أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

تهديد متصاعد :

دوافع إطلاق كوريا الشمالية عدة صواريخ باليستية

26 يناير، 2022


أطلقت كوريا الشمالية أربع تجارب صاروخية منذ بداية 2022 في بحر اليابان، كما تزعم كوريا الجنوبية أن بيونج يانج أجرت اختباراً لصاروخين، على الأقل، من طراز كروز داخل حدود أراضيها، في خطوة يراها المراقبون تهديداً للسلم والأمن الدوليين. وجاءت هذه التجارب في الوقت الذي لم تردّ فيه كوريا الشمالية على دعوة واشنطن لإجراء محادثات بين البلدين، تهدف إلى تفكيك الترسانة النووية والصاروخية الكورية مقابل رفع العقوبات الأمريكية.

دلالات الصواريخ الباليستية

يختلف المحللون حول أسباب ودوافع كوريا الشمالية وراء رغبتها في تصعيد التوترات في هذا التوقيت، وهي مستويات من التوتر شوهدت آخر مرة في عامي 2016 و2017. ويمكن تفصيل دوافع التصعيد الأخيرة في التالي: 

1- تعزيز الموقف التفاوضي: يتمثل أحد التكتيكات التي تتبعها بيونج يانج في "التهديد بالتصعيد لفرض المفاوضات"، ثم مقايضة التصعيد مقابل مكاسب اقتصادية ملموسة. وفي هذا الصدد، لا يتعين على بيونج يانج استئناف تجارب الصواريخ بعيدة المدى، ولكن يكفي أن تستخدم هذه الورقة للتهديد بها مقابل انتزاع تنازلات أمريكية لتخفيض العقوبات المفروضة عليها. 

ويخطط الزعيم الكوري الشمالي لأن يجعل ملف بلاده النووي يحتل مرتبة متقدمة في اهتمامات إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، خاصة أنها تقبع حالياً في مرتبة متدنية في قائمة أولوياته الدولية.

2- إيجاد مخرج للأزمة الاقتصادية: تعاني كوريا الشمالية نقصاً في الغذاء وتعثر في الاقتصاد، ويرجع ذلك للحصار الخارجي المفروض عليها، والحصار الداخلي الذي فرضته على نفسها لاحتواء تفشي وباء كورونا، مما أدى إلى تراجع التجارة مع الصين، حليفها الاقتصادي والسياسي الرئيسي، على الرغم من وجود تقارير تفيد بأن هذا قد يستأنف قريباً. ويعتقد البعض أن كيم يونج أون يُوظف مثل هذه التجارب للبحث عن أية حلول لمساعدة بلاده للخروج من أزمنتها الاقتصادية والغذائية.

3- اختبار القدرات بهدف الردع: يعكس إجراء التجارب الصاروخية بمختلف أنواعها ثلاث مزايا لكوريا الشمالية، وهي تطوير قدراتها الصاروخية، والحفاظ على الاستعداد التشغيلي الخاص بها، فضلاً عن ردع خصومها، خاصة أن برنامجها بات يفرض تهديداً ليس فقط على حلفاء واشنطن، وتحديداً كوريا الجنوبية واليابان، ولكن كذلك الولايات المتحدة.  

4- استثمار بيونج يانج المتغيرات الدولية: تدرك بيونج يانج أنها أمام بيئة أمنية إقليمية متغيرة بسبب الصراع بين الصين والولايات المتحدة، خاصة في ظل مساعي واشنطن الواضحة لبناء تحالفات عسكرية لتطويق الصين، كما في تحالفي الإكوس والكواد، فضلاً عن دعم واشنطن المستمر لاستقلالية تايوان عن بكين، وهو ما سوف يدفع الأخيرة للرد عليه. ويبدو أن كوريا الشمالية تسعى إلى أن تكون أحد هذه الخيارات، أي أن تتجه بكين لدعمها، اقتصادياً وعسكرياً، في مواجهة الولايات المتحدة. 

تصعيد إضافي من بيونج يانج: 

يلاحظ أن كوريا الشمالية لم تكتف فقط بإجراء التجارب الصاروخية السابقة، ولكنها عمدت للتصعيد عبر التلويح باستئناف تجاربها النووية والصاروخية، لتعزيز ترسانتها النووية، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي: 

1- استئناف التجارب النووية: هدّدت كوريا الشمالية في 20 يناير 2022 باستئناف تجاربها الصاروخية الباليستية البعيدة المدى والنووية، والتي تم تعليقها في عام 2017، حيث أعلن المكتب السياسي لحزب العمال الحاكم برئاسة الزعيم، كيم جونج أون، تأهبه لـ "مواجهة طويلة الأمد" مع الولايات المتحدة، في تحدٍ واضح للولايات المتحدة، والمجتمع الدولي، والذي يفرض بواسطة الأمم المتحدة عليها حظراً لإجراء أي تجارب للأسلحة الباليستية والنووية. 

2- تعزيز الترسانة النووية: تخشى الولايات المتحدة، وحلفاؤها الآسيويون والأوروبيون، من البرنامج النووي الكوري الشمالي، وذلك، نظراً لإنفاقها ما يقرب من ربع ناتجها المحلي الإجمالي على تطوير قدراتها العسكرية على الرغم من كونها من أفقر دول العالم. وتشير التقديرات الاستخبارية الأمريكية في عام 2018 إلى أن بيونج يانج تمتلك ما بين عشرين إلى ستين سلاحاً نووياً مُجمَّعاً. 

كما أنها اختبرت أسلحة نووية ست مرات وطوّرت صواريخ باليستية قادرة على الوصول إلى الولايات المتحدة وحليفتيها اليابان وكوريا الجنوبية، والأكثر تهديداً من ذلك، وتوقع تقرير صادر عن مؤسسة "راند" الأمريكية في عام 2021 أن تمتلك كوريا الشمالية حوالي مائتي سلاح نووي ومئات من الصواريخ الباليستية المخزنة بحلول عام 2027.

التداعيات الإقليمية المحتملة:

يلاحظ أن الارتدادات الإقليمية على أمن جنوب شرق آسيا يتمثل في التالي: 

1- تراجع فرص التهدئة الدبلوماسية: دعت إدارة بايدن، في أكتوبر الماضي، لإجراء حوار غير مشروط مع كوريا الشمالية، بهدف إحراز انفراجة دبلوماسية مع بيونج يانج، غير أن إجراء مثل هذه التجارب، لا سيما قرار الأخيرة بشأن استئناف التجارب الصاروخية طويلة الأمد وكذلك النووية، سينهي احتمالية التقارب بين البلدين، خاصة إذا لم تقدم واشنطن على تخفيف العقوبات الاقتصادية عن بيونج يانج، وهو الهدف الرئيسي من التلويح باستئناف التجارب.

2- تفاقم المعضلة الأمنية في المحيط الهادئ: لا يجب أن يُنظر إلى الموقف الكوري الشمالي بمنأى عن اتجاه منطقة المحيطين الهندي والهادئ وبحر الصين الجنوبي إلى سباق تسلح نووي يهدد الأمن والسلم الدوليين. 

وفي هذا الصدد، فإن التلويح باستئناف تجارب صاروخية طويلة الأمد من كوريا الشمالية يجب أن يؤخذ بالتوازي مع الإعلان عن صفقات شراء الأسلحة لا سيما النووية. ولعل من أبرز الأمثلة على ذلك إعلان أستراليا العام الماضي شراء عدد من الغواصات الأمريكية العاملة بالطاقة النووية وكذلك صواريخ كروز وتوما هوك وتشكيل حلف دفاعي مع واشنطن ولندن. 

ومن هذا المنطلق، فإن الخطوات الكورية الشمالية الأخيرة ستؤجج من الصراع في المنطقة، والتي باتت تشهد سباق تسلح إقليمياً بذريعة الردع والردع المضاد في لعبة تجاذب القوى بين الصين وحلفائها من ناحية، والولايات المتحدة وحلفائها من ناحية أخرى.

3- تعزيز فرص المحافظين في انتخابات سيول: من المتوقع أن تتصاعد حدة الخطاب الانتخابي في كوريا الجنوبية، وأن تسيطر الأبعاد الأمنية والعسكرية على أجندة مرشحي الرئاسة، وذلك قبل الانتخابات المقرر لها في 9 مارس المقبل. 

وفي هذا الصدد، دعا المرشح الرئاسي المحافظ، يون سوك – يول، إلى ضرورة تعزيز دفاعات سيول بعد الاختبارات التي أجرتها كوريا الشمالية، مؤكداً أن سلام كوريا الجنوبية لن يتحقق إلا من خلال ردع قوي ضد كوريا الشمالية، وذلك عبر الحصول على صواريخ تفوق سرعة الصوت، وتقوية دفاعاتها الصاروخية، فضلاً عن تعزيز قدرات الضربات الانتقامية للبلاد.

ويرى المراقبون أن استئناف التجارب بعيدة المدى من قبل بيونج يانج سيعزز من ثقل حزب سلطة الشعب في الانتخابات الكورية الجنوبية، بقيادة المرشح المحافظ "يون سوك – يول" والذي يتبنى سياسة متشددة مع كوريا الشمالية، ويرفض أي خطوات للتهدئة معها.

4- استقطاب دولي متصاعد: أصدرت ثماني دول أعضاء في مجلس الأمن الدولي بياناً مشتركاً، في 20 يناير الجاري يدين إطلاق كوريا الشمالية الصواريخ الباليستية ويدعوها إلى تنفيذ قرارات المجلس المعتمدة بالإجماع، للتخلي عن برامج أسلحة الدمار الشامل. 

ويلاحظ أن الدول التي وقعت على البيان لم يتضمن الصين أو روسيا، في حين أن الدول الغربية في مجلس الأمن، وتحديداً الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا دعمت مثل هذا القرار، وهو ما يعكس انعكاس الصراع بين الولايات المتحدة من جانب، وكل من روسيا والصين من جانب آخر على القضايا الدولية، خاصة أن البيان لم يتضمن أي مواقف جديدة، بل اقتصر على حث كوريا الشمالية على الالتزام بقرارات مجلس الأمن السابقة.

ارتدادات سلبية على الشرق الأوسط: 

يلاحظ أن التصعيد النووي الكوري الشمالي قد تكون له ارتدادات سلبية على منطقة الشرق الأوسط، وذلك على النحو التالي: 

1- تزايد الاهتمام الأمريكي بجنوب شرق آسيا: قد يدفع تنامي التهديدات النووية من بيونج يانج الولايات المتحدة الأمريكية إلى إبداء اهتمام أكثر بمنطقة آسيا المحيط الهادئ، ويعزز استراتيجيتها الرامية إلى تبني سياسة فك الارتباط مع الشرق الأوسط، مقابل تنامي الاهتمام بالوضع الأمني في آسيا والمحيط الهادئ. 

2- تأثيرات محتملة على السلوك الإيراني: في ظل تعثر مفاوضات فيينا بشأن الوصول إلى اتفاق حول مستقبل الملف النووي الإيراني، لا يمكن استبعاد أن تعتمد طهران نهج كوريا الشمالية المتمثل في التهديد بالتصعيد لإجبار الولايات المتحدة على الاستجابة لبعض مطالبها في المفاوضات، من خلال التلويح بإجراء تجارب صاروخية بالستية، أو تصعيد مستويات تخصيب اليورانيوم. 

وفي الختام، فإن التصعيد الكوري الشمالي في جنوب شرق آسيا قد تكون له انعكاسات مباشرة على الاستقرار في جنوب شرق آسيا، خاصة إذا ما بدأت بكين في توظيف بيونج يانج للرد على المحاولات الأمريكية لتطويقها عبر تأسيس تحالفات عسكرية غربية على غرار الإكوس والكواد.