أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

تحذير أمريكي:

هل تدعم فاغنر الروسية المعارضة التشادية لإسقاط نظام ديبي؟

06 مارس، 2023


زعمت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، في خبر نشرته في 23 فبراير 2023، وجود مساعي مكثفة من قبل فاغنر الروسية لدعم المعارضة المسلحة في أنجمينا، للتخلص من نظام ديبي الابن، وذلك بناءً على معلومات استخباراتية نقلتها الاستخبارات الأمريكية إلى السلطات التشادية، وهي المعلومات التي أكدها مسؤولون أفارقة وأمريكيون وأوروبيون.

مؤامرة فاغنر المزعومة 

أرسلت الولايات المتحدة الأمريكية معلومات استخباراتية إلى السلطات التشادية، حذرت خلالها من وجود تحركات من شركة فاغنر الروسية تستهدف زعزعة الاستقرار في أنجمينا، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:

1- تنسيق فاغنر مع المعارضة التشادية: أشارت تقارير أمريكية إلى أن شركة فاغنر الروسية كثفت خلال الفترة الأخيرة من تنسيقها مع حركات المعارضة المسلحة التشادية، تمهيداً لتكرار الهجمات ضد القوات الحكومية، على غرار تلك الهجمات التي شنتها هذه الحركات عام 2021 وتمخض عنها مقتل الرئيس التشادي السابق، إدريس ديبي. 

وحذرت هذه التقارير من هجمات جديدة محتملة خلال الفترة المقبلة، ربما تستهدف تصفية رئيس المجلس العسكري الانتقالي، محمد كاكا، لوضع نهاية لنظام ديبي، الأب والابن، الذي يستمر في حكم البلاد، منذ ديسمبر 1990، ومن ثم محاولة هذه الحركات السيطرة على السلطة في البلاد.

ورصدت نفس التقارير الأمريكية عرضاً تقدم به رئيس فاغنر الروسية، يفغيني بريغوجين، للحركات المسلحة التشادية من أجل دعمها مادياً وعملياتياً ضد الحكومة التشادية، وهي التقارير التي نفاها بريغوجين جملة وتفصيلاً.

2- تهديد مصالح الغرب: تشكل تحركات فاغنر الروسية في الداخل التشادي تهديداً للمصالح الغربية في أنجمينا، والساحل الإفريقي بشكل عام، باعتبار أن تشاد تشكل الحليف الرئيسي للغرب في المنطقة، لاسيما فيما يتعلق بجهود مكافحة الإرهاب. 

عوامل داعمة

عكست المعلومات الاستخباراتية الأمريكية بشأن وجود تحركات مريبة لعناصر فاغنر الروسية بغية التخلص من نظام ديبي الابن جملة من الدلالات المهمة، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- حدود طويلة وهشة: يشكل الموقع الجغرافي معضلة رئيسة بالنسبة لتشاد، حيث تشترك بمساحتها الصحراوية الشاسعة، في حدود طويله وهشة مع عدة دول تشهد أوضاعاً أمنية وسياسية مأزومة، أبرزها ليبيا وإفريقيا الوسطى والسودان، حيث يسهل اختراق هذه الحدود في ظل السيولة الأمنية التي تعاني منها دول الجوار، وربما يزداد الأمر صعوبة في ظل وجود عناصر فاغنر الروسية بالفعل في هذه الدول الثلاث المتاخمة لأنجمينا.

وبينما تشكل الحدود التشادية مع ليبيا المعضلة الأبرز بالنسبة للمجلس العسكري الحاكم في البلاد، فإن الحدود المشتركة مع السودان تبقى أيضاً بؤرة تهديد رئيسة لديبي الابن، في ظل المليشيات المنتشرة على جانبي هذه الحدود. ولعل هذا ما يفسر الزيارة المفاجئة لرئيس مجلس السيادة السوداني، عبدالفتاح البرهان، إلى أنجمينا، في 29 يناير 2023، والتي أعبقتها بيوم واحد زيارة أخرى لنائبه، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، ويبدو أن زيارتي البرهان وحميدتي ارتبطتا، في جانب منهما، بتعزيز الأمن على المناطق الحدودية المشتركة، لاسيما في ظل الاشتباكات الحدودية المتكررة بين الرعاة العرب السودانيين والجنود التشاديين، والتي كان أبرزها اشتباكات أغسطس 2022 العنيفة بين الجانبين، والتي خلفت نحو 30 قتيلاً من الرعاة السودانيين.

وتتخوف تشاد من أن تتحول الحركات المسلحة لنقطة جذب للشباب العرب الساخطين على نظام ديبي، ويزداد هذا القلق في ظل الحديث عن احتمالية تسريح بعض المليشيات الموجودة في ليبيا، ومن ثم عودة مقاتليها الموجودين هناك إلى الداخل التشادي ودارفور، وهو ما قد يتمخض عنه تجدد الاضطرابات الأمنية مرة أخرى.

2- توظيف السخط الداخلي: قد تسعى فاغنر إلى الاستفادة من حالة السخط المتزايدة في الداخل التشادي ضد المجلس العسكري الانتقالي الحاكم في البلاد، بقيادة محمد إدريس ديبي، لاسيما بعد استخدام القوات الحكومية للعنف ضد احتجاجات المعارضة، في أكتوبر 2022، والتي أسفرت عن مقتل نحو 128 شخصاً، فضلاً عن احتجاز نحو 943 آخرين، حيث تعترض قوى المعارضة على قرار السلطات الانتقالية برفض تسليم السلطة وفقاً للجدول الزمني الذي تم تحديده بعد وفاة الرئيس السابق، إدريس ديبي، في إبريل 2021، حيث قرر ديبي الابن، تمديد الفترة الانتقالية لمدة عامين إضافيين.

وفي هذا السياق، نددت المعارضة التشادية خلال الأيام الأخيرة بالدعم الغربي المستمر لنظام ديبي الابن، على الرغم من انتهاكات النظام بحق قوى المعارضة السياسية، فقد وجه جناح الشباب بحزب الاتحاد الوطني للتنمية والتجديد رسالة لسفارات عدد من الدول الغربية، أبرزها فرنسا والولايات المتحدة وألمانيا، مطالبين خلالها بضرورة إنهاء الدعم غير القانوني وغير الشرعي للسلطات الانتقالية في أنجمينا.

3- أهمية أنجمينا في ملف الطاقة: تتمتع أنجمينا بأهمية خاصة فيما يتعلق بملف الطاقة، لكونها من الدول المصدرة للنفط، وهو ما يفسر الضغوط الفرنسية على منظمتي الإيكواس والاتحاد الإفريقي  للحيلولة دون تعليق عضوية أنجمينا، أو فرض أية عقوبات اقتصادية عليها في أعقاب تولي ديبي الابن للسلطة، في إبريل 2021 بصورة غير دستورية، وذلك في الوقت الذي سعت فيه باريس للضغط على المنظمتين لفرض عقوبات على مالي وغينيا وبوركينا فاسو بعدما شهدت انقلابات عسكرية. وتتخوف تقارير غربية من مساعي فاغنر لاستهداف الدول الإفريقية الغنية بالنفط والغاز لزيادة الضغط على القوى الغربية في ملف الطاقة، وهو ما يفسر نسبياً الاهتمام الروسي الراهن بتشاد.

4- تحولات في وجهة فاغنر: اتهم المتحدث باسم الحكومة التشادية، عبدالرحمن كلام الله، في فبراير 2022، زعيم حركة المعارضة المسلحة "اتحاد قوى المقاومة"، تيمان إرديمي بالتواصل مع فاغنر، للحصول على دعمها للإطاحة بنظام ديبي الابن، حليف فرنسا الرئيسي، غير أن مثل هذه التفاهمات قد انهارت بعد التوافقات بين ديبي الابن وتيمان إرديمي في أعقاب الحوار الوطني الشامل، وعودة الأخير إلى الداخل التشادي. 

وقد تتجه فاغنر للتحالف مع حركات مسلحة أخرى ضد نظام ديبي الابن. ولم تفصح وول ستريت جورنال عن ماهية هذه الحركات. وقد تكون حركة "الوفاق من أجل التغيير" "فاكت"، بقيادة محمد مهدي، هي أقوى الحركات المرشحة للتواصل مع فاغنر، خاصة وأن الأخيرة قاطعت جلسات الحوار الوطني الشامل، فضلاً عن كون الحركة مسؤولة عن هجوم 2021، والذي أسفر عن مقتل الرئيس السابق، إدريس ديبي، يضاف لذلك وجود تقارير غربية كانت قد رصدت وجود تنسيق قائم بالفعل بين "فاكت" وعناصر فاغنر المنتشرة في ليبيا.

انعكاسات محتملة

في إطار المعطيات السابقة، يبدو أن ثمة انعكاسات محتملة ربما تتمخض عن الحراك الراهن في تشاد، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:

1- محاصرة واشنطن لفاغنر: عكست المعلومات الاستخباراتية الأمريكية المقدمة للسلطات التشادية حول تحركات فاغنر وجود مساعي مكثفة تبذلها واشنطن للحيلولة دون تمدد فاغنر نحو مزيد من الدول الإفريقية، لاسيما تلك التي تشكل أهمية خاصة بالنسبة للمصالح الغربية، إلى جانب محاولة تقويض نفوذ الشركة في الدول التي تنشط فيها بالفعل.

وأكدت ذلك زيارة مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية، وليام بيريز، إلى ليبيا، في يناير 2023، والتي استهدفت محاولة دفع الأطراف الليبية المختلفة للابتعاد عن فاغنر. وأشارت تقارير غربية إلى استضافة واشنطن اجتماعاً ضم قوى ليبية وإقليمية، في 22 فبراير 2023، في محاولة لصياغة إجماع دولي يهدف إلى تضييق الخناق على فاغنر الروسية وحرمانها من أي مصادر للتمويل والدفع نحو إخراجها من ليبيا.

وأشارت لوموند الفرنسية إلى تقديم الولايات المتحدة عرضاً لرئيس جمهورية إفريقيا الوسطى، فاوستين أرشانج تواديرا، في 13 إلى 15 ديسمبر 2022، على هامش القمة الأمريكية الإفريقية، يتضمن مطالبته بإنهاء تحالفه مع فاغنر، وذلك مقابل تقديم التدريب لجيشه، وإعطائه مزيداً من المساعدات الإنسانية. ومنحت واشنطن إفريقيا الوسطى مهلة تقدر بحوالي 12 شهراً لإبعاد فاغنر، وهو ما يؤشر على لجوء واشنطن للضغط على الدول الإفريقية في إطار مساعيها لمحاصرة النفوذ الروسي في القارة.

وفي المقابل، أشارت تقارير غربية إلى سعي حميدتي لتوظيف أنجمينا خلال زيارته لها كحلقة اتصال مع الغرب، إذ عبّر عن استعداده لفك الارتباط مع عناصر فاغنر الروسية، إذ ما حصل على دعم دولي وإقليمي لطموحاته السياسية.

2- تورط الغرب في انقلاب عسكري: ألمحت تقديرات غربية إلى وجود محاولة انقلاب عسكري فاشلة في جمهورية إفريقيا الوسطى، نهاية العام الماضي 2022، لافتة إلى تورط حركات مسلحة سودانية وتشادية فيه، وذلك إلى جانب فرنسا، وذلك نظراً لسعيها للتخلص من نظام فاوستين تواديرا الموالي لموسكو، والانتقام من الأخيرة، والتي تمكنت من القضاء على الوجود الفرنسي في عدة دول إفريقية. 

ولذا يبدو أن الساحل الإفريقي سيشهد خلال الفترة المقبلة تصعيداً كبيراً في التنافس الروسي الغربي، وسوف تؤدي الولايات المتحدة دوراً محورياً هذه المرة ضد النفوذ الروسي، وذلك بعد إخفاق فرنسا في مواجهة نفوذ فاغنر.

وفي الختام، تكشف مجمل التطورات السابقة أن محمد ديبي (كاكا) لا يزال يواجه تحديات داخلية تهدد استقرار نظامه، أبرزها السخط الداخلي من قوى المعارضة السياسية والمسلحة، وثمة مخاوف غربية من تحرك فاغنر لدعم المعارضة المسلحة ضد ديبي، لكن من غير المرجح أن تتمكن هذه المعارضة من إسقاط نظام ديبي الابن، في ظل الدعم الغربي الكبير للأخير، خاصة الفرنسي، لكن يبقى هذا السيناريو مطروحاً في حال تم توظيف التصدعات الداخلية بالجيش التشادي، ودعم أحد أجنحته للقيام بانقلاب عسكري ضد محمد كاكا.