أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

اعتماد متزايد:

كيف تعزز الهند أمن الطاقة مع منطقة غرب آسيا؟

05 يونيو، 2014


إعداد: أحمد عاطف

لا تزال دول غرب آسيا هي المصدر الرئيسي لواردات الطاقة الهندية رغم مساعي الهند المستمرة لتأمين احتياجاتها المتزايدة من الطاقة عبر سياسات وآليات متنوعة؛ ما يجعلها من أكثر الدول التي سوف تتأثر بأية أزمات كبرى في المنطقة، وهو ما يثار معه عدة تساؤلات هندية مثل: هل ستتعرض الهند لمجموعة جديدة من التحديات لتأمين إمداداتها من الطاقة من غرب آسيا؟ وما العوامل التي من المرجح أن تؤثر في تعاون الهند مع المنطقة في مجال الطاقة؟

في هذا السياق تأتي دراسة الباحثة Meena singh Roy، تحت عنوان: "ديناميات الطاقة بين الهند ودول غرب آسيا: إدارة التحديات واستكشاف فرص جديدة"، وهي موضوع الفصل الثالث من كتاب (التطورات في منطقة الخليج: الآفاق والتحديات بالنسبة للهند خلال العقدين القادمين)، الذي نشره معهد دراسات وتحليلات الدفاع الهندي IDSA في عام 2014.

أولا: اعتماد هندي على غرب آسيا

تبدأ الدراسة بالحديث عن أهمية منطقة غرب آسيا في سوق الطاقة العالمي، فثمة أربعة دول هي (إيران وقطر والسعودية والإمارات) تأتي بين أكثر 10 دول لديها احتياطيات ضخمة من الغاز على مستوى العالم، وثمة خمس دول هي (السعودية وإيران والعراق والكويت والإمارات) تُصنف بين أكثر 10 دول تمتلك احتياطيات نفطية كبيرة على مستوى العالم. ويتميز نفط المنطقة بانخفاض التكلفة الإنتاجية مقارنة بالدول الأخرى، إذ تتراواح تكلفة الإنتاج -باستثناء عُمَان– ما بين 3 إلى 5 دولار أمريكي للبرميل الواحد.

ويعد أمن الطاقة جزء لا يتجزأ من الشراكة الاستراتيجية للهند مع العديد من الدول الغنية بموارد الطاقة، إذ تعتبر الهند من أكبر مستهلكي الطاقة في العالم، خاصة وأن الاقتصاد الهندي ينمو بمعدل سنوي يبلغ نحو 8% خلال الفترة (2012 إلى 2017)، ما يزيد استهلاك الهند للطاقة بمعدل يصل 6% سنوياً، كما تشير التقديرات إلى أن الهند سوف تكون أكبر مستورد للنفط في عام 2050. وإدراكاً لذلك وضعت الهند أمن الطاقة باعتباره عنصراً حاسماً في أجندة سياستها الخارجية، وذلك من خلال تنويع وتوطيد العلاقات مع الدول المصدرة للغاز والنفط، حيث بلغت واردات الهند من الطاقة 22% من أفريقيا و9% من أمريكا اللاتينية في عام 2010.

وتؤكد الدراسة أنه على الرغم من مبادرات الهند المستمرة لتأمين مواردها من الطاقة من دول عديدة، إلا أن دول غرب آسيا لا تزال، وستبقى، هي المصدر الرئيسي لواردات الهند؛ حيث تلبي السعودية والإمارات وإيران وقطر والعراق الجزء الأكبر من احتياجات الهند من النفط والغاز، بل إن منطقة الخليج أمدت الهند بأكثر من 60% من إجمالي واردات النفط والغاز في السنوات الأخيرة.

ثانيا: العوامل المؤثرة على علاقات الهند بغرب آسيا في مجال الطاقة

تشير Meena singh Roy إلى عدد من العوامل التي ستؤثر في حصول الهند على الطاقة من دول غرب آسيا، وهي:ـ

1- محددات العرض والطلب والأسعار: من المتوقع مع الزيادة السكانية أن ينمو الطلب العالمي على الموارد الغذائية بنسبة 35% والماء بنسبة 40% والطاقة بنسبة 50% بحلول عام 2030،  وسيكون التعامل مع مشكلات الأمن الغذائي والمائي ذات صلة بالطلب والعرض على موارد أخرى مثل النفط والغاز؛ وهو ما يثير اهتمام دول غرب آسيا التي تسعى لتأمين احتياجاتها المائية والغذائية، وقد يدفعها ذلك إلى تقليل صادرتها من الطاقة.

وتبرز الدراسة عدداً من التطورات الأخرى التي قد تؤثر على أسعار الطاقة، وبالتالي على اقتصاديات دول الخليج المصدرة للنفط، وهي تطورات لا يمكن للهند أن تظل بعيده عن تأثيراتها في سوق الطاقة العالمية، من أبرزها: اكتشاف الغاز الصخري في الولايات المتحدة، والتنامي السريع في إنتاج النفط في دول أمريكا الشمالية، والتركيز المتزايد على مصادر الطاقة المتجددة، وزيادة العرض من النفط والغاز في كل من إيران وروسيا.

2- التعقيدات الجيوسياسية في الإقليم: ترى الدراسة أن هناك جملة من العناصر الحاسمة التي تسهم في تعقيد الوضع بالمنطقة، ومن ثم تهدد حصول الهند على الطاقة من دول غرب آسيا، ومن بينها التنافس الأيديولوجي والجيوسياسي السعودي – الإيراني، والانقسام الطائفي بين السنة والشيعة، والتهديد الذي تشكله العناصر المتطرفة والمسلحة في سوريا، ووجود شكوك حول الوضع في البحرين واليمن، فضلاً عن مخاطر تأمين خطوط النقل والاتصالات البحرية في ضوء تهديد إيران بغلق مضيق هرمز على خلفية أية صراع كبير بالمنطقة في ظل عدم حسم برنامجها النووي حتى الآن؛ الأمر الذي قد يؤدي إلى انقطاع إمدادات النفط والغاز إلى الهند.

3- استقرار دول المنطقة: تشير الدراسة إلى أن إمدادت الطاقة التي تحصل عليها الهند من دول المنطقة لم تتأثر بالثورات العربية، وترى أن التغييرات الداخلية في غالبية دول منطقة غرب آسيا لن يكون لها تأثير على التعاون في مجال الطاقة بين الهند ودول المنطقة. بيد أن أي تغييرات مفاجئة وعنيفة في بنية بعض الدول في المنطقة، مثلما حدث في العراق بعد الغزو الأمريكي وسقوط نظام صدام حسين، سوف يطلق العنان لحالة من عدم الاستقرار التي ستُلقي بتبعاتها على إمدادات الطاقة، وهو ما يتعين على الهند أن تأخذه بعين الاعتبار لأنها سوف تكون بحاجة حينذاك إلى عقود جديدة للطاقة، وتبحث عن مصادر بديلة لإمدادات النفط والغاز، وهما أمران سوف يأخذان وقتاً طويلا.

4- التنويع الاقتصادي في المنطقة: تحاول الدول في منطقة الخليج تنويع اقتصادياتها للحد من اعتمادها فقط على موارد الطاقة، وللحد أيضاً من احتمال التراجع الاقتصادي الناتج عن عدم القدرة على التنبؤ بأسعار الطاقة؛ ومن ثم سوف تسعى إلى تحويل نفسها من دول نفطية إلى قوى اقتصادية كبرى. وترى الدراسة أن الإصلاحات الاقتصادية في هذه الدول ستفتح بالتأكيد العديد من الفرص للهند، كما أن نجاح عملية التنويع الاقتصادي سيكون له بعض التأثير على قدرة دول المنطقة على تحديد أسعار النفط والغاز. وفي المقابل فإن الفشل في هذا الشأن سيستلزم من الدول الخليجية زيادة حجم الصادرات لمواجهة متطلبات الميزانيات المحلية؛ وبالتالي فإن ذلك يعني التقليل من القدرة على التأثير على أسعار الطاقة.

5- العلاقات بين إيران والولايات المتحدة: تعرضت طهران إلى مزيد من العزلة الدولية في ضوء تصاعد الخلافات بينها وبين واشنطن بشأن الملف النووي، وتوقيع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات اقتصادية عليها شملت قطاع النفط، بل إن ثمة ضغوطاً متزايدة على الشركات الأجنبية بما في ذلك الهندية لقطع العلاقات مع إيران.

وفي هذا الصدد أشارت الدراسة إلى أنه إذا كانت الهند قادرة على التعامل مع هذه الإشكالية حالياً، فإنها ستواجه مستقبلاً خيارات صعبة بما في ذلك إيجاد مصدر بديل لإمدادات النفط إذا ما تعثرت المفاوضات بين إيران والقوى الكبرى أو إذا ما تطورت الأمور فيما بعد إلى نزاع مسلح بين إيران والولايات المتحدة، حيث من المتوقع أن تكون الهند من بين أبرز الدول الخاسرة، خاصةً وأن إيران تعد سادس أكبر مورد للنفط إلى الهند الآن.

6- العلاقات الصينية مع دول غرب آسيا في مجال الطاقة: تتمتع بكين بعلاقات طيبة مع دول المنطقة، وتحديداً السعودية والعراق، فضلاً عن إيران التي تنظر إلى الصين كشريك تجاري أساسي في مواجهة العزلة الاقتصادية الدولية المفروضة عليها. وتطرح الدراسة هنا تساؤلا مفاده: إلى أي مدى سوف تؤثر علاقات الصين مع دول غرب آسيا في مجال الطاقة على التعاون الهندي مع تلك الدول في ذات المجال؟...  هنا تظهر وجهتا نظر لدى الخبراء الهنود، الأولى تؤكد أن الصين منافس قوي للهند وسوف تصبح تحدياً كبيراً لها في تأمين احتياجاتها النفطية من غرب آسيا نظراً لقوة الصين الاقتصادية وثقل وزنها السياسي على الساحة الدولية. في المقابل تبنى خبراء آخرون وجهة نظر ثانية هي أن الهند والصين ليس بينهما تنافس، كما أن هناك موارد كافية في العالم لتلبية احتياجاتهما من الطاقة، وثمة من يقول أيضاً إن الهند تتمتع بمزايا مختلفة في منطقة غرب آسيا، منها القرب الجغرافي، وأن دول الخليج تفضل الهند على الصين بسبب الجذور العميقة للعلاقات الهندية – الخليجية.

ثالثا: تعزيز أمن الطاقة بين الهند وغرب آسيا

تنصح الدراسة الهند بتبني الإجراءات التالية لتعزيز علاقاتها مع دول غرب آسيا في مجال الطاقة:ـ

1- تغيير علاقة "البائع والمشتري" الحالية - بحسب رأي الكاتبة - إلى نوع من الشراكة والاستثمارات المتبادلة في كل من الهند ودول غرب آسيا المصدرة للنفط، إذ يجب على الهند أن تبحث عن فرص لمشروعات مشتركة في غرب آسيا ليس فقط مع الشركات الدولية ولكن مع المحلية أيضاً، مع منح الأولوية لمشروعات مثل الغاز الطبيعي والأسمدة وتحلية المياه وغيرها من المشروعات التي تحقق استفادة للجانبين.

2- ينبغي أن تضع نيودلهي خطط طويلة المدى لتوسيع نطاق التعاون في مجال الطاقة مع كل من بغداد وطهران، وذلك لضمان مستقبلها من الإمدادات النفطية التي تمتلكها كلا البلدين.

3- ضرورة التعاون في مجال الأمن الغذائي باعتباره قضية حيوية لدول غرب آسيا، حيث يمكن إقامة علاقات (غذائية/نفطية) تبادلية، كخيار لتعزيز التعاون بين الهند ودول هذه المنطقة وفق ما تذهب إليه الباحثة.

4- تأمين خطوط النقل البحري لضمان عدم انقطاع إمدادات الطاقة، إذ يجب على الهند أخذ زمام المبادرة في هذا الشأن من خلال إقامة ترتيبات إقليمية مع جميع البلدان بالمنطقة، والتي تمتد من الخليج وباب المندب من ناحية، إلى بحر الصين الجنوبي من ناحية أخرى. ويجب على الهند أيضاً الدعوة إلى إنشاء شبكة خطوط أنابيب نفط وغاز بين جميع الدول المنتجة للطاقة.

5- تدشين آلية للحوار السنوي لدعم التعاون في مجال الطاقة بين الهند ودول مجلس التعاون الخليجي، كما ينبغي على الدول الرئيسية المستوردة للنفط كذلك أن تتفق معاً على تشكيل آلية عالمية لضمان عدم انقطاع إمدادات النفط والغاز من منطقة غرب آسيا.

6- أن تسعى الهند إلى أن يكون لديها احتياطيات استراتيجية ضخمة من الطاقة، تحسباً لأي احتمالات بعدم الحصول على الإمدادات النفطية لأسباب تتعلق بحدوث أي صراع كبير في المنطقة حسبما تشير الدراسة.

* عرض مُوجز للفصل الثالث تحت عنوان: " ديناميات الطاقة بين الهند ودول غرب آسيا: إدارة التحديات واستكشاف فرص جديدة "، من كتاب: "التطورات في منطقة الخليج .. الآفاق والتحديات بالنسبة للهند خلال العقدين القادمين"، الصادر في عام 2014 عن معهد دراسات وتحليلات الدفاع في نيودلهي.

المصدر:

Meena Singh Roy, India–West Asia Energy Dynamics: Managing Challenges and Exploring New Opportunities, in Rumel Dahiya (Editor), Development in The Gulf Region: Prospects and Challenges for India in the Two Decades (New Delhi, Institute for Defense Studies and Analyses, 2014) pp 65-89