تصاعدت صيحة تبني حلول الاستدامة، بما في ذلك إدارة المياه وترشيد استهلاك الكهرباء بالمنشآت الرياضية وعند تنظيم البطولات الرياضية الرئيسية؛ الأمر الذي يدعم الجهود العالمية الراهنة لمكافحة التغير المناخي وترشيد استخدام الموارد الطبيعية والحفاظ على النظام الإيكولوجي. وبالنسبة لتطبيقات الطاقة المستدامة، فقد بدأت العديد من المنشآت والفرق الرياضية حول العالم في نشر الطاقة الشمسية والرياح في ساحات التنافس الرياضي الخاصة بها، على نحو سيساعد الصناعة ليس فقط على تقليل بصمتها الكربونية، وإنما تحقيق وفورات اقتصادية معتبرة ودعم موثوقية إمدادات الكهرباء. ومع تقديم ما يكفي من حوافز مالية وتنظيمية للمنشآت الرياضية، يمكن مساعدة الصناعة تدريجياً لتجتاز العقبات القائمة أمام إحلال تطبيقات الطاقة المتجددة محل الوقود التقليدي.
نمو الاستهلاك:
تستهلك المرافق الرياضية قدراً ليس هيناً من الموارد والطاقة أثناء عمليات البناء أو التشغيل، يشمل ذلك المياه والكهرباء والمعادن، فضلاً عن أنها تشغل مساحات كبيرة من الأراضي، التي بالإمكان استغلالها في أغراض اقتصادية أخرى. فصناعة الرياضة هي بطبيعة الحال كثيفة الاستهلاك للكهرباء اللازمة للأغراض المختلفة كالإضاءة وأنظمة التدفئة وتكييف الهواء والتهوية وغيرها.
إن ملعباً رياضياً يتسع لـ70 ألف مقعد، يستهلك ما بين 10 آلاف إلى 20 ألف كيلووات ساعة يومياً، وهو معدل أعلى 10 مرات من الاستهلاك للمنزل النموذجي شهرياً. بنظرة أوسع لتوضيح حجم استهلاك القطاع الرياضي للكهرباء، قدرت مسوح سابقة أن نحو 4 آلاف ملعب رياضي في أوروبا، تعتمد بالأساس على الوقود الأحفوري، تستهلك كهرباء قرابة 40 تيراواط في الساعة سنوياً؛ أي ما يعادل الاستهلاك السنوي من الكهرباء لدولة مثل نيوزيلندا.
ومع اتجاه الصناعة للنمو سريعاً بفضل زيادة أعداد البطولات الرياضية العالمية واتساع قاعدة المنشآت الرياضية، سيزداد طلب الرياضة على الكهرباء، ويعني ذلك أيضاً حاجتها لدمج حلول الطاقة النظيفة بوتيرة أسرع، لكي تواكب الجهود الراهنة لتخطي تحدي تغير المناخ. وستنمو سوق الرياضة العالمية من 507 مليارات دولار تقريباً في عام 2024 إلى 629.8 مليار دولار في عام 2028؛ أي بمعدل نمو سنوي مركب قدره 5.6%، وفق (Research and Markets).
اهتمام متزايد:
تنبه الرياضيون لأهمية تبني حلول الاستدامة في الصناعة، على غرار باقي الصناعات الأخرى، ليس لتقليل بصمتها البيئية وتعظيم تأثيرها المجتمعي فقط، وإنما أيضاً لجني المكاسب المالية المحتملة من تحقيق أبعاد الاستدامة. من هذا المنطلق، أعطت العديد من الاتحادات الرياضية العالمية والإقليمية أولوية لدمج الحلول المستدامة في عمليات إدارة وتشغيل المنشآت الرياضية وعند تنظيم البطولات الرياضية الكبرى أيضاً.
فمثلاً، وضعت رابطة كرة القدم الألمانية منذ عام 2021 الاستدامة كشرط إلزامي للحصول على ترخيص الأندية الرياضية. قبل ذلك، كان الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا" قد انضم في عام 2016 إلى إطار عمل الأمم المتحدة للرياضة من أجل العمل المناخي؛ والذي يهدف إلى حشد جهود الاتحادات الرياضية والفرق الرياضية لتحقيق أهداف اتفاقية باريس للمناخ.
ويؤكد الاتحاد الأوروبي لكرة القدم "اليويفا" أيضاً ضرورة تبني حلول الاستدامة عند تنظيم بطولاته الرئيسية، بل ويستثمر ما يلزم من أموال لدعم جهود منظمي البطولات في تبني حلول الاستدامة كأنظمة إدارة المياه الرشيدة واستخدام الطاقة المتجددة وإدارة النفايات وغيرها. ففي بطولة "يورو 2024"، التي استضافتها ألمانيا في الفترة بين يونيو ويوليو 2024، استثمر "اليويفا" مبلغاً قدره 32 مليون يورو في عدد من المدن الألمانية لتعزيز البنية التحتية المستدامة وممارسات الاقتصاد الدائري.
بخلاف لعبة كرة القدم، بدأت الاتحادات الرياضية للألعاب الأخرى في التركيز على دعم جهود الاستدامة كرابطة محترفي الغولف ورابطة كرة السلة الأمريكية. وقد أطلقت الأخيرة على سبيل المثال، مبادرة (NBA Green)، والتي تركز على تقليل بصمتها البيئية وتعزيز الاستدامة بين المشجعين في دوري كرة السلة الأمريكي للمحترفين؛ مما شجع الفرق الرياضية للاستثمار في مجالات استخدام الطاقة المتجددة وإدارة النفايات وغيرهما.
الطاقة وممارسات الاستدامة:
لترشيد الاستهلاك الكثيف للموارد، لوحظ اتجاه المنشآت الرياضية لتطبيق عدد من حلول الاستدامة في السنوات الأخيرة، وفق ما تكشفه الدراسات، بدءاً من الإضاءة المبتكرة والاستفادة من مصادر الطاقة المتجددة، وتنفيذ تدابير الحفاظ على المياه، وتطوير البنية الأساسية المستدامة وغيرها. وبدأت شركات البناء في دمج استخدام مواد معاد تدويرها، مثل الورق والبلاستيك في تصميم وبناء الملاعب الرياضية.
كما يجري استخدام مصابيح "ليد" (LED) في إضاءة الملاعب الرياضية، وهي لا تستهلك كهرباء أقل بكثير فقط، بل تتميز كذلك بعمر افتراضي أطول؛ مما يقلل من تكاليف التشغيل والصيانة. وتم دمج أنظمة جديدة لإدارة المياه تقوم على حصاد مياه الأمطار وإعادة تدوير استخدام المياه، وترشيد استهلاك المياه في ري عشب الملاعب. وتتطلع بعض الفرق الرياضية العالمية أيضاً لشراء أرصدة الكربون للتعويض الكامل عن الانبعاثات الناجمة عن السفر الجوي للاعبين الرياضيين.
بمنطقة الشرق الأوسط، أعطت دول مجلس التعاون الخليجي مثل الإمارات أولوية خاصة لدمج الحلول المستدامة في تصميم وتشغيل المنشآت الرياضية، وهناك حالياً 70% من الملاعب الرياضية بالإمارات كـــ"استاد هزاع بن زايد" و"مدينة زايد الرياضية" واستاد آل مكتوم" تراعي معياراً أو آخر من معايير الاستدامة، بما في ذلك نشر حلول الطاقة المتجددة. وتتطلع رابطة المحترفين الإماراتية لتعزيز ممارسات الاستدامة وتخضير استهلاك الكهرباء من خلال شراء شهادات الطاقة النظيفة.
وبات من الشائع أيضاً استخدام تطبيقات الطاقة المتجددة بكثير من المرافق الرياضية بالمملكة المتحدة والولايات المتحدة والشرق الأوسط وغيرها، من خلال استغلال مساحات الأسطح غير المستخدمة، على نحو يمكن لها توفير بعض أو كل احتياجاتها من الطاقة إلى جانب تقليل البصمة الكربونية لمصادر الطاقة التقليدية.
وهناك أمثلة عديدة على استخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بالمنشآت الرياضية بالولايات المتحدة وأستراليا والهند والشرق الأوسط، وليس فقط في ملاعب كرة القدم وإنما كرة السلة والكريكت وكذلك الصالات الرياضية وغيرها. وتستفيد البطولات الكبرى أيضاً من حلول الطاقة المتجددة في تشغيل السباقات الخاصة بها، كمضامير سباق الفورمولا 1، في الإمارات (جائزة الاتحاد للطيران الكبرى للفورمولا 1 في أبوظبي)، والبحرين، ودي كتالونيا بإسبانيا، وغيرها.
العوائد والتكاليف:
من الأهمية بمكان النظر إلى التأثير المجتمعي لاستخدام الطاقة المتجددة بالمنشآت الرياضية حتى قبل التعرض للفوائد الاقتصادية التي تتيحها؛ إذ تشجع تطبيقات الطاقة الشمسية والرياح بالملاعب الرياضية المشجعين على النظر في إمكانية محاكاة استخدام الطاقة المتجددة بمنازلهم وأعمالهم، وهذا أثر مهم للغاية في سبيل دعم جهود انتقال الطاقة حول العالم. كما يعزز الالتزام بالاستدامة بما في ذلك دعم حلول الطاقة المتجددة سمعة المنظمات والفرق الرياضية وصورتها التجارية، مع جذب شريحة الرعاة المهتمين بالبيئة والاستدامة.
من جانب المكاسب الاقتصادية، توفر حلول الطاقة المتجددة بلا شك مصدراً موثوقاً وفعالاً من حيث التكلفة التشغيلية والصيانة بالنسبة للمنشآت الرياضية، مقارنة بالمصادر الأخرى. الأهم أيضاً، أن الطاقة الشمسية والرياح تمكن المرافق الرياضية من تحقيق الاستقلالية في الحصول على الطاقة بعيداً عن الاعتماد على شبكات الكهرباء الوطنية. وترتفع أهمية ذلك في البلدان التي تعاني من نقص واضح في إمدادات الكهرباء.
تساعد تقنيات الطاقة المتجددة، وخاصة الطاقة الشمسية، على خفض تقليل استهلاك الطاقة وتقليل بصمتها الكربونية. فمثلاً، من المتوقع أن يُخفض الملعب الأولمبي في لندن، من وراء استخدام الطاقة الشمسية، استهلاك الكهرباء بمقدار 3 ملايين كيلووات ساعة سنوياً في الفترة بين 2022 و2026، وكذلك خفض تكاليف الكهرباء بنسبة 10% إلى 15% في نفس الفترة. كما ساعد دمج تقنيات الطاقة المتجددة في ملعب بيتكو بارك لكرة القدم الأمريكية (الخاص بفريق سان دييغو بادريس) على تحقيق وفورات إجمالية في استهلاك فواتير الكهرباء تقدر بنحو 4 ملايين دولار، وفق التقديرات المنشورة.
ورغم الفوائد الاقتصادية والبيئية المحتملة، لا يسير نشر حلول الطاقة المتجددة بصناعة الرياضة العالمية في منحنى خطي تام، بالنظر إلى العقبات المختلفة التي تقف أمام انتشارها، ولاسيما بالأسواق النامية؛ بسبب نقص خيارات التمويل والتكاليف الأولية المرتفعة لدعم مشروعات الطاقة المتجددة. كما يواجه دمج حلول الطاقة المتجددة عقبات أخرى مثل نقص خبرة المنشآت الرياضية في تشغيل الألواح الشمسية وتوربينات الرياح، وغياب أكواد البناء الموحدة، إضافة إلى قدم تصميمات بعض الملاعب الرياضية.
ويمكن التغلب على تلك العقبات عبر تبني سياسات عامة فاعلة ولوائح جديدة تشجع دمج حلول الطاقة المتجددة في المنشآت الرياضية الجديدة، ذلك بالتعاون مع القطاع الخاص أو القطاع العام ذي الخبرة الواسعة في هذا المجال، بالإضافة إلى أهمية تعزيز خيارات التمويل وتقديم الحوافز الضريبية للمنشآت الرياضية، بما يخفف من التكاليف الأولية وتسريع فترة الاسترداد لمشروعات الطاقة المتجددة.
في المجمل، تعزز الفوائد طويلة الأجل التي تحققها المنشآت الرياضية من دمج حلول الطاقة المتجددة، فرص انتشار استخدام الطاقة الشمسية والتوربينات تدريجياً في صناعة الرياضة، والتي ينبغي أن تصاحبها في المراحل الأولى حزمة من الحوافز المالية والتنظيمية، لكي يصبح انتقال الطاقة بالنسبة للمنشآت الرياضية ميسوراً وسلساً.