أخبار المركز
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)
  • محمود قاسم يكتب: (الاستدارة السريعة: ملامح المشهد القادم من التحولات السياسية الدرامية في كوريا الجنوبية)
  • السيد صدقي عابدين يكتب: (الصدامات المقبلة: مستقبل العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في كوريا الجنوبية)
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)

المصري اليوم:

د. إدريس لكرينى يكتب: أنسنة الأزمات.. دور «الدبلوماسية الإنسانية» فى تخفيف أضرار الكوارث الطبيعية

23 سبتمبر، 2023


على امتداد التاريخ، شكلت الكوارث الطبيعية أحد العوامل المُهددة لحياة الإنسان واستقراره، فقد خلّفت الزلازل والبراكين والحرائق والأوبئة والمجاعات، عددًا كبيرًا من الضحايا والخسائر التى تجاوزت مخلفات الحروب، ما تسبب فى نزوح الكثير من الناس بحثًا عن فضاءات آمنة. وأمام هذه الظواهر الطبيعية الضاغطة التى لا يمكن وقف زحفها، حاول الإنسان جاهدًا البحث عن سُبل ناجعة وقائية وعلاجية تضمن تقليل الخسائر عند وقوعها.

وفى الوقت الراهن، ازدادت خطورة هذه الكوارث مع تصاعد التهديدات والملوثات التى تطال البيئة بكل مكوناتها، بفعل نشاط الإنسان غير الرشيد، وتزايد التجمعات البشرية المكثفة والمدن المليونية، وهو ما دفع الدول إلى إرساء نظم متطورة لرصد الكوارث، ونهج سياسات تهدف إلى الحد من تمددها وخروجها عن السيطرة والتحكم.

وعلى الرغم من هذه الجهود، يوضح الكثير من الأحداث والكوارث التى شهدها العالم ومنطقة الشرق الأوسط خلال الفترة الأخيرة، أن الدول ما زالت بحاجة إلى إرساء سُبل أكثر نجاعة واستدامة فى إطار من التعاون والتضامن الإنسانيين.

وفى هذا السياق، برزت «الدبلوماسية الإنسانية» كأسلوب حضارى يدعم تكثيف الجهود الدولية والإقليمية لتخفيف العبء عن الدول المُتضررة من الكوارث الطبيعية. وهنا، سنقف عند خطورة هذه الكوارث وتداعياتها على الأمن الإنسانى، مع رصد أهمية «الدبلوماسية الإنسانية» وتناولها فى السياق الإقليمى فى ظل ما شهده عام 2023 من كوارث طبيعية فى عدة دول بالمنطقة.

تزايد الكوارث:

تشير الكارثة إلى حادث أو اضطراب مفاجئ وقع فعلًا، تتمخض عنه -بحسب طبيعته- مجموعة من الخسائر فى الأرواح، والمنشآت، والبنى التحتية والمصالح الاقتصادية. وهى تحتاج إلى تدبير وقائى وعلاجى محوكم يستند إلى أساليب علمية، وعلى قدر كبير من التشاركية والتخصص والمرونة.

وتتفرع الكوارث إلى عدد من الأصناف، تبعًا لخطورتها، وللعوامل المسبّبة لها، ولطبيعتها. وعمومًا، هناك كوارث بشرية عمدية أو تحدث جرّاء الأخطاء، كما هو الأمر بالنسبة للهجمات الإرهابية ونتائجها، وتلك الناجمة عن تلوث البيئة، وهناك أيضًا كوارث مشتركة، يسهم فيها الخطأ البشرى وإهماله إلى جانب العوامل الطبيعية، كما هو الأمر بالنسبة لتسرب الغازات السامة، والإشعاعات، والحرائق وحوادث الطائرات والسفن. وثمة كوارث طبيعية تُحدثها البراكين، والأعاصير، والزلازل، والجفاف، والفيضانات، والانهيارات الأرضية، وانتشار الأوبئة والأمراض الخطرة المُعدية.

وأكدت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة فى عام 2021 أن عدد الكوارث الطبيعية المترتبة على التغيرات المناخية زاد بحوالى خمس مرات خلال نصف القرن الماضى، وأسفر فى مجمله عن مقتل أكثر من مليونى شخص، وعن تكلفة اقتصادية ومادية بلغت ما يناهز 3.64 تريليون دولار.

وشهد عام 2023 مجموعة من الكوارث الطبيعية التى خلّفت عددًا من الضحايا والخسائر البشرية، وأبرزها فى منطقة الشرق الأوسط، بدايةً من الزلزال الكبير الذى وقع جنوبى تركيا وشمالى سوريا فى فبراير الماضى وأدى إلى مقتل نحو 51 ألفًا، مرورًا بزلزال المغرب فى شهر سبتمبر الجارى والذى اقترب عدد قتلاه حتى الآن من 3 آلاف شخص، وصولًا إلى فيضانات مدينة درنة الليبية فى سبتمبر أيضًا والتى تتباين أعداد ضحاياها؛ فبينما يقارب الإحصاء الحكومى الثلاثة آلاف شخص تحدث مكتب الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة عن أن 11300 شخص على الأقل قُضوا فى هذا الإعصار، بالإضافة إلى وجود أكثر من 10 آلاف فى عداد المفقودين. وعلى مستوى مناطق أخرى فى العالم، طالت الحرائق عددًا من الدول مثل تشيلى، علاوة على الأعاصير التى أصابت دولًا أخرى مثل مدغشقر ونيوزيلندا، بالإضافة إلى عدد من الفيضانات التى اجتاحت دولًا مثل البرازيل.

وتمثل الكوارث الطبيعية بثقلها وانعكاساتها الآنية واللاحقة، خطرًا على الأمن الإنسانى، وتحديًا كبيرًا أمام الدول؛ بالنظر إلى فجائيتها، والهلع والاضطراب اللذين يرافقانها، وهو ما يتطلب اتخاذ قرارات عاجلة ومواكبة للوضع بصورة تمنع تدهوره، بالإضافة إلى جهود مكثفة تواكب انعكاساته المستقبلية.

«الدبلوماسية الإنسانية»

يمثل ضغط الكوارث الطبيعية ثقلًا كبيرًا على كاهل الدول، خصوصًا أن التعامل معها لا يقتصر على الانعكاسات الآنية، بل يتطلب جهدًا كبيرًا على مستوى التعامل مع كُلفتها المستقبلية؛ على عدة مستويات اقتصادية واجتماعية ونفسية. وقد تبين فى كثير من الأحيان أن الدول مهما بلغت إمكاناتها وتقدمها، فإن التدابير والسياسات الوطنية المُتخذة فى هذا الشأن تظل بحاجة إلى مساعدات دولية تسمح بالتدخل المناسب فى سباق مع الزمن، لتطويق تداعيات الكوارث التى يؤدى فيها الوقت عاملًا أساسيًا.

وفى هذا السياق، برزت «دبلوماسية المساعدات الإنسانية» كأسلوب حضارى، يدعم تكثيف الجهود لمواجهة الكوارث التى يشهدها المجتمع الدولى. ويتكامل هذا النوع من الدبلوماسية مع صور أخرى من الدبلوماسية الموازية، كما هو الشأن بالنسبة لـ«الدبلوماسية الثقافية» التى تحيل إلى توظيف المعرفة والمعلومات والأفكار والفنون فى ترسيخ قيم ومبادئ تعزّز الحوار والتواصل بين الشعوب؛ أو «الدبلوماسية الحضارية» التى تتوخى توظيف المشترك الحضارى الإنسانى لإرساء سلوك دولى يدعم تحقيق التنمية الإنسانية ونبذ الحروب وتعزيز التضامن الدولي؛ أو «الدبلوماسية الروحية» التى تنطوى على أهمية كبرى بالنظر إلى ما يميزها من قداسة واستحضار للمشترك الإنسانى والحضارى.

إن الهاجس الذى يفترض أن يُحرك هذه «الدبلوماسية الإنسانية» هو حماية حقوق الإنسان وتعزيز التنمية الإنسانية التى تصون حياته وكرامته، وهى عملية تقودها الدول وعدد من المنظمات والهيئات المدنية فى لحظات الكوارث، وتنطوى على قدر كبير من الأهمية؛ بالنظر إلى كونها تعبيرًا راقيًا يعكس الرغبة فى «أنسنة» العلاقات الدولية، وتجاوز الخلافات السياسية والحسابات الضيقة، خلال الفترات الصعبة التى تُنهك بانعكاساتها ميزانية الدول، بما يؤثر سلبًا فى العديد من المشروعات الاقتصادية والاجتماعية ويعرقل جهود التنمية.

ولا تقوم «الدبلوماسية الإنسانية» ضمن مرتكزاتها على الوازع الأخلاقى والدينى فقط، بل تجد امتداداتها وجذورها ضمن عدد من المواثيق والقوانين الدولية التى تدعم التعاون بين الدول، وتعزيز الحماية الدولية لحقوق الإنسان، كما أنها تجسيد عملى لأهداف الدبلوماسية باعتبارها آلية تنفيذ السياسة الخارجية نفسها.

السياق الإقليمى

تهم الكوارث كل الدول، سواءً أكانت متطورة أم نامية، لكن انعكاساتها تختلف بحسب قدرات هذه الدول وإمكاناتها، واستراتيجيتها المُعتمدة فى هذا الشأن. وتشير بعض الإحصائيات إلى أن الكوارث تكلّف البلدان النامية ما يقارب 1% من إجمالى ناتجها المحلى السنوى، فى حين لا تتجاوز النسبة فى الدول المتقدمة 0.3% كأقصى حد.

ونشطت «الدبلوماسية الإنسانية» بشكل ملحوظ خلال جائحة «كورونا»، بعدما بادرت الكثير من الدول إلى تقديم مساعدات طبية وتقنية لدول أخرى فى سبيل مساعدتها على محاصرة انعكاسات وباء «كوفيد19».

وتُعد كثير من البلدان العربية، بحكم موقعها الجغرافى، معنية بعدد من المخاطر والكوارث الطبيعية، كما هو الشأن بالنسبة للزلازل والفيضانات وحرائق الغابات وندرة المياه والتلوث، وهو ما يفرض أهمية تعزيز جهود التنسيق والتضامن ومأسستهما. وأولت الكثير من دول المنطقة أهمية كبرى لـ«الدبلوماسية الإنسانية»، وهو ما تجسد على أرض الواقع فى عدد من الأزمات، فقد قامت دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وعدد آخر من الدول بتوجيه مساعدات إلى بلدان عربية وإفريقية خلال الأزمة التى خلفتها جائحة «كورونا».

وعندما حدث الزلزال فى تركيا يوم 6 فبراير الماضى، تحركت الكثير من البلدان العربية لتقديم المساعدة الإنسانية، بعدما تناقلت وسائل الإعلام صورًا تبرز حجم الكارثة والمعاناة التى خلفتها. ونفس الأمر بالنسبة للزلزال الذى ضرب سوريا فى ذات الشهر، والذى عمّق جرح السكان الذين عانوا الكثير بسبب الصراعات التى تشهدها البلاد. وكان لهذه المساعدات أثر ملحوظ فى التخفيف من معاناة الضحايا والمتضررين الذين فقدوا ديارهم وأهلهم، وأجبرتهم ظروف كارثة الزلزال على النزوح إلى مناطق أخرى.

وعادت هذه الدبلوماسية بقوة إلى الواجهة مع الزلزال المُدمر الذى ضرب المغرب خلال شهر سبتمبر الجارى، حيث تلقى المغرب مساعدات من دولة الإمارات وقطر وإسبانيا والمملكة المتحدة، وعبّرت دول أخرى عن استعدادها لتقديم مساعدات أخرى. ونفس الأمر برز أيضًا مع الفيضانات التى شهدتها ليبيا فى سبتمبر الجارى، وشهدت خلالها تضامنًا عربيًا ودوليًا واسعًا.

إن السلوكيات الخارجية للدول تحكمها المصلحة بالمنطق الواقعى، على اعتبار أن العلاقات الدولية لا تحتمل المجاملات، إلا أن اللحظات الإنسانية المؤثرة التى ترافق الكوارث بكل أصنافها، تتطلب تذليل الخلافات الدولية ونبذ الصراعات، وعدم استغلالها سياسيًا. والواضح أن انخراط دول العالم فى إرساء هذه الدبلوماسية خلال فترات الكوارث، سيجعلها هى نفسها موضع تضامن كبير عند حدوث كوارث مماثلة.

فرص متاحة

كثيرًا ما شكلت الأزمات والكوارث التى مرت بها الإنسانية على امتداد التاريخ محطة لتعزيز الوحدة الوطنية، وتجسير العلاقات المجتمعية. وعلى المستوى الدولى، أدت هذه الكوارث إلى إرساء قواعد القانون الدولى، وتأسيس منظمات كسبيل لمحاصرة الحروب والنزاعات التى تهدد الإنسانية جمعاء.

كما أن تزايد الاعتماد المتبادل بين أعضاء المجتمع الدولى بفعل التطورات المتسارعة للعلاقات الدولية، جعل انعكاسات الكوارث الطبيعية تطال المحيط الدولى، على مستوى النزوح البشرى، والإشكالات الاقتصادية والإنسانية، ما أصبح يفرض تضامنًا دوليًا. وتختزن «الدبلوماسية الإنسانية» فرصًا كبيرة على مستوى تذليل الخلافات، وإرساء شعور شعبى إيجابى يدعم التواصل والحوار وتشبيك المصالح بين الدول.

وهكذا، فإن الوعى بخطورة التهديدات والمخاطر التى تخلفها الكوارث على المستويين الوطنى والدولى، يمكنه أن يدعم إرساء علاقات دولية بحس إنسانى، تقوم على الحوار والتضامن وتنسيق الجهود فى مواجهة مستقبل سمته الغموض والتحديات.

* أستاذ العلاقات الدولية وإدارة الأزمات فى جامعة القاضى عياض- المغرب

*لينك المقال في المصري اليوم*