أخبار المركز
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)
  • إيمان الشعراوي تكتب: (الفجوة الرقمية: حدود استفادة إفريقيا من قمة فرنسا للذكاء الاصطناعي 2025)
  • حسين معلوم يكتب: (تفاؤل حذر: هل تشكل الانتخابات المحلية فرصة لحلحلة المسار الليبي؟)
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)

حروب كورونا وانتصار الواقعية مجدداً

28 أبريل، 2020


ازدهرت النظرية المثالية التي حلمت بأن يسود السلام والقانون مجريات العلاقات الدولية في أعقاب الحرب العالمية الأولى فانتشرت الأفكار التي تدعو إلى التسامح والسلام في العلاقات بين الدول، ووصل الأمر حد الحلم بحكومة عالمية، وكان منطق هذا الازدهار أن المآسي التي نجمت عن الحرب مادياً وبشرياً كفيلة بأن تجعل قادة الدول يفكرون ألف مرة قبل أن يشعلوا نيران حرب جديدة ستكون بالتأكيد أكثر قتلاً ودماراً. وعندما أُسست «عصبة الأمم» في أعقاب الحرب، بدا أن أحلام المدرسة المثالية في العلاقات الدولية لم تجانب الصواب وأن الإنسانية في طريقها إلى «الحكومة العالمية»، غير أنه سرعان ما اتضحت هشاشة هذه الأحلام كما ظهر في تطبيق نظام الانتداب على الأقاليم غير المستقلة، والذي كان يُفترض أن يأخذ بيدها إلى الاستقلال، فإذا به يكرس الهيمنة الاستعمارية. غير أن الضربة القاضية للأحلام المثالية جاءت على يد هتلر وممارساته في ألمانيا بعد أقل من عقدين على تسويات الحرب وصولا إلى انفجار الحرب العالمية الثانية التي كان التدمير والخسائر البشرية فيها لا يُقارن بحال بسابقتها. ومن رحم تلك الحرب برزت المدرسة الواقعية كأساس مقنع لتحليل العلاقات الدولية مازال صالحاً، بل الأصلح حتى الآن، لفهم التفاعلات الدولية. ويُعتبر صدور كتاب عالم السياسة الأميركي هانز مورجانثو «السياسة بين الأمم: الصراع من أجل القوة والسلام»، في عام 1948، تدشيناً لهيمنة هذه المدرسة في تحليل العلاقات الدولية.

ومع تفشي وباء كورونا وتعاظم الخسائر البشرية على نحو غير مسبوق منذ وباء الإنفلونزا الإسبانية عام 1918، عاودت الأحلام المثالية الظهور استناداً إلى منطق واضح، وهو أن مواجهة الوباء الذي أصاب أقوى الدول وأكثرها تقدماً تتطلب تعاوناً حقيقياً بين دول العالم كافة بما يساعد على سرعة الانتصار على الوباء. وتبدت هذه الأحلام بوضوح في مقالات العديد من كتاب الرأي والمحللين الأكاديميين ناهيك بعدد من كبار المسؤولين في دول عدة، وجسدت تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة وغيره من المسؤولين الدوليين وبالذات في منظمة الصحة العالمية هذه الأحلام المشروعة. ومع ذلك وعلى الرغم من بعض مظاهر التعاون بين دول بعينها -وإن لم يخل عدد من هذه المظاهر من شبهة التوظيف السياسي- فإن السمة الغالبة لتداعيات كورونا على التفاعلات الدولية كانت صراعية، وليس أدل على ذلك على الصعيد العالمي من «حرب كورونا الباردة» الجديدة وطرفيها الرئيسيين، الولايات المتحدة والصين، اللذين يتبادلان الاتهامات بشأن المسؤولية عن انتشار فيروس كورونا ما بين البدء باتهام المتحدث باسم الحكومة الصينية وفداً عسكرياً أميركياً، شارك في الألعاب العسكرية التي أُجريت في «ووهان» قبيل انطلاق الفيروس، بالمسؤولية عن جلبه إليها، والرد الأميركي بأن الفيروس ربما يكون تخليقاً صينياً خرج عن السيطرة أو بدأ من سوق بيع الحيوانات البرية في ووهان. ولأن أحداً لا يمتلك أدلة قاطعة على ما يقول، فقد ركزت الاتهامات الأميركية لاحقاً على عدم شفافية الصين في إحاطة المجتمع الدولي في الوقت المناسب بكافة التفاصيل عن الوباء وتطوره. ووصل الأمر إلى المطالبة بتحقيق قد يفضي إلى فرض عقوبات على الصين. واللافت أن «الحرب الباردة الجديدة» تجاوزت الطابع الثنائي، كما كان الحال في مثيلتها القديمة، إلى الطابع الجماعي، بانضمام بعض الدول إلى صف الاتهامات الأميركية وتأكيد المصادر الرسمية الروسية على غياب أي أساس لهذه الاتهامات. ولا يخفي بطبيعة الحال أن خلفية هذه الحرب الجديدة هي ملابسات الصراع على قيادة النظام العالمي بين الولايات المتحدة والصين التي بدا من بعض المؤشرات أنها كسبت نقاطاً جديدة في هذا السباق في ظل الملابسات التي أحاطت بالوباء ومواجهته.

والمشكلة أن هذه السمة الصراعية لم تقف عند المستوى العالمي وإنما امتدت إلى المستوى الإقليمي، فقد كان البعض يأمل بالمنطق المثالي نفسه في تهدئةٍ لصراعات إقليمية محتدمة. ورغم وجود مؤشرات محدودة على ذلك، إلا أنه من الواضح أن بعض أطراف هذه الصراعات قد استغل انشغال العالم بالوباء كي يعزز أوضاعه، كما فعلت تركيا في ليبيا، وهو ما يصلح موضوعاً لمقالة مستقلة، غير أن الخلاصة الأكيدة أن المدرسة الواقعية مازالت تؤكد جدارتها بالانفراد بقمة القدرة على تحليل التفاعلات الدولية.

*نقلا عن صحيفة الاتحاد