أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

معقل "جديد":

التداعيات المحتملة لنشاط "الجهاديين" في تونس

17 نوفمبر، 2014


يثير إعلان وزارة الداخلية التونسية يوم 15 نوفمبر الجاري عن تمكن الوحدة الوطنية للأبحاث في جرائم الإرهاب للأمن الوطني من الكشف عن "خلية تكفيرية" تابعة لتنظيم "أنصار الشريعة" الإرهابي المحظور بقرطاج بالضاحية الشمالية للعاصمة تونس، تهدف إلى رصد تحركات أمنيين وعسكريين تونسيين وتصفيتهم لاحقاً، مخاوف متصاعدة من أن التيار "الجهادي العنيف" في تونس لم يعد مجرد ظاهرة عابرة قد تنتهي سريعاً، لاسيما أن إدارة مجابهة الإرهاب للأمن الوطني فككت قبل أسبوعين تقريباً، في 29 أكتوبر الماضي، "خلية إرهابية" أخرى تابعة للتنظيم ذاته بجهة الكريب من ولاية سليانة شمال البلاد.

ويؤشر الإعلان المتكرر عن ضبط وتفكيك خلايا "إرهابية" صغيرة يتبع أغلبها تنظيم "أنصار الشريعة"، الذي يخطط لتنفيذ عمليات إرهابية، منها محاولة القيام بعدد من الاغتيالات السياسية، وتفجير موكب وزير الداخلية، واستهداف السفير الأمريكي في تونس، إلى تصاعد المخاوف من تنامي التيار الجهادي, الذي أصبح يمثل هاجساً كبيراً، سواء لدى الشعب التونسي أو النظام السياسي، إضافة إلى القوى الإقليمية والغربية التي لها مصالح في المنطقة، والتي أصبحت ترى في التنامي الجهادي في تونس تهديداً واضحاً لمصالحها، ليس فقط لما قد تحدثه من مزيد من انتشار خطر الإرهاب في منطقة شمال أفريقيا والمغرب العربي، ولكن أيضاً لأن تونس خرج منها العدد الأكبر من بين دول المنطقة من المقاتلين الذين انخرطوا في دائرة الصراع والحرب في سوريا خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، إذ يقدر عددهم بما لا يقل عن ثلاثة آلاف مقاتل.

إن هذه المؤشرات تؤكد أن التيار "الجهادي" في تونس يحاول تعزيز وجوده وانتشاره في الداخل والخارج، وأن المواجهات التي حدثت مؤخراً بين قوات الأمن التونسية والمجموعات الجهادية، خاصة تلك الموجودة في جبال الشعانبى، تشير إلى مدى خطورة هذه التنظيمات، التي أصبحت تتخذ من تلك المناطق معاقل لها ومأوى للمتعاونين معها من منطقة شمال أفريقيا.

أولاً: ملامح التنظيمات الجهادية في تونس

يمكن القول إن التيار الجهادي في تونس، هو جزء لا يتجزأ من التيارات الجهادية العابرة للحدود، خاصة في منطقة شمال أفريقيا، بمعنى أن التنظيمات الجهادية الموجودة في تونس لها امتدادها الخارجي كونها جزءاً من تنظيمات كبرى عابرة للحدود في المنطقة.

وتتمثل هذه التنظيمات في الآتي:

تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، يعد أحد الأفرع الإقليمية لتنظيم "القاعدة الأم"، ويقوده "عبدالملك درودوكال"، ويعد من التنظيمات الرئيسية التي ينتمي إليها الجهاديون التونسيون. وقد أصبح لهذا التنظيم وجود واضح في تونس من خلال الأعداد الكبيرة التي انتمت إليه في الأعوام الثلاثة الأخيرة، كونه التنظيم الجهادي القائد والأكثر انتشاراً في منطقة شمال أفريقيا.

تنظيم "أنصار الشريعة"، يعد أيضاً من التنظيمات الجهادية التي لها تواجد قوي على الساحة الجهادية التونسية، ويقوده "سيف الله بن الحسين"، الملقب بـ "أبي عياض التونسي"، فهو يضم بين صفوفه معظم السلفيين الذين تحولوا إلى الفكر الجهادي في تونس، وهم من يطلق عليهم مجازاً "السلفية الجهادية". وتصنف السلطات التونسية التنظيم على أنه "تنظيم إرهابي".

وقد أصدرت السلطات التونسية مذكرة توقيف بحق "أبي عياض التونسي" في 27 أغسطس 2013، وذلك لضلوع التنظيم في أعمال إرهابية بتونس، خصوصاً أنه يتعاون بشكل كبير مع تنظيم "أنصار الشريعة" في ليبيا، وربما يصل هذا التعاون إلى حد اندماج التنظيمين، لاسيما أن هناك من يؤكد أن أبا عياض التونسي هو الذي يقود أنصار الشريعة في تونس وليبيا.

تنظيم "المرابطون"، هو تنظيم نشأ مؤخراً نتيجة الاندماج الذي تم بين تنظيم "الموقعون بالدماء" بقيادة مختار بلمختار، وتنظيم "التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا"، حيث ينضم إلى هذا التنظيم أعداد من الجهاديين التونسيين، ولكن ليست بمثل حجم الأعداد التي تنتمي إلى التنظيمين السابقين. وينشط هذا التنظيم في كل من ليبيا وتونس والجزائر وموريتانيا، وقد أعلن عن سعيه لإقامة "دولة إسلامية" من موريتانيا إلى مصر.


ثانياً: أهم أسباب تنامي التيار الجهادي في تونس

ثمة مجموعة متنوعة من العوامل والأسباب التي أدت إلى تنامي التيار الجهادي في تونس منذ ثورة الياسمين في عام 2011، فقد باتت تونس الدولة الأولى المُصدِرة للجهاديين على مستوى المنطقة، ومن أهم هذه العوامل:

الأوضاع الداخلية: إذ تتسم تونس بهشاشة الوضع السياسي والانهيار الأمني منذ الثورة التونسية، مما ساهم بشكل واضح في تنامي التيار الجهادي، نتيجة إطلاق الحريات الدينية التي استغلها التيار الجهادي في نشر أفكاره على أوسع نطاق، وساعده في ذلك وجود موجة جهادية عاتية في المنطقة المحيطة بتونس في أعقاب "الثورات" العربية، ما أعطاه دفعة قوية لتحقيق أهدافه المنشودة وعلى رأسها تكوين دولة إسلامية (جهادية) في تونس.

الهجرة السلفية للفكر الجهادي، وهي ظاهرة اجتاحت منطقة شمال أفريقيا بما فيها تونس في الفترة الأخيرة، حيث تحول العديد من السلفيين إلى الفكر الجهادي، وأخذوا ينضمون إلى التنظيمات الجهادية ويقاتلون تحت رايتها؛ وهذا ما جعل تونس بيئة حاضنة للفكر الجهادي، مما جعلها المصدر الأول للجهاديين في المنطقة، وخرج منها من يقاتلون مع العديد من التنظيمات الجهادية في مناطق مختلفة بالإقليم، خصوصاً في سوريا، لذلك أصبح التيار السلفي في تونس يمثل البوابة الخلفية للتيار الجهادي, والمصدر البشري الأول له، وهو الأمر الذي يثير المخاوف من حدوث هجرة جماعية للتيار السلفي في تونس نحو الفكر الجهادي.

الصراعات الإقليمية، فقد لعبت دوراً مهماً في تنامي التيار الجهادي التونسي، خاصة في ظل تحول الصراعات السياسية في المنطقة إلى صراعات دينية وطائفية، مثل الصراع في سوريا والعراق، وهو ما دفع العديد من الشباب التونسي ذوي التوجهات الجهادية والسلفية، إلى الانتقال إلى بؤر الصراعات، ثم عودتهم مرة أخرى إلى تونس محملين بالأفكار الجهادية التي حرصوا على نشرها بين الشباب التونسي، مما أدى لانتشار الفكر "القاعدي" و"الداعشي" على نطاق واسع في الفترة الأخيرة.

التمدد الجهادي في شمال أفريقيا، والذي جاء نتيجة تعاظم نفوذ التيارات الجهادية الكبرى في المنطقة (أنصار الشريعة، والقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، والمرابطون)، ورغبة هذه التنظيمات في إيجاد معاقل لها في تونس، لذا حرصت هذه التيارات بقوة على نشر أفكارها في أوساط الشباب التونسي، مما ساهم بشكل واضح في تنامي التيار الجهادي في تونس.

ثالثاً: تداعيات محتملة لنشاط التيار "الجهادي" في تونس

من المؤكد أن النشاط المتنامي للتيار الجهادي في تونس، خاصة في ظل حالة عدم الاستقرار الأمني الذي يسود بشكل عام، خاصة في الجنوب، سوف يكون له عدد من التداعيات من أهمها:

التداعيات السياسية: فقد سعى التيار الجهادي التونسي بشكل واضح إلى محاولة زعزعة الاستقرار السياسي في البلاد، عبر ضرب المسار الانتخابي من أجل تعطيله، لأن ذلك - حسب وجهة نظرهم - سيؤدي إلى الفراغ السياسي، ومنه إلى الفوضى التي سيقع استثمارها لصالحهم، وهذا ما دفعهم إلى استهداف المسار الانتخابي بكلّ السبل، خاصة أن استقرار الدولة سيكون حائط صد ضد تحقيق هذه التيارات لأهدافها، التي لا تجيد العمل إلا من خلال حالة الفوضى وعدم الاستقرار، مثلما يحدث في العراق وسوريا واليمن والصومال.

وهنا، يمكن القول إن نجاح التونسيين في إجراء الانتخابات وقبول حزب "حركة النهضة" بنتائجها ربما يشكل عامل ضغط ومقاومة على هذا التيار الجهادي الذي حظي بدعم ضمني من حركة النهضة خلال رئاستها للحكومة.

التداعيات الأمنية: فقد يؤدي انتشار التيارات الجهادية في تونس بأشكالها المختلفة إلى موجة من العنف على الساحة التونسية في الفترة المقبلة، نتيجة تنافس القوى الجهادية المختلفة على تصدر المشهد الجهادي في تونس، حيث إن العلاقة بين هذه التنظيمات هي علاقة تنافسية وليست تعاونية أو تكاملية، بحيث سيحاول كل تنظيم القيام بعمليات أكثر عنفاً من التنظيمات الأخرى، حتى يثبت أنه أكثر "جهاداً"، وأنه أولى بتصدر المشهد، وبالتالي يتمكن من نشر أفكاره وتوسيع نفوذه على حساب التنظيمات الأخرى.

التداعيات الإقليمية: تمثل المصالح الغربية والأمريكية هدفاً مفضلاً لدى كل التيارات الجهادية، بما فيها الموجودة في تونس. وتدرك الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها ذلك الأمر جيداً، وبالتالي فإن زيادة نشاط التيارات الجهادية في تونس تمثل خطراً حقيقياً على تلك المصالح؛ وهو ما سيجعلها تتعرض في الفترة القادمة إلى ضغوط كبيرة من قبل هذه القوى، حتى تصبح مركزاً للعمليات الأمريكية ضد الإرهاب في المنطقة.

ويبدو أن تونس ربما تتجه إلى قبول ذلك الأمر، ولو بشكل غير معلن، خاصة أن الوجود العسكري الأمريكي بدأ يظهر للعلن، بعد تأكيد المدير السابق للمخابرات العسكرية التونسية العميد "موسى الخلفي"، وجود طائرات أمريكية من دون طيار، وعدد من الضباط الأمريكيين في جنوب شرق تونس.

أخيراً، فإن توجه تونس نحو قدر أكبر من الاستقرار السياسي وتعزيز الوضع الأمني، سوف يقلل من فرص تنامي التيارات الجهادية بشكل أكبر مما عليه الآن، ولهذا يحرص التيار الجهادي على بقاء الوضع المضطرب ومنع حدوث أي استقرار في البلاد، لأن حالة الاستقرار ستمثل عائقاً ضد تناميه، وستحول دون تحقيق أهدافه التي أصبحت تتعدى حدود الدولة التونسية. ومن ناحية أخرى، فإن هذا التنامي الجهادي سيمنح القوى الكبرى فرصة الوجود العسكري في تلك المنطقة تحت شعار "الحرب على الإرهاب".