أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

مأزق المساعدات الإنسانية في حرب غزة

30 أكتوبر، 2023


ارتبط العمل الإغاثي والإنساني بظهور النزاعات والصراعات المسلحة، سواءً أكانت بين الدول أم داخل الدولة بينها وبين جماعات مسلحة. واستهدف العمل الإغاثي والإنساني تخفيف ويلات الحرب ومساعدة الفئات الأكثر تضرراً في الحروب من المدنيين والنساء والأطفال. وفي هذا الصدد، برز الحديث عن أهمية المساعدات الإغاثية في ضوء الحرب الإسرائيلية الجارية في قطاع غزة، وما ارتبط بها من تدهور الأوضاع الإنسانية في القطاع، وتحديات وصول هذه المساعدات إليه.

أُطر دولية:

يرتكز العمل الإغاثي والإنساني في مناطق النزاعات المسلحة على مبادئ القانون الدولي الإنساني، وهي التسمية المستقرة والشائعة الآن لما كان يُعرف بقانون النزاعات المسلحة أو قانون الحرب، والذي يتمثل في معاهدات جنيف الأربع التي أُقرت في عام 1949. وأولى هذه المعاهدات تتعلق بتوفير الحماية والرعاية لجرحى الحرب ومرضى القوات المسلحة في ميدان المعركة، والمعاهدة الثانية تتعلق بمرضى وجرحى الحرب والغرقى في البحار، والثالثة ذات صلة بمعاملة أسرى الحرب، أما الرابعة فتتعلق بحماية المدنيين في زمن الحرب. ويُضاف إلى هذه المعاهدات، البروتوكولات الثلاثة الإضافية منذ عام 1949، وهي تتعلق بحماية ضحايا النزاعات المسلحة الدولية، وحماية ضحايا النزاعات المسلحة غير الدولية أي داخل الدولة الواحدة، وهذان البروتوكولان أُقرا في عام 1977، أما الثالث فأُقر في عام 2005 ويتعلق بإضافة علامة جديدة للحماية تُسمى "البلورة الحمراء" إضافة إلى الشارتين المعمول بهما وهما الصليب الأحمر والهلال الأحمر.

ويدخل ضمن القانون الدولي الإنساني مجموعة من المعاهدات التي تنظم استخدام الأسلحة أو الاستراتيجيات التكتيكية المعنية أو تتعلق بحماية الأشخاص والممتلكات، مثل اتفاقية 1954 بشأن حماية الملكية الثقافية، أو اتفاقية 1972 بشأن الأسلحة البيولوجية وعدد آخر من الاتفاقيات المتعلقة بالأسلحة الكيميائية والألغام المضادة للأفراد.

ويمكن القول إن نشأة القانون الدولي الإنساني أعقبت اندلاع النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية والمشكلات الناجمة عنها والتي تتعلق بالمدنيين وغير المقاتلين وتخفيف الآلام الإنسانية التي ترافق هذه النزاعات. وتُعد نشأة هذا القانون مرحلة متطورة مقارنة بالأعراف التي كانت سائدة في مجال الحروب والنزاعات، وذلك من خلال وضع قواعد مصاغة قانونياً ومعترف بها دولياً، ومصدق عليها من الدول وفق الإجراءات البرلمانية المتبعة.

واستلهم هذا القانون عند إقراره المبادرات الفردية والجماعية التي تركزت أنشطتها في المجال الإنساني، ومعالجة المشكلات التي ترافق النزاعات، مثل مبادرة الصليب الأحمر وغيره من المنظمات الطوعية، على غرار نشأة المحكمة الجنائية الدولية فيما بعد والمعروفة بميثاق روما والتي ظهرت عقب مطالبات عديدة للجمعيات القانونية والحقوقية ورجال القانون المتخصصين في مجال مكافحة الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، وتقنين الولاية القضائية العالمية التي منحت الدول حق مقاضاة متهمين بارتكاب مثل هذه الجرائم التي وقعت بعيداً عن أقاليمها، أي في دول أخرى. وحاولت العديد من الدول تطبيق مثل هذه الولاية في العديد من الحالات، غير أن هذه المحاولات اصطدمت بمفهوم السيادة ورفض العديد من الدول الانضمام لهذه المحكمة خاصة من القوى الكبرى.

كما يسترشد العمل الإغاثي والإنساني الذي تقوم به جمعيات ومنظمات دولية أو غير حكومية بالمبادئ التي تمثل روح القانون الإنساني الدولي مثل مبادئ الإنسانية وعدم التحيز والحياد والاستقلالية. وتكفل هذه المبادئ للعمل الإغاثي والإنساني، المصداقية وعدم مناصرة طرف على حساب آخر في النزاعات المسلحة، وعدم التمييز بين الضحايا سواءً من ناحية الدين أم الجنس أم اللون أم الطائفة. فجميع الأشخاص المشمولين بهذه الإغاثة والعمل الإنساني على قدم المساواة ويلقون نفس الرعاية، وفق ظروفهم والأولويات المقررة تبعاً لاختلاف درجة المعاناة والألم والتعرض للمخاطر. وتلك المبادئ راسخة في القانون الإنساني سواءً في النزاعات المسلحة أم الكوارث الطبيعية.

تحديات رئيسية:

على الرغم من أن العمل الإغاثي والإنساني وممارسته محكومة بالمبادئ المستقرة في القانون الدولي الإنساني، التي تمثل مدونة أخلاقية وسلوكية للعاملين في هذا المجال؛ فإن العديد من التحديات والمشكلات تظهر في سياق تقديم الخدمات، خاصة عندما يتعلق الأمر بالنزاعات المسلحة ومواقف الأطراف المختلفة من العمل الإغاثي والإنساني في الظروف والمشكلات الناجمة عن هذه النزاعات. وتتمثل هذه التحديات في الآتي: 

1- ضغوط التمويل: يحتاج العمل الإغاثي والإنساني إلى تمويل الجهات المانحة في الدول الأكثر تقدماً، وهذه الجهات غالباً ما تكون لها متطلبات من شأنها أن تفرض ضغوطاً كبيرة على العاملين في هذا المجال الإنساني. وتتعلق بعض هذه المتطلبات بتقديم تقارير الإبلاغ والمساءلة في إطار نظام معين، يحد من قدرة العاملين في المجال الإنساني على اتخاذ قرارات مستقلة بشأن كيفية توزيع هذه المساعدات وفقاً للمبادئ الإنسانية المتبعة.

2- الجماعات المسلحة: ثمة وجهة نظر مشتركة بين العاملين في المجال الإنساني مفادها أن بعض الدول والجماعات المسلحة غير التابعة لها، تعارض وجود العاملين في هذا المجال وتتبع سياسات تحد وتقيد من أنشطتهم الإنسانية أو تعرقلها. ويرجع ذلك إلى مخاوف الدول من انتهاك سيادتها أو التدخل في شؤونها الداخلية، كما أن بعض الدول والتنظيمات المسلحة لديها مخاوف تتعلق بإضفاء الطابع السياسي على المساعدات والإطار الدولي الذي يحيط بالعمل الإنساني في مجمله. وفي بعض الأحيان، تقوم بعض الجماعات المسلحة بالمساومة على السماح بوصول المساعدات مقابل الاعتراف الرسمي بسلطتها في الإقليم، ومن شأن ذلك إضعاف استقلالية العاملين في المجال الإنساني.

3- الإرهاب ومخاطره: تأثرت البيئة الأمنية والسياسية والجغرافية العالمية بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 بتدابير وقوانين مكافحة الإرهاب، وكذلك الرقابة على المساعدات الإنسانية خوفاً من وصولها إلى الجماعات الإرهابية. وانعكس ذلك على الفاعلين والعاملين في المجال الإنساني، مثل الامتناع عن تقديم المساعدات في المناطق التي تسيطر عليها جماعات مسلحة أو إرهابية؛ وذلك بسبب انعدام اليقين بالمدى المسموح به للانخراط والتعامل مع هذه الجماعات.

4- انعدام الأمن: يمثل فقدان الأمن في مناطق النزاع عائقاً رئيسياً أمام الفاعلين في المجال الإنساني، الأمر الذي يؤدي إلى غياب العمل الإغاثي في مناطق هي الأكثر احتياجاً له، كما أن قواعد الجهات المانحة تقيد الطريقة التي تُدار بها الأموال في البيئات غير الآمنة.

وواجه العاملون في المجال الإنساني هذه التحديات المستخلصة من العمل في مناطق النزاعات في السودان والصومال وليبيا واليمن وغيرها من الدول. وترتبط معالجة تلك التحديات ببناء الثقة بين الجهات المانحة والمنظمات الإنسانية والإغاثية عبر تأكيد المبادئ الراسخة في العمل الإنساني، على النحو الذي يكفل النزاهة والحياد وتجنب تسييس المساعدات، وكذلك بين الدول والجماعات المنخرطة في نزاعات مسلحة وبين المنظمات التي تقدم خدمات الإغاثة وتخفيف الأضرار؛ وذلك من خلال تجديد التزام هذه المنظمات بالحياد بين الأطراف في النزاعات، وتأكيد أن رسالتها تنحصر في تقديم العمل الإغاثي. وأيضاً من خلال حملات منظمة للتعريف بالقانون الدولي الإنساني وقواعده وفلسفته الرامية إلى التخفيف من آثار النزاعات المسلحة على الفئات الضعيفة من المدنيين والأطفال والجرحى. 

وفي هذا الإطار، تقوم الجيوش بتدريب عناصرها على القانون الإنساني والتعريف به وكذلك أجهزة الشرطة على صعيد الدول، أما الجماعات المسلحة فتحتاج إلى مقاربات مختلفة لخلق احترامها لقواعد العمل الإنساني والاقتناع به.

حرب غزة:

منذ أن بدأت إسرائيل حربها في قطاع غزة عقب عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر الجاري، تتصاعد النداءات والدعوات إلى فتح المجال الإنساني لمرور المساعدات الغذائية والعلاجية والوقود وغير ذلك من المستلزمات الضرورية للحياة في القطاع.

واتخذت هذه النداءات والدعوات المتكررة طابعاً عربياً وإقليمياً ودولياً، من الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، ومنظمات الأونروا، والهلال الأحمر، وكذلك الدول العربية. واستخدمت تلك النداءات مفاهيم ومفردات مختلفة، لكنها تركز على هدف واحد وهو تقليل آثار الحرب الراهنة في غزة وما ترتب عليها من قطع المياه والكهرباء والإنترنت، وضرب المرافق المدنية كالمدارس والجامعات، والمستشفيات وعلى رأسها مستشفى المعمدان الأهلي.

وفي هذا الإطار، يُجرم القانون الدولي الإنساني التعرض للمرافق المدنية، ويُحتم على أطراف النزاع التأكد من التمييز بين المرافق المدنية والمرافق العسكرية، ويحظر العدوان على المرافق المدنية أو السيطرة عليها إلا إذا كان ذلك يمثل ضرورة عسكرية، وفي هذه الحالة يُلزم القانون بتعويض أصحابها وتوفير بدائل لهم. من ناحية أخرى، فإن هذا القانون يفرض التناسب في القوة المستخدمة مع الهدف المعلن، ويُعد المدنيين، بصرف النظر عن جنسياتهم وألوانهم ودياناتهم وطوائفهم، أشخاصاً محميين لا ينبغي انتهاك كرامتهم أو هدم ممتلكاتهم أو حملهم على الهجرة والتهجير القسري بالقوة.

وربما لم نشهد من قبل تسييساً للمساعدات الإنسانية بقدر ما نشاهد الآن، فقد أصبح وقف وتجميد وإعاقة هذه المساعدات من الوصول إلى أهالي غزة ينخرط ضمن أهداف الحرب، ويخضع للمساومة والمقايضة والمبادلة.

ويُعد معبر رفح المنفذ الوحيد لغزة من الجانب الفلسطيني باتجاه مصر والمخصص للأفراد من الطلبة والمرضى والزائرين الفلسطينيين. فعلى الجانب المصري من المعبر، تنتظر الشاحنات التي تحمل الغذاء والمواد الطبية والوقود وكل ما يلزم لإغاثة الموجودين في غزة، حيث يستقبل مطار العريش العديد من المساعدات من المنظمات والدول الراغبة في مد يد العون للشعب الفلسطيني.

وسبق أن أعلن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، خلال زيارته لإسرائيل، الموافقة على دخول بعض هذه الشاحنات. وقد بلغ إجمالي عدد شاحنات المساعدات التي وصلت إلى قطاع غزة من خلال معبر رفح منذ بداية الحرب إلى 117 شاحنة، مع دخول 33 شاحنة مساعدات تحمل أدوية ومستلزمات طبية ومواد غذائية يوم 29 أكتوبر الجاري. وثمة شروط إسرائيلية فيما يبدو لدخول تلك المساعدات، ومنها ما نُشر في وسائل الإعلام حول ضرورة تفتيشها أو إشراف إسرائيل أو ضمان ألا تذهب المساعدات إلى حركة حماس. وفي جميع الأحوال، فإن فقدان الثقة في العمل الإغاثي والإنساني والفاعلين فيه والمنظمات المنخرطة في إطاره من قِبل إسرائيل، يبدو العائق الأكبر حتى الآن.