أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

الشروق:

أبعاد تعليق الولايات المتحدة مساعداتها الغذائية لإثيوبيا

21 يونيو، 2023


نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة مقالا أعده باحثو المركز، تناولوا فيه بعض التفسيرات المحتملة وراء تعليق واشنطن مساعداتها الغذائية المقدمة لإثيوبيا فى ظل توتر العلاقات بين البلدين، لكن من الملاحظ أن الضغوط الأمريكية على إثيوبيا لم تجد نافعا حتى الآن، إذ لا تزال إثيوبيا منفتحة على علاقاتها ببكين وموسكو.. نعرض من المقال ما يلى.

أعلن المتحدث باسم الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية أن الولايات المتحدة اتخذت القرار الصعب بشأن مساعداتها الغذائية المقدمة لإثيوبيا، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالى:

1ــ تعليق المساعدات الغذائية: أعلنت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية أن واشنطن قررت تعليق المساعدات الغذائية المقدمة لإثيوبيا، وذلك بعدما كشفت مراجعة تمت على مستوى جميع أنحاء إثيوبيا عن وجود مخطط واسع النطاق لتحويل المساعدات والإمدادات المخصصة للمحتاجين بعيدا عنهم، لافتا إلى أن هذا التعليق سيستمر لحين تطبيق الإصلاحات المطلوبة، والتى تضمن وصول المساعدات لمستحقيها.

وجاء هذا القرار فى أعقاب قرار الوكالة الأمريكية، مطلع مايو 2023، بتعليق المساعدات الغذائية المقدمة لإقليم تيجراى، فى ظل التحقيقيات الجارية بشأن سرقة كميات كبيرة من إمدادات الغذاء والمساعدات هناك.

وتُعد الولايات المتحدة المانح الأكبر للمساعدات الإنسانية لإثيوبيا، حيث بلغت قيمة هذه المساعدات فى عام 2022 نحو 1.8 مليار دولار. ويأتى أكثر من ثلثى هذا المبلغ فى شكل طعام وغذاء، حيث يعتمد أكثر من 20 مليون شخص فى جميع المناطق الإثيوبية على هذه المساعدات، خاصة مع الصراعات الداخلية فى البلاد، بالإضافة لموجة الجفاف التى تعد هى الأسوأ فى إثيوبيا منذ نحو أربعة عقود.

2ــ اتهامات للحكومة الإثيوبية: كشفت تقارير غربية عن تورط مسئولين فى الحكومة الإثيوبية فى سرقة المساعدات الغذائية، مستندة فى ذلك إلى الوثيقة التى أعدتها «مجموعة المانحين للعمل الإنسانى والصمود»، والتى رأت أن هذه العمليات تشكل مخططا مقصودا، بتنسيق بين الحكومة الفدرالية وبعض حكومات الولايات بهدف تحويل هذه المساعدات لخدمة الوحدات العسكرية.

وكشف تقرير نشره موقع الوكالة الأمريكية، فى مايو الماضى، قبل أن يحذفه لاحقا، عن تفاصيل المساعدات الغذائية التى قدمتها الولايات المتحدة لإقليم تيجراى الإثيوبى، حيث قام مسئولون بتحويل هذه المساعدات لخدمة الجيش والمقاتلين وبيع جزء منها فى الأسواق، فضلا عن مصادرة سلطات تيغراى لجزء من هذه المساعدات. وسبق وأن أكدت مديرة الوكالة، سامانثا باور، فى مطلع 2023، وجود سرقة للمساعدات المقدمة لمنطقة تيجراى، وأنها تعكس حالة من التواطؤ بين الحكومة الإثيوبية وجبهة تحرير تيجراى.

يلاحظ أن تعليق الولايات المتحدة لمساعداتها الغذائية المقدمة لإثيوبيا يشكل ضربة جديدة لعلاقات البلدين المتأرجحة، إذ يعكس هذا القرار جملة من الدلالات المهمة، يمكن عرضها على النحو التالى:

1ــ منع الانزلاق إلى الحرب: قد يكون تعليق المساعدات يستهدف بالأساس ممارسة واشنطن لضغوط على أديس أبابا، فى ظل القلق الأمريكى من عودة الاقتتال الداخلى، سواء بسبب التوترات الراهنة فى منطقة أوروميا، أو فى ظل الخلافات الأخيرة التى نشبت بين أديس أبابا وجبهة تحرير تيغراى، بسبب تمسك الأولى بمنع الثانية من الترشح للانتخابات المرتقبة فى 2023، وهو ما يهدد بتقويض اتفاق بريتوريا للسلام الموقع بين الجبهة والحكومة الإثيوبية، فى نوفمبر الماضى، ومن ثم احتمالية عودة الاضطرابات لمنطقة تيغراى وخارجها.

2ــ احتواء ضغوط الكونجرس: لا يمكن فصل قرار الإدارة الأمريكية بتعليق المساعدات الغذائية إلى إثيوبيا عن الضغوط المتزايدة من قبل بعض أعضاء الكونجرس، مثل السيناتور، جيم ريش، نائب رئيس لجنة العلاقات الخارجية فى مجلس الشيوخ الأمريكى، على إدارة جو بايدن بسبب التقارير التى تتهم الحكومة الإثيوبية بارتكاب جرائم التطهير العرقى واستخدام الطعام كسلاح فى الحرب الأهلية التى شهدتها تيغراى، بالإضافة إلى فشل الولايات المتحدة فى ضمان وصول المساعدات لمستحقيها. وتزامن ذلك مع تأكيد تقرير لمنظمة «هيومن رايتس ووتش» صادر فى مطلع يونيو 2023 أن عمليات التطهير العرقى التى تقوم بها الحكومة الإثيوبية فى بعض أجزاء إقليم تيغراى لا تزال قائمة.

3ــ تخوف أمريكى من توجهات إثيوبيا: قد يكون التصعيد الأمريكى الراهن جاء ردا على الانفتاح اللافت من قبل الحكومة الإثيوبية على روسيا والصين خلال الفترة الأخيرة، خاصة بعد زيارة نائب رئيس الوزراء الإثيوبى ووزير الخارجية، ديميكى ميكونين، إلى بكين، نهاية مايو الماضى، واجتماعاته المطولة التى عقدها مع وزير الخارجية الصينى، تشين جانغ، وتصريحات الأخير التى كشف خلالها أن بلاده مستعدة لتقديم جميع الدعم للحكومة الإثيوبية فى عمليات إعادة الإعمار والتنمية فى مرحلة ما بعد الحرب الأهلية، كما لفت الوزير الصينى إلى أن بكين سلمت أخيرا دفعتين من الإمدادات والمساعدات الغذائية لمنطقة القرن الإفريقى، وتستعد حاليا لتسليم شحنة جديدة خلال الفترة المقبلة.

كذلك، تواصل إثيوبيا الحفاظ على علاقتها الاستراتيجية بروسيا، وهو ما انعكس فى زيارة رئيس مجلس النواب الإثيوبى، أجيجنهو تيشاغر، إلى موسكو، منتصف مايو 2023، والتوقيع على مذكرة تفاهم تستهدف رفع مستويات التعاون بين البلدين، كما أعلن تيشاغر أن بلاده ستشارك بوفد رفيع المستوى فى القمة الروسية الإفريقية المرتقبة فى يوليو المقبل.

4ــ الانشغال بدعم أوكرانيا: فى إطار الاتفاق الأخير الذى توصلت إليه إدارة الرئيس الأمريكى، جو بايدن، مع الكونجرس الأمريكى بشأن رفع سقف الدين، يبدو أن إدارة بايدن ملتزمة بتخفيض نفقاتها خلال الفترة المقبلة، بما يشمل المساعدات الخارجية التى تقدمها، خاصة فى ظل حرص واشنطن على استمرار المساعدات المقدمة لأوكرانيا.

وبالتالى، فإن كشف واشنطن عن وجود فساد يتعلق بتوزيع المساعدات الغذائية المقدمة لإثيوبيا سوف يكون بمثابة ذريعة تستهدف واشنطن من خلالها التنصل من أى مساعدات إضافية مضطرة لتقديمها إلى أديس أبابا، على الأقل فى المدى المنظور.

على الرغم من تعليق واشنطن المساعدات الغذائية لإثيوبيا، فإن البلدين غير راغبين حاليا فى استمرار النهج التصعيدى، لذا يبدو أن الطرفين يعملان على احتواء التصعيد الراهن، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالى:

1ــ حرص واشنطن على التعاون: لفتت تقديرات أمريكية إلى أن الولايات المتحدة تبدو حريصة على عدم التصعيد بشكل حاد ضد الحكومة الإثيوبية، لتجنب تفاقم التوترات بين البلدين، خاصة وأن الأشهر الأخيرة شهدت تحركات لاستيعاب الخلافات بين واشنطن وأديس أبابا بسبب الحرب الأهلية فى إقليم تيغراى، وهو ما انعكس فى إحجام المسئولين الأمريكيين عن انتقاد الحكومة الإثيوبية مباشرة بشأن سرقة المساعدات الغذائية الأمريكية، كما تجنب بيان الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية الكشف صراحة عن المتهم بسرقة هذه الإمدادات.

وفى هذا السياق، عقد وزير الخارجية الأمريكى، أنتونى بلينكن، اجتماعا مع نائب رئيس الوزراء الإثيوبى ووزير الخارجية، ديميكى ميكونين، على هامش الاجتماع الوزارى للتحالف الدولى ضد داعش، والذى استضافته السعودية خلال يونيو 2023، حيث اتفق الطرفان على تعزيز التعاون المشترك بين واشنطن وأديس أبابا فى إجراء تحقيق شامل بشأن سرقة المساعدات الغذائية، كما أصدرت السفارة الأمريكية فى إثيوبيا بيانا عبرت خلاله عن التوصل لتفاهمات مع الحكومة الإثيوبية بشأن تبنى نظام فعال لتوزيع المساعدات.

2ــ حاجة إثيوبيا للدعم الأمريكى: على الرغم من انتقاد الحكومة الإثيوبية للقرار الأمريكى الأخير بتعليق المساعدات الغذائية، فإن أديس أبابا لا تبدو مستعدة حاليا لخسارة علاقاتها بالغرب، خاصة وأن الأولى بحاجة إلى موافقة واشنطن للحصول على قرض من صندوق النقد الدولى، فضلا عن حاجة إثيوبيا لضمان علاقتها بالولايات المتحدة، ومن ثم حلفائها الغربيين، لدعم اقتصادها المأزوم، وهو ما قد يفسر التصريحات الأخيرة للخارجية الإثيوبية، والتى ألمحت خلالها إلى أن أديس أبابا ستتعاون مع واشنطن فى التحقيق فى مزاعم تحويل المساعدات الإنسانية، وذلك بهدف الكشف عن المسئولين عن هذه الانتهاكات.

ويتماشى هذا الطرح مع إعلان الحكومة الإثيوبية، فى 7 يونيو الحالى، أنها بصدد عقد حوار وطنى شامل خلال العام الإثيوبى المقبل، والذى يبدأ فى شهر سبتمبر، وذلك بمشاركة ممثلين عن جميع أنحاء البلاد، فى محاولة لتعزيز الاستقرار داخليا، والحصول على مزيد من الدعم الغربى.

وفى الختام، على الرغم من تصعيد الولايات المتحدة تجاه إثيوبيا باستخدام ورقة المساعدات الغذائية، فإن الأخيرة متمسكة، حتى الآن، بتحقيق التوازن فى علاقاتها مع القوى الدولية المختلفة، بما فى ذلك الصين وروسيا، مع عدم رغبة أديس أبابا فى التضحية بعلاقاتها بواشنطن وحلفائها الأوروبيين، لكن من الملاحظ أن التحركات الأمريكية فى منطقة القرن الإفريقى، والتى تستهدف تقويض النفوذ الصينى والروسى هناك، تبدو غير مجدية إلى حد كبير حتى الآن، إذ لا تزال إثيوبيا منفتحة على علاقاتها ببكين وموسكو

*لينك المقال في الشروق*