض أوروبا للتحركات التركية في منطقة شرق المتوسط وتنقيبها غير المشروع عن النفط والغاز قبالة سواحل قبرص، فضلًا عن رفض القوى الأوروبية للتدخل العسكري التركي ضد الأكراد في شمال سوريا، في أكتوبر 2019، وفرضها عقوبات اقتصادية وعسكرية على أنقرة، ثم تعليقها لاحقًا بعد وقف أنقرة عملياتها العسكرية هناك. ويأتي على رأس الدول الأوروبية التي تلقت مساعدات طبية من تركيا كل من: إيطاليا، وإسبانيا، وبريطانيا.

وعلى النهج ذاته، أعلن المتحدث باسم الرئاسة التركية "إبراهيم كالين"، في 12 إبريل، أن الرئيس التركي "أردوغان"، وافق على طلب أرمينيا الحصول على مستلزمات طبية وأدوية لمعالجة مرضى فيروس كورونا. ومن المعروف أن العلاقات بين تركيا وأرمينيا ترتقي إلى مستوى العداء، ولا توجد علاقات دبلوماسية بين الدولتين، وذلك على خلفية اتهام أرمينيا للدولة العثمانية بتنفيذ إبادة جماعية بحق الأرمن في عام 1915 راح ضحيتها 1.5 مليون أرميني، وهو ما ترفضه أنقرة بشدة. كما تدعم تركيا أذربيجان في صراعها مع أرمينيا على إقليم "قره باغ".

 تعزيز النفوذ وتوثيق العلاقات الثنائية:

تهدف تركيا أيضًا من مساعداتها الطبية إلى توثيق علاقاتها مع الدول المتلقية لها، وتعزيز مكانتها وصورتها بين مواطنيها، ما يُعزز فرص تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية كبيرة في المستقبل، وتعزيز نفوذها السياسي والاقتصادي في المنطقة. ويظهر ذلك بوضوح في الموقع الجغرافي للدول المتلقية للمساعدات.

ففي العالم العربي، تلقت كل من تونس والجزائر والعراق ولبنان وليبيا (حكومة الوفاق) مساعدات طبية من تركيا. وفي اليمن، تتولى وكالة التنسيق والتعاون التركية "تيكا" مهمة تقديم الدعم للقطاع الطبي في مواجهة كورونا، وتقوم الوكالة بتدريب الطواقم الطبية في محافظات عدن ولحج وأبين والضالع حول كيفية مواجهة الفيروس.

وتُعد إيران إحدى أبرز دول منطقة الشرق الأوسط التي تلقت مساعدات طبية من أنقرة، حيث وقعت الدولتان اتفاقًا، في 17 مارس، بشأن تقديم أنقرة هبة لطهران في المجال الطبي، وأرسلت أنقرة لإيران شحنتين من المساعدات الطبية. كما تلقت باكستان، في 17 إبريل، مساعدات طبية عبر الوكالة التركية للتعاون والتنسيق (تيكا).

وفي إفريقيا، أرسلت تركيا مساعدات طبية ومنظفات لكلٍّ من الصومال، وجمهورية أرض الصومال (معلنة من جانب واحد)، والسودان، وإثيوبيا، والكاميرون، سواء عبر وكالة التنسيق والتعاون التركية "تيكا"، أو مباشرة عبر المؤسسات والهيئات الحكومية التركية.

وفي منطقة البلقان، أرسلت تركيا، في 8 إبريل، مساعدات طبية إلى 5 دول في البلقان هي: شمال مقدونيا، والجبل الأسود، وصربيا، والبوسنة والهرسك، وكوسوفو، وهي منطقة نفوذ تقليدية لتركيا، وكانت خاضعة في السابق لسيطرة الدولة العثمانية.

كما شارك الرئيس التركي، في 10 إبريل، في اجتماع طارئ لزعماء مجلس تعاون الدول الناطقة باللغة التركية "المجلس التركي" (يضم: تركيا، وأذربيجان، وكازاخستان، وقرغيزيا، وأوزبكستان)، عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، تحت عنوان "التعاون والتضامن في مواجهة وباء كورونا"، لبحث تداعيات تفشي وباء كورونا، وحصلت قرغيزستان على مساعدات طبية من تركيا.

 تعزيز الانخراط في الصراع الليبي:

مع انشغال القوى الأوروبية بمكافحة تفشي فيروس كورونا على أراضيها، وتأخر دخول المهمة البحرية الأوروبية "إيريني"، لتطبيق حظر السلاح على ليبيا، والتي أعلن عنها الاتحاد الأوروبي نهاية شهر مارس الماضي، حيز التنفيذ الفعلي، حيث لم تحسم العديد من الدول الأوروبية بعض الأمور المتعلقة بالوسائل والأدوات وحجم مساهمات أو مشاركة كل دولة في المهمة، فضلًا عن استعانة العديد من الدول الأوروبية بجيوشها للمشاركة في مكافحة تفشي كورونا؛ فقد استغلت تركيا ذلك لتكثيف دعمها التسليحي لميليشيات حكومة الوفاق الليبية، بهدف تمكينها من تحقيق تقدم ميداني على الأرض في مواجهة الجيش الوطني الليبي، وذلك قبل تمكن الدول الأوروبية من بدء عمليتها البحرية "إيريني" فعليًّا، خاصة وأن غالبية الدعم العسكري التركي لميليشيات الوفاق يأتي عن طريق البحر.

وقد تجلى ذلك في دعم تركيا إطلاق حكومة الوفاق الليبية، في 25 مارس الماضي، عملية "عاصفة السلام" العسكرية، لإبعاد قوات الجيش الوطني الليبي عن المناطق المحيطة بالعاصمة طرابلس، ما أدى لانهيار "هدنة كورونا" في ليبيا التي تم التوصل إليها في 21 مارس، بناء على دعوة الأمم المتحدة. وقامت القوات التركية بأول تدخل عسكري مباشر في الحرب الليبية، وذلك عندما قصفت بارجةٌ حربية تركية بالصواريخ مدينة العجيلات، غرب العاصمة طرابلس، في 1 إبريل، بعدما كانت البوارج التركية تكتفي في السابق بمرافقة سفن الشحن التي تنقل الأسلحة والمعدات العسكرية والمرتزقة السوريين إلى غرب ليبيا.

ووصل الدعم العسكري التركي لميليشيات الوفاق لمرحلة غير مسبوقة، بعد أن كشف الجيش الوطني الليبي، في 19 إبريل، عن رصد مقاتلات حربية تركية من طراز "إف-16" محملة بصواريخ، وطائرات من طراز "بوينغ 135-C" و"إيه-7" فوق السواحل الليبية. مضيفًا أن المقاتلات التركية استهدفت مواقع تابعة له، وهو ما يُعد تحولًا كبيرًا في الدعم الجوي العسكري التركي لحكومة الوفاق، ليشمل إرسال مقاتلات حربية، بعدما كان مقتصرًا على الطائرات المسيّرة.

وقد مكّن زيادة الدعم العسكري التركي ميليشيات الوفاق من تحقيق تقدم على حساب الجيش الوطني الليبي، حيث أعلنت حكومة الوفاق، في 14 إبريل، السيطرة على 6 مدن ومنطقتين غرب العاصمة طرابلس، هي: مدينة صرمان، ثم صبراتة، فالعجيلات، وبعد ذلك على زلطن، ورقدالين، والجميل، إضافة إلى منطقتي العسة ومليتة، ما يعني سيطرتها على كامل الساحل الغربي حتى الحدود التونسية.

 تصاعد الأنشطة التركية غير المشروعة في شرق المتوسط:

وجدت أنقرة في انشغال أوروبا ودول منطقة شرق المتوسط بمكافحة كورونا، وتأجيل جمهورية قبرص أنشطة التنقيب عن النفط والغاز في منطقتها الاقتصادية الخالصة التي كان مخططًا إجراؤها في شهر إبريل الجاري، جراء فيروس كورونا؛ فرصة لاستئناف أنشطتها غير المشروعة للتنقيب عن النفط والغاز في المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص اليونانية، وذلك بعد توقفها لعدة أشهر، تحت الضغوط الأوروبية.

ففي 16 إبريل، عبرت سفينة تركية تحمل منصة "Scarabeo 9" العملاقة للتنقيب عن النفط، مضيق "جناق قلعة" بشمال غرب تركيا، الذي يربط بين البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط، قادمة من ميناء "ميناكونستانتسا الروماني"، ترافقها سفن وناقلات تابعة للمديرية العامة لسلامة السواحل التركية. وأصدرت تركيا إشعارًا بحريًّا للقيام بعمليات حفر من قبل سفينة الحفر "يافوز" في الفترة من 20 إبريل إلى 18 يوليو، في المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص اليونانية.

كما أجرت تركيا منذ مطلع شهر إبريل تدريبات عسكرية متقطعة في منطقة شرق المتوسط. ففي 11 إبريل أعلنت وزارة الدفاع التركية إجراء الغواصتين "تي جي جي بوراك رئيس" و"تي جي جي جور" بنجاح تدريبات قصف بالطوربيد على أهداف مفترضة في البحر المتوسط. وفي 17 إبريل، أعلنت الوزارة عن تنفيذ القوات الجوية التركية أنشطة تدريبية مع السفن الحربية التركية في البحر المتوسط.

وقد أثارت التحركات التركية غضب الاتحاد الأوروبي، حيث قال المتحدث باسم وزير خارجية الاتحاد "بيتر ستانو"، إن المؤسسات والدول الأعضاء تراقب وتتابع بدقة تصرفات تركيا في شرق البحر المتوسط. وأكد أن الاتحاد الأوروبي يعتبر أنشطة التنقيب التركية عن موارد الطاقة في مياه شرق المتوسط التابعة لجمهورية قبرص غير شرعية، متعهدًا بالرد على استئناف هذه العمليات حال استمرارها.

وانتقدت قبرص استئناف تركيا لأنشطة التنقيب غير القانونية في منطقتها الاقتصادية، وقالت: "إن تركيا تمارس سياسة البوارج الحربية، وتتصرف كقرصان في شرق المتوسط، في الوقت الذي يواجه فيه العالم بأسره جائحة فيروس كورونا، وتحاول جميع الدول حماية صحة وسلامة مواطنيها".

وفي الختام، تعكس التطورات السابقة سمة غالبة في سياسة تركيا الخارجية تتمثل في انتهاز الفرص، وتوظيف الأزمات لتحقيق أهدافها، فقد استغلت أنقرة في الماضي اندلاع الثورات وسقوط عدد من الأنظمة العربية الرئيسية لتعزيز نفوذها في المنطقة، بالإضافة للتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية عبر دعم جماعات الإسلام السياسي لتصعيدها للحكم وإيجاد أنظمة حكم موالية لها في المنطقة. كما استغلت أنقرة اندلاع الثورة السورية للتواجد على الأراضي السورية، عبر دعمها جماعات المعارضة والتنظيمات المتطرفة لقتال الحكومة السورية، ثم تدخلها العسكري المباشر في سوريا بدعوى مواجهة التهديدات الكردية.