أخبار المركز
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)
  • محمود قاسم يكتب: (الاستدارة السريعة: ملامح المشهد القادم من التحولات السياسية الدرامية في كوريا الجنوبية)
  • السيد صدقي عابدين يكتب: (الصدامات المقبلة: مستقبل العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في كوريا الجنوبية)
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)

هل تقع الحرب في كردستان أم... الكونفيديرالية؟

02 أكتوبر، 2017


الحرب على كردستان ليست هي الحل. ولن تقود إليه أصوات الوعيد والتهديد. هي في المبدأ لزوم التسلح قبل أي مفاوضات. وإعلان أربيل الاستقلال ليس أمراً ملحاً. مثلما لا معنى للمطالبة بإلغاء نتائج الاستفتاء. فالكرد قالوا كلمتهم وعبّروا عن رغبتهم صراحة في الانفصال. وحتى تعبير دول الطوق عن مخاوفها مبالغ فيه. الثابت الواضح والجلي منذ سقوط الشرق الأوسط في حروبه المستمرة، أن المجتمع الدولي ليس مستعداً لفتح باب تغيير الخرائط فيما تشوب النظام الدولي، منذ انهيار الكتلة الشرقية، تعقيدات وعثرات وصراع مصالح متضاربة. مثل هذا التغيير سيكون له تأثير الدومينو في دول الجوار القريب والبعيد، ووصفة مثلى لتوليد الحروب وتعميم الفوضى. لم يسمح لصدام حسين بأن يبتلع الكويت. والحرب دائرة لاقتلاع «داعش» بعد تدميره الحدود بين سورية والعراق وبلدان أخرى في شمال أفريقيا. لا بديل من السياسة لتطويق تداعيات الخطوة التي أقدمت عليها أربيل. وعامل الوقت كفيل بتهدئة النفوس. وثمة مؤشرات إلى خطوات في هذا الاتجاه. رئيس الإقليم مسعود بارزاني رد على مبادرة نائب الرئيس العراقي أياد علاوي بالاستعداد لتجميد نتائج الاستفتاء سنتين. وهي فترة قد تطول حتى وإن كان المآل البحث في الانفصال نهائياً. وحكومة بن علي يلدريم أكثر تعبيراً عن موقف تركيا من «عنتريات» الرئيس رجب طيب إردوغان. أنقرة ستحاسب المسؤولين عن هذا الاستحقاق ولن تعاقب أهل كردستان. هذا ما قالته أنقرة. وبالتأكيد لن تسمح الولايات المتحدة لأي طرف بافتعال حرب على الإقليم لن تقف شرارتها عند حدوده. وحتى روسيا لن تقف مكتوفة حيال أي تفجير فيما هي تستعد لتهدئة الحال في سورية بأي ثمن. فهل يكون التوجه نحو الكونفيديرالية مخرجاً من مأزق يواجه جميع اللاعبين في المنطقة؟

نتائج الاستفتاء توّجت بارزاني زعامة تاريخية. وعززت موقفه في أي حوار مقبل مع بغداد إذا نجحت الوساطات أو المساعي الداخلية والخارجية، وخفت حدة الخطابات والتهديدات النارية. لكن هذه «المكاسب» التي جناها رئيس الإقليم تتعرض للتآكل إذا طال الحصار «الثلاثي» العراقي والتركي والإيراني أو اشتد. ولا يعقل أن يكون زعيم الحزب الديموقراطي أخطأ حساب النتائج. ولا يعقل ألا تكون لديه خطة بديلة. فالاعتراضات على الخطوة الكردية كانت واسعة قبل الخامس والعشرين من أيلول (سبتمبر). لم تأتِ من بغداد وأنقرة وطهران والدول العربية وجامعتها. الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وحتى الأمانة العامة للأمم المتحدة عبرت عن موقفها الرافض. وجددت رفضها نتائجه. كان يتوقع بالتأكيد أن تكون إيران الأكثر تشدداً. وربما لم يكن ينتظر هذا الموقف الغاضب من تركيا وتهديدها بإجراءات قاسية. ومشكلته الآن أنه لم يعد بمقدوره التراجع إلى حد إعلان إلغاء نتائج هذا الاستحقاق، مثلما يطالبه رئيس الوزراء حيدر العبادي وآخرون شرطاً للجلوس إلى طاولة الحوار. إذ أن الأخير أيضاً لا يمكنه التهاون أو تقديم أي تنازل، فيما المعركة على الانتخابات النيابية السنة المقبلة على أشدها. ولا يمكنه التساهل أمام خصومه، خصوصاً غريمه نوري المالكي. ولن يكون سهلاً عليه فتح الباب أمام صيغة كونفيديرالية لأنها في المحصلة بين منزلتي الوحدة والتقسيم.

ورقة التفاوض الرابحة بيد بارزاني تتعرض لاستنزاف كبير. الأميركيون الذين يفترض أنهم أقرب الحلفاء للإقليم عبّروا عن رفض شديد للاستفتاء. وطالب وزير خارجيتهم ريكس تيلرسون بإلغاء نتائجه. فالولايات المتحدة المنشغلة بمشكلات كبيرة وخطيرة ليس أقلها الأزمة الناشبة مع كوريا الشمالية، ليست مستعدة للتعامل مع مزيد من الفوضى في المشرق العربي فيما لم تبلور إدارتها بعد رؤيتها الاستراتيجية لهذا المشرق. كما أن خوفها لا يقتصر على انتكاسة تصيب الحرب الدائرة لاستئصال «داعش»، في ضوء حاجتها الماسة إلى مساهمة «البيشمركة» ودورهم إلى جانب القوى النظامية العراقية و«الحشد الشعبي» أيضاً. فالحرب مستمرة حتى اللحظة كما هو مرسوم. بل تحتاج واشنطن إلى الكتلة النيابية الكردية في البرلمان الجديد الربيع المقبل في بغداد، من أجل ضمان تجديد ولاية العبادي في مواجهة زعيم «دولة القانون». فهي تدرك جيداً أن إيران التي تبدو الأكثر تشدداً مع أربيل قد تحصد «منافع» من انفصال كردستان، في حسابات الصراع المذهبي المحتدم في المنطقة كلها وليس في بلاد الرافدين فحسب. ستطلق يد الميليشيات الشيعية لتمكين طهران قبضتها. ولن تقوم قيامة لأهل السنة في هذا البلد بعد تشتتهم وخسارة «ثقل» كردي في المعادلة المذهبية للسلطة والحكم المركزي. ومهما تنصل الكرد فهم يتحملون مسؤولية كبيرة منذ انخراطهم في نظام المحاصصة والشراكة مع القوى والأحزاب الشيعية وما أدى إليه من تمكين لهذه القوى في إدارة البلاد. وإذا كانوا يأخذون على شركائهم السابقين أنهم حوّلوا العراق دولة دينية واندفع معظمهم نحو إيران، فإنهم هم أيضاً يتحملون تبعات هذا المآل. فقد غضوا الطرف عن إقصاء أهل السنة خوفاً من قيام حكم مركزي قد يكرر تجاربهم مع الأنظمة السابقة منذ استقلال العراق.

إن خروج كردستان من ميزان الحكم ومؤسساته في بغداد، سيسهل على فرق «الحشد الشعبي» الموالية لإيران أن تعزّز قبضتها على السلطة. وسيلحق ضرراً بقوى شيعية سعت في الفترة الأخيرة إلى فتح قنوات مع المحيط العربي من أجل الحد من هيمنة طهران. ولا مجال هنا للرهان على «وحدة» موقف عرب العراق، سنة وشيعة، ورفضهم استقلال الإقليم. بل إن هذه الوحدة ستدفع الكرد الذين تخلفوا أو اعترضوا على الاستفتاء إلى اللحاق بأربيل ومشروعها. والضجيج الإيراني يشبه إلى حد ما قامت به طهران إثر غزو صدام حسين الكويت. توعدت وهددت بمواجهة الأميركيين إذا يمّموا شطر الخليج. وشجعته على خوض الحرب حتى أنه أرسل طائراته المدنية إلى مطاراتها لحمايتها من التحالف الدولي الذي بنته الولايات المتحدة تمهيداً لتحرير الكويت. عملت في سرها بخلاف ما أعلنت وتوعدت. صحيح أن كرد الجمهورية الإسلامية احتفلوا بنتائج استفتاء «إخوانهم» في كردستان العراق، لكنهم يبقون دون القدرة على ترجمة حلمهم في استنساخ هذه التجربة. لكن لموقف الجمهورية الإسلامية حدوداً. فهي تحذر من تحول الإقليم «قاعدة» متقدمة لإسرائيل على حدودها، فهل تذهب بعيداً في رفع وتيرة التوتر بين بغداد وأربيل إلى حد دفع الكرد إلى أحضان الدولة العبرية إذا ضاقت بهم السبل؟ كما أن إدارة الرئيس دونالد ترامب الساعية إلى مواجهة التمدد الإيراني لن تلزم الحياد أو التساهل حيال انفصال سريع أو مواجهة عسكرية مع كردستان. فهي تسعى إلى تعزيز حضورها في العراق مجدداً وتشجع العرب على إعادة وصل ما انقطع مع عاصمة الرشيد طوال سنوات.

وتركيا أيضاً لن تذهب بعيداً في تشددها. فالعقوبات التي تلوّح بها ستلحق بها أضراراً مماثلة. وقد استدرك رئيس حكومتها توضيح الصورة إذ لا يمكن أن تكون بلاده مسؤولة عن تجويع أهل كردستان بمختلف مكوناته. ولن تكون في وارد خسارة علاقتها مع بارزاني الذي ساعدها كثيراً في مواجهة حزب العمال، ووفر لها منصة للإنخراط السياسي والعسكري والاقتصادي خصوصاً في كل شؤون العراق. فهل تغامر بخسارة حليف تاريخي، أم تجد سبيلاً إلى تقديم نفسها وسيطاً بين الحكومة المركزية وحكومة الإقليم؟ وإذا لم تعد مؤهلة لهذا الدور هل يترجم الرئيس ايمانويل ماكرون مناشدته بارزاني والعبادي الحوار واستعداده للمساعدة من خلال وساطة تقودها فرنسا صديقة الكرد وبغداد؟ وهل تتأخر واشنطن طويلاً قبل أن تخسر حليفها التاريخي في أربيل، وكل ما بنت مع رئيس الوزراء العراقي حتى الآن؟ إن تجميد نتائج الاستفتاء سنتين فترة كافية لإعادة إطلاق برنامج إصلاح نظام الحكم في العراق والخروج من صيغة المحاصصة وبناء دولة مدنية نادى بها الجميع بمن فيهم المرجعية... هذا إن لم تكن يد الميليشيات باتت هي الغالبة! فهل تكون صيغة الكونفيديرالية، لا التهويل بالمناورات وقرع طبول الحرب والحصار، حلاً وسطاً يحفظ ماء وجه جميع المتضررين من أزمة كردستان؟

*نقلا عن صحيفة الحياة