أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

عقبات متعددة:

فرص تأسيس شرق أوسط خال من أسلحة الدمار الشامل

27 نوفمبر، 2019


عرض: عبدالله عيسى الشريف - باحث دكتوراه في العلوم السياسية

عُقدت أعمال الدورة الأولى لـ"مؤتمر إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل الأخرى" في مقر الأمم المتحدة بنيويورك برئاسة الأردن خلال الفترة من ١٨ إلى ٢٢ نوفمبر الجاري، بحضور ممثلين من جميع أنحاء المنطقة في محاولة للتفاوض على معاهدة ملزمة قانونًا لإنشاء منطقة إقليمية خالية من الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل.

وفي هذا الإطار، تأتي أهمية المقال الذي كتبه كلٌّ من "بول إنجرام" (كبير الباحثين بالمجلس البريطاني الأمريكي للمعلومات الأمنية)، و"عماد كيائي" (المدير في مجموعة IGD للاستشارات، والمشارك في كتاب "أسلحة الدمار الشامل: نهج جديد لمنع الانتشار النووي")، بعنوان "رؤية ممكنة: نحو منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط"، والمنشور بالعدد 35 من مجلة "The Cairo Review of Global Affairs"، التي تصدر عن الجامعة الأمريكية في القاهرة. 

يناقش المقال مشروع نص معاهدة لإنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، من قبل مجموعة من أعضاء المجتمع المدني بجانب خبراء ودبلوماسيين دوليين.

يُشير المقال إلى أنه -تاريخيًّا- حظيت فكرة إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط بدعم عالمي، تجلى بوضوح في جهود الدبلوماسية الدولية لنزع السلاح. وقد نشأت مبادرة المجتمع المدني بهدف إعادة تأسيس التزام مشترك بالتركيز على الخطوات اللازمة لإنشاء تلك المنطقة عبر كيان مؤسسي جديد تحت مسمى "منظمة معاهدة الشرق الأوسط".

نماذج مُلهمة

يوضّح المقال وجود ثمانية نماذج ناجحة لمناطق خالية من الأسلحة النووية حول العالم، تمت دراستها، وهي: أنتاركتيكا (1961)، الفضاء الخارجي (1967)، أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي (1969)، قاع البحر (1972)، جنوب المحيط الهادئ (1986)، جنوب شرق آسيا (1997)، آسيا الوسطى (2009)، وأفريقيا (2009).

ويوضح المقال أن إنشاء هذه المناطق لم يكن أمرًا سهلًا، ولكن تقديرات الدول للمنافع المتبادلة المُتوقع جنيها عبر ضمانات تعاونية جعلتها واقعًا معاشًا، في مواجهة تشكيك ومقاومة الدول النووية الخمس الكبار، التي خشيت من أن تحد هذه الترتيبات من حريتها في الانتشار النووي.

ويؤكد الكاتبان أن مصر كانت سباقة في تبنيها مشروع قرار بالجمعية العامة للأمم المتحدة، لإعلان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا منطقة خالية من الأسلحة النووية منذ عام 1974، في مواجهة تطوير إسرائيل لقدراتها من الأسلحة النووية في أواخر الستينيات من القرن المنصرم، وتحسبًا لمزيدٍ من الانتشار النووي في المنطقة.

وقد قرّر مؤتمر مراجعة معاهدة منع الانتشار النووي في عام 1995 التمديد اللا نهائي للمعاهدة، وتبنى قرارًا برعاية مشتركة من روسيا وبريطانيا والولايات المتحدة يدعو إلى سرعة إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل الأخرى في الشرق الأوسط وأنظمة إيصالها. وقد أصبح ذلك القرار سمة رئيسية لمؤتمرات مراجعة المعاهدة فيما بعد. لكن المقال يرى أنها محاولات باءت كلها بالفشل. وحتى حين ظهرت تطورات مُشجعة تُعزز من فرص الوصول للمنطقة، والتي تمثلت في الاتفاق النووي الإيراني الذي تم التوصل إليه في منتصف يوليو 2015 بين إيران ومجموعة (5 + 1)، إلى جانب الجهود المبذولة لتخليص سوريا من أسلحتها الكيميائية؛ فإنها تعرضت لانتكاسات جراء الانسحاب الأمريكي الأحادي من الاتفاق النووي، فضلًا عن ظهور مؤشرات على استخدام أسلحة كيميائية في سوريا.

تعقيدات وصعوبات أولية

يُبرهن المقال على أن الصراعات مُتعددة الأبعاد في المنطقة بمثابة عقبة رئيسية في سبيل إيجاد أرضية مشتركة وأُطر توافقية تحترم وجهات النظر المختلفة حول إنشاء منطقة الشرق الأوسط الخالية من أسلحة الدمار الشامل، في ظل انعدام الثقة وتبادل الاتهامات عما آلت إليه الأمور. فالتوافق حول أبجديات الأمن الإقليمي يُعتبر أحد الخلافات الحرجة بين دول المنطقة، وتحديدًا في مسألة الاعتراف بإسرائيل ووضعها الأمني. ففي الوقت الذي تتمسك فيه إسرائيل بشروط مسبقة تراعي الاعتراف باحتياجاتها الأمنية قبل أية محادثات، يرفض العرب وإيران التكتيك الإسرائيلي بالحديث عن أولوية آليات بناء الثقة والأمن على اعتبار أن ذلك بمثابة "ممر طويل"، وأن نقطة البدء ينبغي أن تنطلق من إنشاء المنطقة كأولوية حيوية في حفظ الاستقرار والأمن الإقليميين. ويرى الكاتبان أن لكلا المنظورين منطقيته، ويحتاجان إلى التوفيق بينهما بشرط توافر حسن النوايا.

وعلى الرغم من تركيز معظم الجهود الرامية لإنشاء المنطقة على الجمع بين ممثلين رسميين وغير رسميين من دول المنطقة؛ أملًا في زيادة مستوى الثقة فيما بينهما، والعمل على تهيئة الأجواء السياسية والظروف الدبلوماسية للمساهمة في تعزيز الالتزام في المحافل الدولية بالمفاوضات الرسمية، فإن الصدمات الخارجية المستمرة بجانب عمق النزاعات الاستراتيجية حول الهوية والأرض، أدت إلى مزيدٍ من الإحباطات واستعصاء السياسة على الحل.

ووفقًا للكاتبين فقد اجتمعت مجموعة من ممثلي المجتمع المدني في المنطقة مع خبراء ودبلوماسيين دوليين، للعمل على الانتهاء من نسخة أولية لمعاهدة إنشاء المنطقة، مع مراعاة ضرورة القفز على العقبات المُحتملة وصولًا إلى بناء ثقة ضرورية، في ظل رغبة قوية في إحراز تقدم والتغلب على الجمود الحالي.

وبهدف تكوين علاقات شبكية عبر دول المنطقة تكون داعمة للمعاهدة، ولتفادي الخلافات، فقد بدأت بالنص: "إن هذه مسودة معاهدة وستظل كذلك، فنحن لا نمثل الدول ولكننا المجتمع المدني، ولسنا مرتبطين بالنص نفسه، بقدر الالتزام بفكرة أن هذا النص قد يسهم في جهود تفضي يومًا ما إلى معاهدة حقيقية على أرض الواقع".

نطاق مشروع المعاهدة

يشير المقال إلى أن تحديد نطاق عمل المعاهدة شكل تحديًا كبيرًا، في ظل التوسع في جميع أنواع أسلحة الدمار الشامل؛ لطمأنة الإسرائيليين بأن هذا لم يكن مجرد نزع سلاحهم على اعتبار أنهم الدولة النووية الوحيدة في المنطقة. وعلى الجانب الآخر فجمع الأسلحة النووية والكيميائية والبيولوجية في إطار معاهدة واحدة، يواجه صعوبات وتحديات تقنية، فضلًا عن المقارنات المُضللة بين الأشكال المختلفة لأنظمة التسلح. وقد ارتأت المبادرة التخلي عن وسائل التوصيل؛ فالصواريخ الكروز والباليستية صعبة التحقق، ولذا سيتم معالجتها بشكل منفصل عن مشروع نص المعاهدة.

ويستهدف النطاق الجغرافي للنص المُقترح، جميع الدول العربية وإسرائيل وإيران، وعلى الرغم من أن ذلك يستثني تركيا التي أصبحت طرفًا رئيسيًّا في المنطقة وتستضيف قنابل للولايات المتحدة وحلف الناتو النووية في قاعدة إنجرليك الجوية، وكذلك باكستان الدولة المجاورة التي تمتلك عضوية النادي النووي ولديها علاقات عسكرية وثيقة مع عدد من دول المنطقة. وعليه، فقد يكون ضروريًّا تواجدهما بصفة مراقبين.

نحو إطار مؤسسي

تتوافر معاهدات دولية حاكمة لمستوى التحقق والتفتيش على الأسلحة النووية والكيميائية والبيولوجية من خلال المعاهدات الدولية لحظر هذه الأسلحة بأنواعها الثلاثة المعروفة، وإن كانت آليات التحقق غير متوفرة للأسلحة البيولوجية، ولذا جاءت الدعوة للعمل على تحقيق مستوى مزدوج من التحقق يكون عالميًّا وإقليميًّا، في إطار هيئة إقليمية لهذا الهدف. ونظرًا لتمتع المؤسسات العالمية، مثل الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، بخبرات وتجارب كبيرة تتعلق بالمهام الضرورية للتحقق، والتفتيش، وغيرها من الممارسات، فسيكون من الضروري الاستعانة بها طوال مراحل العملية، أخذًا بعين الاعتبار تطوير هذه القدرات على المستوى الإقليمي داخل منظمة معاهدة الشرق الأوسط.

ونظرًا للتأثير الواضح للدول الكبرى على المنطقة، فستكون هناك بروتوكولات إضافية للمعاهدة لإشراك أصحاب المصلحة الرئيسيين، مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين والاتحاد الأوروبي، من خلال تقديم الدول النووية ضمانات أمنية لدول المنطقة.

الخروج إلى النور

جاء أول توضيح علني لعملية منظمة معاهدة الشرق الأوسط في اللجنة التحضيرية لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية في مايو 2017 في فيينا. وتم إحراز مزيد من التقدم مع انعقاد اللجنة الأولى للأمم المتحدة في شهر أكتوبر 2017، برعاية الحكومة الأيرلندية. وفي يناير 2018، عقد اجتماع آخر تحت رعاية الحكومة الأسكتلندية في أدنبرة، للبحث في عناصر مشروع المعاهدة، والتصدي للتحديات الحرجة، واستكشاف المقترحات البناءة.

وبعد شهر من تقديم مشروع المعاهدة رسميًّا للجنة التحضيرية لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية في جنيف عام 2018، وبدعم من مؤسسة الصليب الأخضر السويسري ووزارة الخارجية السويدية، استضافت مجموعة العمل مائدة مستديرة لمدة ثلاثة أيام في زيورخ بحوالي خمسين مشاركًا من دول عربية وإسرائيل وإيران ودول أوروبية وروسيا والولايات المتحدة لمناقشة عناصر مشروع المعاهدة، والأسئلة الرئيسية التي طرحتها، واستراتيجية المشروع.

وختامًا، يؤكد المقال أن هدف مشروع المعاهدة يتوخى إنشاء منظمة دولية إقليمية جديدة من شأنها أن تتعاون مع المنظمات العالمية (مثل: الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية) كمحور لبناء القدرات والتدريب والاجتماعات. وحتى قبل الاتفاق على أي معاهدة رسمية نهائية، يمكن أن تركز منظمة معاهدة الشرق الأوسط بداية على قضايا التحقق، والبرامج التعليمية لبناء القدرات، وإنشاء شبكة إقليمية، وحملات دعائية لجذب قطاعات أكبر من المجتمع المدني. حيث أظهرت التجربة داخل مشروع المنظمة أن آفاق إنشاء منطقة أسلحة الدمار الشامل في المنطقة ممكنة إن تغير إطار العمل وتوافر نهج يسعى للتغلب على العقبات.

المصدر:

Paul Ingram & Emad Kiyaei, Middle East WMD-Free Zone: Thinking the Possible, The Cairo Review of Global Affairs, No.35, Fall 2019, pp 42-52.