أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

تحديات قضائية:

استراتيجية ملاحقة جرائم العملات المشفرة والبلوك تشين

23 مارس، 2023


عرض: عبدالمنعم علي

على الرغم من استخدام تقنيات البلوك تشين والعملات المشفرة في تسهيل التعاملات التجارية والمالية المنتشرة حديثاً، إلا أنها قد تعزز انتشار الأنشطة غير القانونية؛ وذلك لما تتسم به من قدرات خاصة بتسهيل المعاملات المجهولة عن بعد، الأمر الذي أدى إلى خلق تحديات جديدة لنظام العدالة الجنائية خاصة لإنفاذ القانون.

اتصالاً بذلك، طرحت دراسة لدولاني وودز وآخرين، جاءت تحت عنوان "إنفاذ القانون في العملات المشفرة والبلوك تشين" وأصدرتها مؤسسة راند في العام 2023، أبرز الاحتياجات الرئيسية المرتبطة برفع مستوى المعرفة لجهات التحقيق القضائي وتنفيذ القانون والخبراء، وكذلك الحال بالنسبة للسياسات والإجراءات الحالية وسبل تطويرها بما يتواءم مع التطور الراهن في العملات المشفرة في الولايات المتحدة الأمريكية.

تحدي الولاية القضائية

أصبحت العملة المشفرة طريقة دفع مقبولة بشكل متزايد في العديد من المعاملات التجارية المشروعة، وباتت وسيلة استثمارية أيضاً، مع ذلك بات لها استخدامات سلبية عبر تسهيل العديد من الأنشطة غير القانونية والتحفيز على ارتكاب الجرائم. ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى قدرة العملات المشفرة على تسهيل المعاملات مجهولة الهوية عن بُعد عبر الإنترنت.

وتستند تقنيات البلوك تشين على شبكة لا مركزية من أجهزة الكمبيوتر تعمل على تخزين البيانات أو مشاركتها وتنفيذ التعاقدات والاتفاقيات المختلفة ويتفاعل الأفراد مع تلك الشبكة عبر أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم. ولعل التعاملات على أنظمة العملات المشفرة تكون مجهولة الهوية بشكل فعَّال، ومن ثّم فإن قائمة المعاملات الخاصة بها تُصعب على جهات إنفاذ القانون تحديد من يمتلك مفتاحاً أو من يمتلك عنوان محفظة لأي معاملة معينة، خاصة وأن نظام العملات المشفرة والبلوك تشين بات له أعمال تُعرف باسم "بورصات العملات المشفرة". 

وتعمل هذه البورصات وفقاً لتبادلات مثل البنوك عبر الإنترنت، وتقوم بالتفاعل مع البورصات الأخرى، لكن في هذه الحالة يسهل تحديد هويات الأشخاص لأن البورصات مطالبة قانوناً بالوقوف على بعض البيانات والاحتفاظ بها خاصة في ضوء الإجراءات والعمليات التي تقع تحت سيطرتها (أي داخل شبكاتها).

وتتمتع تقنيات البلوك تشين أيضاً باستخدامات لإدارة المؤسسات التي تدار ديمقراطياً بكفاءة، وفقاً لمخطط تنظيمي مشترك لا مركزي يسمح لمجموعة من الأشخاص (أو أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم) باتخاذ القرارات عن طريق "التصويت" بالعملة المشفرة أو غيرها من الرموز المميزة للملكية، ولعل هذا الأمر ينخرط تحت نظام العدالة اللامركزي في الولايات المتحدة.

مع التطور التقني، انتقلت غالبية التفاعلات الاقتصادية والشخصية إلى الإنترنت، وهو ما نتج عنه تحديات مختلفة، أولها، غياب الولاية القضائية، حيث تؤثر التعاملات الإلكترونية التي تتم عن بُعد في الاختصاص القضائي الذي يعد شرطاً أساسياً لمواجهة المخالفات القانونية داخل الولايات المتحدة الأمريكية. ثانيها، أن المشاركين في النشاط الإجرامي في العملات المشفرة والبلوك تشين قد يكونون غير معروفين تماماً لجهات إنفاذ القانون؛ مما يؤثر في تنفيذ العدالة الجنائية بكفاءة وفعالية.

 أما التحدي الثالت، فيتعلق باللامركزية وغياب الجهة المفوضة، فالعملات المشفرة هي أصول رقمية تتيح للمستخدمين إجراء المعاملات عن بُعد وبطريقة شبه ذاتية، ولا توجد جهة خارجية مُفوَّضة أن تقوم بإدارة معاملات العملة المشفرة، وعادة لا تصدر "العملات" من قبل الحكومة. بدلاً من ذلك تتم إدارة المعاملات بواسطة شبكات لا مركزية من الأفراد والمؤسسات تعمل طواعية على خوادم الكمبيوتر التي تعمل بشفافية وتعاونية باستخدام بروتوكول إدارة مشترك (أي خوارزمية برمجية)، إذ يتم تصميم خوارزمية البرنامج لمنع أي مجموعة أو فرد من تأكيد السيطرة على النظام بأكمله.

 نتيجة لذلك، لا توجد سلطة مركزية يمكن أن تتفاعل معها أجهزة إنفاذ القانون، فعمليات الاحتيال والسرقة التي كانت تتم في الخدمات المصرفية التقليدية يمكن خلالها اتخاذ إجراءات بين البنوك وبعضها البعض لكن في حالة العملات المشفرة فإنها تصعب إعادتها.

تحديات تدريبية ومالية

أدت الميزات الفريدة للعملات المشفرة القائمة على البلوك تشين إلى ظهور مجموعة متنوعة من أنواع الجرائم، بما في ذلك برامج الفدية والابتزاز والاحتيال وغسيل الأموال والاتجار بالبشر والتجارة غير المشروعة، مما أوجد احتياجات إنفاذ القانون المتعلقة بالاستخدامات الإجرامية لتلك المعاملات المستجدة. ومع الافتقار للتعاون متعدد الاختصاصات القضائية وتزايد الاحتياجات للتدريب والتعليم العام وتطوير أدوات التحقيقات باتت هناك تحديات مضاعفة تواجه عملية التصدي للجرائم غير المشروعة الناجمة عن الاتجار بالعملات المشفرة.

وتتعدد التحديات الناجمة عن التعامل مع العملات المشفرة والبيتكوين، فعلى مستوى التدريب، هناك ضعف في التدريب والمعلومات التي يمتلكها الخبراء المتخصصون في إنفاذ القانون للتعامل معها، كما يُمثل التطور السريع للعملات المشفرة ذات التقنيات العالية تحدياً آخر أمام ممارسي العدالة لما يجدونه من صعوبة في مواكبة تلك التغييرات، فضلاً عن حالة الافتقار إلى الشفافية داخل أدوات العملة المشفرة؛ مما يؤدي إلى صعوبات في تدقيق معاملات العملة المشفرة.

أضف لذلك، التكلفة العالية الناجمة عن أدوات تتبع العملات المشفرة التجارية والتي باتت أغلى مما تستطيع وكالات التحقيق أن تتحمله خاصة في ضوء تقييم تكاليف وفوائد تطوير غرفة مقاصة للقطاع الخاص للتنسيق مع القطاع العام في هذا المجال، فضلاً عن مشاكل تبادل المعلومات عبر الولايات القضائية وعبر الوكالات وأجهزة تنفيذ القانون، وكذلك من الصعوبة بمكان أمام جهات إنفاذ القانون تحديد مجموعات عناوين المحافظ التي من المحتمل أن تكون مرتبطة بنشاط غير مشروع.

استراتيجية المواجهة

على الرغم من الصعوبات الناجمة عن استخدام العملات المشفرة بما يحد من تطبيق القانون، إلا أن هناك بعض النجاحات البارزة في معالجة الاستخدامات الإجرامية لتقنية البلوك تشين. ففي مايو 2021، تعرضت خوادم جزء مهم من البنية التحتية للنفط والبنزين التابع لخط أنابيب كولونيال شرق الولايات المتحدة للهجوم من جانب برامج الفدية، والتي طالبت حينها بـ75 بيتكويناً أي ما يعادل 4.3 مليون دولار وقامت الشركة بدفعها. 

لكن في العام ذاته، تمكَّن مكتب التحقيقات الفدرالي من استعادة نحو 64 عملة بيتكوين بعدما تم الحصول على المفتاح الخاص لمحفظة البيتكوين الخاصة بالمخترقين، وهو ما يبين أن هناك العديد من الأدوات التي يمكن لجهات إنفاذ القانون الاعتماد عليها للتصدي لتلك الشبكات العاملة في العملة المشفرة في أعمال غير مشروعة.

مع ذلك، فقد وضعت النقاشات الخاصة بذلك الموضوع استراتيجية شاملة لمواجهة المخاطر المختلفة للعملات المشفرة والعمل على مواءمة التغيرات المختلفة في هذا المجال وتشمل الآتي:

- وضع السياسات والإجراءات، لأفضل الممارسات لتأمين أصول العملة المشفرة بسرعة أثناء التحقيقات، والتعامل مع مفاتيح العملة المشفرة الرقمية وتخزينها ونقلها وتنقيحها داخل أنظمة إدارة السجلات وتشكيل مجموعة دائمة من الممارسين والخبراء لإنشاء متطلبات لمنظمات البحث والتطوير. 

- تطوير أنظمة المشاركة، سواء أكانت مشاركة إقليمية أم وطنية بحيث تُسهل تبادل مواد التدريب والمعلومات الاستخبارية لملاحقة جرائم العملات المشفرة مثل مراكز الاندماج الرقمي أو السيبراني، مع تطوير مواد نموذجية يمكن تكييفها بسهولة لتدريب المجندين والمحققين وخبراء الطب الشرعي والمدعين العامين والقضاة وغيرهم.

- تكريس مبدأ التبادلات بين وكالات التحقيق، وذلك لوجود حاجة إلى طرق لشرح التقنيات المعقدة للغاية في البلوك تشين وطرق الاستدعاء المرتبطة بها إلى عناصر أخرى من نظام العدالة الجنائية، مثل القضاة والمحلفين، وكذا النظر في تحويل التفاعلات بالعملات المشفرة إلى نمط بورصات العملات المشفرة لأنه النموذج الأكثر امتثالاً طوعاً للعملية القانونية (مثل مذكرات الاستدعاء) وغيرها.

- التعاون متعدد الاختصاصات القضائية، وذلك من خلال العمل مع الكيانات الفدرالية والولائية والمحلية والخاصة (على سبيل المثال، مختبر التحليلات الجنائية للكمبيوتر الإقليمي، محامون بلا حدود) لإتاحة الموارد المناسبة لتتبع العملات المشفرة، بحيث يمكن مشاركة التكاليف بسهولة أكبر، وتقييم فوائد تطوير غرفة مقاصة للقطاع الخاص تسمح للقطاع العام وكيانات القطاع الخاص التي تم فحصها بالتنسيق (على غرار الطريقة التي يقوم بها المركز الوطني للأطفال المفقودين والمستغلين بفحص المواد التي يحتمل أن تكون مسيئة)، فالتعاون متعدد الاختصاصات القضائية يُسهم في تصنيف المشكلات التي تواجهها الوكالات خاصة فيما يتعلق بربط معلومات الحالة ذات الصلة ومشاركتها مع الوكالات الأخرى التي قد تجري تحقيقات مرتبطة بنفس شبكات الإجرام، أو نفس أنواع المخططات الإجرامية. 

ختاماً، ثمة حاجة ملحة ومتزايدة لبدء مواكبة التغيرات الخاصة بالعملات المشفرة فيما يتعلق بالتحليل الجنائي لها، وأهمية اكتساب المهارات القضائية ومهارات التحقيق في هذا المجال، حيث إن الفشل في تحقيق نظام عدالة قادر على مواكبة جرائم العملات المشفرة سوف يؤدي إلى عواقب وخيمة على المواطنين تنتهك حقوقهم، ويُحدث أيضاً حالة من عدم القدرة على الردع أو مواجهة ذلك المجال للحد من العمليات غير المشروعة التي تحدث فيه.

ومن بين سبل المواجهة لدى بعض الدول، تحويل البيتكوين إلى عملة وطنية بجانب الدولار، كما الحال في السلفادور، ولعل هذا المسار واحد من مجالات تدارك مخاطر التفاعل بالعملات المشفرة، لكن هناك دول ترفض هذا النهج وتسعى إلى تطبيق القانون عبر السياسات المختلفة الداعمة لمسارات التحول القضائي وأجهزة الأمن خاصة في التطوير والتحديث لمواكبة التطورات الخاصة بالعملات المشفرة.

المصدر

Dulani Woods, John S. Hollywood, Jeremy D. Barnum, Danielle Fenimore, Michael J. D. Vermeer & Brian A. Jackson, Cryptocurrency and Blockchain Needs for Law Enforcement, RAND Corporation, 2023.