أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

تحذير أولي:

رسائل التيار الصدري للتنسيقي بعد الدعوة للصلاة الموحدة في العراق

17 يناير، 2023


دعا التيار الصدري في العراق، بزعامة السيد مقتدى الصدر، في 8 يناير 2023، أنصاره إلى صلاة جمعة موحدة في العاصمة بغداد، وعموم المحافظات العراقية، يوم 13 من الشهر نفسه، في خطوة تستهدف التأكيد على شعبية التيار في الشارع العراقي، فضلاً عن كونها محاولة من التيار، للعودة مرة أخرى للحياة السياسية خلال الفترة القادمة، بعد سحب نوابه من البرلمان، وإعلان اعتزاله الكامل للمشهد السياسي، منذ أغسطس 2022، على أثر الاشتباكات التي حدثت بالمنطقة الخضراء في بغداد بين جماعات مسلحة تابعة للصدر وأخرى تابعة للإطار التنسيقي، الذي يضم قوى موالية لإيران.

مؤشرات العودة: 

على مدار الفترة الماضية اتخذ التيار الصدري عدداً من التحركات، التي تؤشر إلى ترتيب أوراقه للعودة إلى الحياة السياسية مرة أخرى خلال المرحلة القادمة، وهو ما يمكن استعراضه في المؤشرات التالية:

1- الدعوة لصلاة موحدة في عام التغيير: أعلن مكتب زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، عن إقامة صلاة جمعة موحدة في كل المحافظات. وتصدرت تلك الدعوة عبارة "عام التغيير"، فيما يُشير إلى رغبة التيار في إيصال عدد من الرسائل أبرزها؛ أن العام القادم قد يشهد عودة أنشطة الصدريين للواجهة مرة أخرى، فضلاً عن كونها تأكيداً لشعبية التيار وقدرته على تعبئة الشارع العراقي في مواجهة الحكومة العراقية، المهيمن عليها من جانب الإطار التنسيقي، إذا ما سعى هذا الأخير إلى تهديد مصالح التيار الصدري.

وبالإضافة إلى ما سبق، فإن الدعوة تستهدف كذلك سعي التيار لإعادة ترميم بيته الداخلي واستعادة ثقة قواعده الشعبية، والتي شعرت بأن قيادتها قد خذلتها، في مرحلة معينة، بعد الانسحاب من المشهد وترك الساحة للخصوم من قوى الإطار التنسيقي المدعومة من إيران.

2- العودة من خلال انتخابات المحليات: تُشير التقديرات إلى استعداد التيار الصدري للعودة للمشهد السياسي في العراق من بوابة الانتخابات المحلية، والتي من المقرر إجراؤها في أكتوبر 2023، باعتبار تلك الانتخابات سوف تؤكد مدى شعبية التيار الصدري في مواجهة خصومه في الإطار، خاصة نوري المالكي، زعيم ائتلاف دولة القانون، وقيس الخزعلي، زعيم عصائب أهل الحق. ولذلك يخطط الصدريون للحصول على أكبر عدد من مناصب المحافظين في عشر مدن ذات أغلبية شيعية.

كما أن هذه الانتخابات سوف تمثل مؤشراً على شعبيته قبل الانتخابات التشريعية القادمة، خاصة في ظل إعلان حكومة السوداني ضمن برنامجها الحكومي إجراء انتخابات مبكرة بعد عام واحد من تشكيلها.

3- رفع الشعارات القومية: يؤكد التيار الصدري تمسكه بالشعارات الوطنية والقومية في مواجهة التدخلات الإيرانية، إذ تعمد الصدر استخدام لفظ "الخليج العربي"، في التعليق على النسخة 25 من بطولة كأس الخليج العربي "خليجي 25"، وهو ما أغضب طهران، والتي انتقدت تصريحات الصدر، زاعمة أن الخليج فارسي وليس عربياً، ومطالبة الصدر بالاعتذار عن ذلك، وهو الأمر الذي رفضه. 

كما أدان البرلمان الإيراني تلك التصريحات، من جانب الصدر ومن جانب السوداني الذي أدلى بتصريحات مماثلة، ويأتي ذلك في إطار تأكيد الصدر على استمرار سياسته الرامية إلى مواجهة التمدد الإيراني في العراق لاسيما في ضوء دعم ومساندة طهران للإطار التنسيقي طوال الفترة الماضية.

أسباب دافعة:

شجّع عدد من العوامل التيار الصدري للتجهيز للعودة للحياة السياسية مرة أخرى، ويمكن الإشارة إلى أبرزها على النحو التالي:

1- اتساع الخلافات داخل التنسيقي: ساهم اتساع نطاق الخلافات بين قوى الإطار التنسيقي في دفع التيار الصدري للعودة للمشهد السياسي مرة أخرى. وشملت تلك الخلافات التباين داخل التنسيقي حول العلاقة مع الصدر، بين من يرى إقصاءه، وبين من يرى ضرورة التهدئة معه، فضلاً عن تصاعد الخلاف حول بقاء رئيس الوزراء العراقي الحالي، محمد شيّاع السوداني، في منصبه، أو استبداله بشخصية أخرى، وذلك في محاولة من جانب بعض القوى المناوئة للصدر للضغط على السوداني للاستجابة لأجندتها، سواء في إطار صراعاتها البينية، أو في مواجهة التيار الصدري، وكذلك الاعتراض على ما تعتبره بعض قوى التنسيقي، لاسيما المسلحة منها، تقارباً من جانب حكومة السوداني تجاه واشنطن.

وفي سياق متصل، شكّل الخلاف حول استمرار نبيل جاسم في رئاسة شبكة الإعلام العراقية، أحدث مظاهر الخلاف بين بعض قوى التنسيقي والسوداني، إذ رفض الأخير، في 8 يناير 2023، إقالة جاسم ووجه باستمراره في عمله، وذلك في تحدٍ لقرار مجلس أمناء الشبكة، والذي اتخذ قراراً بإقالة جاسم، على اعتبار أنه تم تعيينه في عهد رئيس الوزراء السابق، مصطفى الكاظمي، وأنه لا يلقى قبولاً من جانب الإطار التنسيقي، ومحاباة من المجلس للأخير.

2- محاولات عزل التيار الصدري: اتخذت حكومة السوداني عدداً من القرارات منذ مطلع ديسمبر 2022، والتي قد تمثل تهديداً لنفوذ التيار الصدري داخل مؤسسات الدولة العراقية. وكان من ضمن هذه القرارات إرسال حكومة السوداني، في منتصف ديسمبر 2022، استمارة لتقييم المحافظين إلى مجلس النواب، والتي تحظى فيه قوى الإطار التنسيقي بالأغلبية بعد انسحاب نواب الصدر، تتضمن تقييم النواب للمحافظين في ثلاث عشرة محافظة، ومنها بغداد، ونينوى، والبصرة، وديالى، والأنبار، وكربلاء.

ويلاحظ أن مطالب تغيير المحافظين هذه تعود جذورها إلى بداية انطلاق الاحتجاجات في عام 2019 عندما بدأت بحرق مقرات أحزاب سياسية منضوية الآن ضمن الإطار التنسيقي في عدد من المحافظات الجنوبية، إذ تمكن الصدر خلالها من اكتساب محافظين مواليين له في عدة محافظات مثل ذي قار والبصرة إضافة لميسان وبابل والنجف، كما قام رئيس الوزراء العراقي السابق، مصطفى الكاظمي، بتغيير عدد من المحافظين، والذين كانوا محسوبين كذلك على التيار الصدري، وهو ما قوّض من نفوذ بقية الأحزاب، خاصة تلك المرتبطة بالتنسيقي.

ولذلك أعلن المالكي في 22 نوفمبر 2022، أن السوداني ينوي تغيير المحافظين عبر إصدار قرار من مجلس النواب بتغيير كل المحافظين وإعادة توزيعهم وفق الاستحقاقات الانتخابية، وأنه أعطى لنفسه مهلة من شهرين إلى 3 أشهر لهذا التغيير، وفقاً له، الأمر الذي يمكن اعتباره محاولة من جانب الإطار التنسيقي، لإضعاف نفوذ الصدر داخل مؤسسات الدولة العراقية.

3- إخفاق الحكومة عن حل الأزمات الاقتصادية: تأتي دعوة التيار الصدري للصلاة الموحدة على بعد أيام من مرور 100 يوم على تشكيل حكومة السوداني، والذي دفع بها الإطار التنسيقي، فيما يؤشر على رغبة الصدر في استغلال تلك المناسبة، لإلقاء الضوء على الأزمات الاقتصادية والسياسية خلال الأشهر الماضية من عمر الحكومة الحالية.

فعلى الرغم من وعود الحكومة العراقية الحالية بأن يكون الملف الاقتصادي والخدمي في مقدمة أولوياتها، فإن الواقع يُشير إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية، في ضوء تصاعد سعر صرف الدولار أمام الدينار العراقي، بعد أن سجل سعر الصرف مقابل الدينار مستويات غير مسبوقة منذ عام 2004، وهو ما تم إرجاعه إلى الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها واشنطن لتشديد الرقابة على البنك المركزي العراقي والبنوك الأخرى، بشأن بيع الدولار، في محاولة لمنع وصوله إلى الميليشيات المسلحة وإيران، وذلك ضمن اتفاق سياسي شاركت فيه الولايات المتحدة، بشأن تشكيل حكومة السوداني، والذي كان من أبرز شروطه منع تهريب الدولار لتلك الأطراف، خصوصاً بعدما تبين أن معدل بيع الدولار اليومي وصل إلى 250 مليون دولار، في حين نص الاتفاق على ألا تزيد تلك المعاملات على 80 مليون دولار. 

وفي التقدير، يمكن القول، إن دعوة التيار الصدري إلى صلاة جمعة موحدة، تُعد محاولة من جانبه لتأكيد نفوذه في الشارع العراقي، وإرسال رسالة واضحة للإطار التنسيقي، بأنه ما زال طرفاً حاضراً ومؤثراً في المشهد السياسي العراقي، وأن أي محاولة من جانب التنسيقي لإضعاف نفوذ الصدر في مؤسسات الدولة العراقية سوف تواجه برد فعل حازم، وهي العودة للشارع، بما يترتب عليه من شلل للحكومة الحالية، خاصة أنها لم تنجح بعد في تحسين الأوضاع الاقتصادية في العراق، وهو ما يعني أن الفترة القادمة قد تشهد مزيداً من التصعيد، إذا لم يتراجع خصوم الصدر عن محاولاتهم لإضعاف نفوذه في مؤسسات الدولة العراقية.