أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)

سيناريو الصدمة:

ماذا لو فاز "ترامب" بفترة رئاسية ثانية؟

02 نوفمبر، 2020


مع اقتراب انتخابات الرئاسة الأمريكية من محطتها قبل النهائية، بالتصويت العام يوم الثلاثاء 3 نوفمبر، تشير كافة التقديرات إلى أن المرشح الديمقراطي "جو بايدن" بات أقرب للفوز بالرئاسة ودخول البيت الأبيض، وذلك نظرًا لأنه متقدم على الرئيس "ترامب" بمتوسط 8.5% في استطلاعات الرأي على المستوى الوطني، وبمتوسط نحو 3% على مستوى الولايات. لكنّ خبرة انتخابات 2016 التي نجح فيها "ترامب" رغم تقدم منافسته الديمقراطية "هيلاري كلينتون" في الاستطلاعات، تدفع إلى ضرورة الأخذ في الاعتبار سيناريو مختلفًا، ولو بشكل افتراضي، وهو فوز "ترامب" في انتخابات 2020، وإذا تحقق هذا السيناريو عمليًّا، فثمة عدة تساؤلات مطروحة: ما هي تداعياته؟ وكيف سيكون الوضع في ظل إدارة ثانية للرئيس "ترامب"؟.

فرص "ترامب":

رغم التقديرات التي تشير إلى أن سباق 2020 أصبح محسومًا لصالح "جو بايدن"، وهو أمر وارد بشكل كبير؛ إلا أن سيناريو فوز الرئيس "ترامب" ما زال مطروحًا أيضًا، وإن كانت الأرقام والإحصائيات تُشير إلى أن احتمالات هذا السيناريو باتت ضعيفة، ولكن كيف سينجح "ترامب" في ظل تقديرات بفوز "بايدن"؟، الإجابة عن هذا السؤال تتمثل في الجوانب التالية:

1- فخ استطلاعات الرأي: كشفت تجربة استطلاعات الرأي في انتخابات الرئاسة 2016، عدم مصداقية استطلاعات الرأي، التي أظهرت تحيزًا واضحًا في نتائجها لصالح المرشحة الديمقراطية "هيلاري كلينتون"، في حين انتهت نتائج الانتخابات الفعلية بفوز "ترامب"، وهذا الأمر وارد أن يتكرر، فخبرة الإخفاق في 2016 دفعت القائمين على استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة إلى إعادة تقييم التجربة، وتحديد جوانب الخطأ، وعملوا في استطلاعات 2020 على تجاوز الأخطاء، خاصة المرتبطة بالمنهاجية في الاستطلاعات الجديدة، وتم تصميم استمارات الاستطلاعات بشكل يضيق هامش الخطأ إلى أقصى درجة ممكنة. ومع ذلك ورغم أهمية آلية استطلاعات الرأي في قياس إمكانية نجاح المرشحين في انتخابات الرئاسة؛ إلا أن النتائج الفعلية قد تظهر نتائج مختلفة، ومن ثم يظل فوز "بايدن" متعلقًا بمدى إمكانية تحقق استطلاعات الرأي بشكل فعلي في نتائج الانتخابات.

2- تضييق الفجوة مع "بايدن": إذا تعاملنا مع استطلاعات الرأي باعتبارها دقيقة وصادقة في إعطاء مؤشرات حول تقدم "بايدن" على "ترامب"، فهنا يظل التحدي أمام الرئيس "ترامب" وحملته الانتخابية هو تضييق الفجوة بين الجانبين، خاصة إذا وضعنا في الاعتبار أن الفارق في بعض الولايات يظل في حدود 3% إلى 3.5%، وإذا وضعنا في اعتبارنا هامش الخطأ، يمكننا أن نقول إن هناك تعادلًا بين الجانبين.

فعلى سبيل المثال، فإن متوسط الفارق في استطلاعات الرأي بين "بايدن" و"ترامب" في ولاية فلوريدا هو 2%، حيث حقق "بايدن" 48.5% مقابل 46.5 لترامب في متوسط الاستطلاعات التي جرت مؤخرًا، ومع الوضع في الاعتبار أن ولاية فلوريدا لديها 29 مقعدًا في المجمع الانتخابي، فإن "بايدن" في وضع صعب في هذه الولاية. الأمر يتكرر أيضًا مع ولاية جورجيا، حيث إن الفارق بين الاثنين في متوسط استطلاعات الرأي 2% لصالح "بايدن"، وهذه الولاية لديها 16 مقعدًا في المجمع الانتخابي. وكذلك الأمر مع أريزونا حيث إن الفارق 2.4% لصالح "بايدن"، وهذه الولاية لديها 11 مقعدًا في المجمع الانتخابي.

3- قاعدة "ترامب" الانتخابية: رغم أن استطلاعات الرأي قد تكون صحيحة في توقع تفوّق "بايدن" على "ترامب"، لكنّ هذه الاستطلاعات تمثل عينة من الأمريكيين، وقد تعطي نتائج غير دقيقة أو متحيزة كما حدث في انتخابات 2016. وفي هذا الإطار، من الضروري عدم التقليل من حجم القاعدة الانتخابية لترامب، والتي شهدت بعض التآكل في ظل تراجع تأييد "ترامب" بين بعض الكتل التصويتية، خاصة الشباب من الحاصلين على تعليم أقل من جامعي، وكبار السن، والمرأة؛ لكن تظل قاعدة "ترامب" الانتخابية مؤثرة، وإذا نجح في حشدها فقد يصعب الموقف على "بايدن".

تداعيات صادمة:

بشكل عام ورغم الترجيحات بأن فرص "ترامب" في الفوز بالسباق الرئاسي أصبحت صعبة؛ إلا أن افتراض سيناريو نجاح "ترامب" وفوزه برئاسة ثانية، حتى لو كان افتراضًا نظريًّا، يطرح سؤالًا رئيسيًّا عن تداعيات ذلك النجاح على المشهد السياسي الداخلي الأمريكي. وفي هذا الإطار يمكن الإشارة إلى الجوانب التالية:

1- تقويض مصداقية استطلاعات الرأي العام: أدت نتائج انتخابات الرئاسة الأمريكية في عام 2016 إلى هز مصداقية استطلاعات الرأي العام، لكن فشل تقديرات الاستطلاعات في انتخابات 2020 سيؤدي إلى تقويض مصداقية استطلاعات الرأي، ففي حال جاءت نتائج السباق الرئاسي مختلفة عن استطلاعات الرأي كما حدث في 2016، فإن النتيجة النهائية قد تكون انهيار صناعة استطلاعات الرأي السياسية في الولايات المتحدة الأمريكية.

2- فشل الإعلام والنخبة: بخلاف المنافسة بين "ترامب" و"بايدن" في السباق الرئاسي، فإن الصراع والمواجهة الحقيقية كانت بين "ترامب" والإعلام والنخبة الليبرالية، فهؤلاء حشدوا كل الجهود والأصوات لإسقاط "ترامب"، وإذا انتهت نتيجة الانتخابات بفوزه وخسارة "بايدن"، فهذا سيكون مؤشرًا كبيرًا على فشل الإعلام والنخبة، وبالتالي فإن الخاسر لن يكون "بايدن" فقط، ولكن أيضًا وسائل الإعلام الكبرى، خاصة شبكات مثل CNN وصحف مثل "نيويورك تايمز"، وهذا سيؤدي -في المقابل- إلى انتعاش الإعلام المحافظ، مثل شبكة "فوكس نيوز"، والصحف والمواقع الإعلامية المحافظة.

3- تزايد الانقسام داخل الحزب الديمقراطي: يشهد الحزب الديمقراطي حالة واضحة من الانقسام بين التيار التقليدي داخل الحزب، والجناح التقدمي، وحالة التقارب والتوافق التي ظهرت مؤخرًا بين الطرفين تعود بالأساس لظروف الانتخابات والمناخ العام، وفي حال انتهت انتخابات الرئاسة بخسارة مرشح الحزب "جو بايدن"، فسيؤدي ذلك إلى تزايد حدة الانقسام بين الجانبين، وزيادة حالة السخط في أوساط العديد من شباب الحزب الأقرب إلى التيار التقدمي.

4- تزايد حدة الانقسام المجتمعي: أغلبية المجتمع الأمريكي تأمل في أن تُنهي نتائج انتخابات الرئاسة 2020 حالة الانقسام الحاد داخل المجتمع الأمريكي، وأن يؤدي خروج "ترامب" من السلطة إلى حالة توافق مجتمعي، في ظل افتراض تراجع الخطاب العنصري بعد رحيل "ترامب"، والزخم الذي أعطاه لقوى اليمين المتطرف، والعنصريين البيض، لكن ماذا سيكون الوضع في حال استمر "ترامب" في السلطة، وتولي فترة رئاسية ثانية؟ المؤكد أن حالة الانقسام المجتمعي والعنصرية والاحتقان كلها سوف تتزايد في الداخل الأمريكي.

5- استمرار أزمة الديمقراطية الأمريكية: يدور حاليًّا جدل داخل الأوساط الأمريكية الداخلية حول الخطر الذي يُهدد الديمقراطية الأمريكية في حال تمّت إعادة انتخاب الرئيس "ترامب" مرة أخرى، فهناك تيار رئيسي في الأوساط الفكرية الأمريكية (النخبة، الإعلام، الأكاديمية) يرى أن وصول "ترامب" نفسه للسلطة فتح الباب واسعًا أمام تراجع الديمقراطية الأمريكية، فالرئيس يحكم بشكل منفرد، وغابت القواعد التقليدية في السياسة الأمريكية، المتعلقة بتوازن السلطات، هذا بالإضافة إلى صعود اليمين المتطرف والعنصريين البيض، وهو ما أدى إلى حالة من التوتر السياسي في الداخل الأمريكي، للدرجة التي وصل فيها البعض إلى الحديث عن حرب أهلية أمريكية إذا استمر "ترامب" في السلطة. 

إدارة "ترامب" الثانية:

نجاح "ترامب" في الفوز بفترة رئاسية ثانية يفتح الباب لتساؤلات حول ما الذي سيجري خلال هذه الفترة، وكيف سيكون الوضع في أروقة البيت الأبيض، وفي العلاقة بينه وبين الكونجرس، والاستمرارية والتغيير في السياسات الداخلية والخارجية الأمريكية. وفي هذا الإطار يمكن الإشارة لبعض الجوانب العامة، على النحو التالي: 

1- الرئيس المنفرد بالسلطة: نجاح "ترامب" في الحصول على ولاية ثانية، واستمراره في البيت الأبيض خلال السنوات الأربع القادمة 2020-2024، يعني أن النهج الذي تبناه خلال الولاية الأولى 2016-2020 أثبت نجاحه، ومن ثم فالمتوقع أن انفراد الرئيس "ترامب" بالسلطة، سوف يستمر خلال الفترة المقبلة، حيث سيكون "ترامب" نفسه في نسخة أقوى مما كان عليه في الفترة الرئاسية الأولى، لأنه استطاع أن يتجاوز كل الأزمات والعراقيل التي وُضعت أمامه، بداية من محاولة عزله، مرورًا بالهجوم الإعلامي المكثف عليه، وانتهاء بنجاحه في الفوز بالانتخابات. 

2- تطهير البيت من الداخل: الخطوة الأولى التي سيقوم بها "ترامب" في حال فوزه بفترة رئاسية ثانية، هي تطهير البيت الأبيض من الداخل، وذلك من خلال إقصاء كل الأشخاص الذين لم يدينوا بالولاء الكامل للرئيس. وتُشير بعض التقديرات إلى أن أول الذين سيخرجون من المشهد، وزير العدل، ومدير مكتب التحقيقات الفيدرالية، والقائمة تطول. وفي مقابل حركة تغييرات يخرج فيها الأقل ولاءً للرئيس، ستدخل وجوه جديدة أكثر ولاء له، هذا بالإضافة إلى أن شخصيات من أسرة الرئيس مثل "جاريد كوشنر" و"إيفانكا ترامب" سيكون لهم دور أكبر داخل البيت الأبيض، فـ"جاريد كوشنر" الذي لعب الكثير من الأدوار في الفترة الرئاسية الأولى سيكون له دور ومنصب أكبر في الفترة الرئاسية الثانية.

3- صدام بين البيت الأبيض والكونجرس: في ظل سيناريو مفترض لخسارة الديمقراطيين للبيت الأبيض في انتخابات الرئاسة، مع نجاحهم في السيطرة على مجلس الشيوخ، والسيطرة على الكونجرس، فسنكون أمام مشهد مختلف، سيناريو تكون فيه إدارة جمهورية في البيت الأبيض يقع على رأسها "ترامب"، وكونجرس ديمقراطي. وفي ظل خبرة العلاقة بين "ترامب" والديمقراطيين، فمن المحتمل أن يكون هناك صدام مستمر وقوي بينهما، فالديمقراطيون سيسعون دائمًا لعرقلة الرئيس ومحاولة تقييد سياساته، و"ترامب" من جانبه سيسعى إلى تهميش الكونجرس، واعتماد السياسات التي يراها، وتبني آليات لتجاوز الكونجرس. 

4- ترسيخ السياسات الداخلية: السياسات الداخلية التي يتبناها الرئيس "ترامب"، وخاصة دعم الشركات الرأسمالية والأغنياء، وضرورة فتح الولايات الأمريكية، وإعادة العجلة إلى الاقتصاد بغض النظر عن تأثير أزمة كورونا، والتعامل مع هذه الأزمة وفقًا لتقييم "ترامب" وفريقه، وليس كما يرى الديمقراطيون ووسائل الإعلام، وأيضًا ضرورة التخلص من مشروع قانون الرعاية الصحية "أوباما كير"؛ كل هذه السياسات سيعمل "ترامب" على المضيّ فيها قدمًا وبقوة خلال ولايته الثانية، بغض النظر عن المعارضة الداخلية له. فترامب الذي سيخرج قويًّا بعد انتخابات الرئاسة، لن يهتمّ أو يُعطي وزنًا يذكر للانتقادات الداخلية.

5- مرونة أكثر في السياسة الخارجية: انتهج الرئيس "ترامب" في سياسته الخارجية في الفترة الرئاسية الأولى نهجًا يجمع بين العصا والجزرة، وكانت العصا أو الضغوط هي الأكثر تأثيرًا في سياسته الخارجية، فسياسة العقوبات والضغوط كانت أكثر الأدوات استخدامًا في السياسة الخارجية، وفي الولاية الثانية سيستمر النهج نفسه لكن بدرجة مرونة أكبر، فالجزرة ربما تكون الأكثر تفعيلًا في الولاية الثانية، خاصة مع الوضع في الاعتبار أن نجاح "ترامب" في انتزاع ولاية ثانية سيعطي مؤشرًا للدول الأخرى التي تتبنى سياسات مواجهة مع واشنطن إلى تغيير نهجها، فمن المحتمل بدرجة أو أخرى أن تشهد العلاقة مع الصين وإيران درجة أقل من التوتر والحدة، لكن في ظل شروط "ترامب" نفسها لإدارة هذه العلاقة.

ختامًا، رغم أن فرص "ترامب" في السباق الرئاسي تراجعت في ظل تقدم "بايدن" في جميع استطلاعات الرأي، لكن سيناريو احتمالات فوزه ما زال قائمًا، وإن كان بنسبة ترجيح محدودة إلى متوسطة في أقصى التقديرات. وإذا تحقق سيناريو فوز "ترامب" بفترة رئاسية ثانية، فهذا ستكون له تداعيات، أبرزها "الصدمة الثانية"، والمقصود بها صدمة 2020، التي تأتي استكمالًا لصدمة 2016 التي توقع فيها الجميع فوز "هيلاري كلينتون"، وسيعمل "ترامب" في ولايته الثانية على إعادة ترتيب أوراقه، ليصبح أكثر تفردًا بالسلطة، ولتستمر أزمة الديمقراطية الأمريكية.