أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

سوق الطاقة:

تحولات علاقات الصين بمنطقة الشرق الأوسط

19 نوفمبر، 2015


إعداد: ناهد شعلان


 أدى نجاح الولايات المتحدة في استخراج وإنتاج النفط الصخري إلى تغير مشهد سوق الطاقة العالمي بشكل جذري؛ فتحولت واشنطن من أكبر مستورد للطاقة إلى أكبر منتج لها، وقل اعتمادها على استيراد الطاقة من الخارج. ومع الانخفاض المستمر في أسعار النفط خلال الفترة الأخيرة، يبدو أن الصين مستفيدة من هذا الوضع في ظل اعتمادها على واردات النفط الخليجية، ومع ذلك ثمة قلق داخل الحكومة الصينية من تراجع دور الولايات المتحدة في تأمين منطقة الخليج.

في هذا السياق، تأتي الدراسة الصادرة عن المعهد الملكي للشؤون الدولية "تشاتام هاوس" تحت عنوان: "علاقة الصين والشرق الأوسط في ظل مشهد جديد للطاقة"، والتي أعدها كل من "زها داوجيونج" Zha Daojiong - أستاذ الاقتصاد السياسي الدولي في كلية الدراسات الدولية بجامعة بكين، و"مايكل ميدان" Michal Meidan - الزميل في معهد "تشاتام هاوس".

وتُلقي الدراسة الضوء على كيفية استفادة الصين من المشهد الجديد في سوق الطاقة العالمي، ومدى تأثير ذلك على تطور علاقاتها بالشرق الأوسط، وحدود الدور الذي يمكن أن تلعبه في المنطقة. كما تتطرق الدراسة إلى مستقبل الدور الصيني في الشرق الأوسط، وكيفية تأمين بكين لوارداتها النفطية من المنطقة.

تغير مشهد الطاقة العالمي

ساهم وجود الصين في سوق الطاقة العالمي في زيادة معدل الطلب الكلي على مدار العقد الماضي، وذلك بنسبة 60% في الفترة بين عامي 2003 و2013، نتيجة للطلب المتزايد من الجانب الصيني للحصول على الطاقة، والذي وصل إلى 10.4 مليون برميل يومياً في عام 2014.

وعلى الرغم من أن الصين تملك أكبر احتياطي بترول في القارة الآسيوية، بيد أن إنتاجها لا يكفي طلبها المتزايد باستمرار. ونتيجة لذلك، تزايد معدل استيراد الصين من صادرات النفط، والتي يأتي ثلثيها من دول الشرق الأوسط وأفريقيا، وتحديداً من (السعودية، وأنجولا، والعراق، وإيران، وسلطنة عُمَان).

وتشير الدراسة إلى مساعي الصين لتنويع مصادر إمداداتها من الطاقة، ودعوة الرئيس الصيني إلى ثورة في مجال الطاقة بهدف تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري Fossil fuels. ومن المرجح أن يتزايد الطلب الصيني على الطاقة، ليصل بحلول عام 2035 إلى 18 مليون برميل وفقاً لتوقعات شركة "بريتش بتروليوم".

وبينما أصبحت بكين أكبر مستورد للبترول على مستوى العالم نتيجة للنمو الاقتصادي السريع، فقد تراجعت الولايات المتحدة في قائمة الدول الأكثر استيراداً للنفط. ففي العقد الأول من الألفية الجديدة، وعندما تخطى سعر برميل النفط المائة دولار، شكَّل ذلك مُحفزاً للمستثمرين الأمريكيين للاتجاه إلى الاستثمار في حقول البترول الصخرية المحلية. ونتيجة لذلك، تتكيف أسعار البترول مع الإنتاج الأمريكي المتزايد، ومع احتياجات السوق الأساسية.

ومع انخفاض أسعار البترول في أواخر عام 2014 إلى أقل من 50 دولاراً، كان ذلك فرصة للصين التي تمكنت من تحقيق بعض من أولوياتها الاستراتيجية في مجال الطاقة، حيث استطاعت بكين زيادة مخزونها الاستراتيجي من احتياطي النفط بحوالي مائة مليون برميل في العام الماضي، ومثلها في عام 2015. كما نجحت الصين في تنويع مصادر استيراد الطاقة إلى حد كبير.

تطور العلاقات الصينية بالشرق الأوسط

لم يمنع انخفاض أسعار النفط من أن تنظر الصين بعين الريبة لما يحدث في التحول في سوق الطاقة العالمي، ويرجع ذلك إلى سببين رئيسيين، أولهما: أنه يصعب تخيل أن تقوم الصين باستيراد البترول من الولايات المتحدة بعد تغير طبيعة الأخيرة في سوق الطاقة من مستورد إلى مصدر. وثانيهما: أن "فقدان الثقة" في العلاقات الجيوسياسية بين بكين وواشنطن يلعب دوراً حاسماً في نقاشات الصين حول تأمين إمدادات الطاقة لديها. وحتى لو اتجهت بكين إلى استيراد الغاز والبترول من الولايات المتحدة، فإن ذلك لن يقلل من اهتمامها بمصادر الطاقة في الشرق الأوسط.

1- تاريخ العلاقات الصينية - الشرق أوسطية:

بالتزامن مع توطيد الصين علاقاتها بدول الشرق الأوسط في مجال الطاقة، فإنها تُعزز أيضاً علاقاتها الدبلوماسية بهذه المنطقة. وعلى عكس ما يعتقده البعض، فإن العلاقات الصينية - الشرق أوسطية تعود إلى فترة الزعيم السابق "ماوتسي تونج" خلال مرحلة الحرب الباردة. وقد شكلت الصين في تلك الفترة مصدراً للدعم المادي واللوجستي للجماعات الثورية، خاصةً أنها كانت تعتبر الشرق الأوسط منطقة التوازن بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي.

وفي ثمانينيات القرن الماضي، تطورت العلاقات بين الجانبين، ما أدى إلى توافد العمالة والخبرات الصينية إلى منطقة الشرق الأوسط، ومساهماتها فى كبرى المشروعات في دول مثل مصر والسودان والكويت والعراق. كما ارتكزت علاقات بكين مع دول المنطقة على تجارة الأسلحة، حيث أصبحت كل من مصر وإيران والعراق والسعودية من أكبر مستوردي الأسلحة من الصين، ولكن حدث تراجع في ذلك التوجه في أوائل التسعينيات.

وكانت هناك محاولات من بعض دول الخليج لاختراق الأسواق الصينية عن طريق الاستثمار في بناء مصافي تكرير البترول، بيد أن هذه المشروعات لم تتحقق بسبب ضعف الروابط السياسية، ولكن أعادت السعودية الفكرة مرة أخرى بإبرامها اتفاقاً مع الصين في عام 2005 يقضي بإنشاء مصفاة تكرير في مقاطعة "فوجيان".

2- الطاقة تحرك الأجندة الدبلوماسية:

ظلت السعودية لفترة طويلة على قمة مُصدري البترول من الشرق الأوسط إلى الصين، فقد نمت هذة العلاقة في أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001، حيث كانت تسعى الرياض إلى تعدد وتنوع حلفاءها.

وقد عزز من هذه العلاقة عدم الاستقرار في كل من أفغانستان وباكستان، وتخوف الصين من انفجار مشكلة مقاطعة "زنجيانج"، ما مهد إلى وصول العلاقات السعودية - الصينية إلى أرفع المستويات بتبادل زيارات قيادات الدولتين. واُستكمل التعاون بتدشين مجموعة من المشروعات والاستثمارات المتبادلة والمشتركة بين المملكة والصين.

ولكن في الأونة الأخيرة، ظهر منافسون للسعودية في علاقاتها مع بكين، وذلك على المستوى العالمي مثل روسيا ودول أمريكا اللاتينية. ولكن الأهم هم مُنافسوها من دول الشرق الأوسط، وبصفة خاصة العراق التي توطدت علاقاتها كثيراً بالصين بعد الغزو الأمريكي لها على عكس ما كان متوقعاً؛ فأصبحت بلاد الرافدين من أهم موردي البترول للصين، وسيطرت الشركة الصينية الوطنية للبترول CNPC على 20% من استثمارات قطاع الطاقة والبترول في العراق.

ومن المتوقع أن يظل إمداد العراق للصين بالبترول مستقراً ليس فقط بسبب إمكانيات الإنتاج التي تملكها العراق، ولكن لأن التعاقد بين البلدين ينص على أن تسدد العراق جزءاً من ديونها مقابل الخدمات التقنية والفنية للشركة الصينية الوطنية للبترول، عن طريق تصدير البترول لها. غير أن ظهور تنظيم "داعش" في العراق قد يهدد المصالح الصينية، وإن كانت مشاريعها في الجنوب لم تمس حتى الآن، ولكن ليس ثمة ضمانات على بقاء ذلك الوضع.

3- هل الشرق الأوسط يمثل فرص جيوسياسية جديدة للصين؟

أشارت الدراسة إلى أن السنوات الأخيرة شهدت توافد العديد من قادة الخليج إلى بكين، في محاولة لجعلها أكثر مشاركةً في قضايا المنطقة الاستراتيجية والدبلوماسية، إلا أن الصين لم تبدٍ استعداداً كلياً لذلك.

وعلى المستوى الاقتصادي، يمثل النفط أهمية استراتيجية كبيرة للصين في تعاملاتها مع دول الشرق الأوسط. وتسعى بكين إلى فرض وجودها الاقتصادي بشكل كبير في المنطقة، وقامت بالتفاوض حول إقامة منطقة تجارة حرة مع دول مجلس التعاون الخليجي للحفاظ على معدلات التجارة المتبادلة، إلا أنه مازالت هناك مجموعة من العقبات التي تحول دون إتمام هذا الاتفاق.

وفي السياق ذاته، يحتل الشرق الأوسط جزءاً كبيراً من اهتمامات الصين، فهو يمثل نقطة محورية لإتمام مشروع "طريق الحرير الجديد"، وتتوقع بكين أن يدفع هذا المشروع دول المنطقة إلى أن تكون أكثر تعاوناً معها.

وقد نجحت الصين بالفعل في إقامة خط غاز شمال الإمارات بالتعاون مع شركة أبوظبي الوطنية للبترول، وهو الاتفاق الأول من نوعه، ويدل على زيادة جاذبية الشركات الصينية في المنطقة. ولكن بالرغم من كل ذلك، تحاول الصين تقليل اعتمادها على الشرق الأوسط في سد احتياجاتها من البترول.

وعلى مستوى آخر، فإن العلاقات الدبلوماسية بين الصين والشرق الأوسط ليست بالأمر الجديد، فقد قامت بكين بإرسال مبعوثين لمناقشة بعض القضايا الأمنية في المنطقة، وشاركت في المفاوضات النووية مع إيران ودعمت العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة. وقد تبنت الصين نهجاً مُختلفاً عن الغرب في الأزمتين السورية والليبية.

وقد أدى ظهور تنظيم "داعش" إلى زيادة قلق الصين، حيث ثبت وجود بعض الصينيين الذين يحاربون في صفوف "داعش"، ما دفع بكين إلى إرسال إمدادات عسكرية إلى العراق.

مستقبل العلاقات بين الصين والشرق الأوسط

تحاول الصين أن تعزز من علاقاتها النفطية مع دول الشرق الأوسط عن طريق توطيد علاقاتها التجارية. وليس ثمة أي محاولات من جانب الصين لتحل محل الولايات المتحدة في المنطقة، وبالتالي فإن تفسير الدور الصيني على أنه محاولات سياسية لزعزعة التواجد الأمريكي في المنطقة من أجل تأمين مصالحها في مجال الطاقة، هو أمر غير صحيح؛ فالعلاقات الصينية في المنطقة ستستمر فقط طالما أنها تؤمن حصولها على احتياجاتها من النفط.

خلاصة القول، ثمة مؤشرات تشير بالفعل إلى تغير السياسة الصينية تجاة الشرق الأوسط في ظل تغير مشهد سوق الطاقة العالمي. وقد نتج عن ذلك توطد العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين، ولكن على النقيض، فإن التواجد العسكري الصيني في المنطقة مازال محدوداً.


* عرض مُوجز لدراسة: "علاقة الصين والشرق الأوسط في ظل مشهد جديد للطاقة"، والصادرة في أكتوبر 2015، عن المعهد الملكي للشؤون الدولية "تشاتام هاوس".

المصدر:

Zha Daojiong and Michael Meiden, China and the Middle East in a New Energy Landscape, (London: The Royal Institute of International Affairs "Chatam House", October 2015).