أخبار المركز
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)
  • محمود قاسم يكتب: (الاستدارة السريعة: ملامح المشهد القادم من التحولات السياسية الدرامية في كوريا الجنوبية)
  • السيد صدقي عابدين يكتب: (الصدامات المقبلة: مستقبل العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في كوريا الجنوبية)
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)

الشروق:

تحولات سياسية كبرى تنتظر تايوان بعد انتخابات 2024

16 يناير، 2024


نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة مقالا للكاتب محمود قاسم، تناول فيه التحولات السياسية التى أظهرتها نتائج انتخابات 2024 فى تايوان، كذلك يشير الكاتب إلى ضرورة تعامل الرئيس الجديد منذ اليوم الأول لتنصيبه مع التحديات الداخلية والخارجية لتايوان بقدر من التوازن والانضباط... نعرض من المقال ما يلى.

جاءت نتائج الانتخابات العامة فى تايوان، التى أجريت يوم 13 يناير الحالى، متوافقة مع نتائج جميع استطلاعات الرأى العام فى الفترة السابقة لها؛ ففيما يتعلق بانتخاب الرئيس ونائبه، فاز نائب الرئيس الحالى ومرشح الحزب الديمقراطى التقدمى الحاكم لاى تشينج تى، بمنصب الرئيس، وفازت السيدة هسياو بى خيم، بمنصب نائب الرئيس. وبالنسبة للانتخابات البرلمانية اليوان التشريعى، فلم يتمكن أى من الأحزاب المتنافسة من حصد الأغلبية، وهو ما قد يرسم خريطة لمشهد سياسى مختلف عن الانتخابات العامة التى شهدتها تايوان خلال السنوات الماضية.

بيد أن نتائج هذه الانتخابات، والتى يمكن وصفها بالأكثر إثارة وجدلا، تفتح الباب أمام مزيد من اللايقين حول مستقبل جزيرة تايوان خلال السنوات الأربع المقبلة، خاصة وأن نتائجها قد تجعل العلاقة عبر المضيق على حافة الهاوية؛ وهو الأمر الذى أكده رد الفعل الصينى السريع عقب إعلان النتائج مباشرة، فقد ذكر المتحدث باسم مكتب شئون تايوان التابع للحكومة الصينية ما يلى: «الحزب الديمقراطى التقدمى لا يمكنه تمثيل الرأى العام السائد فى الجزيرة.. والانتخابات لا تغير الاتجاه العام المتمثل فى أن الوطن الأم سيتوحد فى نهاية المطاف».

تكشف نتائج انتخابات تايوان عن بعض الملامح الرئيسية لاتجاهات التصويت الأساسية، سواء فى الانتخابات الرئاسية أم اليوان التشريعى. وبحسب نتائج لجنة الانتخابات المركزية، بلغت نسبة المشاركة 71.86%، إذ أدلى أكثر من 14 مليونا بأصواتهم فى الانتخابات من بين نحو 19 مليون ناخب تايوانى لهم حق التصويت. وفى هذا الصدد يلاحظ أن نسبة المشاركة قد انخفضت بنحو 3% مقارنة بانتخابات عام 2020، والتى بلغت نسبة المشاركة فيها 74.9%.

وقد تمكن لاى تشينج تى، مرشح الحزب الديمقراطى التقدمى من الحصول على أصوات 5.58 مليون ناخب بنسبة تصويت بلغت 40.1%، بينما حصل مرشح الحزب القومى الصينى الكومينتانج، هو يو إيه، على 4.67 مليون صوت بنسبة تصويت بلغت 33.5%، وحل ثالثا مرشح حزب شعب تايوان، كو وين جى، بحصوله على 3.69 مليون صوت بنسبة 26.5%. وكانت هذه النتائج متوقعة فى ضوء عدم قدرة المعارضة على الاصطفاف ضمن ائتلاف انتخابى واحد لمواجهة مرشح الحزب الحاكم.

من ناحية أخرى، تمكن حزب الكومينتانج من حصد أكثرية المقاعد فى انتخابات اليوان التشريعى المكون من 113 عضوا، بعدما فاز بــ52 مقعدا، بزيادة 14 مقعدا مقارنة بانتخابات اليوان التشريعى 2020، والتى حصد خلالها 38 مقعدا. وجاء فى المركز الثانى الحزب الديمقراطى التقدمى بحصوله على 51 مقعدا، انخفاضا بنحو 10 مقاعد مقارنة بعام 2020، واحتفظ حزب شعب تايوان بالمركز الثالث بعدما حصل على 8 مقاعد بزيادة 3 مقاعد عن انتخابات 2020، فيما ذهب مقعدان إلى مرشحيْن مستقليْن.

وفى ضوء تلك النتائج، يمكن الوقوف على مجموعة من التحولات الرئيسية التى تفرضها انتخابات تايوان 2024، وذلك على النحو التالى:

1ــ الانقلاب على السوابق التاريخية: يعد فوز الحزب الديمقراطى التقدمى بالرئاسة نقطة تحول ولحظة فارقة فى تاريخ الانتخابات فى تايوان، إذ إنها المرة الأولى التى يتمكن فيها حزب سياسى من الفوز بولاية ثالثة على التوالى، فمنذ إجراء أول انتخابات رئاسية مباشرة فى عام 1996، والتى فاز فيها لى تنغ هوى، رئيس حزب الكومينتانج بمقعد الرئيس، نجح الحزب الديمقراطى التقدمى بالفوز فى خمسة استحقاقات رئاسية من أصل ثمانية، فى أعوام (2000، 2004، 2016، 2020، 2024) ، فيما تمكن حزب الكومينتانغ من الفوز فى ثلاثة استحقاقات رئاسية فى أعوام (1996، 2008، 2012) . وعليه سيصبح الحزب الديمقراطى التقدمى أكثر الأحزاب بقاء فى منصب الرئاسة بشكل متوال لمدة 12 عاما، وقد تزيد هذه المدة فى حالة فوزه فى انتخابات 2028. كما أصبح لاى تشينغ تى، أول نائب رئيس فى تايوان يتولى منصب الرئاسة.

2ــ انقسام داخل اليوان التشريعى: أفضت نتائج انتخابات اليوان التشريعى إلى عدم قدرة أى من الأحزاب الثلاثة على حيازة الأغلبية البرلمانية وهى 57 مقعدا من أصل 113 مقعدا؛ وهو ما يظهر قدرا من الانقسام غير المعهود داخل اليوان التشريعى. وقياسا على الاستحقاقات الماضية، يمكن القول إن الانتخابات الحالية هى الأولى التى لا يحصل فيها الحزب الفائز بمقعد الرئيس على أغلبية اليوان التشريعى منذ انتخابات عام 2008.

3ـ بداية التحول فى خريطة القوى السياسية: يبدو أن تجربة تايوان الديمقراطية تتجه نحو مزيد من النضج، فبعد نحو ثلاثة عقود من أول عملية انتقال ديمقراطى للسلطة، جاءت نتائج انتخابات 2024 لتضع طرفا ثالثا على خريطة القوى السياسية فى تايبيه؛ إذ تمكن حزب شعب تايوان، الذى يخوض الانتخابات الرئاسية لأول مرة من إثبات قدرته على إضفاء مزيد من الزخم على التفاعلات السياسية، وهو ما قد يغير المعادلة السياسية فى تايوان على المدى الطويل بما يتجاوز فكرة تبادل المواقع بين الحزبين الكبيرين، إذ يمكن لحزب شعب تايوان أن يقوى ويتحول بمرور الوقت إلى منافس حقيقى يمكنه الفوز بمنصب الرئاسة.

وقد منحت نتائج انتخابات اليوان التشريعى الحزب ميزة إضافية، إذ ستصبح مقاعده وازنة وستؤدى دورا رئيسيا فى ترجيح كفة طرف على حساب الآخر، فى ظل غياب الأغلبية البرلمانية؛ وبالتالى فإن حاجة الحزبين الكبيرين له داخل أروقة البرلمان سوف تزداد، ما يزيد من حيويته ودوره المؤثر فى السنوات الأربع المقبلة.

تتشكل ملامح اليوم التالى بالنسبة للرئيس التايوانى الجديد بداية من 20 مايو المقبل، وهو يوم تنصيب لاى تشينج تى، رئيسا لتايوان، فى ظل جملة من التحديات على الصعيدين الداخلى والخارجى، والتى يحتاج التعامل معها بقدر كبير من التوازن والانضباط.

على الصعيد الداخلى، سيكون الرئيس الجديد فى وضع أصعب مما كانت عليه الرئيسة الحالية تساى إنغ وين، إذ سيحتاج لبذل مزيد من الجهد، وربما تقديم تنازلات، فى بعض الملفات والقضايا للحيلولة دون الوصول بالعلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية إلى طريق مسدود. ويبدو أن لاى، على قناعة بهذا التحدى، الأمر الذى عبر عنه ضمنيا عقب إعلان النتائج، إذ أكد أنه «سينظر فى البرامج الانتخابية للمرشحين، كما قد يتجه خلال الفترة المقبلة لمنح المعارضة عددا مناسبا من الحقائب الوزارية».

من ناحية أخرى، تظل الأوضاع الاقتصادية فى تايوان من بين التحديات التى تنتظر الرئيس الجديد، فى ظل ارتفاع أسعار المعيشة والسكن وانخفاض الأجور، وهذا الوضع قد يتفاقم خلال السنوات المقبلة، فى ظل توقعات بتوجه صينى نحو ممارسة مزيد من الضغوط والإكراه الاقتصادى على تايوان.

كذلك ستكون السياسة الدفاعية ومساعى تعزيز وامتلاك أدوات الردع فى مقدمة أولويات لاى، ويتوقع أن يستمر النهج التايوانى فى زيادة الإنفاق العسكرى خلال السنوات المقبلة، مع العمل على تحديث وتطوير القدرات القتالية والدفاعية للجيش وتزويده بمعدات وأسلحة نوعية، وهو التوجه الذى يسعى إلى رفع تكلفة الحرب فى حال إذا لجأت الصين إلى اتخاذ قرار إعادة التوحيد بالقوة وغزو تايوان.

أما على صعيد السياسة الخارجية، فيبدو أن الحفاظ على الوضع الراهن فى التعامل مع الصين سيكون الخيار الأفضل بالنسبة للرئيس الجديد، إذ أكد لاى، عقب إعلان فوزه بالرئاسة أنه يفضل المزيد من التبادل والحوار بدلا من العرقلة والصراع، ويأمل فى السلام والاستقرار مع بكين، مضيفا أنه لن يسعى إلى الاستقلال أو الاتحاد مع الصين، ومتعهدا فى الوقت ذاته بحماية تايوان من التهديدات الصينية.

ومن أجل موازنة النفوذ الصينى، سوف يعمل لاى، خلال ولايته الرئاسية على تعزيز وتوثيق علاقات تايوان مع الولايات المتحدة الأمريكية واليابان بصورة أساسية، وقد يعمل على انتزاع مزيد من الاعتراف الدبلوماسى بتايوان، أو على أقل تقدير الحفاظ على العلاقات الدبلوماسية مع ثلاث عشرة دولة تقيم علاقات مع تايوان حتى الآن.

فى المجمل، أفضت انتخابات 2024 العامة فى تايوان إلى جملة من التغيرات اللافتة، سواء ما يتعلق باتجاهات التصويت أم ما يتعلق بالتركيبة المختلفة للسلطتين التنفيذية والتشريعية أم بالمعادلة الحزبية الجديدة التى تم تشكيلها؛ إذ تبقى هذه الانتخابات شاهدة على تحولات غير مسبوقة فى تاريخ الاستحقاقات الانتخابية التايوانية. ومع ذلك ربما تنتظر تايوان خلال السنوات الأربع المقبلة تحولات أخرى قد لا تؤدى لتغيير خارطة التفاعلات الداخلية فحسب، بل يمكن أن يتسع تأثيرها لتغيير قواعد اللعبة فى العالم!

*لينك المقال في الشروق*