أخبار المركز
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)
  • محمود قاسم يكتب: (الاستدارة السريعة: ملامح المشهد القادم من التحولات السياسية الدرامية في كوريا الجنوبية)
  • السيد صدقي عابدين يكتب: (الصدامات المقبلة: مستقبل العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في كوريا الجنوبية)
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)

تصدع مشروط:

حدود الارتباط بين مقتل القيادات الإرهابية وانهيار تنظيماتها

22 أكتوبر، 2018


أثار القبض على عدد من قيادات التنظيمات الإرهابية، وتصفية آخرين؛ جدلًا متصاعدًا حول مصير هذه التنظيمات ومدى احتمالية تعرضها للتصدع والانهيار. وعلى الرغم من محورية دور القيادات داخل الجماعات الإرهابية، إلا أن اختفاءهم لا يعني حتمية انهيار هذه التنظيمات، فقد يترتب عليه تصاعد عملياتها الإرهابية بغرض الانتقام أو الانقسام لخلايا أصغر، أو إعادة الانتشار الميداني، وهو ما يعزز أهمية مشروطيات تماسك وانهيار التنظيمات الإرهابية التي ترتبط بقوة التنظيم ذاته ومكانة القيادة ضمن بنيته الأساسية.

تصاعد استهداف القيادات: 

تصاعدت عمليات استهداف قيادات التنظيمات الإرهابية، خاصة المنتمية لتنظيمي "القاعدة" و"داعش"، حيث خسر "داعش" عددًا كبيرًا من قياداته البارزة. فعلى سبيل المثال، أصدر القضاء العراقي في سبتمبر 2018 حكمًا بالإعدام شنقًا على "إسماعيل العيثاوي" نائب "البغدادي"، والذي شغل عددًا من المناصب البارزة في التنظيم (مثل: مسئول لجنة الإفتاء، المنوط به وضع مناهج دراسية للتنظيم)، وقد تم اعتقاله في تركيا في فبراير 2018 في عملية مشتركة بين الاستخبارات العراقية والتركية والأمريكية. فيما أعلنت وكالة "أعماق" الناطقة باسم تنظيم "داعش"، في بيان لها في يوليو 2018، عن مقتل أحد أبناء "البغدادي" "حذيفة البدري" في هجوم شنه مع متشددين آخرين في محافظة حمص بوسط سوريا. وتمكنت القوات الأمنية في باكستان من القضاء على "مفتي هداية الله" زعيم تنظيم "داعش" فرع بلوشستان في يوليو 2018. وأعلن مركز الإعلام الأمني العراقي في مايو 2018 عن اعتقال 5 قيادات بارزين في تنظيم "داعش".

كما تمكنت القوات اليمنية من قتل أمير تنظيم "القاعدة" في محافظة لحج جنوب غربي اليمن في يناير 2017 خلال عملية مداهمة لمنزله، كما أعلنت حركة أحرار الشام في فبراير 2017 عن مقتل "أبو هاني المصري" في غارة جوية لطيران التحالف في ريف إدلب الشمالي، وقد وصفه البنتاجون "بالعضو الذي تربطه صلات بأسامة بن لادن، وبزعيم القاعدة الحالي أيمن الظواهري". فيما أعلن تنظيم "القاعدة" في بيان له في مارس 2017 عن مقتل "أبو الخير المصري" في غارة أمريكية، والذي كان يعد الرجل الثاني بعد الظواهري في التنظيم.

كما أعلنت وزارة الداخلية التونسية في يناير 2018 أن القوات الخاصة قد تمكّنت من قتل "بلال القبي"، وهو مساعد كبير لزعيم "القاعدة" في بلاد المغرب الإسلامي. من جانب آخر، تم القضاء على عددٍ من قيادات حركة "طالبان"؛ إذ نجحت القوات الأفغانية في اغتيال "جول محمد سانجاري" مسئول القضاء العسكري لـ"طالبان" خلال عملية قصف جوي نفذها سلاح الجو الأفغاني في مايو 2018، وأصدرت وزارة الدفاع الأفغانية بيانًا في يونيو 2018 أكدت فيه أن واشنطن أبلغتها بمقتل زعيم حركة "طالبان" في باكستان "الملا فضل الله"، حيث تم قتله في غارة أمريكية في إقليم كونار الأفغاني.

مشروطيات تصدع التنظيمات:

يرتبط تأثر التنظيمات الإرهابية بغياب قياداتها عن المشهد بعدة عوامل، يتمثل أهمها في: توقيت الاستهداف ذاته، والثقافة التنظيمية، والمرونة الأيديولوجية، وحجم التنظيم، والتنوع الوظيفي، والتماسك الداخل. ويتمثل أبرز هذه العوامل فيما يلي:

1- توقيت الاستهداف: حيث تُشير بعض الدراسات إلى أنه في حال القضاء على القيادة في بداية قيام التنظيم فإن ذلك يجعله معرضًا بشكل أكبر للانتهاء ، حيث إن استمرار التنظيم لفترة طويلة يمكنه من إنشاء شبكة خطوط من الإمداد والاتصال، وبناء معسكرات للتدريب، وإقامة روابط مع المجتمعات المحلية، وإيجاد خلفاء موثوق بهم في حال غياب القيادة ، بحيث يصبح التنظيم أكثر مرونة وأقل تأثرًا بغياب القيادة، فطول عمر التنظيم يزيد من قدرته على الصمود. 

وفي هذا السياق، يُمكن القول إن استهداف قيادات تنظيمات قديمة مثل "القاعدة" لن يؤثر بشكل استراتيجي على التنظيم، وإنما يكون التأثير بشكل مؤقت تتمكن الجماعة بعده من استعادة توازنها من جديد. ويختلف الحال بالنسبة لتنظيم "داعش"، فعلى الرغم من أنه لا يزال قادرًا على تسمية قادة جدد لفروعه المتبقية، إلا أنه يواجه عددًا من الانشقاقات التنظيمية المتصاعدة، بالإضافة إلى حالة من الارتباك الفقهي بعد فقدان "البغدادي" بسبب حداثة عمره نسبيًّا.

2- الثقافة التنظيمية: تحظى القيادات في التنظيمات شديدة المركزية بدور أكبر وأكثر تشعبًا ومحورية، كما قد تكون القيادة مسئولة عن تخطيط كافة الأنشطة التنظيمية، وبالتالي فإن فقدان القيادة يؤدي إلى انخفاض معدل تدفق المعلومات، وهو ما يؤدي إلى زيادة الصعوبات التي تواجه عملية صنع القرار، ومن ثمّ فإن غياب القيادة يؤدي إلى إضعاف قدرة التنظيم على تنفيذ المهام. بينما يصعب إضعاف التنظيمات الشبكية اللا مركزية لأنها عبارة عن محاور متعددة توزع المعلومات والدعم اللوجستي. وتأثير القادة في العمليات التشغيلية أقل، وبالتالي فإن استهداف القادة سيكون غير فعال في إضعاف التنظيم، كما أنه من الصعب تحديد المركز الذي يؤدي القضاء عليه إلى زعزعة استقرار الشبكة، كما أن المجموعات اللا مركزية تزداد بها إمكانية ظهور قادة جدد بشكل سريع. 

وفي هذا السياق، يمكن الإشارة إلى تنظيم "القاعدة" الذي أصبح أكثر مرونة، وهو ما ساعده في التماسك، فعلى الرغم من لا مركزيته وإخفاقه في حل بعض نزاعاته الداخلية، تواصل الفروع التمسك بالأهداف والاستراتيجيات التي حددتها القيادة، حيث يسمح نموذجه التنظيمي المرن للفروع بتكييف أهدافه مع الديناميكيات المحلية، وهو ما يمكن أن يطلق عليه "مركزية القرار واللا مركزية في التنفيذ". فالقيادة العليا لا تشارك بشكل وثيق في العمليات اليومية للفروع، ولكنها قادرة على التواصل الرأسي، حيث تم نقل مسئولية العمليات اليومية إلى قادة المستوى المتوسط الأقدر على الاستجابة للظروف المتغيرة. 

3- المرونة الأيديولوجية: تزداد قدرة التنظيم على البقاء كلما كان لديه قدر من المرونة الأيديولوجية، وقد استطاع تنظيم "القاعدة" التكيف الأيديولوجي عبر تطوير خطاب السلفية الجهادية، والتحول من العمل النخبوي النوعي ذي الطبيعة العسكرية المطلقة إلى العمل الشعبي الإعلامي تحت شعار تطبيق الشريعة، مع الإبقاء على النواة الصلبة القائمة على مبدأ الحاكمية ، فأصبحت أكثر حرصًا على عدم الاصطدام بالمجتمع المحلي وعدم التوسّع في التكفير ، ودعت لعدم استهداف المساجد والأسواق وأماكن تجمع المدنيين، وعدم استهداف الطوائف الدينية المسلمة خصوصًا الشيعة، وحذرت من التسرع في السيطرة على الأرض، واستهدف خطابها كسب تعاطف المجتمعات المحلية ، وذلك على النقيض من تنظيم الدولة الإسلامية الذي سعى لمهاجمة العدو القريب بدلًا من العدو البعيد، كما سعى لاستدراج العدو البعيد إلى المنطقة من خلال الهجوم على العدو القريب ، واعتبر المعارضة السلمية كفرًا ، كما قام بتكفير من لا يحكم بما أنزل الله من حكام ومحكومين وأوجب قتالهم عبر الغلظة والشدة والتشريد ، وأكد على حتمية التوحش. 

وبالتالي أظهر "داعش" تنظيمَ "القاعدة" بمظهر أكثر وسطية رغم راديكاليته، وهو ما يُفسر التقدم النسبي للقاعدة بعكس "داعش" في العديد من الفروع التنظيمية، الأمر الذي سيسهم في تباين استجابة كل منهما بوقوع أي استهداف للقيادات نتيجة قدرة "القاعدة" الأكبر على السيطرة والتواصل مع الفروع، بينما قد يتحول "داعش" إلى حركة راديكالية لا رابط تنظيميًّا بينها، خاصة مع فقدانه الكثير من الموارد والقوة الأيديولوجية.

4- حجم التنظيم: عندما تصبح المنظمة أكبر حجمًا من ناحية عدد الأفراد والفروع، فمن المرجح أن تتكيف مع إيقاع قياداتها، لأنها أكثر قدرة على تجديد الأعضاء والقادة على حد سواء، ولقدرتها على تطوير الشبكات وأنظمة الدعم اللازمة لتجديد العضوية والتعاقب القيادي. فبعد فقدان "داعش" عددًا من قياداته، تراجعت موارده الاقتصادية والبشرية ، بالإضافة إلى تراجع عدد عملياته في عدد من الدول. فعلى سبيل المثال، وصل عدد عملياته في ليبيا إلى ما يقدر بحوالي 43 عملية في عام 2017 بعدما كانت قد وصلت إلى 319 عملية في عام 2016، وذلك وفقًا لتقرير صادر من "مركز إفريقيا للدراسات الاستراتيجية" بالولايات المتحدة في يناير 2018.

وعلى النقيض من ذلك، تزايدت عمليات تنظيم "القاعدة" في المغرب الإسلامي وفروعها في الساحل، حيث وصلت أحداث العنف المرتبطة بهم إلى 157 عملية في عام 2017 بعدما كانت تُقدر بحوالي 76 عملية في عام 2016 وفقًا لنفس التقرير ، يضاف إلى هذا تراجع قوة تنظيم "داعش" في ليبيا، وتونس، والجزائر، والمغرب. وفي دول الساحل، فشل في اختراق مناطق "القاعدة"، مثل مالي والنيجر وبوركينافاسو. وفي الصومال، نشاطهم لا يقارن بالقاعدة ممثلة في ـحركة الشباب،  لذا فإن تقلص حجم "داعش" في ظل توسع "القاعدة" يزيد من احتمالات أن تنضم فلوله لتنظيمات أخرى أكثر استقرارًا.

5- درجة البيروقراطية: كلما امتلك التنظيم قواعد بيروقراطية رسمية تنظم العلاقات والمسئوليات وانتقال القيادة والعمليات التشغيلية بداخله، كلما قل تأثره بالاستهداف المفاجئ لقياداته والعكس صحيح، فالقواعد غير الشخصية تخلق نوعًا من التوازن الذاتي في المنظمة عن طريق تحديد أدوار كل فرد داخل المؤسسة بالتفصيل، فعندما تصبح التنظيمات أكبر وأكثر تعقيدًا فمن المرجّح أن تطور وظائف متنوعة تزيد من استقرارها . فقد تعاني التنظيمات التي لديها قواعد ثابتة من حالة من التراجع المؤقت بسبب فقدان القيادة، فالتأثير هنا تكتيكي أو تشغيلي وليس تأثيرًا استراتيجيًّا، بعكس التنظيمات غير المؤسسية التي قد تنهار عند استهداف قادتها.

وفي هذا الإطار، تمكّن تنظيم "القاعدة" من بناء تنظيم مؤسسي به تسلسل هرمي، ووظائف متخصصة من خلال نظام الأمراء المتخصصين وظيفيًّا. فمثلًا، قيادة التنظيم في كل مدينة كان يقودها أمير، يدعمه مسئول إداري، ومسئول عسكري، ومسئول الإعلام، وآخرون، وكانت هناك وحدات فرعية لتجنيد المقاتلين الأجانب وتوليد الإيرادات، بينما عانت تنظيمات أخرى -مثل "مجلس شورى المجاهدين العراقي" برئاسة عبدالله الجنابي- من غياب المأسسة، معتمدًا على الجاذبية الشخصية للجنابي للحفاظ على تماسك المنظمة، وعندما فر "الجنابي" من الفلوجة بعد مواجهات مع القوات العراقية في نوفمبر 2004 انهار المجلس .

6- التنوع الوظيفي: إن وجود أجنحة سياسية وعسكرية واجتماعية تقوم بوظائف منفصلة ومتميزة يجعل التنظيم أكثر قابلية للاستمرار لأنه في هذه الحالة سيكون أكثر قدرة على الحصول على الدعم الشعبي والموارد اللازمة للبقاء، كجمع الأموال، والتجنيد، وسهولة الاختباء، والتنقل. 

7- التماسك الداخلي: كلما ازداد التنظيم تماسكًا زادت قدرته على تخطي مشكلات استهداف القيادة بشكل أسرع، وعلى الرغم من أن تنظيم "القاعدة" يعاني من التعارض بين أهداف التنظيم وفروعه خصوصًا مع التوسع الجغرافي، إلا أن التنظيم استطاع الحفاظ على سيطرته على الفروع، وهو ما أدى إلى تماسك التنظيم، وحتى عندما انفصلت جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقًا) عن "القاعدة"، ضمن استراتيجية "الجولاني" لإعطاء الهيئة طابعًا سياسيًّا سوريًّا ، تكيفت "القاعدة" سريعًا، وأنشأت فرعًا جديدًا في سوريا يُطلق عليه "حُراس الدين". في المقابل، يعاني "داعش" من كثرة الانشقاقات داخل صفوفه، وعدم قدرته على التعامل مع الانشقاقات، وإقدامه على تصفية عشرات من المنشقّين عنه، بل ونزع الشرعية عن أمير الهيئة الشرعية للتنظيم "تركي البنعلي"، واتهامه بالردة، وإبعاده عن منصبه بعد استتابته في يونيو 2016 قبل مقتله. وتشير بعض الدراسات إلى أن حالة عدم التماسك الداخلي لـ"داعش" هي التي أدت إلى تراجع أعداد المقاتلين الأجانب المنضمين للتنظيم. 

ختامًا، يمكن القول إن غياب القيادات لا يؤدي إلى انهيار وتصدع التنظيمات الإرهابية نظرًا لاختلاف بنية وتركيبة التنظيمات الإرهابية، والعلاقة بين القيادة وبقية فروع التنظيم، ودرجة المرونة التنظيمية، والأيديولوجيا، وحجم قاعدة العضوية للتنظيم، وعمره الوظيفي، وهو ما يؤثر على قدرة التنظيم على التكيف واستيعاب التحولات المفاجئة.

بعض المراجع المستخدمة: 

 - Ted Clemens IV, Headhunting: Evaluating the Disruptive Capacity of Leadership Decapitation on Terrorist Organizations, Master thesis: The City University of New York, 2016,- pp 22-23

-  Dane Rowlands and Joshua Kilberg, Organizational Structure and the Effects of Targeting Terrorist Leadership, Ottawa: center for security and defense studies, Working Paper 09, April 2011, pp 3-4

- JENNA JORDAN, When Heads Roll: Assessing the Effectiveness of Leadership Decapitation, Security Studies, Issue 4, 2009, pp 728-731

-  Jenna Jordan, Attacking the Leader, Missing the Mark: Why Terrorist Groups Survive Decapitation Strikes, International Security, Vol. 38, No.4, Spring 2014, pp 11-13

Bryan C. Price, Leadership Decapitation and the End of Terrorist Groups, belfercenter, May 2012

- Daveed Gartenstein-Ross & Nathaniel Barr, How Al-Qaeda Works: The Jihadist Group’s Evolving Organizational Design, Hudson Institute, 2001

-  Austin Long, Assessing the Success of Leadership Targeting,  Combating Terrorism Center, NOVEMBER 2010.

- حسن أبو هنية ود. محمد أبو رمان، تنظيم "الدولة الإسلامية": الأزمة السنية والصراع على الجهادية العالمية، الأردن: مؤسسة فريدرش إيبرت،  2015، ص 186-187.

-   هيثم مناع، خلافة داعش، جنيف: المعهد الاسكندنافي لحقوق الإنسان، 2014، ص 79- 84

- حسن حسن، طائفية تنظيم الدولة الإسلامية: الجذور الأيديولوجية والسياق السياسي، مركز كارنيجي للشرق الأوسط، يونيو 2016