أخبار المركز
  • اهتمام إعلامي بإصدارات وأنشطة مركز "المستقبل" في معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2023
  • د. رامز إبراهيم يكتب عن (فاعلية محدودة: هل تُنهي "العقوبات الانتقائية" لواشنطن الصراع السوداني؟)
  • مركز "المستقبل" يصدر كتاباً بعنوان "المنظور الجيوثقافي.. توظيف القوى الكبرى للثقافة في العلاقات الدولية"
  • "قوى التغيير: مستقبل الشرق الأوسط بين محركات الداخل وتفاعلات الخارج".. في كتاب جديد صادر عن مركز "المستقبل"
  • صدور كتاب جديد بعنوان "الإندو-باسيفيك.. التنافس الدولي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ"

حرب المناطيد:

مستقبل صراعات واشنطن وبكين في "الفضاء القريب"

10 مارس، 2023


ارتفع التوتر بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، خلال شهر فبراير 2023، إلى مستوى جديد على صعيد تبادل الاتهامات بالتجسس. وكانت المناطيد الصينية محور الخلاف، في مشهد بدا وكأنه ارتداد عن التطورات الحديثة في مجال تكنولوجيا الأقمار الاصطناعية، وهو أمر حمل دلالة واضحة حول عدم اليقين الذي تحمله تقديرات كل طرف تجاه الآخر.

فالبداية كانت مع إسقاط الجيش الأمريكي لمنطاد صيني، في 4 فبراير الماضي، قرب سواحل ولاية ساوث كارولينا، بعدما حلّق عدة أيام فوق الأراضي الأمريكية. وتبع ذلك الحادث رصد ثلاثة أجسام أخرى فوق الأجواء الأمريكية والكندية، تم إسقاطها تباعاً في أيام 10 و11 و12 فبراير 2023. وأشارت التقييمات الأمريكية الرسمية، بناءً على تحليل أجزاء من حطام المنطاد الصيني، إلى أن المنطاد مُصمَّم للتجسس، وكان من المفترض في الأصل أن يقوم بمراقبة القواعد العسكرية الأمريكية في غوام وهاواي، لكن الرياح أبعدته عن مساره إلى ألاسكا وكندا ثم إلى البر الرئيسي للولايات المتحدة. أمّا الأجسام الثلاثة الأخرى، فقد أوضح جون كيربي، منسق الاتصالات الاستراتيجية في البيت الأبيض، أنه لا يوجد ما يشير إلى أنها جزء من برنامج تجسس صيني.

وتسبّب هذا الحادث في تصعيد التوتر بين واشنطن وبكين، لدرجة إلغاء وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، رحلته التي كانت مُقررة إلى بكين. في المقابل، نفت الصين الاتهامات الأمريكية بالتجسس، وقلّلت من أهمية حادث المنطاد، حيث أشار المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، وانغ وينبين، إلى أن "الدخول غير القانوني للمناطيد الأمريكية إلى المجال الجوي لدول أخرى هو ممارسة شائعة، ومنذ بداية العام الماضي 2022، دخلت المناطيد الأمريكية بشكل غير قانوني المجال الجوي الصيني أكثر من 10 مرات دون إذن من الإدارات الصينية ذات الصلة".

ويطرح هذا السجال، خاصة في ضوء التقديرات الأمريكية الأخيرة، تساؤلات حول جدية التهديدات التي تطرحها المناطيد الصينية، ومدى واقعية الرؤية الأمريكية لهذه التهديدات، وتداعياتها على مستقبل العلاقات بين القوتين.

النشاط الصيني في الفضاء:

أعاد حادث المنطاد الصيني تسليط الضوء مُجدداً على النشاط العسكري لبكين في "الفضاء القريب"، وما يستتبعه ذلك من استخدام المناطيد العسكرية. ويقع "الفضاء القريب" بالقرب من ممرات الطيران وأسفل الأقمار الاصطناعية، وبالقرب من الفضاء الخارجي؛ فهو منطقة بينية يمكن لرحلات الفضاء أن تمر من خلالها، وهو ساحة حركة للصواريخ البالستية والأسلحة فرط الصوتية.

وجاء في مقال نُشر في صحيفة "PLA" اليومية، وهي الجريدة الرسمية لجيش التحرير الشعبي الصيني، في عام 2018، أن "الفضاء القريب أصبح ساحة معركة جديدة في الحرب الحديثة، وجزءاً مهماً من نظام الأمن القومي". وتابع المقال أن "مركبات الطيران في الفضاء القريب ستؤدي دوراً حيوياً في العمليات القتالية المشتركة المستقبلية التي تدمج الفضاء الخارجي والغلاف الجوي للأرض".

ويُذكر أنه في عام 2014، حث الرئيس الصيني، شي جين بينغ، القوات الجوية لجيش التحرير الشعبي على تسريع التكامل الجوي والفضائي وشحذ قدراتها الهجومية والدفاعية. وحدد الخبراء العسكريون "الفضاء القريب" كحلقة وصل حاسمة في هذا التكامل. ونشر الباحثون الصينيون، العسكريون والمدنيون، أخيراً، أكثر من 1000 بحث وتقرير عن "الفضاء القريب"، مع التركيز على تطوير مركبات الرحلات الفضائية القريبة. كذلك أنشأت الصين مركزاً بحثياً لتصميم وتطوير مناطيد عالية الارتفاع، في إطار الأكاديمية الصينية للعلوم، وهي مؤسسة فكرية حكومية رفيعة المستوى.

ويعود اهتمام بكين بتطوير المناطيد عالية الارتفاع إلى أواخر السبعينيات، إلا أن تطور الأقمار الاصطناعية جعل المناطيد تكنولوجيا عتيقة بالنسبة لمعظم التطبيقات العسكرية والاستخباراتية؛ فالأقمار الاصطناعية تعمل على ارتفاع كبير للغاية، بحيث تكون – على الأرجح - مُحصَّنة ضد معظم الإجراءات المضادة، كما أنها تستطيع جمع كم هائل من المعلومات الاستخباراتية، من خلال اختراق أنظمة الاتصالات وغيرها من التقنيات. وعلى مدار العقد الماضي، كان هناك تركيز صيني متجدد على استخدام التكنولوجيا القديمة (المناطيد)، ولكن هذه المرة من خلال تزويدها بأجهزة حديثة.

فقد كتب شي هونغ، المحرر التنفيذي لمجلة "Shipborne Weapons" الصينية العسكرية، أنه "على عكس الأقمار الاصطناعية الدوّارة أو الطائرات المتنقلة، فإن الطائرات الستراتوسفيرية والمناطيد عالية الارتفاع يمكن أن تحوم فوق موقع ثابت لفترة طويلة من الزمن، ولا يمكن اكتشافها بسهولة بواسطة الرادار". وفي فيديو صدر عام 2021، عن وكالة الأنباء الصينية الرسمية "شينخوا"، يشرح خبير عسكري كيف يمكن للمركبات الأخف وزناً في الفضاء القريب، مراقبة والتقاط صور ومقاطع فيديو عالية الدقة بتكلفة أقل بكثير مقارنة بالأقمار الاصطناعية.

كما تقدم المناطيد العسكرية بعض المزايا، حيث يمكنها البقاء فوق الهدف لساعات، في حين أن القمر الاصطناعي الذي يدور حول الأرض قد يكون لديه دقائق فقط لالتقاط صورة لهدفه. ويُعتقد أن المناطيد الصينية يمكن توجيهها عن بُعد، بسرعة تتراوح بين 30 و60 ميلاً في الساعة، كما أن مساراتها أقل قابلية للتنبؤ وبالتالي يصعب تعقبها، فضلاً عن أن إنتاج المناطيد وإطلاقها أرخص بكثير من إنتاج الأقمار الاصطناعية الفضائية.

وتقول الولايات المتحدة إن برنامج مناطيد التجسس للجيش الصيني أرسل مناطيد إلى أكثر من 40 دولة في خمس قارات مختلفة. وبدأ المسؤولون الأمريكيون التعرف إلى هذا البرنامج بعد عام 2020، خلال مراجعة أوسع لظواهر جوية مجهولة الهوية، ومن المُرجح أن فترة الرئيس السابق دونالد ترامب شهدت دخول ثلاثة مناطيد صينية إلى المجال الجوي الأمريكي (هاواي وفلوريدا وتكساس)، لكن تم تحديدها أخيراً فقط على أنها مناطيد تجسس. كما تؤكد التقارير الأمريكية أن المناطيد الصينية تتمركز في جزيرة هاينان، التي تقع قبالة الساحل الجنوبي للصين، وكانت موقعاً للقيادة والسيطرة لجيش التحرير الصيني، وقاعدة رئيسية للطائرة المقاتلة الصينية "J-8" الاعتراضية التي اصطدمت بطائرة تجسس أمريكية من طراز "EP-3" في عام 2001.