أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

"تهجين الهويات":

الآثار الثقافية لـبيئة معلومات "الجيل الثاني" على المجتمعات

06 يونيو، 2024


عرض: منى أسامة

باتت المعلومات أكثر أهمية وحسماً لقدرة هيئات الدفاع والأمن في دول العالم على تحقيق الأهداف الاستراتيجية والتشغيلية في مجالات الصراع والتعاون والتفاعلات الإنسانية والاجتماعية بشكل عام. ومن المرجح أن تتغير بيئة المعلومات؛ مما يوفر فرصاً ومخاطر متعددة، وتشمل هذه التغييرات، التقنيات التكنولوجية الحالية والناشئة، ومدى تأثيرها في التطورات الاجتماعية والثقافية في المجتمعات. وترتب على ذلك زيادة الاهتمام ببيئة المعلومات في الهيئات المسؤولة عن الدفاع في العديد من الدول، ولاسيما المتقدمة منها، وصاحب ذلك الاهتمام زيادة في الوعي تجاه العمليات والتأثيرات الناتجة عنها. 

في هذا السياق، أجرت مؤسسة راند دراسة في العام 2024؛ تبحث فيها كيفية تشكيل التطورات التكنولوجية في بيئة المعلومات للثقافة في الإطار الزمني للجيل التالي؛ أي من 2035 إلى 2050، وتصف الدراسة مشهد التغير التكنولوجي في بيئة معلومات الجيل التالي، وتطوير إطار مفاهيمي لتفسير الروابط بين التغير التكنولوجي والثقافة، وتقييم آثاره، فضلاً عن طرح توصيات للتعامل معه خاصة بالنسبة لوزارة الدفاع البريطانية.

بيئة معلومات "الجيل التالي":

تتكون بيئة المعلومات من العمليات التي من خلالها يتعرض الأفراد والجماعات والمجتمع للمعلومات ويخزنونها ويستهلكونها ويستخدمونها في اتخاذ القرار أو التواصل، وهي تتضمن ثلاثة أبعاد أساسية:

- البُعد المادي: يشير إلى الخصائص المادية لبيئة المعلومات؛ أي البنية التحتية التي تسهل الاتصال ومعالجة المعلومات، والأدوات/الآلات التكنولوجية التي تصل بين الأجهزة المضمنة بقدرات الاستشعار والمتصلة بأجهزة أخرى عبر الإنترنت فيما يعرف بإنترنت الأشياء.

- البُعد الافتراضي: يشمل كيفية توصيل المعلومات افتراضياً، وتبادلها بين الأشخاص أو عبر المجتمع كمنصات التواصل الاجتماعي مثل: فيسبوك وأكس (تويتر سابقاً).

- البُعد المعرفي: يُشير إلى القدرات المعرفية البشرية، والعوامل التي تؤثر في كيفية إدراك الإنسان للمعلومات وترجمتها إلى سلوك، بما في ذلك العناصر الاجتماعية والثقافية واللغوية والنفسية للإدراك والسلوك البشري. 

تؤثر هذه الأبعاد في خمس عمليات حاسمة في بيئة المعلومات، هي: كيفية تعرض الأفراد والجماعات والمجتمع الأوسع للمعلومات بما في ذلك عبر الإنترنت، استهلاكهم لها، كيفية معالجتها واستخدامها في اتخاذ القرار، توصيلها للآخرين، جمعها وتخزينها.

وهناك عشر فئات من التقدم التكنولوجي، تضم كل منها مجموعة من التطورات في التقنيات الجديدة، هي:

- الذكاء الاصطناعي: توفر تقنيات الذكاء الاصطناعي فرصاً ومخاطر كبيرة في بيئة المعلومات الحالية، والتي تضم العديد من مجالات التطوير المستقبلية عالية التأثير، وهناك المزيد من التقدم المتزايد والمستمر في تقنيات الذكاء الاصطناعي مثل: الشبكات العصبية الاصطناعية، ومعالجة اللغة، والتعلم الآلي غير الخاضع للرقابة، والتعلم المعزز العميق.

- التكنولوجيا الحيوية: إن تطبيق التكنولوجيا الحيوية على تخزين البيانات يزيد من إمكانية تخزينها كتسلسلات الحمض النووي؛ مما يسهل التخزين عالي الكثافة لكميات كبيرة من المعلومات، ويزيل الحاجة إلى مرافق تخزين البيانات الكبيرة والمكلفة مادياً في المستقبل.

- الواقع الممتد: تشمل التطورات التكنولوجية المستقبلية للواقع الممتد التصوير المجسم في الوقت الفعلي والعرض العصبي؛ أي العرض الرقمي الواقعي للبشر بدلاً من الصور الرمزية التي يتم إنشاؤها بواسطة الكمبيوتر، فضلاً عن تطبيقات الواقع المعزز التفاعلية.

- واجهات التفاعل بين الإنسان والآلة: تشير الأبحاث إلى أن التقدم في هذا المجال قد يُترجم إلى تقنيات تسهل أنماطاً جديدة من التواصل والتفاعل بين الأشخاص بمساعدة التكنولوجيا.

- تكنولوجيا المعلومات والاتصالات: تشمل التقدم في التقنيات المعاصرة التي تسهل الاتصال، ومفاهيم تكنولوجيا المعلومات مثل تطبيقات البلوكتشين لأنظمة معالجة المعلومات.

- المواد المتقدمة: تتضمن تطبيقات قليلة لكن ذات صلة ببيئة المعلومات المستقبلية؛ إذ تشمل التطورات المتوقعة في الجيل التالي من الإلكترونيات مثل: السيليكون والجرافين لتخزين بيانات ومعلومات بأداء عالٍ وسريع.

- أجهزة الاستشعار: يتيح التقدم في تقنيات الاستشعار الابتكار في الأجهزة المحمولة وتقنيات الواقع المعزز والتوسع المتوقع في إنترنت الأشياء.

- تكنولوجيا الفضاء: قد تشمل التطورات المستقبلية التطور في تكنولوجيات الأقمار الاصطناعية الصغيرة التي تسهل الاتصال العالمي، وتكنولوجيات الاتصالات في الفضاء البعيد.

- تكنولوجيا الكم والتشفير: ترتبط تطبيقات التكنولوجيا الكمية ببيئة المعلومات، فيما يتعلق بالبنى التحتية للاتصالات الجديدة، وقدرات تخزين البيانات المتقدمة.

- الأمن والخصوصية: تتعلق بمخاطر الخصوصية والتهديدات الأمنية، وضمانات الأمن السيبراني.

ويُعد أمن المعلومات بُعداً حاسماً لبيئة معلومات الجيل التالي، التي قد تعمل على تضخيم أو تخفيف تحديات الخصوصية وسلامة المعلومات والموثوقية الناجمة عن التطورات التكنولوجية الأخرى. وتتوقع الدراسة أن يؤدي تطوير الويب إلى تغيير بشكل كبير في ثقافات الفضاء عبر الإنترنت. مع ذلك، ليس واضحاً ما إذا كان يمكن تنفيذ الأساس المفاهيمي للويب وحلول أمن المعلومات الأخرى بشكل فعال أو ما إذا كان قد يؤدي إلى عواقب غير مقصودة. 

الخصوصية والهويات: 

تقترح الدراسة إطاراً من أربع مراحل لتحليل الآثار الثقافية للتغيرات التكنولوجية، أولاها، فهم التكنولوجيا باعتبارها "عاملاً" في التغيير الثقافي علماً بأن تحديد هذا الدور يعتمد على فهم الاستخدام المقصود للتكنولوجيا، والنيات الكامنة وراء تطويرها، وتطبيقات المستخدم والأطر التنظيمية، وثانيتها، توليد الطبوغرافيا الثقافية من خلال أن تكون الثقافة حاضرة على أي مستوى من التفاعل البشري، وليس مستوى الدولة القومية فقط.

أما المرحلة الثالثة، فهي فهم التفاعلات البيئية من خلال إنشاء خارطة طريق تحدد سياقات الاستخدام المحددة للتكنولوجيا وتفاعلاتها المحتملة مع الثقافة. وفيما يخص المرحلة الرابعة، فإنها تتعلق بالتأثير أو التكامل بين التقنيات، بمعنى دمج جميع مخرجات المراحل السابقة للنظر فيما إذا كانت التقنيات المعنية من المرجح أن تندمج في الثقافة أو تتوسط التغيير الثقافي. مع الأخذ في الاعتبار أن سرعة التقدم في أمن المعلومات يمكن أن تكون أحد الأسباب الرئيسية فيما يتعلق بالتأثير الثقافي للتكنولوجيات الناشئة ككل.

في سياق متصل، تشير الدراسة إلى أربعة موضوعات شاملة في السياق الثقافي المستقبلي لبيئة المعلومات فيما يتعلق بتأثيرات التطورات التكنولوجية في كلٍ من: قيادة المشهد المتغير للهويات الثقافية؛ مما قد يقلل من أهمية التحديدات الديمغرافية والجغرافية، و"تهجين الهوية الإنسانية" من خلال التمكين التكنولوجي، وإثارة المخاوف بشأن المعايير والقيم الثقافية للخصوصية والإنصاف والمساءلة، والاستمرار في تضخيم التحيزات المعرفية؛ مما يؤثر في كيفية تعامل الأفراد مع المعلومات، ويؤدي إلى تفاقم الصعوبات في تحديد الحقائق وفهمها، وتمكين الحركات الاجتماعية، وزيادة تشكيل مسارات التغيير الاجتماعي والثقافي.

على جانب آخر، تشير الدراسة إلى تقنيات التعزيز البشري، والتي ترفع القدرات البشرية، سواء جسدياً أم معرفياً. ويعتمد ذلك على التقدم في المجالات التكنولوجية المختلفة، بما في ذلك تقنيات الاستشعار والتشغيل وعلم الأعصاب والذكاء الاصطناعي. وقد تغير تقنيات التعزيز البشري بشكل كبير قدرة الأشخاص المستقبلية على التنقل والتعامل مع المعلومات؛ مما يؤدي إلى تحويل العديد من ديناميكيات العمليات في بيئة المعلومات. 

وهناك عاملان لتمكين التغيير الثقافي المحتمل بواسطة التكنولوجيا فيما يتعلق بتقنيات التعزيز البشري: أولاً، قد تكون مستويات التعزيز البشري الكبيرة مدمرة اجتماعياً وثقافياً، وتتحدى مفاهيم الشخصية والهوية الإنسانية القائمة مثل حقوق الإنسان العالمية. ثانياً، قد يتحدى التعزيز البشري المتقدم الأشكال الاجتماعية القائمة بين الأشخاص ويؤدي إلى تسلسلات هرمية اجتماعية جديدة وانقسامات بين "من يملكون" و"من لا يملكون". وأخيراً، إلى جانب الحدود التكنولوجية المحتملة، قد تؤدي الاعتبارات الأخلاقية والمعيارية إلى تقييد مستويات التعزيز البشري المتاحة للمجتمع في بيئة معلومات الجيل التالي.

نتائج أساسية: 

يتمثل الهدف الرئيسي للدراسة في استخلاص النتائج حول بيئة المعلومات وتفاعلاتها، ثم الوصول إلى توصيات لوزارة الدفاع في المملكة المتحدة للتعامل مع هذه البيئة بفاعلية؛ إذ إنه مع تطور بيئة المعلومات، سيتطلب ذلك من وزارة الدفاع فهماً أكثر دقة لهذه الديناميكيات وتأثيراتها المباشرة وغير المباشرة، وبناءً عليه، حددت هذه الدراسة ثلاث مجموعات من الآثار المترتبة على وزارة الدفاع في المملكة المتحدة تتعلق بقدرتها على: 

- فهم الاتجاهات المستقبلية في التأثير الثقافي للتكنولوجيات الناشئة: يجب على وزارة الدفاع أن تفهم تفصيلات تلك التأثيرات وتحدد السيناريوهات المتوقعة المختلفة، وكيف يمكن أن تؤثر هذه السيناريوهات في الدفاع استراتيجياً وتشغيلياً وتكتيكياً. لدعم ذلك، يجب على وزارة الدفاع توسيع الإطار المفاهيمي للدراسة لفهم تأثير التقنيات المستقبلية على الثقافة، بما في ذلك: تطبيق الإطار الكامل بشكل كلي من خلال دراسات أكثر شمولاً، وربما تستهدف تقنيات أقل وبعمق أكبر.

- العمل بفعالية في بيئة معلوماتية متغيرة: يجب على وزارة الدفاع مواصلة مراقبة الأبحاث الناشئة حول آثار تقنيات الواقع المعزز والواقع المختلط والواقع الافتراضي واحتمالات التلاعب الاجتماعي، كما يجب على وزارة الدفاع أن تسعى إلى فهم استراتيجيات وأساليب التواصل مع الجماهير، وأن تظل الوزارة مدركة لتأثير التغير التكنولوجي في تشكيل الهويات الثقافية خاصة في المملكة المتحدة.

- التنقل في سياق اجتماعي وثقافي متغير لتطوير واستغلال التقنيات الناشئة: يجب على وزارة الدفاع بالمملكة المتحدة أن تستكشف وتراقب بشكل مستمر المعايير والقيم الثقافية حول استخدام التقنيات الناشئة الرئيسية وكيف تؤثر في تصورات الاستخدام المقبول في سياق الدفاع، فاستكشاف السياق المعياري للابتكار التكنولوجي بشكل استباقي قد يساعد وزارة الدفاع على فهم المعايير الأخلاقية والمعيارية ذات الصلة لدمجها في التطوير التكنولوجي. 

تختم الدراسة بأنه من المتوقع خلال الفترة من 2035 إلى 2050، أن تتشكل بيئة المعلومات من خلال التقدم التكنولوجي المتنوع عبر العديد من التخصصات البحثية في مجال العلوم والتكنولوجيا، بدءاً من تطوير تقنيات جديدة وحالية بشكل تدريجي، كما من المتوقع أن يؤثر التقدم التكنولوجي في مجالات عدة في كيفية استهلاكنا للمعلومات ومشاركتها والتفاعل معها. لذلك ثمة أهمية لتعميق فهم التأثير الثقافي للتكنولوجيات الجديدة والناشئة، والاطلاع المستمر على الأبحاث الناشئة حول تهديدات التلاعب الاجتماعي، ومواصلة استكشاف ومراقبة المعايير والقيم الثقافية حول استخدام التقنيات الناشئة الرئيسية.

المصدر:

Slapakova, L., Fraser, A., Hughes, M., Aquilino, M. C., & Thue, K. (2024). Cultural and technological change in the future information environment. RAND Corporation. 

https://www.rand.org/pubs/research_reports/RRA2662-1.html