أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

مباحثات تمهيدية:

هل تفضي مفاوضات زنجبار إلى اتفاق بين إثيوبيا وجيش أورومو؟

01 مايو، 2023


انطلقت مباحثات السلام بين الحكومة الإثيوبية وجيش تحرير أورومو في جزيرة زنجبار التنزانية، في 25 إبريل 2023، وهو ما أثار تكهنات باحتمالية التوصل لاتفاق ينهي الصراع بين الجانبين، خاصة وأن الطرفين عبرا عن التزامهما بإيجاد تسوية سلمية لهذا الصراع.

محادثات زنجبار 

بدأ الصراع بين أديس أبابا وجيش تحرير أورومو من منتصف سبعينيات القرن الماضي، بدعوى تهميش الحكومة الإثيوبية لجماعة الأورومو، التي تشكل أكبر المجموعات العرقية داخل إثيوبيا، وهو ما خلف مئات القتلى ونزوح عشرات الآلاف من المدنيين، قبل أن يعلن الطرفان بدء محدثات مباشرة بينهما في محاولة للتوصل إلى اتفاق سياسي ينهي هذا الصراع، حيث تستضيف جزيرة زنجبار التنزانية هذه المباحثات، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:

1- محاولة تعزيز الثقة المتبادلة: عانى الأورومو، الذين يشكلون نحو 40% من إجمالي سكان إثيوبيا، خلال العقود الماضية من درجة حادة من التهميش، بفعل سياسات الحكومات الإثيوبية المتعاقبة، وهو ما دفعهم إلى الانتفاضة، بداية من أكتوبر 2016، ضد حكومة رئيس الوزراء السابق، هايلي مريام ديسالين، انتهت بتقديم الأخير استقالته وتشكيل حكومة جديدة برئاسة، آبي أحمد، الذي ينتمي لقومية الأورومو، ما أثار حالة من التفاؤل بشأن إمكانية تحسين أوضاع هذه القومية، خاصة مع عودة جبهة تحرير أورومو من المنفى عام 2018، لكن سرعان ما عادت الاحتجاجات داخل الأورومو مرة أخرى، في يونيو 2020، بعدما تم توجيه اتهامات لحكومة آبي أحمد بعدم القيام بالإصلاحات الكافية لمعالجة التهميش الذي يعاني منه مجتمعه، وهو ما رسخ من حالة انعدام الثقة بين الأورومو والحكومة الفدرالية الإثيوبية.

وتستهدف المباحثات الجارية محاولة تعزيز الثقة المتبادلة بين الطرفين. وجرت محاولات سابقة لتسوية الصراع القائم بينهما، على غرار محاولتي 1992 و2018، بيد أن هذه المساعي فشلت في التوصل لتفاهمات مستدامة، حيث عادت بعض فصائل الأورومو لحمل السلاح ضد الحكومة الإثيوبية.

2- جولة أولى متعثرة من المفاوضات: لم تسفر الجولة الأولى من المفاوضات بين ممثلي الحكومة الإثيوبية وجيش تحرير الأورومو، والتي استمرت حتى 27 إبريل 2023، عن أي مخرجات حقيقية تفضي إلى إنهاء الاضطرابات العنيفة داخل إقليم أوروميا، حيث أشارت تقارير إلى تمسك ممثلي الأورومو بمطالبهم المتعلقة بعدم تسليم سلاحهم للحكومة الفدرالية، فضلاً عن إصراراهم على وجود ضمانات دولية لأي توافقات يجري التوصل إليها. 

وجاءت ردود الفعل الداخلية والخارجية متباينة بشأن تحركات الحكومة الإثيوبية للتفاوض مع جيش تحرير أورومو، فبينما عدتها بعض الأطراف، على غرار الهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد) وبعض القوى الغربية، خطوة إيجابية نحو حلحلة النزاع، طالب البعض الآخر، كلجنة الشؤون العامة الأمريكية الإثيوبية بضرورة الحصول على ضمانات من قبل جيش أورومو بوقف العنف قبل الدخول في المفاوضات النهائية.

3- وساطة كينية نرويجية: تُعد هذه المرة الأولى التي تعلن فيها الحكومة الإثيوبية عن دخولها في مفاوضات مباشرة مع جيش تحرير أورومو. وتأتي مباحثات تنزانيا بوساطة كينية ونرويجية، حيث كان جيش تحرير أورومو يشترط مشاركة وسيط ثالث للموافقة على الدخول في هذه المفاوضات، لذا انخرطت كينيا في أداء دور الوساطة، بدعم لوجستي من النرويج، فيما تتولى زنجبار استضافة مباحثات السلام. كما لفتت تقارير إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي عبّرا عن استعدادهما للانخراط في عملية التفاوض بين طرفي الصراع لدعم فرص التوصل لاتفاق سلام نهائي.

تصفير الأزمات الداخلية

تأتي مباحثات السلام الجارية بين الحكومة الإثيوبية وجيش تحرير أورومو في إطار تحركات آبي أحمد لتصفير الأزمات والصراعات الداخلية التي تعاني منها أديس أبابا، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:

1- تحوّل في موقف آبي أحمد: يشكل انطلاق المفاوضات بين جيش تحرير أورومو والحكومة الإثيوبية تحولاً لافتاً في موقف الأخيرة، والتي رفضت خلال السنوات الماضية أي مباحثات مع جيش الأورومو الذي تعده متمرداً. وعزت تقديرات هذا التحول إلى مساعي حكومة آبي أحمد إلى تصفير الأزمات والصراعات في الداخل الإثيوبي، لتعزيز سلطته الداخلية، وكذا ضمان استمرار الدعم الغربي لحكومته.

2- تكرار سلام التيغراي: على الرغم من التوترات التقليدية والتاريخية بين قوميتي الأورومو والتيغراي، بيد أن جيش تحرير الأورومو دخل في تحالف مع جبهة تحرير تيغراي خلال الحرب الأهلية التي خاضتها الأخيرة ضد الحكومة الإثيوبية لمدة عامين، لكن يبدو أن اتفاق السلام الذي وقعته أديس أبابا مع جبهة تيغراي نهاية 2022 شكل محفزاً لجيش أورومو للدخول في مفاوضات مع حكومة آبي أحمد لاستنساخ تجربة اتفاق السلام مع تيغراي.

ورأت تقديرات أن تركيبة الوفد الحكومي المشارك في مباحثات تنزانيا تشكل مؤشراً إيجابياً على احتمالية أن تفضي هذه المفاوضات إلى توقيع اتفاق مع جيش تحرير أورومو، حيث يضم الوفد الحكومي كلاً من وزير العدل، جيديون تيموثيوس، ومستشار رئيس الوزراء الإثيوبي لشؤون الأمن القومي، رضوان حسين، واللذين كانا يقودان المباحثات مع جبهة تحرير تيغراي.

3- صياغة العلاقة مع الأمهرة والكنيسة: تشكل عرقية الأمهرة والكنيسة الأرثوذكسية أبرز حلفاء الحكومة الإثيوبية، وتأثرت علاقة آبي أحمد بهما خلال الآونة الأخيرة، خاصة بعد اتفاق السلام الذي تم توقيعه مع جبهة تحرير تيغراي، ورفض الأمهرة مساعي الحكومة الإثيوبية نزع السلاح من قواتها، فيما ترى الكنيسة أن رئيس الوزراء الإثيوبي يسعى لتقليص نفوذها. ويبدو أن آبي أحمد يسعى لتعزيز موقفه من خلال إنهاء الخلافات مع خصومه التقليديين. 

ولا يعني ذلك أن رئيس الوزراء الإثيوبي مستعد للتصعيد ضد الأمهرة أو الكنيسة الأرثوذكسية، لكنه ربما يسعى للضغط عليهما من خلال إبداء تقارب أكبر مع خصميه السابقين، لدفعهما لتقديم تنازلات. ولعل هذا ما يفسر تراجع حدة المواجهات المسلحة داخل الأمهرة خلال الأيام الأخيرة، بعدما شهد الإقليم تصعيداً حاداً بين القوات الحكومية وقوات الأمهرة على خلفية استهداف أديس أبابا نزع سلاح هذه القوات، وكذا الدفع نحو تخفيف التصعيد ضد الكنيسة.

انعكاسات محتملة

هناك جملة من الانعكاسات المحتملة التي ربما تتمخض عن المفاوضات الجارية بين الحكومة الإثيوبية وجيش تحرير أورومو، يمكن عرضها على النحو التالي:

1- التمهيد لمحادثات شاملة: تشكل مباحثات تنزانيا تمهيداً لمفاوضات أكثر شمولاً بين طرفي الصراع، ويتوقع أن تنطلق خلال الفترة المقبلة، وهو ما ألمح إليه المتحدث باسم جيش تحرير أورومو، أودا تاربي. وارتكزت مباحثات تنزانيا على الشروط المسبقة التي تمهد الطريق نحو المفاوضات الشاملة. ويرجح أن تشهد المفاوضات انخراطاً أوسع من قبل بعض القوى الدولية، ولاسيما الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ومنظمة الإيغاد، لتشكل ضمانة دولية لاتفاق السلام المرتقب بين الطرفين.

2- دمج المجموعات المسلحة: يمكن أن تسهم المباحثات الجارية بين الحكومة الإثيوبية وجيش تحرير أورومو في دعم تحركات أديس أبابا لدمج المليشيات المسلحة في الجيش الفدرالي، بما في ذلك جيش تحرير أورومو، خاصة وأن وتيرة عنف قوات أورومو شهدت تزايداً ملحوظاً خلال الفترة الأخيرة، وذلك على الرغم من افتقادها للتنظيم والأسلحة الكافية التي تجعلها تشكل تهديداً خطراً للحكومة الإثيوبية.

ومن ناحية أخرى، سيعزز التوصل إلى اتفاق نهائي مع جيش أورومو، حال تحققه، نفوذ الحكومة الإثيوبية في مواجهة المجموعات المسلحة الأخرى، ولاسيما تلك المرتبطة بقومية الأمهرة، ما قد يدفعها هي الأخرى للتفاوض مع أديس أبابا لنزع سلاحها مقابل الحصول على ضمانات كافية من قبل حكومة آبي أحمد، وهو ما يعني أن تحركات أديس أبابا لنزع سلاح المجموعات المسلحة ودمجها داخل القوات الفدرالية لا تزال عملية تواجهها تحديات عدة.

3- تحديات قائمة: ترتبط هذه التحديات بالأساس بالصراعات الإثنية، بما في ذلك الخلافات المتعلقة بترسيم الحدود بين الأقاليم المختلفة، ومعضلة المظلومية لدى بعض العرقيات بشأن تهميشها من قبل الحكومة المركزية، ناهيك عن فقدان الثقة في الحكومة الإثيوبية، والتي انعكست في رفض جيش تحرير الأورومو إلقاء أسلحته عام 2018، بسبب شكوكه في مصداقية وعود السلام التي قدمها رئيس الوزراء آبي أحمد.

ومن ناحية أخرى، تحظى قوات جيش تحرير أورومو بانتشار واسع داخل إقليم أوروميا، وتتكون من أربع قيادات فرعية تتوزع داخل الإقليم، في الشمال والجنوب والشرق والغرب، وتشكل تلك القيادات معاً قيادة مركزية عليا برئاسة، جال مارو، ويمثل هذا الانتشار لقوات جيش أورومو تحدياً للجيش الإثيوبي، وجهاز الأمن الفدرالي، خاصة في ظل المساحة الشاسعة لإقليم أوروميا، كما يفتح هذا الانتشار المجال أمام احتمالية انشقاق بعض الفصائل عنه حال اعتراضها على مضمون أي اتفاق يتم التوصل إليه.

وفي الختام، يمكن القول إن مفاوضات تنزانيا خطوة إيجابية، غير أن عملية السلام الجارية بين الحكومة الإثيوبية وجيش تحرير أورومو لا تزال هشة للغاية، في ظل تعدد مطالب الأخيرة، والتي كانت قد أصدرت بياناً يتكون من 14 صفحة، في يناير 2023، حددت فيه مطالبها الخاصة بالحصول على حق تقرير المصير السياسي والسيادة الاقتصادية للأورومو، وضمان حماية حقوق هذه العرقية من هيمنة الحكومة الفدرالية، كما أن حالة انعدام الثقة تزيد من صعوبة إنجاز اتفاق سلام دائم. وفي المقابل، فإن الدعم الغربي، ولاسيما الأمريكي، يجعل فرصة التوصل لهذا الاتفاق قائمة.