أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

جمود قائم:

إخفاق بايدن وأردوغان في تسوية الخلافات على هامش قمة العشرين

08 نوفمبر، 2021


أعلن البيت الأبيض في 31 أكتوبر 2021، عن لقاء الرئيس بايدن نظيره التركي أردوغان، وذلك على هامش قمة مجموعة العشرين، حيث ناقش الرئيسان عدداً من القضايا الخلافية بينهما، وبالرغم من تأكيد بايدن رغبته في الحفاظ على علاقات بناءة وتوسيع مجالات التعاون بين البلدين وإدارة الخلافات بشكل فعال، فإنه أبدى استنكاره بشأن امتلاك تركيا نظام الصواريخ الروسي "إس – 400"، كما شدد على أهمية وجود مؤسسات ديمقراطية قوية في أنقرة؛ في إشارة إلى تدني مؤشرات حقوق الإنسان التركية.

وفي الوقت الذي أعطت فيه وسائل الإعلام التركية زخماً كبيراً للقاء أردوغان مع بايدن، الذي رفض الاجتماع معه منذ شهر في نيويورك، لكن في المقابل اصطدم هذا الزخم بموقف أمريكي حاد، فقد كذب البيت الأبيض الأخبار التي نشرتها وسائل الإعلام التركي، بشأن منح بايدن وقت إضافي للاجتماع، حيث أعلن البيت الأبيض أن اللقاء دام لمدة 23 دقيقة فقط.

ملفات خلافية ممتدة

جاء اللقاء بين بايدن وأردوغان لمحاولة تجاوز بعض الخلافات في العلاقات الثنائية، والتي يمكن توضيحها على النحو التالي:

1- الخلاف حول منظومة "إس – 400": تبدي واشنطن انزعاجاً من اتجاه أنقرة إلى شراء أسلحة روسية، فقد فرضت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في عام 2019، عقوبات على أنقرة بسبب شرائها أنظمة الدفاع الجوي الروسية إس – 400، حيث استبعدت واشنطن أنقرة من برنامج تصنيع المقاتلات "إف – 35". 

كما هددت إدارة بايدن مؤخراً بفرض عقوبات جديدة على تركيا، حال قيامها بشراء دفعة جديدة من نظام الدفاع الجوي الروسي "إس – 400"، والذي جاء رداً على إعلان أردوغان في 24 سبتمبر الماضي، عن استمرار سعي أنقرة لشراء دفعة ثانية من هذه النظم؛ وهي التهديدات التي دفعت أردوغان إلى عدم المضي قدماً في إبرامها، وهو ما يؤشر إلى سعي أردوغان إلى تجنب تصعيد الخلافات مع واشنطن.

2- أزمة طرد السفراء: كان ملف حقوق الإنسان أحد الأسباب التي أدت إلى توتر العلاقات بين الجانبين، خاصة بعد دعوة سفراء 10 دول، بينها الولايات المتحدة، في بيان مشترك في 18 سبتمبر إلى الإفراج عن الناشط الحقوقي التركي عثمان كافالا، والذي حصل على البراءة في فبراير 2021 من التهم الموجهة إليه بالتورط في إشعال احتجاجات مناهضة للحكومة في عام 2013، غير أن الحكم ألغي وأضيفت إليه تهم أخرى مرتبطة بانقلاب في عام 2016، وأخرى بتأسيس منظمة إرهابية، وهو ما يجعله يواجه حكماً بالسجن مدى الحياة، وهو ما كشف عن حجم تلاعب أردوغان بالقضاء التركي.  

وأثار البيان غضب أردوغان، والذي أعلن أنه أمر بطرد الدبلوماسيين العشرة "بأسرع ما يمكن". لكن لم يصل أي إخطار رسمي إلى الدول المعنية بهذا المعنى. وسعت السفارة الأمريكية في تركيا إلى التهدئة عبر نشر رسالة على "تويتر" مفادها أن "الولايات المتحدة تشير إلى أنها ملتزمة بالمادة 41 من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية"، والتي تنص على احترام قوانين وأنظمة الدولة المستقبلة، بالإضافة لعدم التدخل في الشؤون الداخلية لتلك الدولة، كما نشرت كل من كندا وهولندا ونيوزيلندا رسائل مشابهة في حين أعادت النرويج وفنلندا نشر الرسالة الأمريكية. 

ومن جانبه، تراجع الرئيس التركي حينما أطلعه كبار مستشاريه على التداعيات المحتملة على الاقتصاد التركي وسعر صرف الليرة، وأوصوا الحكومة بعدم اتخاذ خطوة تعني فعلياً طرد السفراء، كما أشار مسؤول أمريكي لوكالة رويترز في وقت سابق، أن اجتماع بايدن وأردوغان لم يكن ليتم لو طردت أنقرة سفير واشنطن، كما هاجم رئيس البرلمان الأوروبي على أردوغان مؤكداً أن هذا التهديد لن يرهب الغرب، وجدد دعوته للإفراج عن الناشط. وهدد مجلس أوروبا أخيراً أنقرة بعقوبات يمكن إقرارها خلال دورته المقبلة التي ستعقد بين 30 نوفمبر والثاني من ديسمبر، إذا لم يتم الإفراج عن المعارض حتى ذلك الحين. 

3- التصعيد ضد أكراد سوريا: تقدم واشنطن دعماً عسكرياً لوحدات حماية الشعب في شمال شرق سوريا؛ والتي تصنفها تركيا جماعة إرهابية، فيما تزعم واشنطن بأن هذه الوحدات تساهم في الحرب ضد تنظيم داعش الإرهابي. وأعلنت تركيا في أكثر من مرة خلال الفترة الماضية أنها سوف تشن هجوماً على الأكراد، وهو الأمر الذي لاقى رفضاً من جانب روسيا والولايات المتحدة، وهو ما أغضب أنقرة، وأحبط خططها الرامية للتدخل في شمال سوريا.

صعوبة تجاوز الخلافات 

على الرغم من إعلان الرئاسة التركية ووسائل الإعلام التركية عن إيجابية اجتماع بايدن وأردوغان، من خلال تعهدهما بتعزيز العلاقات الثنائية ووضع آلية مشتركة بهذا الصدد، مع التشديد على أهمية تعاونهما في إطار حلف الناتو، فإن توتر العلاقات بين الجانبين لايزال قائماً، خاصة مع عدم إعلان واشنطن عن أي نتائج مثمرة للاجتماع، وهو ما يتضح في التالي: 

1- استمرار أزمة المقاتلات: أوضح الرئيس الأمريكي خلال الاجتماع مع أردوغان أن طلب أنقرة الحصول على مقاتلات "إف – 16"، مقابل المبلغ الذي دفعته من قبل للحصول على مقاتلات "إف – 35"، لن يكون أمراً سهلاً، مبرراً ذلك بأن الأمر مرهون بموافقة الكونجرس الأمريكي؛ فيما جدد قلق واشنطن من شراء تركيا صواريخ "إس – 400" الروسية، التي عرضتها لعقوبات بموجب قانون مكافحة أعداء الولايات المتحدة "كاتسا". 

وتشير المعطيات الراهنة إلى عدم سهولة موافقة الكونجرس على هذه الصفقة، فقد حث أعضاء من الكونجرس الأمريكي إدارة بايدن على عدم بيع تلك الطائرات لتركيا، كما وجه 41 عضواً في الكونجرس رسالة رفض إلى وزير الخارجية الأمريكي، مطالبين الوزير بتقديم مزيد من المعلومات حول الطلب التركي بذات الشأن.

2- استمرار الخلاف حول حقوق الإنسان: أبدى بايدن استنكاره مجدداً من ملف حقوق الإنسان في تركيا خلال اجتماعه بأردوغان. ودعا أنقرة إلى الالتزام بتنمية المؤسسات الديمقراطية القوية واحترام حقوق الإنسان وبمبدأ سيادة القانون، حيث أعلن مسؤول بالإدارة الأمريكية عشية اللقاء، أن بايدن سيحذّر أردوغان من تصعيد الأزمات فيما يخص حقوق الإنسان في بلاده.

3- رفض واشنطن التدخل العسكري التركي: أعلن أردوغان في مطلع نوفمبر أن بلاده مستعدة لشن عملية عسكرية جديدة في سوريا، حال اقتضت الضرورة ذلك، كما أكد أنه لن يتراجع عن شن العملية، غير أن أردوغان عبّر عن أسفه خلال اجتماعه مع بايدن من الموقف الأمريكي، في إشارة إلى استمرار دعم واشنطن لأكراد سوريا، ورفض واشنطن منح الضوء الأخضر لأردوغان لشن هجوم عسكري ضدهم.

وأكدت وزارة الدفاع الأمريكية في 3 نوفمبر الجاري، أن الولايات المتحدة لم تغير موقفها من التعاون مع وحدات حماية الشعب الكردية، واستمرار مهمة الجيش الأمريكي هناك، والتي ترتكز على تجفيف منابع داعش.

4- محاولة البحث عن حلول وسط: أعلن البيت الأبيض تأكيد الرئيس الأمريكي رغبته في استعادة العلاقات وتوسيع مجالات التعاون مع تركيا، كما أوضح بيان للرئاسة التركية أن ثمة انطباع إيجابي خيمت على المباحثات التي جرت خلال الاجتماع، وأنه تم الاتفاق على تشكيل آلية مشتركة تبحث عن حلول للمشكلات العالقة والملفات المختلف عليها وتعزيز العلاقات، إلا أن ما سبق يكشف عن وجود حرص أمريكي – تركي للتوصل لمساومات أو حلول وسط في القضايا الخلافية، وإن لم يتمكنا بعد من بلورة موقف واضح حولها. 

ومن جهة أخرى، تسعى أنقرة للترويج بإيجابية اللقاء في محاولة للضغط على روسيا فيما يخص الملف السوري، خاصة عقب لقاء أردوغان ببوتين الشهر الماضي، والذي جاء مخيباً لأمال تركية؛ حيث لم يتم تحقيق أي تفاهمات حول الوضع في إدلب، ما قد يدفع بأنقرة لمحاولة استعادة الدعم الغربي في مواجهة موسكو، حتى لا تضطر أنقرة إلى تقديم تنازلات لروسيا.

وفي الختام، يلاحظ أن لقاء بايدن وأردوغان لم ينجح في تسوية الملفات الخلافية بين الطرفين، وإن بدا أن هناك نية لمحاولة حلحلة هذه القضايا الخلافية مستقبلاً، وفي حين أنه يصعب التكهن بمصير صفقة "أف – 16"، فإنه الواضح أن إمكانية توافق واشنطن وأنقرة حول تدخل عسكري ضد الأكراد لايزال أمراً مستبعداً، أما فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان، فإنه من الواضح أن واشنطن سوف تكتفي بإدانة تدهور الأوضاع الحقوقية في تركيا من دون أن تتخذ أي خطوات أخرى تتجاوز الإدانة الدبلوماسية، وبصورة تساعد على ضمان عدم تحولها إلى ملف آخر يؤثر سلباً على العلاقات الثنائية، والتي لايزال يحكمها التوتر.