أدى الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو اليمين الدستورية يوم 10 يناير 2025، لولاية ثالثة مدتها ست سنوات، فيما وصفت المعارضة تنصيبه بأنه "انقلاب" فضلاً عن اتهامه بتزوير الانتخابات الرئاسية التي جرت يوم 28 يوليو 2024. وكانت الحكومة قد دعت إلى مسيرة لدعم مادورو في العاصمة، فيما نظمت المعارضة احتجاجاً ظهرت فيه زعيمتها ماريا كورينا ماتشادو، لأول مرة في العلن منذ أغسطس 2024.
تحديات داخلية:
ثمّة عدد من التحديات الداخلية التي يمكن أن يواجهها مادورو خلال الفترة المقبلة، وهو ما يمكن استعراضه على النحو التالي:
1. تصاعد الاضطرابات الاجتماعية: تُدلل المؤشرات على احتمالات كبيرة لاستمرار وتزايد الاضطرابات الاجتماعية والسياسية نتيجة استمرار الاحتجاجات والمظاهرات بقيادة المعارضة رفضاً لنتائج الانتخابات؛ وهو ما سيسهم في انتشار الشعور بانعدام الأمن. ناهيك عن احتمالية ارتفاع عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي في فنزويلا، والذي زاد بالفعل من 2 مليون في يناير 2024 إلى 3.5 مليون في يوليو 2024، حيث أدّت استجابة الحكومة غير الفعالة لهذه التحديات والفشل في توفير الخدمات الاجتماعية الأساسية إلى تفاقم الأزمة.
كذلك، أجبرت أزمة الغاز في فنزويلا، المواطنين على العودة لاستخدام طرق قديمة لطهي الطعام كالفحم والحطب والنفايات البلاستيكية؛ وهو ما يشكل تهديداً واضحاً للمنازل، والصحة العامة في جميع أنحاء البلاد، فلا يزال إنتاج غاز البروبان وهو الوقود الرئيسي لطهي الطعام في فنزويلا غير متوفر بشكل كافٍ.
2. ارتفاع معدلات الجريمة المنظمة: يشير البعض إلى أن فنزويلا قد تشهد أنشطة تهريب متزايدة حيث ستسعى جماعات تجارة المخدرات إلى تعويض الصعوبات الاقتصادية من خلال الإيرادات غير المشروعة، ومن المتوقع أن يتوسع التعدين غير القانوني، وهو نشاط سري آخر غير مشروع ومربح للغاية؛ وهو ما سيُشكل تهديداً كبيراً لاستقرار نظام مادورو. فالتركيز المتزايد للثروة غير المشروعة يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الصراعات الداخلية بفنزويلا بسبب توجيه هذه الإيرادات غير المشروعة لتمويل شراء الأسلحة، وتجنيد الأفراد، ودعم الانقلابات أو الانتفاضات؛ مما يزيد من مخاطر انهيار الحكومة.
3. تدهور الأوضاع الاقتصادية: شهدت فترتا ولاية مادورو الأولى والثانية انهياراً اقتصادياً؛ بسبب تقلص الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 70% وفرار 7.7 مليون فنزويلي بحثاً عن عمل. كذلك أثر الحصار الاقتصادي بالسلب في اقتصاد فنزويلا؛ لأنه يُكبد قطاع النفط الكثير من الخسائر، ويُعرقل خطط الحكومة في توجيه العوائد الريعية نحو تنمية المجتمعات المحلية، ويمنع البلد من التعاقد مع الكثير من الشركات في أنحاء العالم؛ مما يؤدي إلى صعوبات في استيراد التكنولوجيات والسلع الضرورية وفي جذب الاستثمارات الضرورية لقطاعيّ النفط والصناعة، ناهيك عن أنه أسهم في زيادة التضخم خلال العقد الماضي وألقى بأكثر من نصف سكان البلد إلى تحت خط الفقر.
لهذا السبب، يخشى مادورو العقوبات أكثر من أي إجراء آخر؛ لدرجة أن نظامه أصدر قانوناً في العام الماضي ينص على عقوبات بالسجن لمدة 25 عاماً، ومصادرة جميع الممتلكات وحظر سياسي مدى الحياة على أي فنزويلي يدافع عن هذه العقوبات.
4. تهديد تماسك الأجهزة الأمنية: ثمّة مؤشرات عديدة على أن مادورو ينفق موارد ثمينة لقمع المنشقين داخل النظام وأولئك الذين يُعدون غير موالين له بشكل كافٍ. ففي أغسطس 2024، عندما دعت زعيمة المعارضة ماتشادو للاحتجاجات في مختلف أنحاء البلاد، تم فصل خمسة جنرالات من الجيش بحجة عدم الولاء، وعدم رغبتهم في القمع، كما وردت تقارير عن تعرض عدة قضاة لأعمال انتقامية لرفضهم تنفيذ تُهم ملفقة ضد المتظاهرين؛ وهو ما يثير المخاوف حول تفكك تماسك قوات الأمن التابعة للنظام؛ وهو ما سيشكل تهديداً كبيراً لمستقبل مادورو.
تحديات خارجية:
من المُتوقع أن يواجه نظام مادورو عدداً من الضغوط الخارجية سواء على مستوى دول الجوار اللاتيني أم على مستوى المجتمع الدولي ككل، وذلك على النحو التالي:
1. فقدان دعم الحلفاء التقليديين: يواجه مادورو خطورة تحول موقف حلفائه اليساريين "البرازيل وكولومبيا والمكسيك"؛ وهو ما يعنى فقدان الدعم الاقتصادي والتجاري والدبلوماسي من تلك الدول. ففي البداية سعت تلك الدول الثلاث إلى الاضطلاع بدور الوسيط في الأزمة، فلم تعترف بانتصار مادورو ولم تذكر بوضوح أن الانتخابات كانت مزورة.
هذا إلى جانب إصدار تلك الدول سلسلة من البيانات المشتركة تدعو إلى تقديم تقارير أكثر اكتمالاً عن النتائج. وفي 15 أغسطس 2024؛ دعت البرازيل وكولومبيا إلى إعادة الانتخابات وهي فكرة رفضها كل من مادورو والمعارضة. يعزز هذا الرأي أيضاً، تصريحات الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، وهو حليف تاريخي لمادورو في المنطقة، حينما أشار إلى أن "فنزويلا تعيش في ظل نظام مزعج للغاية ذو نزعة استبدادية".
2. تصاعد مخاطر العزلة الدولية: من المتوقع أن يتعرض نظام مادورو للمزيد من العزلة الدولية خلال الفترة المقبلة، ففي ديسمبر 2024؛ قرر الاتحاد الأوروبي توسيع العقوبات التي فرضها على النظام الفنزويلي هذا إلى جانب اعتراف إيطاليا رسمياً برئاسة إدموندو غونزاليس، مرشح المعارضة المنافس لمادورو.
كذلك، تصاعدت الأزمات بين فنزويلا وإسبانيا بعد قرار الكونغرس الإسباني، بالاعتراف بمرشح المعارضة إدموندو غونزاليس كرئيس مُنتخب لفنزويلا، ووصوله إلى إسبانيا في 8 سبتمبر 2024 لطلب اللجوء بعد شهر قضاه مختبئاً في بلاده حيث تطلبه العدالة، ورداً على ذلك، استدعت فنزويلا سفيرها في مدريد للتشاور، واستدعت السفير الإسباني في كاراكاس للاحتجاج على الأسئلة المتعلقة بإعادة انتخاب مادورو.
ومع بداية العام 2025، قطعت حكومة فنزويلا علاقاتها الدبلوماسية مع باراغواي بعد رفضها بشكل قاطع تصريحات الدعم التي قدمها رئيس باراغواي، سانتياغو بينيا، لزعيم المعارضة إدموندو غونزاليس أوروتيا، والتي وصفها مادورو بأنها جهل بالقانون.
أخيراً، أشارت بعض التقديرات إلى أن العوامل الجيوسياسية قد تعمل أيضاً بشكل متزايد ضد نظام مادورو، حيث أصبح الرعاة الخارجيون لفنزويلا، وخاصة الصين، يشعرون بالإحباط المتزايد إزاء الأداء الاقتصادي الهزيل للبلاد وعدم سداد أقساط الديون غير المنتظمة. ومن غير المرجح أن ينحسر هذا الإحباط في أي وقت قريب؛ نظراً لافتقار فنزويلا إلى التنويع الاقتصادي، وضعف الإنتاجية. إضافة إلى ذلك، تعمل الحرب في أوكرانيا والمواجهة المفتوحة مع إسرائيل على تحويل انتباه روسيا وإيران بعيداً عن أمريكا اللاتينية؛ مما قد يضعف دعمهما لمادورو.
3. عودة ترامب لرئاسة الولايات المتحدة: بينما يستعد الرئيس الأمريكي المُنتخب دونالد ترامب لتولي مهامه الرئاسية بشكل رسمي في 20 يناير 2025، يبرز سؤال بالغ الأهمية: ما هو التأثير الذي قد تخلفه الإدارة الأمريكية الجديدة على العلاقات مع فنزويلا؟ وهنا يمكن اختصار أغلب الآراء في سيناريوهين كما يلي:
أ. السيناريو الأول: التعايش العملي: وفيه تبتعد الولايات المتحدة عن العقوبات والضغوط لإعادة تأسيس العلاقات الدبلوماسية مع فنزويلا؛ ومن ثمّ سيسعى ترامب إلى التفاوض مباشرة مع مادورو، ويمكن أن تهدف هذه المناقشات إلى الحد من الهجرة من فنزويلا من خلال تقديم تنازلات في مفاوضات قطاع النفط.
ومن الممكن أن يؤدي تجديد الحوار إلى تخفيف العقوبات وتنشيط قطاع النفط في فنزويلا، ومن شأن هذا الانتعاش أن يُقلل من اعتماد الحكومة على مبيعات النفط في السوق السوداء ويجذب الاستثمار الأجنبي؛ الأمر الذي من شأنه أن يحسن البنية التحتية النفطية ويعزز إيرادات الدولة.
ويُعزّز هذا الرأي عدد من المؤشرات منها تهنئة مادورو لترامب بفوزه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية ووصف الولاية الثانية للحزب الجمهوري بأنها "بداية جديدة"، تزامناً مع أوامره بإطلاق سراح مئات المتظاهرين المحتجزين، ومراجعة قضايا العشرات الآخرين، وهو ما اعتبره البعض علامة على أنه قد يكون على استعداد لتقديم تنازلات لترامب، ورغبته بأن يترك الباب مفتوحاً أمام نهج أكثر واقعية من جانب إدارة ترامب.
على الجانب الآخر، عزى البعض احتمالية ميول ترامب لسيناريو التعايش بفشل استراتيجية "الضغط الأقصى" التي اتبعها خلال فترة ولايته الأولى في إزاحة مادورو بل والمساهمة في ارتفاع عدد الفنزويليين الذين يدخلون الولايات المتحدة إلى نحو 700 ألف شخص؛ ومن ثم من المرجح أن تتأثر سياسات ترامب تجاه مادورو باهتمامه بالحد من الهجرة؛ مما ينتج عنه تعزيز الحوار بين البلدين.
أضف إلى ذلك، الضغوط التي يواجهها ترامب من جماعات الضغط في مجال الطاقة لاستئناف العلاقات الدبلوماسية مع فنزويلا. فبحسب صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، دعا مسؤولون تنفيذيون في شركات النفط الأمريكية ومُستثمرون في السندات، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلى التخلي عن "سياسة الضغط الأقصى"، مطالبين بالتوصل إلى اتفاق على زيادة إمدادات النفط مقابل تقليل تدفق المهاجرين، كما يحاول بعض رجال الأعمال، مثل هاري سارجنت الثالث، الملياردير والمانح البارز للحزب الجمهوري، إقناع إدارة ترامب بالفوائد المحتملة للتفاوض مع مادورو بدلاً من محاولة الإطاحة به.
ب. السيناريو الثاني: الضغط المتزايد: أشارت بعض التحليلات إلى أن العلاقة بين واشنطن وكاراكاس ستشهد تدهوراً ملحوظاً خلال فترة ولاية ترامب الثانية؛ إذا اتبع ترامب استراتيجية "الضغط المتزايد" من خلال تشديد العقوبات الدولية، مع اتخاذ تدابير جديدة تستهدف كبار المسؤولين والقطاعات الحيوية في اقتصاد فنزويلا وخاصة صناعة النفط.
وهنا من المرجح أن تقود هذه الاستراتيجية شخصيات مثل السيناتور ماركو روبيو، وهو منتقد بارز للحكومة الفنزويلية، والذي قد يتم تعيينه وزيراً للخارجية، ومايك والتز، مستشار الأمن القومي المحتمل والمؤيد لفرض عقوبات على نظام مادورو.
إضافة إلى ذلك، أشارت بعض الآراء إلى أن سيناريو التعايش وبدء علاقات جديدة بين مادورو وترامب غير قابل للتطبيق لعدة أسباب منها، معارضة الجناح الأكثر محافظة في الحزب الجمهوري، ناهيك عن ضغط القادة الكوبيين الأمريكيين المقربين من ترامب، والذين يتمتعون بنفوذ كبير، فضلاً عن أن مفاوضات التعايش تخاطر بدعم الناخبين اللاتينيين لترامب ودعم قادة مثل مايلي وبوكيلي وبولسونارو، الذين يقاتلون القوى اليسارية القوية في بلدانهم.
وفي التقدير، من المرجح أن يحاول مادورو إحكام السيطرة على الشارع، وإحباط خطط المعارضة، معتمداً في ذلك على الدعم المقدم من الجيش والأجهزة الأمنية، كذلك ستساعد العلاقات القوية مع الصين وروسيا وعدد من الحلفاء الآخرين على ضمان بقاء نظام مادورو، ولاسيما مع انشغال الولايات المتحدة والدول الغربية بالصراعات الحالية في أوكرانيا والشرق الأوسط. وفي ظل هذه الظروف؛ فإن فرص قيام غونزاليس بإحداث أي تأثير جدي في مُستقبل مادورو السياسي تظل غير مرجحة.