أخبار المركز
  • مركز المستقبل يطلق برنامج جديد لدراسات الذكاء الاصطناعي
  • أحمد عليبه يكتب: (فرص وقيود: هل يمكن العودة إلى ضبط التسلح النووي بين القوى الكبرى؟)
  • آية يحيى تكتب: (منصات هجينة: فرص ومخاطر دمج مؤثري التواصل الاجتماعي في الإعلام التقليدي)
  • د. إيهاب خليفة يكتب: (الإبداع أم الكفاءة.. هل تفقد الكتابة جوهرها في عصر الذكاء الاصطناعي؟)
  • د. أيمن سمير يكتب: (تحول تاريخي: المبادئ العشرة لـ"الترامبية الجديدة" في السياسة العالمية)

استشراف التهديدات:

تأثير الاتجاهات العالمية في أستراليا خلال العقدين القادمين

10 فبراير، 2025


عرض: هند سمير

يُعد استشراف المستقبل من الضرورات الملحة في عصرنا الحالي، في ظل التغيرات العالمية المتسارعة التي تطرح تحديات وتهديدات متشابكة تستدعي الحاجة إلى تطوير استراتيجيات مرنة وقابلة للتكيف معها من أجل تحقيق الأهداف المستقبلية. وفي هذا السياق طرحت مؤسسة راند خلال العام 2024 دراسة حول التأثيرات المستقبلية للاتجاهات العالمية الكبرى خلال العشرين سنة المقبلة في أستراليا في الداخل وفي منطقة المحيطين الهندي والهادئ. 

تطرقت الدراسة إلى مفهوم "اختلال التوازن" الذي يتجلى من خلال التحديات الناشئة في مجالات مثل: الاقتصاد والبيئة والتكنولوجيا والمجتمع، حيث يتم استخدام هذا المصطلح لوصف التحولات غير المتوقعة في هذه المجالات. وتشير الدراسة إلى أن التطورات الاقتصادية والمعلومات المضللة والأحداث المناخية المتطرفة تُسهِم في استقطاب المجتمع والهجرة القسرية؛ مما يؤدي إلى تآكل حقوق الإنسان. وتستعرض الدراسة ثلاثة أنواع رئيسية من التهديدات العالمية التي قد تترابط معاً لتشكل عواقب ربما تكون كارثية، هي: عدم التماثل، الخطر البشري، وعدم الثقة، كما تحدد أثر تلك التهديدات على مستقبل أستراليا.

عدم التماثل:

هناك مجموعة من العوامل التي تشكل تهديدات عالمية داخل ما أسمته الدراسة بـ"عدم التماثل"، والتي تتلخص في الآتي:

- التباين السكاني: من المتوقع أن يصل عدد سكان العالم إلى 9.7 مليار نسمة بحلول 2050، مع زيادة كبيرة تتركز في إفريقيا وآسيا، وجدير بالذكر أن التوقعات الخاصة بإفريقيا معقدة لأنها تعتمد على افتراضات قد لا تكون صحيحة؛ إذ تربط بين إحداث تحسينات جوهرية في التعليم الثانوي وضبط معدلات النمو السكاني، حيث ترى تلك الافتراضات أنه في ظل تراجع تلك التحسينات من المرجح أن يظل النمو السكاني مرتفعاً، مما يؤدي إلى تحولات ديمغرافية كبيرة. 

ويشكل تدفق المهاجرين ضغطاً على أوروبا، في المقابل تواجه الدول ذات السكان المسنين مثل: دول أوروبا وشرق آسيا تحديات أخرى مثل: تقلص القوى العاملة وتزايد أعباء الرعاية الصحية. وبالنسبة لأستراليا، التي تعتمد على الهجرة لتعويض تراجع السكان؛ فقد تجد صعوبة في جذب عمالة ماهرة بسبب المنافسة العالمية، إضافة إلى احتمالية تعرضها لخطر هجرة العقول مع سعي الشباب الأستراليين إلى فرص أفضل في الخارج.

- المنافسة الاستراتيجية: يشهد العالم صراعاً متزايداً بين القوى الكبرى والمتوسطة، فأوروبا الشرقية والشرق الأوسط يعانيان من صراعات مدفوعة بالتكنولوجيا والمعلومات، والسيناريو الأكثر خطورة في هذا بالنسبة لأستراليا يتمثل في التنافس بين الولايات المتحدة والصين. فمن المتوقع أن تستمر الصين في تعزيز قدراتها العسكرية، لكن مع عدم قدرتها على بدء أي حرب مباشرة لأسباب سياسية. ورغم ذلك، هناك تكهنات بأن الصراع مع تايوان قد يصبح وشيكاً، أما اليابان فتحاول تعزيز قدراتها الدفاعية رغم الالتزام بسياسة الدفاع عن النفس، ولكن تعتمد أستراليا بشكل متزايد على تحالفها مع الولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وفي المقابل تتعاون الصين وروسيا لمواجهة الهيمنة الأمريكية، وتؤدي مجموعة "البريكس+" دوراً في إعادة التوازن العالمي.

- الدبلوماسية في عالم متعدد الأقطاب: مع تطور التكنولوجيا وزيادة الشفافية وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي، يواجه الدبلوماسيون تحديات غير مسبوقة، تتداخل مع جهودهم الدبلوماسية التقليدية؛ مما يؤدي إلى تغييرات في كيفية إدارة الأزمات والعلاقات الدولية؛ إذ أصبح هناك عدد كبير من المصادر والنقاشات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث لم يعد الدبلوماسي هو المصدر الوحيد للمعلومات. وبالنسبة لأستراليا فهي تواجه تحدياً في إدارة مواقفها تجاه الصين دبلوماسياً، حيث تسعى للحفاظ على علاقات تجارية واقتصادية، بينما تتصدى للمواقف الصينية العدائية تجاه حلفائها الإقليميين؛ مما يؤدي إلى تصدير رسائل متناقضة.

- التحديات المستقبلية والمرونة الدفاعية: تضع أستراليا في اعتبارها التغيرات المتوقعة في التحالفات العالمية والمناطق ذات النفوذ الاستراتيجي حتى عام 2045، ويتوقع أن يتغير موقع الصراعات المستقبلية وربما يشمل مناطق جديدة خارج منطقة المحيطين الهندي والهادئ؛ مما يتطلب من أستراليا استراتيجيات دفاعية مرنة تتماشى مع متطلبات نظام عالمي متعدد الأقطاب. تُلقي هذه المواضيع بظلالها على ضرورة تعزيز قدرات أستراليا الأمنية والدفاعية، إلى جانب الاستثمار في استراتيجيات غير تقليدية في التعامل مع التهديدات المتزايدة في المحيطين الهندي والهادئ، مع دعم التحالفات الإقليمية لتخفيف المخاطر الناشئة.

الخطر البشري:

هناك مجموعة من العوامل التي تشكل تهديداً عالمياً تحت بند "الخطر البشري" الذي حددته الدراسة، والتي تتمثل في الآتي:

- التقنيات الرائدة والخطر البشري: يشير الخطر البشري، في سياق التقنيات الحديثة، إلى التهديدات والآثار السلبية المحتملة التي قد تنتج عن تطبيقات أو سوء استخدام التقنيات الرائدة والناشئة. مع تسارع التطور التكنولوجي؛ خاصة في مجالات مثل: الذكاء الاصطناعي والتقنيات البيولوجية والهندسة الجيولوجية، وتزداد المخاوف من أن يكون لهذه التقنيات تأثيرات خطرة في المجتمعات والبيئة، وتستعرض الدراسة التحولات الرئيسية التي شهدتها التقنيات الرقمية، والتي أدت إلى تكوين ما يُعرف بالتقنيات الرائدة، التي تستفيد بشكل كبير من الرقمنة وتعتمد على البيانات. 

وتشمل التقنيات الرائدة التقنيات الرقمية )كالميتافيرس، وإنترنت الأشياء، والذكاء الاصطناعي، والبلوك تشين، والحوسبة الكمومية(، والتقنيات الفيزيائية (كالسيارات ذاتية القيادة، والطباعة ثلاثية الأبعاد، وتكنولوجيا النانو، والروبوتات، والطائرات من دون طيار، والمركبات الكهربائية، وطاقة الرياح والخلايا الشمسية، والتقنيات البيولوجية (كالطباعة الحيوية للأعضاء، والهندسة الوراثية، وتعزيز القدرات البشرية).

تسعى هذه التقنيات إلى معالجة القضايا العالمية مثل التغير المناخي، وتظهر الحاجة الماسة إلى تنظيم استخدامها لضمان تحقيق الاستفادة المثلى منها، وتقليل تأثيراتها السلبية. ولعل أحد الجوانب المهمة هنا هو إمكانية الوصول إلى هذه التقنيات؛ مما يجعلها ديمقراطية ويسمح للأفراد والشركات الصغيرة بالاستفادة منها.

وبالرغم من هذه الفوائد؛ فإن هناك تحديات تتمثل في احتمالية استخدامها من قبل جهات غير مسؤولة أو ضارة، فضلاً عن التبعية المتزايدة للبيانات في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث يعتمد نجاح الذكاء الاصطناعي على جودة البيانات وحداثتها؛ مما يجعل هذه التقنية عرضة للتحيزات والتأثيرات السلبية الموجودة في البيانات المستخدمة، كما قد يفاقم عدم المساواة والتمييز العنصري. وإلى جانب المخاوف حول الذكاء الاصطناعي، تُعد التهديدات السيبرانية أيضاً جزءاً من الخطر البشري، حيث يمكن استخدام الأدوات الرقمية والهجمات السيبرانية لإلحاق الضرر بالبنى التحتية الحيوية مثل: الشبكات الكهربائية والنظم المالية. ويمكن للذكاء الاصطناعي تسهيل الهجمات السيبرانية من خلال توفير طرق أكثر تقدماً لتحليل الثغرات واستغلالها؛ مما يزيد من احتمالية نشوب صراعات سيبرانية واسعة النطاق.

- الهندسة الجيولوجية وتغير المناخ: تعاني أستراليا بالفعل من آثار الاحتباس الحراري، حيث أفادت الحكومة بزيادة في عدد وشدة الأحداث الجوية المتطرفة مثل: الحرائق والفيضانات، التي ترتبط بشكل رئيسي بالاحتباس الحراري الناجم عن الأنشطة البشرية، وينظر للقضايا المتعلقة بتغير المناخ كتهديدات أمنية حقيقية، تتطلب استجابة تكاملية من كل من الجهات العسكرية والمدنية. 

وتشير الدراسة إلى أن تغير المناخ يزيد من احتمالات الصراع داخل الدول التي تعاني من تفاوتات اقتصادية، وقد يؤدي إلى "حروب المناخ" في المستقبل نتيجة للتنافس حول الحلول البيئية مثل الهندسة الجيولوجية. وعلى الرغم من أن احتمال نشوب صراع في أستراليا نفسها لا يزال منخفضاً؛ فإنه يتوقع أن يؤدي تغير المناخ إلى تقويض الأمن الوطني لأستراليا قبل عام 2050، من خلال تعطيل البنية التحتية الحيوية وزيادة عدم الاستقرار السياسي في المناطق المجاورة؛ خاصةً في جزر المحيط الهادئ؛ ومن ثم فإن قوات الدفاع الأسترالية بحاجة إلى أن تركز على مثل هذه السيناريوهات المناخية التي قد تؤدي إلى كوارث إنسانية أو تصاعد النزاعات.

- الاعتبارات المتعلقة بالدفاع: إن قدرة أستراليا على مواجهة الكوارث الطبيعية، والتكيف مع التهديدات المتغيرة مثل: الهجمات الهجينة أو فشل البنية التحتية الحيوية، تنعكس من خلال قدرتها الوطنية على الصمود. وهذا يتطلب الجمع بين الاستعداد المدني والقدرة العسكرية. وتحتاج أستراليا إلى تعزيز قدراتها الدفاعية والمدنية للتعامل مع الكوارث الطبيعية أو الهجمات على البنية التحتية الحيوية. هذه القدرة تشمل التعاون بين الدفاع المدني والقوات المسلحة الأسترالية. 

- التكيف الاقتصادي: تواجه أستراليا تحديات اقتصادية تحتاج إلى معالجتها لتغطية التكاليف المرتبطة بالتغيرات المناخية والتنمية المستدامة؛ ونظراً لاعتماد أستراليا الكبير على الصين كشريك اقتصادي رئيسي؛ فإن أي تدهور في الاقتصاد الصيني قد يؤثر سلباً في أستراليا، كما أنه من المتوقع أن تصبح الهند قوة اقتصادية رائدة في المستقبل القريب، ويجب أن تستعد أستراليا لهذه التغيرات بحسب الدراسة.

انعدام الثقة:

تتناول الدراسة أيضاً المخاطر والتحديات التي تواجه مستقبل أستراليا في ضوء الانتشار المتزايد للتكنولوجيا والتطورات الجيوسياسية، وتركز على عدة نقاط رئيسية تتعلق بالأمن السيبراني، وانتشار المعلومات المضللة، والتغيرات في نماذج الحكم العالمية، وتأثير هذه العوامل في الديمقراطية الأسترالية.

- الأمن السيبراني والجهات الفاعلة السيئة: هناك قلق متزايد من تأثير الجهات الفاعلة الخبيثة، سواء أكانت دولة أم جهة غير حكومية، في الأمن السيبراني، حيث يعتمد الناس بشكل كبير على الإنترنت والتكنولوجيا الذكية؛ ما يعرضهم لخطر سرقة المعلومات الشخصية والأموال؛ وهو ما يمكن أن يؤدي بدوره إلى تزايد الهجمات السيبرانية المعقدة، مثل: التصيد الاحتيالي والبرمجيات الخبيثة، مع احتمال تصاعد التهديدات الموجهة للبنية التحتية الحيوية، وخاصة تلك التي تدعمها دول مثل: الصين وروسيا. كما أن تطور أدوات الذكاء الاصطناعي سيساعد أيضاً في تحسين قدرات الجهات الخبيثة على التلاعب النفسي والجماعي؛ مما يزيد التحديات الأمنية في المستقبل.

- المعلومات المضللة وتأثيراتها في المجتمع: إن الانتشار الواسع للمعلومات الكاذبة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والتي يمكن أن تسبب استقطاباً اجتماعياً وتوترات داخلية، قد تؤدي إلى إضعاف قدرة الدولة على الاستجابة للأزمات. ومن ثمّ يُعد الانتشار السريع للمعلومات المضللة تهديداً للأمن القومي، ويجعل من الصعب التفريق بين المعلومات الحقيقية والمضللة؛ مما يُضعف ثقة الناس في مؤسساتهم.

- التغيرات في نماذج الحكم العالمية: تشير الدراسة إلى أن الليبرالية في تناقص عالمي، مع تزايد الاتجاه نحو الأنظمة الاستبدادية. وتشكك دول مثل الصين في نموذج الديمقراطية الليبرالية التقليدي، وتقترح نماذج بديلة، وتحدد مبادرة "الحضارة العالمية" الصينية منظوراً جديداً يعتبر أنظمة الحكم امتداداً للهوية الثقافية؛ مما يتحدى النظام الدولي القائم على القواعد العالمية. ومع تقلص عدد الديمقراطيات الليبرالية، قد تضطر أستراليا إلى تبني مقاربة أكثر مرونة في تعاملها مع الدول الأخرى.

- التحديات أمام الديمقراطية الأسترالية: تُظهر المؤشرات أن الديمقراطية في أستراليا، رغم قوتها الحالية، ليست بمنأى عن هذه التحديات. وتبرز الدراسة مسألة "معركة الحقيقة" كأحد التحديات الرئيسية، مع تزايد التهديدات التي قد تزعزع الثقة في المؤسسات الديمقراطية. كما يُعد القلق الاقتصادي، والاختلال المؤسسي، والانقسام الطبقي، من بين العوامل المؤثرة في الثقة بالمؤسسات، وهي عوامل قد تؤثر في قدرة الديمقراطية الأسترالية على الصمود.

بشكل عام، وبعد مناقشة التحديات المتعددة التي تواجه أستراليا خلال العقدين القادمين، تدعو الدراسة إلى مراجعة شاملة لاستراتيجيات الأمن السيبراني والدفاع، بالإضافة إلى تعزيز قدرات التفكير النقدي لمواجهة التحديات المستقبلية وضمان استمرارية القيم الديمقراطية.

المصدر:

Joanne Nicholson & Peter Dortmans, "A Foresight Study Examining the Implications of Global Trends over the Next 20 Years", RAND Corporation, Australia, 2024.